اللوحة تحمل ملامح وجه امرأة مجهولة، تقليدية عجوز تنظر للعابرين بالكثير من الريبة والإصرار في نفس الوقت، ترتدي زي النساء العتيق المعروف بالشمال المغربي. غير أنها اختفت عن الأنظار في الأسابيع الماضية، و لم تعد تقاسيم وجهها المسن تزين شارع محمد الخامس، أحد الشوارع الرئيسية بالمدينة، بل عوضتها الكثير من الخانات الفارغة للانتخابات المهنية مر أجلها منذ أسابيع ولم تعد مفيدة.
في سنة 2016 عرفت مدينة المضيق نفس الشيء، حيت “تعرضت جداريات أنجزها تلاميذ وتلميذات ثانوية ابن بطوطة للطمس بعدما تم مسحها بالكامل، وتعويضها بخانات خاصة بالدعاية الانتخابية “. وأدان حينها يوسف سعدون، أستاذ سابق لمادة التربية التشكيلية بالثانوية الإعدادية ابن بطوطة وفنان تشكيلي عملية الإجهاز على الجداريات الموجودة بمدخل وبمحيط المؤسسة والتي أشرف على إنجازها رفقة الأستاذ سعيد لكبير وبمساهمة مجموعة من تلاميذ المؤسسة خلال موسم 2014-2015.
رسمت لوحة القصر الكبير في أواخر 2018 من طرف فنان “الستريت أرت” العالمي فريديكو دراو، بمناسبة التوأمة التي وقعت بين مدينة “القصر الكبير” ومدينة “لاغوس” البرتغالية. وعلى حائط المبنى القديم للمدرسة العتقية ترك له أثرا عالميا وعاد فريديريكو إلى منزله في بورتو البرتغالية إستعدادا للإنطلاق في مغامرات جديدة على غرار جدارية القصر، ومنذ ذلك الحين ألفتها أنظار المارة إلى أن طمستها أطماع انتخابية ضيقة كما يقول إدريس حيضر محامي وعضو منظمة العفو الدولية. مضيفا ”لقد ارتكبتم جريمة شنعاء في حق جدارية الرسام البرتغالي العالمي “ريكاردو دراو “، حيث طمستموها و حذفتموها بألوان باهتة ومنفرة، وسطّرتم مكانها خانات بشعة تتعلق بالانتخابات.
ومن جهته قال الفنان محمد الرايس شفيرة، وهو تشكيلي مهاجر خريج المدرسة الوطنية العليا للفن ”لسوء حظنا في هذه المدينة تم طمس الجدارية من طرف الجهلة العابثين الذين لا يعيرون أي اهتمام بقيمة العمل الفني، وتربية الذوق والرقي بالحس الفني والجمال لدى الصغار والكبار، معلقا أن ”من يحارب الفكر والفن وجمالية المحيط والبيئة والمدينة لا يحب الخير لبلدته ويكره الوعي والحرية والتسامح والسلام الإنساني”.
تبخرت اللوحة التشكيلة وبقيت الخانات الانتخابية فارغة، رغم التحضير لحملة مرشحي ممثلي الغرفة التجارية والمهنية الإقليمية. ”دون أن تعود بأي جدوى على البنيان المحلي للقصر”.
أما الناشط على مواقع التواصل الاجتماعي زكرياء الساحلي القصري فقد تفاجأ بإقدام المسؤولين على إزالة اللوحة كاملة من أجل إعداد خانات الترشح مؤكدا أن مدينة القصر الكبير سبق أن تلقت ”رسالة ملكية” تثمن فيها “الديبلوماسية الموازية” التي نهجتها المدينة في انفتاح مكوناتها السياسية والمدنية على دولة البرتغال عبر الاحتفاء المشترك بمعركة وادي المخازن، وما تلاها من توأمة بين مدينتي لاغوس البرتغالية و القصر الكبير المغربية، وهو ما شهد تبادل الزيارات الثقافية بين البلدين. مؤكدا أن الرسام البرتغالي الشهير Frederico draw حل في صيف 2018 في إطار هذه الشراكة ليرسم جدارية على حائط مدرسة سيدي بوحمد عبارة عن ملامح سيدة مغربية، وهي اللوحة التي تعرضت سابقا لمحاولة طمس معالم العينين من طرف مجهولين، ليسارع أحد فناني المدينة إلى إعادتها في حلتها القديمة بعد أن أزال كل الشوائب.
في يناير 2019 نشر فريديركو دراو، أشغال تقدم جداريتة بالقصير الكبير، على حائطه بالفايسبوك، معلنا لجمهوره، أن الجدارية على قيد الإنجاز، وستنهي قريبا، ثم عاد لينشر لوحته الكاملة، والتي زينت حائط مدرسة عتيقة، لكن أثره الفني، اختفى بقرار يقضي بالتحضير للانتخابات المهنية.
فريديريكو هو فنان عصامي أصبح أحد أعمدة ”فن الشارع” في البرتغال، و يعتبر من بين الوجوه المعروفة في فن الجدارية على المستوى الأوروبي.
فريدريكو، وبحسب موقع ”بلوكال ترافل” ينقل الشكل البشري والتعبير عن الجسد على الجداريات في كل مكان في المدن الكبرى والصغرى. لقد كان عضوًا في “Colectivo RUA” منذ عام 2011 وتضم حياته المهنية العديد من المعارض والمشاريع. وهو أيضًا المنظم والمدير الفني لمشروع “بوتريكا”.
إن المرة الأولى التي يصور فيها “فريدريكو دراو” وجهًا معروفًا كانت في إطاليا، وكان متوترا جدا، حيث يقوم عادةً برسم الوجوه المجهولة باستخدام علب الرش كما لو كانت أقلام رصاص. وسرعان ما أصبحت هذه التقنية “شيئًا خاصًا به”، بعد فترة قصيرة من الكتابة والرسم على الجدران، والتي جربها أثناء دراسته للهندسة المعمارية في مدينة “بورتو” البرتغالية، أصبح يقتحم الشوارع كفنان حقيقي.
وحسب موقع “ستريت بلايس” حصل دراو على ماجستير في الهندسة المعمارية سنة 2011 ليلتحق بمغامرة فريدة من نوعها، الرسم على الجدارسات. ويستخدم Frederico Draw علب الرش بمثابة أقلام رصاص وهي تقنية فريدة عادة ما يستعملها فنانو الجداريات الكبيرة.
يرسم دراو وجوهًا مجهولة، وصورًا لأشخاص عشوائيين لا يعرفهم أحد، متخيلين من ذاكرته الشخصية. كما هو الحال مع جدارية القصر الكبير التي إلتهمها عبث الإنتخابات المهنية دون سابق إنذار.