الرئيسية

الدخول المدرسي.. الكابوس السنوي للمغاربة

على طول شارع الداخلة، بجوار مدرسة تحمل نفس الإسم بمدينة سوق السبت، تنتصب خيام باعة الكتب، هذا مشهد سنوي يعود مع بداية الدخول المدرسي، ما يتغير هو ملامح الناس وتعبيرات وجوههم حين يخبرهم الباعة بمبلغ الفاتورة، هذا ما حدث مع أحمد الذي كان محرجا أمام طفليه، وهو ما دفعه إلى شراء قسط من اللوازم المدرسية على أن يتم الباقي حين تتيسر الظروف، هوامش تعقبته وتحدثت إليه.

محمد الحراق

العودة الدراسية.. عود على بدء الأزمة

تشكل العودة إلى المدرسة، مع بداية كل موسم، حدثا عائليا اجتماعيا واقتصاديا مهما، وفارقا في حياة كل الأسر المغربية، غير أن الدخول المدرسي لهذه السنة يظل حدثا استثنائيا لما يطبعه من غلاء الأسعار وتصاعد تكاليف الدراسة والتدهور المتواصل لمستوى عيش الأسر، وبحثها الدائم عن تعليم جيد بين الخصوصي والعمومي ولو كان على حساب متطلبات أخرى.

 بينما يعانق فيه الصغار أصدقاءهم، ويعودون لمقاعد الدراسة بفرح وسرور، هناك أسر تعاني صعوبات كبيرة من أجل توفير الكتب واللوازم المدرسية لأبنائها، بل منها من يتخلى عن فكرة تدريس الأبناء كليا تحت ضغط الفقر والحاجة، مما يسهم في ارتفاع نسبة الهدر المدرسي التي تقدرها الإحصائيات الرسمية بأزيد من 300 ألف طفل وشاب يغادرون المدرسة كل سنة.

ورغم تأكيد وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، أن أثمنة الكتب المدرسية لن تعرف أي زيادات هذه السنة بسبب تدخل صندوق المقاصة من خلال إقرار دعم مباشر للناشرين، فإن الأسر المغربية لم تخف تذمرها من غلاء الكتب واللوازم المدرسية، وخضوعها لابتزاز المضاربين والباعة الموسميين الذين ينتشرون في الشوارع والأزقة، مع بداية كل موسم دراسي، في ظل غياب لجان مراقبة الأسعار وزجر المخالفات، وتراخي السلطات المختصة.

نار الأسعار تحرق الأسر 

يشتكي أغلب أولياء التلاميذ، ممن التقتهم هوامش خلال إعدادها لهذه الورقة، من غلاء أسعار الكتب واللوازم المدرسية وتقاربت رؤيتهم حول هذا الوضع، وحملوا الحكومة المسؤولية الكاملة في حماية القدرة الشرائية للمواطنين.

أحمد، مياوم وأب لطفلين، يدرسان في مستويات الرابعة ابتدائي والسادسة ابتدائي، عبّر لهوامش عن تذمره من ارتفاع أسعار اللوازم المدرسية مقارنة بالسنة الماضية، يقول “إلى حدود اللحظة لم أقتنِ كل ما بقائمة المستلزمات من الكتب واللوازم المدرسية لأبنائي، وعليّ تأمين الباقي”.

ثم يضيف “الأسعار ارتفعت هذه السنة بشكل قياسي، والبسطاء يؤدون فاتورة غالية مع بداية كل دخول مدرسي، ويتحملون أعباء المصاريف في ظل الفقر، وغياب فرص شغل، ومدخول يومي يؤمن الحد الأدنى للعيش الكريم”.

ويتساءل أحمد وعلامات السخط بادية على وجهه، “من يحمي الفقراء من غلاء الأسعار، ومن جشع التجار والباعة الموسميين ومن الفوضى التي تعم بداية كل موسم دراسي؟”. 

أما مليكة، عاملة في شركة للنظافة وأم تلميذ في المستوى الإعدادي بمؤسسة خاصة، فتتقاسم مع أحمد نفس الرأي، وترى أن أسعار اللوازم المدرسية تتجاوز القدرة الشرائية للمواطنين المتضررة في الأصل بفعل ارتفاع تكاليف المعيشة اليومية، وغياب فرص شغل ومداخيل تضمن الحد الأدنى للعيش بكرامة.

“لم يعد بمقدوري اليوم تأمين مصاريف المدرسة لابني الوحيد، فالإنفاق على دراسته أصبح يكلفني الشيء الكثير، ويأخذ حيزا كبيرا من المصاريف اليومية” تقول مليكة دون أن تخفي قلقها من المستقبل، وتتابع وهي تتأسف على حال المدرسة العمومية “تكاليف الدراسة بالتعليم الخصوصي جد مرتفعة، وليس أمامنا من خيار، لأن التعليم العمومي لم يعد يقدم النتائج التي نأمل”. 

وإذا كانت الكلفة الدراسية، أصبحت تثقل حتى كاهل الطبقة المتوسطة التي تفضل تدريس أبنائها في المؤسسات الخصوصية، وتعرف صعوبات في توفير المستلزمات المدرسية، خاصة إذا كان للأسرة أكثر من تلميذ، فيمكن تخيل وضع الأسر المحدودة الدخل الغارقة في وحل الأزمة الاجتماعية. 

الحكومة : تدخلنا لتخفيف العبء

في 18 غشت الماضي أكدت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، في بلاغ صحفي، أن أسعار الكتب لن يطرأ عليها أي تغيير، خلال الموسم الدراسي 2022-2023، بعد توقيعها لقرار مشترك مع وزارة الاقتصاد والمالية يقضي بتخصيص آلية لدعم ناشري الكتب المدرسية. 

ويمنح القرار “بشكل مباشر دعما ماليا لناشري الكتب المدرسية الموجهة إلى المستويات التعليمية بالسلك الابتدائي والإعدادي والثانوي، والتي يتم إنتاجها خلال سنة 2022 وفق قائمة كتب مدرسية معينة محددة من طرف الوزارة”، حسب البلاغ. 

وأوضحت الوزارة في ذات البلاغ، أن نسبة الدعم تم حصرها في 25 في المائة من السعر المخصص لبيعها، على أن يتولى صندوق المقاصة صرف هذا الدعم، بعد قيام الوزارة بدراسة ملف كل ناشر حسب أعداد الكتب التي قام بطبعها وتوزيعها سنة 2022. 

وخلال الندوة الصحفية التي عقبت المجلس الحكومي، الخميس الماضي، ذكر الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس أن “الناشرين كانوا سيقرون زيادة في الكتب نظرا لارتفاع سعر الورق، إلا أن الحكومة تدخلت بتحمل فارق الزيادة الذي كانت ستؤديه الأسر المغربية”.

وكشف بايتاس، أن “الحكومة خصصت من خلال صندوق المقاصة 105 ملايين درهم، لدعم الكتب المدرسية حتى لا تشهد أثمنتها أي زيادة”، مشيرا إلى أنها ستراقب أسعار الكتب المدرسية في جميع نقاط البيع.

لكن أحمد الذي التقته هوامش في أحد الأسواق الشعبية لبيع الكتب، وهو يهم باقتناء الكتب واللوازم المدرسية لأبنائه، صرح لهوامش أنه يجهل كليا إجراءات الحكومة في هذا الباب، وما يشعر به هو غلاء الأسعار وبتعبيره “العافية شاعلة”.

ويرى بوعزة الخراطي، رئيس “الجامعة المغربية لحقوق المستهلك”، أن اللوازم المدرسية عرفت ارتفاعا كبيرا، خاصة أن أثمنة الورق التي شهدت هي الأخرى ارتفاعا في السوق العالمي، مما انعكس على السوق الداخلي، وأثر سلبا على القدرة الشرائية للأسر المغربية، مشيرا إلى أن المغرب لم تعد له سيادة في هذا الميدان بعد بيع معمل السيلولوز المختص في عجين الورق. 

وقال الخراطي،  في تصريح لهوامش، إن “ارتفاع الأثمان الذي عرفته اللوازم المدرسية غير مبرر، فهي غير مقننة مثل الكتب المدرسية، وتبقى الأسعار حرة وخاضعة للمنافسة، لكن هذا لا يعني أن تتجاوز الأسعار السقف المعقول”، مؤكدا على أن الدستور المغربي ينص على الحق في التعليم، لكن ارتفاع الأسعار يشجع على الهدر المدرسي.

كتبيون يشتكون

طالب الكتبيون الجهات الوصية على القطاع بالتدخل من أجل دعم المكتبة المغربية هي الأخرى في محنتها، وحمايتها من العشوائية وسوء التدبير، باعتبارها شريكا أساسيا في المدرسة المغربية، وجاءت هذه المطالب عقب الإعلان عن القرار المشترك بين وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي ووزارة الاقتصاد والمالية، بعد أن استثنى فئة الكتبيين من الدعم العمومي.

وإذا كان قرار الحكومة دعم ناشري الكتب المدرسية قد خلف ارتياحا لدى هذه الفئة، ولدى بعض الأسر المغربية، لتفادي الزيادة في أثمنتها، فإن الكتبيين اعتبروا أن دعم الحكومة اقتصر فقط على كتاب التعليم العمومي، أما الكتاب المستورد المعتمد بالتعليم الخصوصي وكتاب التعليم الأولي والأدوات والمحافظ والدفاتر وباقي المستلزمات، لم يشملها أي دعم من طرف الحكومة، بل خضعت لزيادة كبيرة ومكلفة لأولياء أمور التلاميذ. 

وانتقدت الجمعية المغربية للكتبيين، عدم تقنين تسعيرة الكتاب المستورد المقرر بالمدارس الخصوصية الذي يعرف زيادة كل موسم مدرسي جديد بـ 5 إلى 25 في المائة عند أغلب المستوردين، وسجلت الجمعية ارتفاع أثمان اللوازم المدرسية بنسبة تراوحت ما بين 40 و110 في المائة، مشيرة إلى تأخر انطلاق عملية توزيع الكتاب المدرسي العمومي الذي يعرف نقصا حادا ولا يغطي طلبيات الكتبيين المحليين، والمشاركين في مبادرة مليون محفظة التي تغطي ما يقرب من 3 ملايين و600 ألف تلميذ في إطار صفقات عمومية أقصت كتبيي القرب من الاستفادة منها. 

لكن ورغم ما تصدره مديرية المناهج في شأن العناوين المشمولة بالتغيير، يتفاجأ الكتبي عند كل موسم جديد بإصدار طبعات جديدة ومنقحة، وهذا ما يجعل الكتبي يعيش محنة مع المخزون الذي يتغير كل سنة، ويخلق اصطداما مع الزبناء، الذين لا يقبلون الطبعات القديمة.

وفي هذا الصدد يقول رشيد، صاحب مكتبة، في تصريح لهوامش “تغيير وتنقيح المقررات يساهم دائما في خسارة الكتبيين، حيث تتراكم الطبعات القديمة في الرفوف كل سنة، والخطير في الأمر أنه لا يتم الإعلان عن ذلك”.

ثم يضيف “هناك العديد من الممارسات التي تضر بنشاط الكتبيين وتساهم في خنق المكتبات، التي تعاني طيلة السنة من مصاريف الكراء والضرائب، دون تدخل الجهات المسؤولة لتصحيح الوضع واحترام وظيفة الكتبي الاجتماعية ومساهمته في تطوير المدرسة المغربية”. 

وطالب رشيد الجهات المسؤولة بالتدخل لإيقاف الفوضى التي يعرفها القطاع بداية كل موسم دراسي، معتبرا أن مهنة الكتبي تخضع لضوابط قانونية وينظمها القانون، لكنها بتعبير رشيد أصبحت مهنة من لا مهنة لهم، في إشارة إلى الباعة الموسميين الذين ينتشرون في شوارع وأزقة المدن بداية كل موسم دراسي. 

وفي ما يشبه الرد على رشيد يقول عبد المولى، وهو طالب حاصل على الإجازة في علم الاجتماع، وبائع موسمي للكتب، في تصريح لهوامش ” دأبت على ممارسة هذا النشاط منذ أزيد من 6 سنوات، ويشكل الموسم الدراسي لبعض الشباب المعطل فرصة من أجل البحث عن لقمة العيش ومساعدة الأسر في مواجهة تكاليف المعيشة”. 

واستطرد عبد المولى “أغلب الذين يمارسون هذا النشاط اليوم يقتصرون فقط على بيع اللوازم المدرسية والمقررات القديمة”، مؤكدا أن “اقتناء الكتب المدرسية وإعادة بيعها يعد مغامرة غير محسوبة العواقب، لذلك نتجه فقط لبيع اللوازم المدرسية التي شهدت أسعارها ارتفاعا ملحوظا هذه السنة”.

وتابع المتحدث “الباعة الموسميون يساهمون في تخفيف الضغط على المكتبات خلال هذه الفترة، وهامش الربح يبقى بسيطا مقارنة مع ما يجنيه تجار الجملة الذين يظلون المستفيد الأول من ارتفاع الأثمان في ظل وضع الاحتكار وسيطرتهم على الأسواق”. 

نفقات التمدرس ترتفع ..حقائق الأرقام

في آخر تقرير لها والمعنون بـ “مختصرات التخطيط”، والذي نشر بداية شهر شتنبر الجاري، سجلت المندوبية السامية للتخطيط، بأن نفقات التمدرس تضاعفت أكثر من ثلاث مرات بين سنتي 2001 و2019، منتقلة من 1.277 درهما في 2001 إلى 4.365 درهما في 2019.

وأشارت المندوبية، إلى أن حجم تلك النفقات ضمن ميزانية الأسر، خلال الفترة ذاتها، انتقل من 1,6 إلى 4,8 في المائة على المستوى الوطني، ومن 0,7 إلى 2,2 في المائة بالوسط القروي، ومن 2 إلى 5,6 في المائة بالوسط الحضري.

وحسب نفس المصدر فإن النفقات ارتفعت سنويا بنسبة 7,6 في المائة لكل متمدرس بالوسط القروي و11,9 في المائة بالوسط الحضري، أي ما يعادل 6,5 في المائة على المستوى الوطني.

وفي هذا الإطار، يرى محمد الوالي عضو المكتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم- التوجه الديمقراطي، أنه بالنظر للاختيارات الاقتصادية التبعية للمغرب، وتداعيات أزمة العلاقات الإقليمية مع دول الجوار وإخفاق المغرب في تأمين الطاقة الضرورية، وتعمق الأزمة الاجتماعية بالمغرب بشكل غير مسبوق وانزلاق الطبقة المتوسطة إلى عتبة الفقر، فإن الرقم الوارد في تقرير المندوبية السامية للتخطيط المحدد في 4.8 % من الميزانية السنوية للأسر المغربية كمعدل إنفاق على تمدرس أبنائها، بعيد عن الواقع المعاش.

وقال المسؤول النقابي في تصريحه لهوامش إن “ميزانية التعليم شأنها شأن باقي القطاعات الاجتماعية، عرفت تراجعا بعد فتور حركة 20 فبراير وتملص الدولة من التزاماتها في مجال الخدمة العمومية، لكنها عادت للارتفاع النسبي مؤخرا غير أنها تبقى دون معدلات الإنفاق الدنيا والضرورية لتحقيق أهداف التنمية، وفق ما نصت عليه توصيات الأمم المتحدة وحدّدتها في 6% من الناتج المحلي الإجمالي و20 في المائة من الميزانية العامة للدولة على الأقل”.

ويرى الوالي أن الأعباء التي تتحملها الأسر المغربية في هذه الظرفية الدقيقة، قلصت زبناء التعليم الخصوصي بالنظر لغياب الجودة وارتفاع تكاليف التمدرس. وتبقى نسبة 13% التي يغطيها القطاع الخصوصي مرتفعة قياسا إلى الوضع الاجتماعي لجل الأسر المغربية المتأرجحة بين مدخلين لقطاع حيوي وأساسي لا يوفران الجودة المطلوبة إلا في درجات استثنائية.

وخلص الوالي إلى القول إن “التزام المغرب بضمان الحق في التعليم في كافة المستويات، وفق ما ورد في ديباجة القانون الإطار 17-51 وفي نص الدستور الفصل 31 يصطدم بالخوصصة المتسارعة، وبيع المؤسسات العمومية وتفويتها وفرض رسوم للتمدرس وتخريب ممنهج للقطاع واستهداف أسسه القيمية لا سيما بعد الحملات المنظمة لضرب مصداقية الشهادات العلمية من خلال حملات “التغشيش” المنظمة خلال امتحانات الباكالوريا وغيرها من الامتحانات بالمعاهد”.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram