الرئيسية

تحقيق: يوم الجمعة الدامي.. القصة الكاملة لما جرى عند السياج الفاصل بين الناظور ومليلية

صباح يوم الجمعة 24 حزيران/ يونيو، لم يتوقع أحد، سواء في الناظور أو في مليلية ولا في مآوي المهاجرين بجبل "كوروكو"؛ هذه النتيجة المأساوية التي حدثت عند السياج الفاصل، عندما هاجمته مجموعة من المهاجرين قوامها حوالي ألفي مهاجر على شكل موجةٍ بشرية هادرة، وضعت نصب عينيها الوصول إلى الجهة الأخرى.

الناظور- “هوامش”| سعيد المرابط: 

الناظور.. بداية الحكاية

في ذلك اليوم الأسود، ظلت المأساة مخفية لساعات طويلة، فمنذ الساعات الأولى من الصباح حتى الرابعة بعد الظهر، ساد الصمت من جانب السلطات المغربية، حيث لم يعرف أحد على وجه اليقين؛ ما إن كان هناك قتلى أو جرحى، لا شيء غير الصمت المريب.

لم يكن من خبر سوى ما تتداوله صحافة الدولة “القشتالية”، “شن أكثر من 1500 مهاجر، هجومًا على سياج مليلية صباح يوم الجمعة؛ من خلال الهجوم على نقطة الحدود”.

في الساعات الأولى من الصباح، تظهر صور التقطت من مروحية مغربية، مئات المهاجرين ينطلقون في مسيرة، والهدف: السياج الفاصل بين الناظور ومليلية، بـ”الحي الصيني”، (باريو تشينو)، كما يطلق عليه السكان هنا.

إنه أقدم وأسهل معبر بين المدينتين على ما يبدو،  وتؤكد السلطات المغربية أن “المهاجمين” حسب وصفها؛ “هاجموا بطريقة منظمة وبتكتيكات الميليشيات”.

سقط البعض منهم عندما تسلقوا جزءً من هذا السياج الحديدي، بينما كانت الشرطة تطلق الغاز المسيل للدموع، فيما نجح آخرون في الصعود إلى أعلى السياج بوسائل بدائية للتسلق كانت لديهم.

في الناظور، فتشت “هوامش” عن كل الخيوط، التي يمكن أن تقود إلى الرواية الكاملة لما جرى، وحسب المعطيات التي استقتها من مصادرها هناك، فإن “الاقتحام كان ردة فعل للمهاجرين على ما جرى قبل ذلك اليوم”.

يقول عمر ناجي، عضو “الجمعية المغربية لحقوق الانسان”، لـ”هوامش”، أن سلطات الناظور، حاصرت المهاجرين هناك بشتى الطرق، “منعت على التجار والباعة المحيطين بالجبال التي يعيشون بها، بيع أي طعام أو شراب لهم”.

هذا الكلام، وثقته الفيديوهات التي صورتها السلطات المغربية، ونشرتها في البداية وسائل إعلام مقربة منها، وفيها يظهر ما جرى يوم الخميس، اليوم السابق للمأساة، وكذلك هجوم المهاجرين غير النظاميين على السياج. 

ويضيف الناشط المتابع لملف الهجرة بالمنظمة الحقوقية، “يوم الخميس هاجمت القوات الأمنية مخيمات المهاجرين بجبل كوروكو”.

سعيد الطبل، ناشط حقوقي بـ”الجمعية المغربية لحقوق الإنسان”، التقته هوامش في الوقفة الاحتجاجية التي دعت لها منظمات غير حكومية، للتنديد بما جرى للمهاجرين والمطالبة بتحقيق في الأمر، يرى أن وراء أكمة الجمعة السوداء، ما وراءها.

ويقول الناشط المتخصص في شؤون الهجرة، “الأمر مدروس وبصمة السلطات فيها واضحة، ليظهر المغرب لإسبانيا أنه يحرس الحدود بنجاعة”.

ويؤكد الطبل أنه “لا يعقل ألا يرصد قدوم المهاجرين من الغابة، خصوصًا وأن السلطات تتحرش بهم على مدى ثلاثة أيام قبل ذلك”.

ويشدد على أن الصور التي تم توزيعها من السلطات “تظهر النية المبيتة، فليس من السهل التقاطها بتلك الامكانيات إن لم تكن على بإعداد مسبق”.

نفس الكلام، أكده مهاجر مقيم بالمغرب بشكل نظامي، عبر تطبيق التراسل الفوري “واتساب” لـ”هوامش”، “كانت هناك بالفعل اشتباكات بين الشرطة والمهاجرين بأحد الجبال، على بعد خمسة كيلومترات من المدينة”.

“لقد كان المهاجرون مجانين، لأنهم طُردوا من كل مكان”، يضيف المتحدث، وهو مسؤول عن مهاجرين من دولة من جنوب الصحراء يقيم بالناظور.

طلبت منه “هوامش” رقم مهاجر من الذين شهدوا الاقتحام، فكان هذا رده، “ليس لدي اتصال مباشر مع أي شخص كان على الحاجز، المشكلة إذا أعطيتكم رقم أي مهاجر دون إذن فلن يرد عليك، وإذا علم أنني من أعطيتكم الرقم فأنا أخاطر بفقدان ثقته كما أخاطر بفقدان ثقة الآخرين، أنا آسف حقًا أود مساعدتكم ولكن الأمر معقد في الوقت الحالي، أتمنى أن تفهموني”، تفهمنا ذلك واحترمنا رغبته، ثم أكملنا البحث.

جبل “كوروكو”.. قاعًا صفصفًا 

يوم الأحد، تحديدًا يومين بعد المأساة، وبعد بحث “هوامش” عن مهاجرين في جميع الأماكن الممكنة بالناظور، وبعد فقدان أثرهم، بدا البحث بلا جدوى، كأن الأرض انشقت وابتلعتهم.

بعد تفكير طويل، قرر معد هذا التحقيق، الصعود إلى الجبل الشهير للمهاجرين بالناظور، بحثًا عن المهاجرين في مأواهم الأثير، في نقطة الانطلاق للهجوم على السياج الفاصل، وهي في العادة عملية روتينية يقومون بها بين الفينة والأخرى للوصول إلى مليلية، غير أن هذه المرة كانت بأعداد كبيرة جدا على غير المعتاد.

من جبل كوروكو.. رسومات العابرين

في هذا الجبل، الذي يطل على مدينة مليلية المحتلة، لم نجد سوى بقايا آثارهم، رماد نارٍ ربما كانت للطبخ أو التدفئة، علب طعام ومشروبات، ملابس بالية وأحذية مهترئة؛ متناثرة هنا وهناك، وأطلال شاهدةٌ على عيشهم طويلا بهذا الجبل الشاهق بين أشجار الصنوبر والصخور، وأمامهم خلف المحيط يظهر الحلم كلوحة فيروزية تدفع المرء إلى المغامرة.

وفي منطقة يصعب الوصول إليها على بعد بضعة كيلومترات من الناظور، ومن علٍ تظهر مدينة مليلية جليةً، تزيد مراودة الحلم الإفريقي بالوصول للضفة الأخرى توهجًا، يقع جبل المهاجرين، جبل “كوروكو”، الذي أصبح قاعًا صفصفًا بعد أن اختفى ساكنوه.

انطلقت “هوامش”، إلى هذا الجبل بحثًا عن المهاجرين غير النظاميين، المنحدرين من دول جنوب الصحراء، فلم تجد غير بقايا أحد المخيمات العديدة المنتشرة في هذه الغابات المتناثرة، لم يبق منهم أحد، هي فقط رسومات على الصخور تبوح بالأحلام، كتب عليها “إفريقيا تبكي على أبنائها”، و”إفريقيا حبي الوحيد”، أما أولئك الذين بقوا في هذه المنطقة، فهم يختبئون خوفا من المزيد من الاعتقالات.

أثناء تجولنا في بقايا المخيم، أثارت انتباهنا كلمة “بوزا” (BOZA)، مكتوبة على أحد الصخور في ذلك الجبل الشاهق والموحش، وهي مفردة تعني “النصر”، وغالبًا ما يصيح بها المهاجرين عندما يتمكنون من الوصول إلى الأراضي الأوروبية.

وفق ما استقته “هوامش”؛ نقلت السلطات المغربية مئات المهاجرين غير النظاميين، الذين حاولوا القفز إلى مدينة مليلية يوم الجمعة الماضي، إلى مدن مختلفة داخل البلاد.

“دركي أوروبا”؟

مصادر حدثتها “هوامش”، قالت إنه في مدينة بني ملال، على بعد أكثر من 600 كيلومتر من الناظور، “تم إرسال ما لا يقل عن ثلاثمائة من المهاجرين في سبع حافلات”.

“وتوجه أكثر من نصفهم إلى مستشفى المدينة متأثرين بالجروح والإصابات التي لحقت بهم”، حسب المصادر الحقوقية التي حدثتها هذه الصحيفة.

وتضيف المصادر، أن “معظمهم تُرك في الشوارع بدون موارد ويعتمدون على المنظمات غير الحكومية المحلية”.

وبالموازاة مع كل هذا، تشن السلطات المغربية، حملات واسعة بكل المدن الحدودية، القريبة من سبتة ومليلية، وحتى التي تنطلق منها “قوارب الموت” محملةً بالمهاجرين نحو الضفة الأخرى من المحيط.

“المغرب يلعب دور دركي أوروبا، وهذا دليل على سياسة العنف وخرق حقوق الإنسان من طرف إسبانيا والاتحاد الأوروبي”، يقول أمين أبيدار مسؤول بفرع الناظور للجمعية المغربية لحقوق الإنسان.

ويؤكد الناشط الحقوقي المغربي لـ”هوامش”، على أنه “على مدى أسبوعين، كانت الشرطة تقوم بمداهمات يومية واعتقال للمهاجرين”.  

“كان الضغط كبيرًا جدًا مما دفع المهاجرين إلى محاولة العبور إلى مليلية”، يضيف.

وتسببت هذه المداهمات في إثارة الخوف في العديد من مهاجري دول جنوب الصحراء، خاصة منذ محاولة القفز يوم الجمعة الماضي، ما اضطرهم إلى الفرار أو الاختباء.  

وتشير عدة منظمات إلى أن قسمًا كبيرًا من المهاجرين “رحلوا من المدينة والبعض زالوا مختبئين خوفًا من الاعتقالات”.

“إنه أصعب وضع في تاريخ الهجرة بالناظور”، كما يرى أبيدار، مضيفًا أن كل شيء “كان فظيعًا ومرهقًا للغاية”.

ويقول إنه هاتفه “لم يصمت منذ اليوم الأول للمأساة”، مضيفًا بأسف، “نحاول فعل ما هو ضروري للدفاع عن حقوق الإنسان”.

“محاولة طمر الحقيقة” ؟!

قبور تم حفرها لدفن ضحايا فاجعة الجمعة

عصر يوم الأحد الذي عقب الفاجعة، في مقبرة الناظور حفرت السلطات واحدًا وعشرين قبراً، تقول “الجمعية المغربية لحقوق الانسان”، إنها لدفن الأشخاص الذين لقوا حتفهم على سياج مليلية، والذين “تعفنت جثثهم بسبب تركهم على الأرض لنقص في ثلاجات الموتى”.  

وتحاول السلطات في ” مقبرة سيدي سالم”، وفق الجمعية، “طمر الحقيقة دون تحقيق يوضح سبب الوفاة ودون معرفة هويات الضحايا”، الذين سيتم دفنهم على بعد أمتار قليلة من مهاجرين آخرين مجهولي الهوية، دون شاهد يتيح معرفتهم، بعد أن لفظهم الساحل وهم في الطريق لتحقيق هذا الحلم المالح والدامي.

وأتى قرار الدفن الذي لم يتم، بعد إذن “استثنائي من وكيل الملك (المدعي العام) لدفنهم بسبب عدم وجود أماكن لهم في ثلاجة الموتى، وبعد أن فاحت الروائح من جثثهم”.

وطالبت “الجمعية المغربية لحقوق الإنسان”، بعدم دفن أي جثة دون التحقيق في سبب وفاتها، “بدون تحقيق وبدون تشريح وبدون تحديد هوية، تحاول السلطات إخفاء الكارثة”.  

وشددت “الجمعية”، مع منظمات حقوقية أخرى على ضرورة “تحديد هوية الضحايا وإعادة رفاتهم إلى عائلاتهم”، كما طالبت “بفتح تحقيق مستقل في المغرب وإسبانيا”.

محاضر الشرطة: “عصابات من السودان”

في التصريحات التي أدلى بها المهاجرون المعتقلون للشرطة حول محاولة العبور إلى مليلية، والتي استطاعت “هوامش” الإطلاع عليها؛ يعترف هولاء بـ”وجود شبكات إجرامية تعمل من السودان، والجزائر بقيادة (البوص boss)، وهو مالي يقوم بتسهيل عملية الوصول إلى جبال الناظور”.

ويجمع المحضر القضائي للقضية المفتوحة ضد 64 شخصًا، شهادات أولئك الذين مثلوا أمام محكمتي الناظور، الابتدائية والاستئنافية، والذين قالوا أن “وراءهم عصابات مكرسة للاتجار بالبشر التي تعمل على طول طريق الهجرة من دول إفريقية مرورا بالمغرب للعبور إلى إسبانيا”، وبعضهم سيقدم للعدالة بالمحكمة الابتدائية يوم الـ4 من تموز/ يوليو وآخرون في 13 يوليوز/ تموز في محكمة الاستئناف.

وفقًا للمهاجرين أنفسهم، بمجرد وصولهم إلى الجبال الواقعة بالقرب من الناظور، والمتاخمة لمليلية، “ينظمون أنفسهم في مخيمات الغابات في انتظار اللحظة للقفز على السياج، في هيكل هرمي مع زعيم ومجموعات فرعية يقودها عشرات الرؤساء”.

قبل الوصول إلى غابات الناظور، يعبرون آلاف الكيلومترات من السودان، البلد الذي يعيش حالة صراع على السلطة بين الجيش المتحكم في البلد وجماهير واسعة تطالب بالحكم المدني، عبر طريقين، أحدهما عبر ليبيا والجزائر، والآخر عبر تشاد والنيجر ومالي والجزائر.

ثلاثة عشر ممن حوكموا أمام محكمة استئناف الناظور؛ تسعة سودانيين، اثنان من جنوب السودان، واثنان من التشاد، والذين يواجهون أثقل التهم مثل الاتجار بالبشر، يشرحون في المحاضر كيف لجؤوا إلى شبكات الاتجار بالبشر.

ويقولون أنهم لعبور الحدود بين السودان وليبيا، “دفعوا ما بين 50 و70 يورو”، وهي أسعار “ترتفع لما بين 300 و500 يورو”، لعبور الحدود بين الجزائر والمغرب.

وتركز المحاضر على الشبكة التي تعمل، وفقًا لتصريحات المهاجرين للشرطة، في هذين البلدين الأخيرين، أي المغرب والجزائر.  

ويقودها، كما يقول الجميع، رجل مالي بدين وله أوشام، يبلغ من العمر 35 عامًا يُدعى “البوص” (الكبير)، يستقر في مزرعة في مدينة مغنية الجزائرية، على بعد 10 كيلومترات من الحدود المغربية.

وهناك وجدوا مئات الأشخاص ينتظرون عبور الحدود، الفاصلة بين الإخوة الأعداء، المغرب والجزائر.

وانتظروا هم أنفسهم أسابيع حتى أخذهم أعضاء الشبكة لعبور الحدود مع المغرب في مجموعات تتراوح بين 30 و40، “مستغلين أوقات تغيير الحراس”.

مهاجر تشادي يبلغ من العمر 20 عامًا، وآخر سوداني يبلغ من العمر 19 عامًا، قالا أنهما “دخلا المغرب عبر الأنفاق التي تربط جانبي الحدود”.

ويتفق العديد من المهاجرين على أن التنسيق والتواصل بين مختلف أعضاء شبكة “البوص” يتم من خلال تطبيقات المراسلة ومجموعة مغلقة على فيسبوك، حيث “يقررون كيف ومتى يعبرون سياج مليلية”.

زعيم جبال الناظور

المحاضر، تروي على سبيل المثال، المراحل المختلفة لرحلة المهاجرين في الجزائر والمغرب، أحدهم سوداني يبلغ من العمر 18 عامًا فرّ من دارفور، وأمضى شهرًا من الانتظار بمزرعة “البوص”، قبل أن يعبر الحدود بمعية 40 مهاجرًا آخرين.

وعند وصولهم إلى المغرب، حسب قوله، استقبلهم مغربي وسودانيان، أخذوهم إلى مدينة وجدة، بالقرب من الحدود، حيث تم نقلهم لاحقًا في عدة سيارات إلى بركان، بالقرب من مليلية.

وفي بركان، مكثوا في منزل مهاجر تشادي، ثم بعد فترة أخذهم من هناك أحد السودانيين الذين استقبلوهم على الحدود بالقرب من الناظور.  

وهناك تم تسليمهم لشخص يسمى “البوص”، وهو شخصية يتكرر اسمها في جميع القصص، ويبدو أنه اسم مستعار يتقمصه الجميع، أما زعيم المخيمات في الجبال، فاسمه أحمد.

صورة توضيحية لمسارات المهاجرين وصولا إلى المغرب

أحمد هذا، وصفوه بأنه سوداني يبلغ من العمر 35 عامًا، لم يتم القبض عليه، بعض المهاجرين رأوه في محاولة العبور يوم الجمعة، هو من كان يدير مخيمات الناظور، وتحت إمرته عشرات الأشخاص الآخرين الذين كانوا قادة لمجموعات فرعية، كل واحدة تتكون من خمسين عضوا.

وجاء في تصريحات السوداني القادم من دارفور “كان يرتدي قناعا لتمييز نفسه عن بقية قادة المجموعات، الذين كانوا يرتدون الأوشحة، ويعتبرون أعلى درجة من بقية المهاجرين”.

وأما في يوم الجمعة المأساوي، فيؤكد الشاب، أنه “ذهب مع مجموعة قوامها نحو 200 شخص إلى حدود مليلية والتقى بآخرين على بعد كيلومترات قليلة من السياج، حتى تجمع نحو 1200″، من مواطني دول جنوب الصحراء.

“في المقدمة، كان القادة والأشخاص المدربون على مقاومة الشرطة، وكان آخرون مسؤولين عن فتح السياج”، يحكي في تصريحاته.

“السودانيون أعنف المهاجرين”؟!

محاضر الشرطة، أكدت “مصادرة 640 عصا خشبية و13 سيفًا حديديًا مثبتًا على عصي خشبية، وثلاثة سكاكين متوسطة الحجم، ومطرقة كبيرة وسلسلة مثبتة بقفل وقضيب معدني”.

وبحسب محضر آخر، أشارت الشرطة المغربية إلى أنها “ستنسق مع الإنتربول لتحديد المساعدين المحتملين لأحمد، زعيم مخيمات المهاجرين، في الجزائر”، وأنهم “سيطلبون الدخول إلى مجموعة فيسبوك”، حيث يُفترض أنهم يخططون عبرها.

مصادر من السلطات المحلية للناظور حدثتها “هوامش”، عند السياج الذي شهد المأساة، تقول إن “المهاجرين وصلوا في وقت مبكر من صباح الجمعة إلى منطقة السياج، مسلحين بالعصي والسكاكين والحجارة وأدوات لتسلق السياج”.

وقال رجل سلطة مغربي، رفض الكشف عن هويته، إنها “كانت أعنف محاولة عبور إلى مليلية رأيتها في حياتي”.

وأضاف “كان المهاجرون مسلحين بالعصي والسكاكين والقضبان الحديدية، كانوا انتحاريين، وتعرضت أنا أيضًا للهجوم، وأصبت بثلاثة جروح في رجلي”.

وعن أسباب الوفيات، يؤكد المتحدث، “السبب كان التدافع، والضغط الذي وقع بسبب صعود بعضهم فوق بعض، وكذلك سقوط السياج بهم بسبب الثقل”.

ويشرح رجل السلطة هذا، أن السبب وراء العنف يعود لتواجد السودانين، “إنهم انتحاريون ويواجهون السلطات بعنف كبير، ليسوا كبقية مهاجري دول جنوب الصحراء، يمكن لعشرة منهم أن يواجهوا ثلاث مائة شرطي دون خوف”.

وفي السنوات الأخيرة، أصبحت حدود سبتة ومليلية هدفًا لآلاف المهاجرين، كثير منهم يفرون من النزاع المسلح أو الاضطهاد ببلدانهم، وهو الوضع الذي يمكنهم من خلاله الحصول على وضع اللاجئ بأوروبا.

ويتعرض المهاجرون الذين يحاولون القفز لخطر الجروح والإصابات من السقوط بينما تقوم قوات الأمن المغربية والإسبانية بدوريات لإحباط محاولاتهم، والتي ينتهي الكثير منها بمآسي مثل تلك التي وقعت يوم الجمعة “الأسود”.

وهذه المحاولة في الناظور هي أول محاولة عبور حدودية ضخمة، منذ عودة علاقات إسبانيا والمغرب الدبلوماسية إلى مجاريها في آذار/ مارس الماضي بعد حوالي عام من القطيعة.

محاضر “نسخ ولصق”

لم يتحدث هؤلاء المهاجرون المعتقلون في أي من تصريحاتهم عن الإصابات التي لحقت بهم وبمن معهم، ولا الذين ماتوا منهم، وهم 23 حسب الرواية الرسمية؛ أثناء محاولتهم العبور إلى مليلية، رغم أن “أكثر من ثلاثين شخصًا ماتوا”، وفقاً للمنظمات غير الحكومية.

محضر تقديم المهاجرين المعتقلين بعد الحادث

وقال شاب سوداني بالرباط، “قامت الشرطة المغربية بضربنا وقتل أصدقائنا ولا أفهم لماذا”.

 وأضاف “لقد ضربوني كثيرا، كان القمع قويا جدا… ولم أر مثل هذا من قبل”.

ويؤكد محمد أمين أبيدار، رئيس فرع “الجمعية المغربية لحقوق الإنسان”، بالناظور، أن كل “المحاضر متشابهة، نفس التصريحات تتكرر، وكلها نسخ ولصق لنفس الكلام”.

ما قاله أبيدار، يؤكده أحد المحامين الذين يؤازرون المهاجرين الموقوفين، “نفى المهاجرون ما في المحاضر أمام وكيل الملك، وقالوا أنه كلام كتبته الشرطة”.

وأضاف المتحدث أن أحد الشباب، وهو سوداني الجنسية، وأحد المهاجرين المتابعين، دافع عن نفسه قائلًا “نحن لم ندفع شيئًا مقابل الهجرة، لقد جئنا إلى هنا مجانًا؛ لقد استخدمنا عقولنا للتو وتوصلنا إلى خطة جيدة لمغادرة المغرب، لأننا عانينا كثيرًا”.

وتتابع السلطات المغربية، هؤلاء المهاجرين الـ64 بـ”الانضمام إلى عصابة وجدت لتسهيل خروج أجانب من التراب الوطني، العصيان، تعنيف موظفين عموميين، إضرام النار في الغابة، احتجاز موظف عمومي، والتجمهر المسلح”.

“نحن مهاجرون ولسنا عصابة”

“لم تسمعوا شيئًا عن قصتنا، ولا تدرون مالذي نعانيه… لا نستطيع أن نروي لكم ما جرى، وحتى إن رويناه لن تصدقونا”، يقول سوداني نجح في الوصول إلى مليلية مع من عبروا السياج يوم الجمعة الدّامي.

“خرجنا من بلاد تعاني من الحرب والعنف، نعاني من عدم الحرية؛ حرية الرأي والتعبير، والدولة منهارة اقتصاديًا، وغير صالحة للعيش فيها، لذلك نهاجر بحثًا عن بلد آمن يأوينا”، يوضح الشاب السوداني.

ويضيف بعربية فصيحة “عندما نخرج من السودان نذهب إلى ليبيا، وهي دولة غير آمنة، لا نستطيع الاستقرار فيها، إما أن نخرج منها عبر البحر في قوارب الموت، إذا وصلت قد نجوت وإلا ستموت هباءً، أو عبر البر نحو الجزائر، وهي أيضًا دولة غير صالحة للمهاجرين، ففيها خطورة عليهم”.

وفي الجزائر وفق ما يرويه الشاب السوداني من مليلية “إذا أوقفونا يتم ترحيلنا إلى النيجر، في عودة قسرية إلى مكان أنت لا تريده، فنضطر للعبور إلى المغرب، وهي دولة سلطاتها لا تدعنا وشأننا، إذ يتم اعتقالنا وإرسالنا إلى حدود البلاد مع الجزائر، وهناك سيقبض عليك وترحل إلى النيجر”.

“لكي نخرج من هذا المأزق لا يبقى لنا سوى أن نتقدم إلى الأمام، ومحاولة الدخول إلى مليلية، ففي المغرب الحكومة لا تدع المهاجر وشأنه، حتى وإن سكن الجبال والخلاء، يأتون إليه ليضايقونه”.

ونفى الشاب السوداني، ضلوع أي عصابات تهريب أو اتجار بالبشر وراء عبورهم لمليلية “المهاجر مسؤول عن نفسه، ليس لدينا أي عصابة أو شيء، كلنا نعاني، وكيف لرئيس عصابة أن يأتي مع المهاجرين، هذا لا يعقل.. نحن لسنا عصابة”.

“المغرب اعتقل حوالي ستين مهاجرًا، وقدمهم للمحاكم، بأية صفة يحاكمونهم؟، المهاجر يبقى مهاجراً، فكيف يقدم للعدالة من هو لاجئ ومهاجر، ستون شخصًا رؤساء عصابة، هذا لا يعقل”.

وطلب المهاجرون الـ133 الذين تمكنوا من عبور الحدود بين المغرب ومليلية الجمعة الماضي، ومعظمهم سودانيون، “الحماية الدولية” في إسبانيا.

وأكدت وزارة الداخلية الإسبانية، التي يرأسها فرناندو غراندي مارلاسكا؛ أن جميعهم قد أعربوا عن “استعدادهم لإضفاء الطابع الرسمي على طلبات الحماية الدولية”.

وفي مليلية، أشار ثلاثة شبان سودانيين وصلوا إلى المدينة، يوم الجمعة  24 حزيران/ يونيو، إلى “زيادة مداهمات الشرطة للمهاجرين”؛ كأحد أسباب تجاوزهم السياج الحدودي، “كنا خائفين جدًا على حياتنا”.

مهاجرون غير نظاميون يطالبون بمعاملة أفضل

البدء من جديد 

ما رأيناه يوم الجمعة الأسود، هو فصل من تراجيديا الهجرة، “أوديسة” إفريقية ما زال المهاجرون يكتبونها لتحقيق حلمهم في العبور إلى أوروبا، حلم يريدون تحقيقه بأي ثمن، حتى ولو أعادوا الكرة مرات ومرات.

وإلى مدينة شيشاوة، بالقرب من مراكش، نقلت يوم الإثنين مجموعة من المهاجرين “عددهم 35 شخصًا”، نقلتهم السلطات بعيدًا عن الناظور إلى هذه المدينة النائية، وفقًا لمصادر من هناك.

وأوضح هؤلاء المهاجرون أن “الشرطة وضعتهم في حافلة بعد محاولة القفز وأخذتهم إلى هذه المدينة”، كما أفادوا أنهم “عُرضوا على طبيب، لكن لم يكن لديهم المال لشراء الأدوية”.

وحسب المعطيات التي أوردتها “رأي اليوم”، تم إرسال مجموعات أخرى من المهاجرين إلى مدن آسفي، خريبكة، الراشدية، الفقيه بن صالح وتارودانت. 

ووفقًا للمصادر، “أبعد حوالي 1300 مهاجر من الناظور”، وهو رقم “يشمل أيضًا أولئك الذين تم اعتقالهم في مداهمات في الأيام التي تلت محاولة القفز”.

وبحسب المنظمات غير الحكومية، الناشطة في مجال الهجرة، فـ”هذه ممارسة شائعة لدى السلطات المغربية”.  

ولسنوات، تم إرسال المهاجرين الموقوفين في المدن الحدودية بالقرب من سبتة ومليلية إلى المدن الجنوبية أو وسط البلاد.

صورة توضح مسارات إبعاد المهاجرين عن منطقة الناظور باتجاه الجنوب

في بعض الحالات، يصادر رجال إنفاذ القانون المغاربة “ممتلكاتهم وأموالهم”، بحسب شهادات المهاجرين أنفسهم.  

وبالنسبة لهؤلاء المهاجرين، فإن إبعادهم هذا، يعني البدء من جديد لمحاولة العبور إلى إسبانيا”، حتى ولو رمت بهم الأيام والسلطات في كل الشعاب.

جدير بالذكر، أن هذا الهجوم الدامي، هو الأول الذي يحدث بعد المرحلة الجديدة في العلاقات الدبلوماسية بين إسبانيا والمغرب، والتي جاءت بعد عام من القطيعة والأزمة السياسية.

وفي المحصلة، يتفق الجميع؛ المهاجرون، النشطاء والسلطات، على أن ما وقع مأساة حقيقية، رغم أنهم يختلفون في رواية الأحداث حسب خلفياتهم، فالسلطات تقول أنها “تعرضت للعنف”، والمهاجرون يحكون ذلك أيضًا، ويصفونه بـ”المجزرة”، فيما يتشبث النشطاء الحقوقيون بضرورة “فتح تحقيق شامل ونزيه لمعرفة الحقيقة”.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram