حبيب أيت إيدار، شاب من مواليد 1981 بحي سيدي داوود بمدينة ورزازات، متزوج وأب لثلاث بنات أكبرهن تبلغ 10 سنوات من العمر، يمتهن التنشيط التربوي والموسيقي.
يحكي حبيب أيت إيدير ل “هوامش” لحظات من معركة مواجهة جائحة كورونا بالمركز الاستشفائي بوكافر بورزازات، يقول حبيب “أتذكر جيدا ذلك اليوم الغريب الذي تم فيه الإعلان عن اكتشاف الفيروس اللعين بمدينة ووهان الصينية وبدول أخرى بالعالم، عادة عند انتهائي مساء من العمل، أذهب إلى إحدى المقاهي القريبة من مسكني، كنت دائما أتجاهل الشاشات التلفزية المتواجدة بالمقاهي التي أجلس فيها والكل يتحدث عن الفيروس اللعين، ورغم ذلك لم أعر أي اهتمام للموضوع، إلى أن تم الإعلان عن ظهور أولى الحالات المؤكدة بالمغرب، هنا بدأت المخاوف والاحساس بجدية وخطورة الأمر، الغموض الذي يلف الفيروس، تضارب الاخبار والتأويلات والاشاعات، ثم ازدادت المخاوف مع إعلان ظهور أول حالتين مشتبه فيهما بورزازات، تخص أجنبيا وزوجته المغربية، بدأ الجميع في الاستنفار، من سلطات إقليمية ومحلية والهيئات الصحية الجهوية والاقليمية، فتطوعت لمهمة تعقيم مستشفى الاختصاصات بوكافر بعد أن قررت لجنة اليقظة اعتباره مركزا لاستقبال الحالات المصابة والمشتبه فيها”.
“كنت ضمن فريق من المسعفين وعمال وعاملات النظافة والمكلفين بالتعقيم، كنت أقوم بالتعقيم والتنظيم وتوزيع ثلاثة وجبات غذائية يوميا على المرضى والحالات المشتبه فيها، جمع وتعقيم النفايات الطبية، وتجميع بقايا أطعمة المرضى داخل المعزل الصحي ليتم تجميعها في المكان المخصص لهذا الغرض”.
يسترسل حبيب في تصريحه للموقع “لقد خضنا يوما كاملا من التكوين في كيفية ارتداء وإزالة الزي الأبيض الخاص بكوفيد ومستلزمات الوقاية من الفيروس والتعقيم المباشر للنفايات وبقايا أطعمة المرضى وطرق تجميعها من طرف مصلحة حفظ الصحة التابع للمديرية الإقليمية للصحة بورزازات، لننخرط مباشرة في العمل.”
يحكي حبيب عن اشتداد الحرب ضد فيروس كوفيد المستجد، “لقد تزايد الضغط كثيرا على كاهلنا بشكل كبير بعد اكتشاف بؤرة تازلفت بواد أونيلا نواحي وارزازات، لمخالطي سيدة قادمة من مدينة مراكش بعدما مرت عبر طريق غير معبدة بعيدا عن أنظار السلطات المحلية، حيث تأكد أن هنالك 16 شخصا مخالطا للسيدة وكلها حالات مؤكدة، لتصبح الوضعية أصعب وأكثر خطورة بعد ظهور بؤرة السجن المحلي حيت تأكد إصابة عدد كبير من الموظفين وبعض السجناء”
ويضيف “كنا جنبا إلى جنب، أطباء وممرضين، عاملات وعمال النظافة وحراس الأمن الخاص، إداريي المستشفيين، سلطات محلية.. ساعات طويلة من العمل الانساني المتواصل لا أحد يعرف الآخر، لكن كنا هناك كعائلة واحدة مستميتة من أجل هذا العمل الإنساني النبيل. ومع توالي الحالات أصبحنا خبراء في الاحصاء حيت أينما ظهرت حالة مؤكدة إلا وأن معادلة الحالة تساوي ثلاثة أو خمس حالات مخالطة وغالبا تكون مؤكدة، ويمكن أن تصبح متوالية حسابية”.
أكد حبيب في حديثه إلينا التأثير النفسي الكبير لهذه التجربة على الأطر الطبية وشبه الطبية من جهة، وعلى المرضى وعائلاتهم من جهة أخرى، “زادت المعاناة والأزمة النفسية والمالية بعد أن تقرر فرض الحجر الصحي الشامل لمدة ثلاثة أشهر لم أر فيها عائلتي وزوجتي وبناتي، إلى جانب العمل لساعات طويلة وأنا أرتدي الزي الأبيض البلاستيكي”.
وبخصوص التعامل مع المصابين، يقول حبيب “أغلب المصابين كانوا متقبلين للمرض وللتوجيهات، وكانوا راضين عن الخدمات بالمستشفى، باستثناء حالات جد قليلة أثر عليها الجانب النفسي أكثر مما جعلها تدخل فيها حالات من الغضب والهستيريا ضد العاملين في المستشفى واتهامنا بالتقصير، وحالات مخالطة لا تكون في حاجة مثلا للعناية المركزة والربط بجهاز الأكسجين، لكنها تحتج وتحاول تحريض المصابين، وتحدث فوضى مطالبة بربطها بالأكسجين هي أيضا، إلى حين تدخل رجال الأمن، رغم ذلك تفهمنا حالتها ولم تتم المتابعة”.
يحكي حبيب قصة، تعبر عن ضرورة استحضار القيم الانسانية في التعامل مع المرضى، قائلا “من أبرز اللحظات الإنسانية القوية التي عشتها في هذه المرحلة، وتركت في نفسي أثرا قويا، ثلاث أخوات من المخالطين، كان أبوهن مصابا بالفيروس في حالة حرجة يرقد بإحدى غرف العزل بالمركز، في إحدى الليالي كانت رغبتهن جامحة لرؤيته، كأنهن أحسسن أنها ستكون اخر ليلة قبل رحيله، أصررن على رؤيته لكن لا يمكن السماح لهن بدخول أقسام العزل، وبعد إصرارهن الكبير، وبعد اتخاذ الاحترازات الطبية اللازمة، لم أجد حلا إلا أن أحمل كل واحدة منهن على كتفي لتشاهد أباها عبر النافدة الخارجية للمعزل الصحي، والمحزن أنها كانت تلك في الحقيقة لحظة وداع، حيث فارق الرجل الحياة صباح اليوم الموالي”.
يؤكد حبيب أن العاملين بالمركز عانوا من الاشاعات والأخبار الزائفة، “في إحدى الأيام كنت بصدد تعقيم سيارات الإسعاف والمدخل الرئيسي لمركز الاستقبال، تعرضت للاختناق والتعب الشديد، بسبب الحرارة المفرطة داخل الزي الأبيض ومستلزماته، حيت أن الكل فر مني، اعتقادا منهم أنني مصاب بالفيروس، ونقلت على الفور إلى مصلحة المستعجلات، لكن بعد إجراء الفحوصات الطبية والتصوير بالأشعة (سكانير ) تأكد أني لست مصابا، كانت لحظة انسانية صعبة تختلط فيها المشاعر والأحاسيس، من الخوف والضعف والاستسلام وعدم التقبل والرضا بالقدر”،
ويضيف، “في الآونة الأخيرة، أثار أحدهم ضجة كبيرة في محيطي العائلي والمهني، بخلق إشاعة أنني حامل للفيروس، وانتشرت الاشاعة إلى أن وصلت إدارة المدرسة حيث تدرس إحدى بناتي، فتم منعها من الدخول إلى القسم، مما أدخلها في هستيريا قوية، الأمر الذي لم أتقبله واستغربته لأنني لو كنت مصابا فإنني من الأوائل الذي سوف يمنع ابنته من الذهاب إلى المؤسسة”.
“سعيد أني انخرطت في هذه التجربة، وقبلها في العمل التطوعي بالهلال الأحمر المغربي، كانت تجربة عملي متطوعا بمركز استقبال كوفيد 19، ضمن الصفوف الأولى للتماس المباشر مع المصابين والمخالطين، تجربة انسانية قوية، رغم صعوبتها أفتخر بها لأنها كانت فرصة لأساهم بما استطيع لخدمة المواطنين” ويسترسل حبيب في حديثه ل “هوامش” قائلا “إنها أزيد من 14 سنة كلها مجانية بدون راتب شهري كمسعف متطوع، إلى غاية هذه السنة حيث انضممت إلى إحدى الشركات المكلفة بنقل المرضى بين أقسام المستشفى”.