لا يكل التجار من حمل الأسفار والبضائع إلى كل سوق يومي كبير، في منطقة تحتضن أكثر من 60 جماعة قروية، تبعد بحوالي 80 كلم عن مدينة مراكش عاصمة السياحة. عرفت بمملكة شجرة الزيتون بالمغرب، ورغم بساطة الطرق المستخدمة في استغلال الزيتون، فزراعته في منطقة السراغنة تغطي مساحة تزيد عن 43 ألف هكتار، بمتوسط إنتاج يزيد عن 100 ألف طن في السنة. ما يتطلب فضاءات يومية مفتوحة على مدار الأسبوع لتسويق البضائع والزيوت واللحوم.
عادة قديمة
دون احتساب باقي الأسواق الصغيرة في المنطقة، فالقبائل لها موعد أسبوعي كل يوم مع سوق جديد، ابتداء من سوق الإثنين بـ ”قلعة السراغنة’، وسوق الثلاثاء في ”تملالت” ثم سوق الأربعاء بـ ”بني عامر”، وسوق الخميس بـ “العطاوية”،وسوق الجمعة بـ “لعرارشة”، فسوق السبت بـ “لوناسدة”، إلى سوق الأحد “لفرايطة” بـ “صنهاجة”.
ما يفسر كثرة الأسواق بالمنطقة هو المنافسة التقليدية القديمة بين قبائل السراغنة، ”عدم تنظيم السوق الأسبوعي من طرف قبيلة معينة، يشير إلى أنها على باب الإفلاس وتفتقد لخصوبة الأرض”.
كوفيد والعيد ..
بعد تدهور الوضع الصحي بالبلاد وتزايد حالات الإصابة بفيروس كورونا في صفوف الأسر القروية، نزل خبر إغلاق الأسواق كالصاعقة. حطم كوفيد 19 كل تلك الأعراف التجارية والتسويقية البسيطة والمعقدة بين القبائل. توقف فجأة الاقتصاد المحلي دون سابق إنذار. لا مجال لتسويق اللحوم المحلية للعموم في منطقة تتصدر قائمة اقتصاد البلاد في إنتاج الحليب واللحوم. “يجب أن تعرفوا بأن السوق هو عمدة المنطقة ولا نملك في المنطقة غير تجارتنا. إننا نعاني منذ شهر مارس الماضي، كل الأسواق المهمة أغلقت، ثنين قلعة السراغنة، خميس العطاوية، جمعة لعرارشة، وهذه هي الأسواق المهمة التي تنعش إقتصاد التجار الصغار” قال أحد التجار لموقع Maroc News Line .
إقليم السراغنة لم يعد على حاله بعد أن أُعلن في يوليوز الماضي عن إغلاق عدد من أسواق القبائل التي تتميز بوفرة المراعي وازدهار الفلاحة وصناعتها. كما يزخر باطن المنطقة بالمياه الجوفية والمعادن الصناعية وعلى رأسها الفوسفاط” لكن تبقى معدلات البطالة كبيرة في صفوف الشباب.
فرحة منقوصة
عندما اقتراب عيد الأضحى (العيد الكبير) الماضي. وهي مناسبة مهمة لإنعاش جيوب الفلاحين، تفاجأ ”الكسابة” في المنطقة بهول الصدمة. لم تصدق هذه الفئة بأن اقتصادها الوحيد قد انتهى، وأن سوق ”الإثنين” الأسبوعي ثاني أكبر سوق بالإقليم، قد أُغلق. وفي 27 يوليوز المنصرم أغلق أيضا أحد أهم الأسواق بالمنطقة، سوق “أحد لفرايطة”.
تسبب إغلاق هذه الأسواق في “تدهور أوضاع جل ساكنة المناطق القروية التي تمثل أكثر من 80% من ساكنة الإقليم، مما دفع بالعديد منها إلى التعبير عن احتجاجها في العديد من جماعات الإقليم”، حسب بيان لحزب الإشتراكي الموحد الذي كان من المشاركين في مسيرة احتجاجية انطلقت يوم الاثنين 7 شتنبر الماضي باتجاه مقر عمالة الإقليم بمدينة قلعة السراغنة.
انتهت إذن التجارة التقليدية ولم يقدم أي دعم مادي جاد للفلاحين، لتعويضهم عن المحنة، حتى فتحت بعض الأسواق بشكل محتشم ولم تعوض خسارة الساكنة المحلية التي كانت ترسل الشكاوي إلى الرقم 1212 وتحتج أمام البلديات.
فيديو : تجار الأسواق ينتفضون في وجه الجماعات المحلية
عودة الحياة تدريجيا
عادت الأسواق المحلية تدريجيا إلى العمل في السادس من نونبر الجاري، حيث يفرش الفلاحون الصغار منتوجاتهم في السوق الأسبوعي “إثنين” قلعة السراغنة وسط الإجراءات الاحترازية والأمنية المشددة، تواجد حولي أكثر من 8 من رجال القوات المساعدة على باب السوق. ولم يخفي تجار الأغنام فرحتهم بكماماتهم الإجبارية. الفلاحون والكسّابة بحاجة لتسويق أزيد من مليون و151 ألف رأس من الأغنام، و 204 آلاف و180 رأسا من الأبقار، وقرابة 58 ألف رأس من الماعز تزخر بها المنطقة بكاملها.
رغم فتح الأسواق تدريجيا غير أن تجارة الأغنام والماعز تروج أساسا في العيد. إن الوضع ما يزال على ما هو عليه بسبب الجائحة التي ألمت بالمنطقة في انتظار الأعياد الأخرى، يتاجر الكسابة الكبار مع الصغار ويبقى الأمل في عودة الحياة قائما لدى فئة عريضة من التجار.