يبدأ عمل سائقي النقل المدرسي كل صباح بجمع التلاميذ من أبواب العمارات والبيوت والفيلات، نلتقيهم كل صباح وضجيج الأطفال يملأ سياراتهم ذات الشكل المتميز والموحد في المغرب كله. بين سيارة أنيقة وأخرى مهترئة، يصارعون الزمن لإيصال التلاميذ لأقسامهم قبل أن يرن الجرس. لكن اللون الأصفر حاضر بقوة القانون، فهناك مرسوم يعود لـ24 مارس 1999، وقعه مصطفى المنصوري وزير النقل والملاحة التجارية في عهد عبد الرحمان اليوسفي يشترط أن “تطلى السيارة بالأصفر مع شريط أفقي أبيض عرضه 30 سنتمتر يحيط بالعربة، وتكتب في جانبيه وفي مؤخرته عبارة “النقل المدرسي” باللغتين العربية والفرنسية وبخط لا يقل عن 15 سنتمتر”.
يُشترط كذلك في سائق النقل المدرسي أن يتوفر على وثائق إجبارية داخل سيارته وقت نقله للأطفال من أو إلى المدرسة: “رخصة سياقة من الصنف “د”، بطاقة السائق المهني، شهادة الفحص الطبي القانونية، “
أما بخصوص المركبة، فيجب أن تتوفر على كافة الوثائق اللازمة لجميع السيارات، مثل شهادة التأمين الإجباري على السيارات، البطاقة الرمادية، شهادة الفحص التقني، وصل أداء الضريبة على المحور أو الضريبة على السيارات، ورقة السير، ثم نسخة من العقد المبرم بين الناقل والآمر بالنقل.
حاولت هوامش أخذ آراء أكبر عدد ممكن من سائقي النقل المدرسي بأكادير، رغم التخوف الكبير الذي يبديه الغالبية، ورغبتهم الملحة في عدم ذكر أسمائهم والمدارس التي يشتغلون فيها، إلا أن الأجر الشهري يبدأ من 1500 درهما، سيما بالنسبة لمن بدأ عمله في هذه المهنة للتو، قد يستفيد بعد سنتين من العمل المتواصل من زيادة قدرها 200 درهما مثلا، وربما أقل.
لكن ذلك ليس قاعدة عامة، هناك من يدفع للسائقين 2000 درهما، وهناك من المدارس من يخصص لهذه الفئة مبلغ 2500 درهم شهريا، لكننا لم نجد من يتقاضى أكثر من ذلك، والمفارقة العجيبة هي أن غالبية المدارس في أكادير مثلا تأخذ من الآباء 2000 درهم شهريا على الأقل بالنسبة للتلاميذ الذين يدرسون مثلا في التعليم الثانوي، وقد ينقل هذا السائق على مركبة يسوقها، أزيد من 20 شخصا، يدفعون على الأقل 2000 درهم، وهو راتبه الشهري.
لا يقتصر عمل سائق النقل المدرسي في المدارس الخصوصية على نقل التلاميذ من مقرات إقامتهم إلى المدارس، بل بمجرد وصولهم يبدأ عمل آخر، حيث صرح محمد أ. لمنصة هوامش “بعد دخول التلاميذ، نزاول مهاما أخرى كالحراسة وتسجيل الغياب ومختلف الخدمات المكتبية في الإدارة، وأحيانا نزاول أعمالا كالصباغة وتجهيز الأقسام في الدخول المدرسي”.
ثم يستدرك “لكن هذه الأعمال تم الاتفاق بشأنها منذ أول وهلة، المشكلة في تعامل الآباء الذين يتعاملون باحتقار شديد معنا، ليس كلهم لكن أغلبهم، فعندما لا تنتظره طويلا يتصل بالمدرسة ليخبرهم بأنك لا تعامله بشكل جيد، في حين أننا ملزمون بإيصال التلاميذ في الوقت، وإذا انتظرنا كل تلميذ 5 دقائق مثلا، فإننا سنضطر للانتظار لساعة ونصف كي تجمع عشرين تلميذا مثلا”.
الزبون ملك، عبارة يتم ترديدها في المقاهي والمحلات التجارية، وما دامت المدراس الخصوصية كذلك عبارة عن شركات تجارية فلابد من وجود هذا الصراع أحيانا بين “الزبون” و”بائع الخدمة”، لكن الضحية دائما يكون هو هذا السائق المغلوب على أمره، لأنه يوجد بين سندان إرضاء الآباء وتنفيذ أوامر الباطرون.
أجمع الذين تحدثوا إلى “هوامش” بأن القطاع يحتفله المتقاعدون الذين لديهم معاش ويحتاجون إلى أجر إضافي وإلى مكان لإجلاء الوقت، لذلك يقبلون بأي راتب، فعندما يقترح عليه رب العمل أن يشتغل بـ1500 درهم، فهو لا يفكر في الكراء ومصاريف الحياة ولا في الأثمنة التي تضاعفت، مثلما يفكر في ذلك شاب يرغب في الزواج، وليس لديه أي دبلوم سوى رخصة السياقة.
“ذلك الراتب بالنسبة لمتقاعد أجر إضافي وفرصة لقاء الوقت بعيدا عن ضجيج الأسرة والجيران، لكن لا يمكن لهذا الراتب أن يكفي شخصا يفكر في بناء حياة وتربية الأولاد” يضيف السائق السابق الذي نقلنا شهادته. يعمد الكثير من السائقين إلى مزاولة أعمال أخرى، العمل جزءًا من الليل في قطاع سيارات الأجرة، وهناك من يزاول بعض الأعمال التجارية، في انتظار العثور على عمل آخر براتب شهري محترم، وهذا حلم كل الذين يعملون في القطاع.
