الرئيسية

“القرمزية” تحرم المغاربة من “الهندية”.. فاكهة الفقراء لم تعد كذلك.

يبدأ مولود ذو ال47 عاماً يومه الماراطوني منذ الخامسة صباحاً، بدفع عربته المتهالكة نحو مبتدأ شارع الحسن الثاني بمدينة بني ملال، وتحت أشجار الزيتون التي نقص عددها نتيجة الزحف العمراني بالمنطقة، يجد مولود ضالته في بيع التين "الهندي" لزبنائه دون التجول به وسط المدينة نظرا لعدم قدرته صحيا على الأمر.

“كانت  الهندية لدى الناس كوجبة ضرورية ، الآن تراجع الاقبال عليها نتيجة ارتفاع أثمنتها” يقول مولود أو “مول الكرموس” كما يحلو للزبناء مناداته والذي يفصل سطح عربته حسب الثمن الذي يختلف بناء على حجم وجودة الفاكهة.

الأثمنة تتراوح بين درهمين وأربعة دراهم، ويرجع مولود الأمر لارتفاع ثمن الصندوق الذي يتراوح ثمنه ما بين 350 و 500 درهم ويفسر مولود هذا الاختلاف بجودة “السلعة” وأصلها بالإضافة إلى محدودية العرض في السوق.

يؤكد مولود أنه يبيع فاكهة التين الشوكي فقط على مدى ثلاثة أشهر.  حيث يبيع فواكه أخرى حسب الفصول ويضيف: “كان مردوده جيدا جدا خلال فصول الصيف في السنوات الماضية، وكنا نستفيد  من عائداته التي ندبر بها تكاليف عيد الأضحى والدخول المدرسي وأمورا أخرى، لكن بعدما أصيب في السنوات الأخيرة بوباء الحشرة القرمزية، غابت هذه الفاكهة وغاب معها قوتنا.”

مولود أكد ان مجموعة من بائعي الهندية لم يزاولوا مهنة بيع الهندية  هذا الموسم بسبب ارتفاع أثمنتها. وأشار أنه خلال السنوات الماضية كان المكان ممتلئا بالعربات سواء من طرف أبناء المنطقة أو آخرين يتوافدون من مدن أزيلال ودمنات وقلعة السراغنة للتجارة في “فاكهة الفقراء” كما يحلو للبعض تسميتها لكن هذا السنة وأمام الارتفاع الصاروخي للأثمنة وندرة “السلعة” أصبح الجميع متخوفا.

وأضاف “نطالب الجهات المختصة بالتدخل الفوري لوقف هذا الخطر الذي يفتك بالصبار، لأنه ويشكل مورد رزق لنا ولأبنائنا في فصل الصيف، ونجني منه دريهمات تساعدنا في تغطية نفقات أسرنا “.

الحشرة المدمرة

تتراوح المساحة الإجمالية المزروعة بالصبار في المغرب بين 120 ألفا إلى 150 ألف هكتارا، ويتواجد بمختلف المناطق بنسب متفاوتة، إذ أن أكبر نسبة منه توجد في منطقتي الرحامنة بـ35 ألف هكتار، وسيدي إفني وآيت باعمران بـ40 ألف هكتار، كما يوجد بمناطق الحسيمة ودكالة وواد زم ونواحي الدار البيضاء.

وظهرت الحشرة القرمزية بالمغرب في أواخر سنة 2014 حسب المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية بالمغرب. وهي تصيب نبات الصبار فقط، فيما تتميز بلون أحمر داكن نظراً لإفرازها لسائل الكرمن، وموطنها الأصلي هو الغابات الاستوائية والشبه استوائية في أميركا والمكسيك. وهي عبارة عن “حشرة قشرية رخوة على شكل بيضوي، تتوفر ذكورها على أجنحة، وبعد تزاوجها مع الإناث تضع هذه الاخيرة البيض الذي يتحول بسرعة إلى حوريات دقيقة تفرز مادة شمعية بيضاء على أجسامها لحمايتها من فقدان الماء والشمس المفرطة”.

و تظهر الحشرات القرمزية على نبات الصبار على شكل كومات بيضاء تشبه القطن. وتتحرك إلى حافة لوحة الصبار حيث يمس الريح خيوط الشمع ويحملها إلى نبات جديد حسب نفس المصدر.

ويؤدي تطاير الذكور المجنحة للحشرة القرمزية إلى إزعاج السكان، إلا أنها لا تشكل، أي خطر على الإنسان أو الحيوان، غير أنها تلحق خسائر مهمة بالإنتاج، لكونها تقتات على نبات الصبار حيث تمتص سوائله مما يؤدي إلى جفافه وموته في حالة شدة الاصابة، إلا أن تناول فاكهة نبات الصبار لا يشكل أي ضرر صحي على المستهلك.

جهات وراء ظهور الحشرة  المدمرة

فعاليات حقوقية و مدنية دقت ناقوس الخطر، واتهمت جهات، بالوقوف وراء الأسباب التي أدت إلى القضاء على الفاكهة وإتلاف هكتارات من الأراضي المخصصة بإنتاج الأخيرة، والتي صمدت لمئات السنين في وجه التقلبات المناخية وتوالي سنوات الجفاف والفيضانات.

واستغرب حقوقيون من تجاهل المسؤولين عن حماية البيئة الذين اكتفوا في وقت سابق عندما كان تواجد الحشرة منحصرا بمناطق محددة باقتلاع مساحة صغيرة جدا من جذوع فاكهة الصبار بواسطة آليات، دون طمرها، وهو ما ساهم بشكل كبير في استمرار انتشارها.

كما طالبوا بتدخل عاجل وناجع لكل المتدخلين للحد من انتشار الحشرة و تسطير برنامج تحسيسي لفائدة الفلاحين من أجل توعيتهم بطرق مكافحة الحشرة المذكورة وتوفير المبيدات والوسائل الضرورية للقضاء عليها، مع توفير أنشطة مدرة للدخل لتعويض ساكنة الدواوير التي تضررت بشكل كبير من الحشرة المذكورة.

محاصرة ومنع انتشار الحشرة الضارة

وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات أكدت في فبراير الماضي، أنها نجحت في انتقاء أًصناف الصبار المقاومة للحشرة القرمزية، وانها بصدد توسيع زراعته في مختلف مناطق المغرب في إطار الفلاحة التضامنية منذ إطلاق مخطط المغرب الأخضر سنة 2008.

وأوضح بلاغ الوزارة، أن الأخيرة تفاعلت منذ الإبلاغ عن وجود الحشرة القرمزية لأول مرة بدوار سانية برجيج بإقليم سيدي بنور، حيث دمرت الحشرة القرمزية مجموع الإنتاج من الصبار بهذه المنطقة، لتنتشر بسرعة كبيرة وغير متوقعة في مناطق الإنتاج الأخرى عبر أنحاء البلاد، إلا أنه “في ظل عدم وجود حلول معروفة لمنع انتشارها ووقف الدمار الذي سببته الآفة على المستويين الوطني والدولي، وضعت وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات خطة طوارئ رئيسية لمكافحة آفة الحشرة القرمزية سنة 2016، بالموازاة مع إجراءات المعالجة الكيميائية واقتلاع ودفن نباتات الصبار المصابة بالكامل”.

وذكرت الوزارة ان البرنامج الذي طورته ركز على البحث العلمي المستهدف، ولاسيما من أجل انتقاء الأصناف المقاومة وتطوير منتجات المعالجة، حيث تم إسناد هذا البرنامج للمعهد الوطني للبحث الزراعي بشراكة مع المكاتب الجهوية للاستثمار الفلاحي والمديريات الجهوية للفلاحة والمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية والمكتب الوطني للاستشارة الفلاحية، مركزة جهودها على ثلاثة مجالات رئيسية للمكافحة: المكافحة البيولوجية، والمبيدات الحيوية وانتقاء أصناف الصبار المقاومة للحشرة القرمزية، وتم وضع البنية التحتية الموازية على مساحة 4 هكتارات بمحطة الاستثمار الفلاحي للمكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لدكالة بالزمامرة.

وأضاف البلاغ، أن برنامج الانتقاء مكن من التوصل إلى نتائج حاسمة من خلال تحديد ثمانية أصناف من الصبار مقاومة للحشرة القرمزية من بين مجموعة أصناف لدي للمعهد الوطني للبحث الزراعي، وهذه الأصناف هي: (مرجانة وبلارة وكرامة وغالية وأنجاد والشراطية وأقرية وملك الزهر).

وقد تم تسجيل الأصناف الثمانية التي تم تحديدها من طرف المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية في “الكتالوج” الرسمي للأنواع والأصناف النباتية بالمغرب. وانطلاقا من الأربعة هكتارات المخصصة سلفا بالزمامرة، تم إنشاء بستان للأمهات على مساحة 20 هكتارا بمحطة خميس متوح التابعة للمكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لدكالة. وبالتالي، تم إنتاج عشرات الآلاف من شتلات الصبار تمت مضاعفتها في أكياس واستخدامها لإنشاء قطع أرضية لاستنساخ الأصناف الثمانية.

وسيتم انطلاق غرس هذه الأصناف بداية من فصل الربيع للموسم الحالي في إطار الفلاحة التضامنية، حيث سيتم اعتماد بساتين الأمهات من قبل المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية وسيتم استخدامها لإنتاج الشتلات من أجل دعم تطوير السلسلة من قبل الوزارة الوصية في إطار استراتيجية “الجيل الأخضر”، وذلك بهدف استعادة حقول الصبار التي دمرتها الحشرة القرمزية ونشر هذه الزراعة بعدة مناطق من المغرب.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram