حسناء عتيب
بعد سنوات من تصدر التلميذات لامتحانات الباكلوريا، سجل التلميذ زيد لحروسي من مدينة الدار البيضاء، أعلى معدل عام على المستوى الوطني في امتحانات الباكالوريا برسم الموسم الدراسي 2021- 2022، بحصوله على 19,44 من 20.
وعلى الرغم من تحقيق لحروسي لأعلى نتيجة في امتحانات البكالوريا في السنة الدراسية المنتهية، فإن أكثر النتائج المتفوقة عادت إلى التلميذات، وتراوحت بين 18.61 من 20، و19.41 من 20، حيث شكلن 7 من بين العشرة الأوائل في امتحانات الباكلوريا، من مجموع الممتحنات اللواتي اجتزن هذا الاختبار بنسبة نجاح 70.87%.
حسب النتائج التي أعلنتها وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، احتلت التلميذة “هدى نعناع”، من جهة الرباط سلا القنيطرة، الرتبة الثانية وطنيا، بعد زيد الحروسي من مدينة الدار البيضاء بشعبة العلوم الفيزيائية، خيار فرنسية، حيث حصلت نعناع على معدل 19,41، برسم الموسم الدراسي الحالي 2021-2022.
أما التلميذة “أمينة هنيد” شعبة علوم رياضية خيار فرنسية، فقد حصلت على أعلى معدل في امتحانات البكالوريا بجهة مراكش- قلعة السراغنة، بمعدل عام بلغ 19.37 .
وتمكنت التلميذة “منار لهراوي” من مدينة وجدة، من الحصول على المرتبة الأولى في امتحانات الباكالوريا بجهة الشرق، بمعدل 19.21 شعبة العلوم الفيزيائية – خيار فرنسية.
وعلى صعيد الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة سوس ماسة حصلت التلميذة “دعاء الأمين” على معدل 19.14 .
وحصلت التلميذة “هبة شباكي” بثانوية الداخلة التأهيلية بمديرية خريبكة – بمسلك العلوم الفيزيائية – على أعلى معدل على المستوى الجهوي19.03 بالتعليم العمومي.
التلميذة “هند أبا” حصلت على معدل 18.86 وهو أعلى معدل بجهة درعة تافيلالت، وهي تقطن بمدينة ميدلت، و تتابع تعليمها بشعبة العلوم الفزيائية، خيار فرنسي.
كما تمكنت التلميذة “إحسان كوجان” من الحصول على أعلى معدل عام في الباكالوريا 18.75على مستوى الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة كلميم وادنون، شعبة العلوم الفيزيائية- خيار فرنسية
و تصدرت التلميذة “هاجر ميموني” نتائج البكالوريا بجهة الداخلة وادي الذهب، وهي تتابع ميموني دراستها في مؤسسة خاصة بمدينة الداخلة – مديرية العيون، تخصص علوم فيزيائية باللغة الفرنسية، على معدل 18.61.
فيما تمكنت التلميذة “السلامي مريم” مسلك الثانية باكالوريا علوم اقتصاد، من الحصول على أعلى معدل عام على صعيد جهة العيون الساقية الحمراء بلغ 18.54 من 20.
تفوّق الفتيات على أقرانهن في المدرسة لم يأتِ من فراغ، بل تفسّره مجموعة من العوامل، وهي بالأساس عوامل اجتماعية وثقافية وتربوية، وتتعلّق بالتربية التي تتلقّاها الفتاة منذ طفولتها تجعلها أكثر قابليةً للانتباه والتنظيم وإتمام الواجبات وحسن الإصغاء وإتباع التعليمات بدقة”.
و يوضّح المتخصّصون في علم الاجتماع أن نوعية التربية التي تتلقّاها الإناث، المختلفة جذريا عن نظيرتها التي يتلقاها الذكور، تجعل الفتيات يتعوّدن على نوع من الانضباط في السلوك، ما يجعلهن بالتالي أكثر انضباطا من التلاميذ في المدرسة.
تكشف العديد من الدراسات الحديثة أن هناك صور نمطية سائدة بين البالغين. وقد أجرت مثلا Médiaprism استطلاعا في 2011 و 2012. ويعتقد غالبية البالغين الذين تم سؤالهم (62٪) أن هناك خصائص خاصة بالفتيات وأخرى خاصة بالفتيان. وبالتالي فإن 18٪ من المستجيبين يعتقدون أن أدمغة البنات والأولاد مختلفة. أو 30٪ من الرجال والنساء يجيبون بـ “نعم” على سؤال عما إذا كان الأولاد أفضل بشكل طبيعي في الرياضيات والعلوم والبنات أفضل في الحروف ؛ أو ، بنسب مماثلة ، أن النساء أقل قدرة على التجريد من الرجال حسب الدراسة التي أجرتها ماري ديروبلا Marie Duru-Bellat حول “مدرسة النوع” .
وتقول الباحثة إنه لا يوجد سبب يدعو اختصاصيي التوعية إلى الهروب من قبضة هذه الصور النمطية. وفي الواقع، تُظهر جميع الأبحاث أنها تلقن يوميا في الفصول الدراسية. إذ يتلقى الطلاب قدرًا كبيرًا من المعلومات حول السلوكيات التي تعتبر مناسبة اجتماعيًا لجنسهم. وتمر حسبها “من خلال توقعات المعلمين ومن خلال التفاعلات التربوية”، وكذلك من خلال التواصل مع الأقران.
ورغم أن المجتمعات التقليدية تعتبر المرأة في ”المرتبة الثانية” في المجتمع، إلا أن الأرقام بينت عكس ذلك، إذ تصدرت المرأة عددا من الميادين، خاصة نسب الولوج إلى المدارس العليا، ومجال الطب، والبيولوجيا وعلم الاجتماع والفلسفة، وهي مسيرة صراع طويل مع الثقافة الذكورية المتحكمة في دوليب المجتمع والسياسة والثقافة.
وقد لا يفهم البعض كيف تمكنت الفتيات من تحقيق هذه النتائج في مجتمع كن يعانين فيه حتى وقت قريب من أجل ولوج المدرسة، وما زلن في العديد من المناطق، النائية بالخصوص، ويكابدن من أجل متابعة تعليمهن، غير أن عددا من المختصين يعتبرون تلك الظروف بمثابة محفزات ساهمت في تحقيق هذا التفوق.
نرى اليوم أن أداء الفتيات أفضل من أداء الأولاد في المدرسة. هل هذه ظاهرة جديدة حقًا؟ هكذا سألت ماغتين فورني في مجلة “العلوم الاجتماعية” الفرنسية في حوار أجرته سنة 2005.
“لقد بينت الأبحاث الرائدة مثل بحث كريستيان بودلوت وروجر إستابلت منذ ثمانينيات القرن الماضي أنه من الممكن القطع مع هذا “الخطاب البائس” إلى حد ما، والذي أكد منذ فترة طويلة على الدونية الأكاديمية للفتيات” كما أجابتها الباحثة في علم الإجتماع كاترين ماري.
وتقول مجلة “العلوم الإجتماعية” الفرنسية في حوار أجرته ماغتين فورني Martine Fournier مع الباحثة كاترين ماري Catherine Marry في العدد 4 من مجلة “العلوم الإنسانية” الفرنسية إننا نعلم اليوم أن نجاح الفتيات ظاهرة قديمة لم نكن نعيرها أي اهتمام. فبمجرد فتح المدارس الابتدائية لهن، أثبتن أنهن الأفضل: في بداية القرن العشرين، كانوا بالفعل أكثر احتمالا من الأولاد للحصول على الشهادة المدرسية. بعد الحرب العالمية الثانية، استطاعوا اللحاق بالأولاد ثم فاق عددهن في التعليم الثانوي والعالي. وعندما انتشر التعليم المختلط تدريجيًا في الستينيات، تندفع الفتيات إلى المدارس ويحصلن على نتائج أفضل. اليوم مهما كانت الدورات باستثناء أقسام معينة فهن الأفضل دائما.
ويفسر الباحث في علم الاجتماع عبد الصمد راجي، في تصريح لـمنصة “هوامش” : أن الفتيات في الغالب يكنّ أكثر انضباطا وتركيزا ودقة من الأولاد”، وذلك راجع إلى عدة عوامل، من بينها طريقة التربية والتعامل مع الجنسين، التي تدفع الفتاة إلى اعتبار أن “مستقبلها رهين بإثبات مكانتها عن طريق التفوق في الدراسة والعمل”.
بالإضافة إلى ذلك يوضح راجي أن الفتيات يحظين بتتبع دائم من طرف أسرهن بالمقارنة مع الذكور، ليس في المدرسة فحسب، بل في مختلف مناحي الحياة.
ما يجب استحضاره أيضا لتفسير هذا الأمر، بحسب راجي، هو أن تمكن الفتيات اليوم من التمدرس والعمل والمشاركة في مختلف مناحي الحياة العامة، “هو نتيجة لتاريخ طويل من النضال داخل المجتمع المدني كما هو نتيجة للعديد من التشريعات”، في الوقت الذي يعتبر الرجال كل ذلك بمثابة “حق مكتسب”.