محمد تغروت
نفضت حادثة الطفل ريان الكثير من الغبار على واقع الوقاية المدنية بالمغرب، في حادثة أماطت اللثام على نقص القدرات والخبرة اللازمة في قرية إغران، إقليم شفشاون شمال المغرب. غير بعيد عن ذلك، يبدو الواقع أكثر قساوة في دائرة الوقاية المدنية المتمركزة بإقليم بولمان، حيث تغطي الوقاية المدنية هناك، كلا من دائرتي بولمان (التي تضم انجيل، كيكو، بولمان، سكورة مداز)، وإيموزار مرموشة (التي تضم جماعات سرغينة، أيت بازة، ألميس مرموشة، المرس، أيت المان وتلزمت) على مساحة إجمالية تصل 4 آلاف 883 كلم²، بطاقم بشري يتشكل من 12 شخصا فقط (1 officier et 11 sous-officier)، وأسطولا يتشكل من شاحنة إطفاء واحدة، سيارة إسعاف واحدة، وقارب (زودياك) واحد، وسيارة خفيفة، وحسب وثيقة لدائرة الوقاية المدنية ببولمان بلغ العدد الإجمالي للتدخلات لإنقاذ أشخاص، خلال سنة 2021، 142 تدخلا، في حين بلغ عدد التدخلات لإطفاء الحرائق في محلات تجارية أربع حالات وحريق غابوي واحد.
إطار صحي بجماعة ”كيكو” علق على هذه الأرقام بالقول أن ذلك غير كاف في جماعة ”كيكو” لوحدها، بالنظر لحجم الاحتياجات، فما بالك بتغطية دائرتين، مُشَكَّلتين من 9 جماعات، إذ يستحيل تغطية المجال الجغرافي الكامل المخصصة لهذه الدائرة، دون إرهاق الطاقم البشري، ودون المخاطرة بأرواح بشرية وخسائر مادية محتملة في حالة تزامن حادثتين أو أكثر في جماعات مختلفة ومتباعدة، أو في حالة حصول حادثة سير بعدد كبير من الضحايا في الوقت نفسه.
في بداية هذه السنة (2022)، أزهقت روح شاب في مقتبل العمر، يدعى حسن الحجير كان يشتغل في الفلاحة، على إثر حادث شغل تسببت فيه آلية فلاحية، نجم عنه بتر رجله ويده، جعله ينزف لفترة طويلة، مما جعل تدخل الوقاية المدنية غير ذي جدوى.
سنتين قبل ذلك، في حدود الساعة العاشرة من ليلة يوم 12 نونبر 2020، اشتعلت النيران في البداية في ”براكة” تعود لحلاق شهير في البلدة يدعى “موحى”، انتقلت بعدها النيران لتلتهم أربعة “براريك” مجاورة، وما أن نشر أحد شباب البلدة فيديو مباشر على صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى توافد أبناء البلدة إلى عين المكان، محاولين إخماد النيران.
وفي غضون ذلك تم الاتصال بالسلطات المحلية والمنتخبة، التي عملت بدورها على إخبار المصالح المختصة للوقاية المدنية، وفي انتظار وصولها، لم يقف الشباب مكتوفي الأيدي، إذ قام مالكو ومسيرو المحلات التجارية والخدماتية المجاورة بتزويد المتطوعين بخراطيم المياه، ودِلاء لاستعمالها لإخماد النيران، وأثناء محاولاتهم حصل ما لم يكن في الحسبان، حيث فوجئوا بانفجار قنينة غاز، كانت في إحدى البراريك المحترقة، وكاد الحادث أن يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه.
وحسب شهود عيان، حضروا عمليات الإطفاء، لم تصل وحدات الوقاية المدنية إلا بعد حوالي ساعتين، بعد أن أتت النيران على البراريك حتى آخرها، وبعد أن تمكنت الساكنة من إخمادها بوسائل بسيطة، وتفادي انتقالها إلى صف من المحلات التجارية المجاورة، أغلبها مسقف بالأخشاب.
وشهدت المنطقة العديد من الحوادث المشابهة، التي كانت تتطلب تدخلا عاجلا لوحدات الوقاية المدنية، من بينها حرائق لعل أبرزها الحريق الذي حصل سنة 2017، نتج عنه إتلاف محصول من البصل عن آخره، بالإضافة إلى العديد من حوادث السير التي تشهدها البلدة بين الفينة والأخرى، حتى أن بعضها يحصل على مقربة من المركز الصحي، المجاور لكل المصالح الإدارية بالبلدة (الجماعة الترابية، القيادة والدرك الملكي)، غير أن الإجراء القانوني المعتمد في هذا الإطار يقتضي انتظار قدوم وحدة تدخل التابعة للوقاية المدنية، لإعطائه الإسعافات الضرورية قبل إدخاله إلى المركز الصحي، واتخاذ قرار نقله إلى ميسور، الذي يبعد عن البلدة بحوالي 130 كلم، أو فاس على بعد 98 كلم، وفي حالات كثيرة يكون الأوان قد فات.
أطلق عدد من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، حملة للمطالبة بإحداث ملحقة للوقاية المدنية، بجماعة ألميس كيكو.
حميد شكري، فاعل جمعوي وسياسي، ومستشار جماعي في الجماعة الترابية بكيكو، كان شاهدا على حادثتين من المشار إليها أعلاه، أكد في تصريح لهوامش “كنا نتمنى أن تتدخل مصالح الوقاية المدنية بشكل عاجل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لكن مع الأسف نظرا لبعد الدائرة، ولو أنه ليس بعدا كبيرا (حوالي 25 كلم)، لم يحصل ذلك، وفات الأوان”.
وأوضح شكري أن تأخر تدخلات عناصر الوقاية المدنية، يثير حفيظة الساكنة، ويتسبب في تأجيج مشاعرها. مذكرا أنه ليس الوحيد الذي حصلت له حادثة من هذا النوع، بل العديد من المواطنين، منهم من تعرض لحرائق، ومنهم من تعرض لإصابات شغل، وذهب ضحيتها.
منطقة كيكو تعرف دينامية كبيرة، باعتبارها مركزا صاعدا، وهو ما تنتج عنه بالضرورة حوادث من كل نوع، سواء تعلق الأمر بحوادث الشغل الناجمة عن الآليات الفلاحية، أو الحرائق، أو حوادث السير، ولعل أبرز الحالات التي تتطلب تدخلا عاجلا وسريعا لأجهزة الوقاية المدنية هي تلك المرتبطة بصحة الأم والطفل، خصوصا في المناطق الجبلية التابعة للجماعة (الصف وعين النقرة)، حيث حصل في مرات عديدة أن اضطرت السلطات المحلية إلى اللجوء إلى آليات فلاحية (جرار) لنقل الحوامل، إلى المركز الصحي، وجدير بالذكر أن هذا الإجراء الترقيعي غير صحي، إذ قد يتسبب في مضاعفات تصل حد وفاة الأم أو الجنين أو كلاهما.
إطار صحي في البلدة أكد أن وجود جهاز للوقاية المدنية في المنطقة أصبح ضرورة لا محيد عنها، إذ أن عدد السكان في الجماعة كبير جدا، يتجاوز 30 ألف نسمة، وهو ما جعل معدل حصول حوادث أو حالات صحية متدهورة تستدعي نقلها إلى المؤسسة الصحية، وهو ما يستدعي تدخل الوقاية المدنية باعتبارها الجهة المخول لها القيام بهذه المهام.
وأضاف ذات الإطار أن مجال تدخل الوقاية المدنية يتمثل أساسا في إسعاف الحالات المستعجلة، وكما يدل على ذلك اسمها، فهي لا يمكن أن تنتظر، وكل تأخر لا يمكن إلا أن تكون له مضاعفات صحية خطيرة، وهذا التعاطي الاستعجالي غير ممكن في ظل الوضع المتمثل في تمركز الوقاية المدنية في بولمان على بعد 25 كلم، مليئة بالمنعرجات والمنحدرات.
في ظل غياب هذا الجهاز في منطقة كيكو يتم اللجوء إلى سيارة الإسعاف التابعة للمركز الصحي، التي وفرها المجلس الإقليمي والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، في إطار إنساني وفي إطار تقديم مساعدة لأشخاص في وضعية خطر، لكن هذا الوضع يجعل المتدخلين يسقطون في عمل محظور قانونيا، إذ يمنع على الأطر الصحية التدخل خارج المؤسسة الصحية التي يشتغلون فيها، تحت طائلة المساءلة القانونية في حالة حصول مضاعفات.
كما تتم المخاطرة في حالات كثير باللجوء إلى نقل المرضى والحالات المستعجلة من قبل عائلاتهم إلى المركز الصحي وهو إجراء غير قانوني، وكفيل بتعريض المصابين لمخاطر ومضاعفات، نظرا لانعدام تكوين في كيفية التعاطي مع الحالات المستعجلة، وهو التكوين الذي من المفترض أن عناصر الوقاية المدنية تتوفر عليه.
مصدرنا أكد أنه في حالات كثيرة يحصل شنآن، واختلاف في من يجب أن يتدخل لنقل المصابين في حوادث أو الأشخاص الذين هم في حاجة إلى نقلهم إلى المركز الصحي، وهو نفس ما وقف عليه تقرير المجلس الأعلى للحسابات برسم سنتي 2019-2020، الذي اعتبر أنه بالرغم من “أن مخطط 2012 – 2016 نص على تعميم التنظيم الطبي الخاص بالاتصالات المستعجلة والتنسيق بين المتدخلين في مجال المستعجلات القبل استشفائية وبين المستشفيات، لكن عدم وجود الربط البيني لمراكز الاتصال العاملة في حالات الطوارئ الطبية (مراكز الاستماع التابعة للشرطة، والدرك، والوقاية المدنية) مع مركز ضبط وتنظيم المكالمات الطبية والمستشفيات يشكل انقطاعا وظيفيا في أنظمة الإشعار وفي تنظيم المستعجلات الطبية”.
وأكد نفس التقرير على أنه على مستوى أجهزة النقل المتعلقة بالمستعجلات الطبية، لوحظ أن مختلف الفاعلين بمجال النقل الطبي وبالمستعجلات الطبية غير مرتبطين بخدمة المساعدة الطبية الطارئة أو بهيئة طبية يعهد لها، اعتمادا على تشخيص حالة المريض، تحديد نوعية وسيلة النقل والمؤسسة الطبية الأكثر ملائمة لحالته، وعلى أرض الواقع فإن كل فاعل بالنقل الصحي يقوم بتطبيق قواعد عمل خاصة به.
وكان الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية في مجلس النواب المغربي، قد تقدم بسؤال كتابي لوزير الداخلية، الذي تشرف وزارته على المفتشية العامة للوقاية المدنية، وذلك يوم 25 فبراير 2022 أوضح فيه أن ساكنة جماعة “كيكو” بإقليم بولمان تتطلع إلى إحداث مركز للوقاية المدنية، نظرا للحوادث الخطيرة والحرائق المتتالية التي تعرفها هذه المنطقة، في ظل غياب مستعجلات للقرب، مما يعرض حياة الساكنة للخطر وممتلكاتهم للضياع.
وذكر واضع السؤال، أن ساكنة جماعة “كيكو” وحدها تناهز 30 ألف نسمة، وهو ما يستدعي إحداث هذا المركز لسد الخصاص، وتعزيز حالات النجدة والإسعاف بعين المكان، متسائلا عن التدابير المزمع اتخاذها من قبل وزارة الداخلية من أجل إحداث مركز للوقاية المدنية بالجماعة المذكورة.
عصام أبلغوش، مستشار جماعي عن حزب الإستقلال، أوضح في تصريح لهوامش، أن طرح الحزب للسؤال الكتابي، جاء استجابة لمطالب ساكنة المنطقة، نظرا لكثرة حوادث السير، والحرائق، التي تتطلب تدخلا فوريا، واعتبارا لكون المسافة بين كيكو وأقرب وحدة للوقاية المدنية، بمدينة بولمان، وكذا كثرة المنعرجات في هذا الطريق، تعيق وصولها في الوقت المناسب، خصوصا عندما تحصل حرائق في منطقة (إدمران)، حيث يتجمع مربي الماشية، وحيث الطرق صعبة. وأضاف أبلغوش أن الكثافة السكانية لجماعة كيكو، التي تناهز 30 ألف نسبة، تجعل توفير وحدة للوقاية المدنية أمرا ضروريا.
وكان المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وهو هيئة استشارية رسمية، قد وقف في تقرير سابق له، سنة 2016، حول تقييم تدبير الكوارث الطبيعية، على غياب قانون إطار بخصوص الوقاية وتدبير المخاطر، إذ أكد أن المغرب يتوفر على العديد من النصوص القانونية التي تعالج القضايا المتعلقة بتدبير الكوارث الطبيعية. مع تسجيل أن هذه النصوص كانت قد أعدت في الأصل للاستجابة لحاجيات معينة دون أن توضع في إطار رؤية شاملة تؤسس لاستراتيجية منسجمة للوقاية ومكافحة الكوارث الطبيعية.
وأرجع المجلس هذه الوضعية إلى غياب قانون إطار خاص بالوقاية من المخاطر يحدد بدقة السلطات المختصة في هذا المجال، وإلى تعدد المتدخلين بما ينتج عن ذلك من ضعف وصعوبة في التنسيق، بل ومن تنازع في الاختصاصات.
الوقاية المدنية جهاز يتولى مجموعة من الإجراءات والأعمال اللازمة لحماية السكان والممتلكات العامة والخاصة من أخطار الحريق والكوارث والحروب والحوادث المختلفة وإغاثة المنكوبين وتأمين سلامة المواصلات والاتصالات وسير العمل في المرافق العامة وحماية مصادر الثروة الوطنية في زمن السلم وحالات الحرب والطوارئ.
والمديرية العامة للوقاية المدنية هي جهاز وطني مكلف بالإنقاذ والإسعاف وإطفاء الحرائق في المغرب، وهي تابعة إدارياً لوزارة الداخلية، وتعمل الوقاية المدنية بالأساس على حماية السكان والممتلكات من الأخطار، والسهر على مكافحة الحوادث والكوارث والتخفيف من آثارها. ويبلغ عدد عناصر الوقاية المدنية بالمغرب حوالي 8361 عنصر (في حدود الأرقام المتوفرة إلى غاية سنة 2018)، ويعتبر هذا العدد غير كافي مقارنة بعدد المغاربة والذي يبلغ 34 مليون نسمة، وتعمل الحكومة حالياً على مقترح لرفع عدد الموظفين العاملين بالوقاية المدنية وكذلك تحسين وضعيتهم المالية لمساعدتهم على تأدية مهامهم بشكل أفضل، ويتكون موظفو الوقاية المدنية من الضباط وضباط الصف، أعوان الإغاثة، الأطباء والممرضين.
وتنص المادة 1 من مرسوم رقم 2.99.1266 صادر في 10 ماي 2000 بمثابة النظام الأساسي الخاص بالهيئة الوطنية للوقاية المدنية، على أنه “يقوم موظفو الوقاية المدنية في إطار المهام المسندة لهم بالحماية والدفاع عن السكان والممتلكات في كل الظروف طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل.”، غير أن تنزيل المقتضيات القانونية يتطلب توفير آليات الاشتغال، في انتظار ذلك يبقى السؤال مطروحا على ألسنة ساكنة جماعة ألميس كيكو، متى سيتم إحداث وحدة للوقاية المدنية في الجماعة؟