الشيخ زايد أُوبجنا، الشيخ لوسيور، الشيخ حماد أوهاشم، الشيخ يوسف وغيرهم كثير، فيهم من رحل إلى دار البقاء، ومنهم من يزال حيا وإن بلغ من الكبر عتيا. كان نظم الشعر هو مهنتهم التي يكسبون بها ثمنا قليلا. يتنقلون من مكان لآخر يبيتون ليلة في دوار ما ثم ينتقلون إلى دوار آخر، يعرفون الأكابر والأغنياء والأعيان والنافذين ولا يقصدون سوى “الدار الكبيرة”.
مدح الأغنياء والنافذين
في إحدى القصائد السياسية قال الشاعر الامازيغي الراحل الشيخ زايد أُوبْجْنَا وهو يمدح إحدى الشخصيات السياسية في تنغير بأنه “مستعد أن يصير عدوا للنبي حفاظا على علاقته مع الشجيري”، وهو برلماني من المنطقة، ما يزال لحد الساعة يظفر بمقعده في البرلمان وينال ثقة الناخبين. وفي نفس القصيدة أكد بأنه “مستعد أن يشهد الزور من أجل الشجيري”، ونفس الأوصاف يغدقها على “أزروال” و “سعيد أمسكان” الذي كان وقتها وزيرا للنقل. وسرد جميع الشخصيات المهمة في تلك الفترة، كما يغدق أوصافه السلبية على مجموعة من الشخصيات الأخرى تصل أحيانا أن يصف بعض الأشخاص بـ”الكلاب عديمي الإيمان” وغير ذلك من الأوصاف فقط لأن ثريا ما دفع له واشترط عليه أن يشتم الآخرين. أو لم يشترط ذلك عليه، المهم أن من أكرمه في بيته يكرمه في قصائده التي تسجل وتنتشر في الأسواق والبيوت.
أما الشاعر أحمد أوهاشم وهو من مواليد قرية ملاعب بإقليم الراشيدية سنة 1946، فله قصائد كثيرة من هذا النوع خاصة في فترة الثمانينيات، حيث إن في قصيدة تعود لبداية الثمانينات خصصها لمجموعة من الرجال في قرية تاوديلت بجماعة أيت يول حاليا إقليم تنغير، ذكر أشخاصا بالاسم، وذكر ألقابهم العائلية ووصفهم باللصوص واليهود وبضرورة قتلهم حتى لا يتكاثروا، يذكر الشاعر أوهاشم الرجل باسمه ولقبه ويغدق عليه أوصافا سيئة وحاطة من الكرامة، ويتم تسجيل ذلك في “كاسيط” ويتم بيعه بشكل علني، والاستماع إليه في مجالس الشاي، بل في الأسواق الشعبية.
“كارط بلانش”
من المفارقات العجيبة كون “إمديازن” يتمتعون بسلطة كبيرة، مهما كان لسانهم سليطا ضد بعض الأشخاص فإنهم لا يتعرضون لأي محاسبة أو مضايقة، تماما مثل بعض المنابر الإعلامية مهما تدخلوا في حياة الأفراد وتجاوزوا دورهم فإنهم لا يتعرضون لأية محاكمة.
لقد كانوا يحصلون على ما يشبه “كارط بلانش” ليقولوا ما شاؤوا بدون خوف، يقول الشيخ زايد في إحدى قصائده ما معناه “صعدت عند القائد ليطبع لي الأوراق، وهاهي أوراقي في فمي”، كان يتحدث عن قائد تم تعيينه في أكذز، وكانت القيادة وقتها (وما تزال) في تل مرتفع، والشاعر قام بزيارة القائد أولا، أولا ليخبره بأنه ضيف في المنطقة، وكذلك للاستقواء به، ليقول كل ما يريد دون خوف ولا محاسبة؛ لذلك تجده في هذه القصيدة يكيل الشتائم لكل من لم يكرمه في كل “أسيف ندرا”، دون خوف. وكما يخصص بعض الصحافيين اليوم مقالات لتلميع سيرة هذا العامل أو هذا القائد والباشا، فإن “إمديازن” لا يمكن أن يسجلوا “كاسيطا” دون أن يذكروا قائد المنطقة وعاملها، أو “ممتازها”، فيقولون عنه كلاما يرفعه إلى مصاف الأبرار.
توحيد الصفوف
نجد قصائد كثيرة عند الشيخ زايد والشيخ يوسف والشيخ أوهاشم عن الأسعار مثلا والحديث عن الغلاء، في قصيدة مثلا أن ثمن السكر بـ 3 دراهم، أو الزيت بدرهمان فقط، وهذا يؤرخ لحقبة معينة قام فيها هؤلاء الشعراء بالحديث عن ارتفاع الأسعار، وقاموا بتقديم الأثمنة التي تبدو لهم وقتها غالية جدا، مثلما تفعل الصحف حاليا. مع ذلك نجد الكثير من القصائد لتوحيد الصفوف في قضية ما. فنجد قصائد كثيرة عن قضية الصحراء، فالشيخ زايد كان يستنهض الهمم ويطلب من الدولة أن تسمح للشباب بتحرير الصحراء بالسلاح، فيذكر كل قبيلة ويذكر محاسنها وأمجادها وبأنها أهل لتشارك في هذه الحرب. ونفس الأمر عند أوهاشم وغيره، وهو ما يعني إما أن السلطات أوحت لهم بذلك أو فقط قاموا بذلك ليبنيوا بأنهم رهن إشارتها.
بين الصحافة و”إمديازن”
تغطي الصحافة الأخبار وتنقل الأحداث، تجدها أحيانا تمدح شخصا وترفع أسهمه في بورصة القيم، وقد تذمه وتهجوه وتنقل أسراره للناس وتحشر أنفها في حياته الخاصة التي لا تعني أحدا.. كذلك كان يفعل إمديازن، من أكرمهم وأطعمهم وأعطاهم بعض الدراهم يحركون “تالونت” أو “الطارة” والكمنجة ليقولوا عنه كلاما جيدا، يرفعه إلى مصاف الصدّيقين والخيّرين وحسن أولئك رفيقا. ومن لم يمنحهم يهجونه وينشرون أسراره أمام الناس وأحيانا يقولون عنه أشياء غير حقيقية.
تماما كما تتغاضى بعض المنابر عن ذكر مساوئ شخص ما أو شركة ما، فقط لأن هذا المنبر يستفيد من الإشهار المقدم مثلا من هذه الشركة أو عندما تتلقى مالا مباشرا من شخص أو جهة. كذلك إمديازن، لقد كان أغلبهم على مر تاريخهم يغضون الطرف عن جرائم يرتكبها النافذون، ولا يقربون إلى أسرارهم وملفاتهم، في مقابل ذلك يكشفون كل أوراق الذين لا يعطونهم.
ومن أوجه التشابه بين إمديازن والصحافة كذلك، أن إمديازن ليسوا كلهم مرتزقة أو تكسبيين، ففهم كثير من المبدعين الذين عاشوا بعيدا عن الأضواء، لا يخالطون الأعيان ولا النافذين وكذلك الأمر بالنسبة للصحافيين، فكثير منهم ليسوا مرتزقة، ومن جعل الناس سواء فليس لحمقه دواء.