هُناك في قرية أَلْمُو نواحي جماعة تاغبالت، على بعد بعد 75 كيلومترا عن مدينة زاكورة، و35 كيلومترا عن مركز تازارين، خصص شبان الدوار بناية صغيرة لإنشاء فضاء ثقافي من النادر أن تعثر على نظير له في المنطقة.
“أَلْمُو” كلمة أمازيغية تعني المروج أو المنتجع وقد تعني غير ذلك في أماكن أخرى، والكلمة تحيل إلى ماض خِصب بمنطقة تازارين مثل كلمة تميڭانين التي تعني الغابات والأشجار الكثيفة و مّْ الرمان، ومْ يِيرْدْ وغيرها من أسماء الأماكن التي تشير إلى أن الأزمنة الماضية كانت هذه المناطق تتوفر على أنهار وغابات وعيون ومروج لا يتصورها من يرى المناظر القاحلة الحالية.
وإذا بقيت هذه الأسماء بدون أي معنى مع التغير المناخي وتوالي سنوات الجفاف وتحول “الغابات” إلى كتبان رملية، وعدم إيجاد ساكنة الكثير من الدواوير للماء الصالح للشرب وهي التي تحمل إسما “مائيا”، فإن “أَلمو” تحاول بفضل جهود شبابها أن تبقى منتجعا ثقافيا على الأقل، ليتمكن الأطفال والتلاميذ من الإبحار في مروج الكتب ومنتجعات الثقافة إذا لم تسعفها الظروف المناخية في أن تكون “ألمو” بالمعنى الحقيقي للكلمة.
فضاء ألمو الذي شيده هؤلاء الشبان بالدوار المذكور عبارة عن مكتبة مجانية بغرض توفير مكان ملائم لأطفال الدوار للمطالعة الحرة وممارسة أنشطة ثقافية تهم الناشئة بحسب مؤسسي هذه المكتبة القروية المفتوحة في وجه عشاق المطالعة والقراءة والأنشطة المرتبطة بها.
كانت فكرة بناء مكتبة بالقرية مجرد حلم راود شبّان ألمُو خلال بداية الحجر الصحي، لكن سرعان ما تحول الحُلم إلى حقيقة عندما بادر هؤلاء الشبان بترويج الفكرة في الدوار، ثم مباشرة تنفيذها قرب مسجد القرية.
“امتد تنفيذ الفكرة إلى ثلاثة أشهر، منذ رمضان بدأنا بجمع التبرعات من الساكنة، وبدأنا كذلك الأعمال بشكل جماعي”، يقول ابراهيم زكاغ مضيفا: “لقيَت الفكرة ترحيبا لدى ساكنة القرية، وقابلها الجميع بالتشجيع المادي والمعنوي”.
وأوضح إبراهيم، وهو أستاذ متعاقد من أبناء الدوار . أن الهدف من هذه المكتبة المفتوحة في وجه الناشئة هو “تغيير نظرة الناس إلى المدرسة، وجعل الأطفال يهتمون أكثر بدراستهم، من خلال توفير كتب للمطالعة أولا، وكذلك تنظيم أنشطة قراءة، وأنشطة مسرحية، وألعاب ثقافية، كما نسعى كذلك إلى تدريس لغات أجنبية مجانا، وتعليم التلاميذ أساسيات الحاسوب، وغير ذلك”.
وأضاف: “نريد كذلك كسر الصورة النمطية حول المدرسة كمكان سُلطوي وممل، لأن المكتبة ستوفر فضاء يصقل المهارات التي يحتاجها الأطفال في دراستهم وحياتهم، مثل التواصل وغيره”.
يأمل القائمون المتطوعون على هذه المكتبة أن يحاربوا بمبادرتهم هذه، الهدر المدرسي المستفحل في القرية منذ سنوات. فمغادرة المتمدرسين لمقاعد الدراسة في سن مبكرة ليس حكرا على الإناث فقط، بل إن عددا كبيرا من أطفال القرية يغادرون بحثا عن العمل في سن مبكرة جدا.
“ليس السبب هو الفقر بل اعتبار الدراسة شيئا ثانويا وغير نافع، وأن النافع هو البحث عن عمل في أوروبا بالخصوص” يؤكد ابراهيم لـ”هوامش”، ثم يقول “الهجرة تسيطر على تفكير الناس، وأعتقد أن هذا هو سبب مغادرتهم للدراسة. سنة 2019، تلميذة وحيدة حصلت على الباكالوريا، وفي 2020 لم يحصل ولو تلميذا واحدا على الباكالوريا من الدوار”.
إكراهات التسيير
لم يتم خلق هذا المشروع الثقافي لهدف ربحي، فقد تطوع الساكنة لبناء المكتبة وتجهيزها، وتم إطلاق دعوات للتطوع بالكتب والحواسيب، وهو ما استجاب له الكثير من المتطوعين في المغرب وخارجه، وتم تزويد المكتبة بكتب وقصص ولوازم وحواسيب. مع ذلك فإن تسيير هذا المرفق المجاني ليس بالأمر السهل. وإن كان يقدم خدماته صباحا للإناث ومساء للذكور. خدمات متنوعة مثل استعارة الكتب، التكوين في أساسيات الحاسوب، أنشطة القراءة الجماعية، الموسيقى، المسرح، التوجيه المدرسي وغير ذلك.
لكن تدبير كل ذلك بدون ميزانية وبشكل تطوعي تعيقه الكثير من العقبات أهمها في حالة مكتبة ألمو “غياب المتطوعين للمساعدة في
تسيير المرفق. وأعتقد أن السبب الرئيسي لهذا العائق هو الهدر المدرسي وعدم وجود تلاميذ في المستوى الثانوي. لأن التلاميذ في هذا المستوى يمكنهم المساعدة” كما يقول ابراهيم زوڭاغ أحد الذين عملوا على إنجاح هذا المشروع الثقافي التطوعي. مع ذلك فهو يؤكد بأن الأمر لا يدعو إلى التراجع، ويدعو جميع الدواوير إلى خوض إنشاء مكتبات مجانية للأطفال إذ يقول “يجب تنفيذ مشاريع من هذا النوع لأن ما فاجأنا هو التوصل بمئات الرسائل من مختلف الاشخاص داخل وخارج المغرب مستعدون للمساعدة”.