الرئيسية

زواج الفاتحة بالمغرب… تحايل من أجل التعدد وتزويج القاصرات 

بالرغم من أن قانون الأسرة المغربي يفْرض وجود عقد زواج لإثبات أي علاقة شرعية بين الرجل والمرأة، إلا أن زواج الفاتحة (بدون عقد موثق) مازال منتشرا في بعض المناطق المغربية ولدى بعض الفئات. وتؤكد العديد من الجمعيات أنه بمثابة "تحايل" على القانون بغرض "تزويج القاصرات" و"تعدد الزوجات" أو لمتعة داخل مدة زمنية محددة. وحذرت الجمعيات المعنية من تبعاته على "الزوجة" التي قد تجد نفسها أمّا عازبة بدون وثائق ثبوتية  أو عدم  القدرة على إثبات الزوجية وضياع حقوق المرأة في حالة الطلاق  أو الوفاة. 

حسناء عتيب 

قد يكون تعدد الزوجات سببا آخر وراء اللجوء إلى زواج الفاتحة بالمغرب بحسب قاضي مختص في قضايا الأسرة بمدينة الرباط “بعض الرجال يلجؤون إلى زواج الفاتحة لأنهم يعرفون مسبقا أن قاضي الأسرة لن يرخص لهم بالزواج مرة أخرى”. إذ يسمح قانون الأسرة المغربي –المدونة- للقاضي برفض الزواج لرجل ما إذا اعتبر أنه لن يكون قادرا –ماديا مثلا- على تحمل مصاريف امرأة ثانية أو ثالثة. كما يمكنه رفض ذلك إذا لم توافق الزوجة الأولى على زواج زوجها من جديد.

وللتحايل على هذا الرفض، يعمد بعض الأزواج إلى وضع القضاة أمام الأمر الواقع، إذ “يتزوجون بالفاتحة وحين ينجبون أطفالا، يلجئون إلى القاضي ويطلبون توثيق عقود الزواج. وأمام وجود أطفال، وثبوت نسبهم إلى الأب، يجد القاضي نفسه مضطرا إلى كتابة عقد الزواج” بالرغم من تعدد زوجات المعني بالأمر. 

سميرة، سيدة تبلغ من العمر 44 عاما، تحكي لمنصة هوامش كيف تعرفت على زوجها قبل أشهر، متزوج و أب لثلاثة أبناء، اتفقا قبل أسابيع على الزواج بالفاتحة، وحجتهم في ذلك تفادي غضب الزوجة الأولى والخوف من مطالبتها بالتطليق وما يترتب عن ذلك من مشاكل أسرية هم في غنى عنها.

من جانب آخر يعتبر “الحسين الموس” أستاذ محاضر بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط أن التغيرات التي يعرفها العالم المعاصر تفرض التوثيق الرسمي للزواج في المؤسسة القضائية، لعدة مقاصد، كحفظ حقوق طرفي العقد، ومصلحة الأبناء، وضمان حقوق التمدرس، غير أنه أشار إلى أن هناك عقبات كثيرة على مستوى مؤسسات الدولة، متعلقة بتعقيد مساطر الإذن القضائي المتعلق بزواج الراشدين  الذين يتوفرون على كامل الشروط، معتبرا أن الإذن الخاص الذي يحتاجه مثلا موظفو الأمن والدرك والجيش من الإدارة التابعين لها، والذي يمكن أن يتأخر لسنوات، قد يؤدى إلى تفشي زواج الفاتحة في هذه الأوساط. المتحدث أشار إلى  ضرورة إعادة النظر  أيضا في بعض القوانين المجحفة في حق المرأة  على مستوى المعاشات، إذ أن هذه القوانين تفرض على المرأة عدم  الزواج مرة ثانية، إلا بالتخلي عن المعاش في حالة وفاة الزوج الأول، وهو ما اعتبره الموس ”ظلما كبيرا”،  ودعا المؤسسة التشريعية إلى إزالة هذه الموانع التي تؤدي إلى إيقاع الناس في زواج الفاتحة.

ماذا بعد وقف العمل بالمادة 16 ؟

ارتفعت نسب ثبوت الزوجية، حسب الإحصاءات الرسمية، من 6 آلاف و918 حكما سجل سنة 2004 إلى 23 ألفا و57 حكما سنة 2013. وتعلقت نسبة كبيرة من هذه الأرقام بحالات زواج حديثة أبرمت بالمدن وأحيانا من طرف أشخاص لهم مستوى علمي متقدم. يتم في الأغلب الاعتماد على المادة 16 من مدونة الأسرة  التي توقف العمل بها بعد 15 سنة من إعمالها. 

وتنص المادة 16 من المدونة على أن ”وثيقة عقد الزواج تعتبر الوسيلة المقبولة لإثبات الزواج، إذا حالت أسباب قاهرة دون توثيق العقد في وقته تعتمد المحكمة في سماع دعوى الزوجية سائر وسائل الإثبات وكذا الخبرة”. بعد وقف العمل بها، أكد المحامي عوض العزوزي محامي بهيئة سلا لمنصة هوامش، “أن عقود الزواج غير الموثقة تتم وفق الشرع من قراءة الفاتحة وشهادة الشهود وحضور للعائلتين وغيرها.. فمن ثمة لا يمكن اعتبار هذا الزواج باطلا أو مختل الأركان ما دامت شروط الإيجاب والقبول متوفرة، كما أن كل الموانع منتفية.

بل والأكثر من ذلك، يضيف المحامي، أن المشرع عند صياغته للمادة 16 في فقرتها الأولى اعتبر شرط الشكلية هذا “شكلية إثبات” وليس “شرطا” من شروط انعقاد عقد الزواج، ولم يرتب أي جزاء لتخلفه. وحتى إذا انتهى التمديد “فلن يكون هناك قطع مجتمعي وثقافي مع ما يسمى بزواج الفاتحة، قد يقطع معه قانونيا لكن على المستوى الشعبي والوعي لدى المجتمع لا زال هذا الأمر حاضرا بشكل كبير جدا” يضيف عوض العزوزي. 

بعد إلغاء توثيق عقود الزواج طرحت مشاكل اجتماعية عدة أدت ببعض الجمعيات إلى المطالبة بإعادة النظر في وضعية الأطفال المزدادين خلال زيجات الفاتحة، “ماتقيش ولدي” إحدى الجمعيات المهتمة بحقوق الطفل كانت قد أكدت أنها “تتبع بقلق كبير الوضعية القانونية للأطفال القاصرين المزدادين في علاقة زوجية مستندة على زواج الفاتحة بعدما أنهت الحكومة الأخذ بثبوت الزوجية المبنية على الزواج التقليدي ومعاناة هؤلاء القاصرين إزاء وضعيتهم المدنية”.

تستند الكثير من زيجات الفاتحة على الشرع الإسلامي والزواج الديني لتبرير هذه الظاهرة، غير أن الدكتور انس الغبسي، أستاذ بكلية الأداب والعلوم الإنسانية بالرباط، ذهب في مداخلة له خلال ندوة  دولية بجامعة محمد الخامس بالرباط  والتي حملت عنوان ”زواج الفاتحة بين الفقه والقانون والمجتمع” أن العلماء المعاصرين يميلون، على المستوى الشرعي،  إلى اعتبار توثيق الزواج مطلوبا من أجل حفظ الحقوق وسبيلا لحماية الأعراض الذي يعتبر من مقاصد الشريعة الإسلامية.  

زواج القاصرات 

  في مقال له على على موقع “الأنديبندت عربية“، تطرق الصحافي نوفل الشرقاوي إلى ما أسماه “التحايل” على على قانون مدونة الأسرة المنظم لأمور الأحوال الشخصية. تحت عنوان “زواج القاصرات في المغرب… بين التعديلات والتحايلات”، يورد المقال على سبيل المثال آليتي الزواج بالفاتحة والزواج بـ”الكونطرا” (عقد خاص) الذي يمكن الزوجين بعد ذلك من اتباع مسطرة إثبات الزواج التي يتيحها القانون المغربي. 

ولا يزال زواج القاصر يشكل معضلة اجتماعية في المغرب، خاصة في الأوساط القروية التي مازلت تحتضن هذا النوع من الزواج التقليدي من خلال “زواج الفاتحة”. رغم أن معدل الزواج في الوسط القروي يعادل سن الـ 23 لدى النساء، إلا أن من بين الـ 194 ألف من المتزوجين خلال سنة 2020 نجد  12 ألف و600 قاصر تزوجن حسب إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط. ورغم “المنع المشروط” لـ ‘زواج القاصر’، تؤكد هذه الأرقام استمرار الظاهرة خاصة على مستوى العالم القروي حيث ترتفع نسبة الأمية والهدر المدرسي. في هذه المناطق النائية يتم إعداد الفتيات بشكل مبكر للعب دور الزوجة والأم إلى حد يصبح فيه الزواج أحياناً الحلم الأكبر والوحيد للفتيات ومؤشر النجاح في الحياة وأغلبها تتم عبر زواج الفاتحة. 

التعدد المفروض… “لكن بالتراضي”

ظروف القهر والتهميش لا تستثني اليوم منطقة دون أخرى، خاصة مع ظاهرة الهجرة القروية نحو هوامش الحواضر، ودفع هذا الوضع بالفتيات في سن 15  فما فوق، إلى البحث عن فرص للخروج من هذه الوضعية المزرية جعلتهن في غالب الأحيان فريسة سهلة لشبكات الاتجار بالبشر، والتي تنشط على المستوى الدولي، من أجل تسهيل عملية تسفيرهن، إما عن طريق عقود عمل وهمية، أو عبر الهجرة السرية.

وهو ما حصل مع زكية 20 سنة، باتفاق مسبق مع  كفيلها، تحكي بصوت خافت لمنصة هوامش:” اتفقت مع زوجي “بالفاتحة” الذي هو كفيلي في نفس الوقت، على إرسال مبلغ 5000 درهم شهريا إلى عائلتي ولمدة عامين كاملين، سوف أشتغل خلال هذه الفترة كخادمة وزوجة ولو أن لديه زوجتين  الأولى سعودية والثانية مغربية و بعقد موثق، لكن حسب زكية، فهو معتاد على تغيير الزوجتين الثالثة والرابعة كل عامين، بمباركة الزوجتين الأولى والثانية. 

تضيف زكية بامتعاض:” أعلم مسبقا بعواقب ما أقوم به، لكنني لا أجد بديلا عن فعل ما أنا بصدد القيام به، فأنا المعيلة الوحيدة لعائلتي وهم على علم مسبق بكل ما سأمر منه لكنني مكرهة لا بطلة”.

مشاهير بالفاتحة

تعود أحداث القضية إلى العام 2015. حينما أصدر القضاء المغربي مذكرة توقيف بحق الصحافي المصري العامل بقناة الجزيرة القطرية أحمد منصور، وذلك بعد تخلفه عن حضور جلسات محاكمته في قضية الإخلال بالتزامه بتوثيق زواجه رسميا من سيدة مغربية.

نشر الخبر على صفحات بعض الجرائد ك”فضيحةً أخلاقيةً من العيار الثقيل”، اتهمت فيه القيادي في حزب العدالة والتنمية  عبد العالي حامي الدين (اسلامي) بلعب دور الوساطة في “زواج مشبوه” بين إحدى مناضلات الحزب، والإعلامي منصور الذي نفى صحة الموضوع وخرج في تدوينة بحسابه بموقع “فيسبوك”.  

واعتبر حينها عدد من رواد مواقع التواصل الإجتماعي أن  خطورة زواج الفاتحة هو المباركة التي يجدها من بعض مشاهير وقادة أحزاب إسلامية  كانت في السلطة والتي تؤثر بشكل سلبي في استمرار الظاهرة اجتماعية بدل التنوير والتحذير من خطورتها على المجتمع والحد منها. 

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram