الرئيسية

طبيب مغربي نجا من حصار “الشفاء” يروي لهوامش مأساة القطاع

هو أحد الناجين من حصار وقصف واقتحام مستشفى الشفاء بغزة، وشاهد على جرائم ارتكبت في حق الفلسطينيين والمغاربة، في القطاع المحاصر. كان بإمكانه مغادرة قطاع غزة والعودة إلى إقليم جرسيف؛ من حيث ينحدر، أو إلى مدينة مغربية أخرى، لكنه رفض وقرر البقاء هناك من أجل غزة وأهلها الذين منحوه الكثير. على مدى أزيد من أسبوعين، تواصلت هوامش مع الطبيب المغربي ياسر اليعقوبي، ووقفت على صعوبة التواصل بسبب انقطاع الأنترنيت لأيام متواصلة، كان علينا خلالها انتظار ردود على أسئلتنا، وخلال فترات الانتظار لم يغادرنا قط القلق على مصيره.

محمد حميدي

حينما طوقت دبابات الجيش الاسرائيلي وطائراته المسيرة مجمع الشفاء الطبي، في نونبر الماضي، بقي داخل المجمع 3 أطباء فقط، رفقة مئات المصابين والنازحين. لم يستطع هؤلاء طيلة اثني عشر يوما مغادرة المجمع أو حتى التزحزح من مبناه الرئيسي. وبعد ذلك اقتحم الجيش الاسرائيلي هذه المنشأة الطبية الرئيسية في مدينة غزة، وأخلى الجميع قسرا بمن فيهم الأطباء الثلاثة، يتقدمهم مدير وحدة التصوير الطبي بشمال غزة، ياسر اليعقوبي. 

ياسر اليعقوبي (40 سنة) طبيب مغربي، ينحدر من قرية ارشيدة بجماعة المريجة إقليم جرسيف؛ حيث مقر الزاوية اليعقوبية التي يرقد بها  الولي يعقوب بن عبد الواحد، جد عائلة اليعقوبي، إحدى أكبر خمس عائلات مغربية تقطن في قطاع غزة. 

تلقى اليعقوبي، اتصالات متكررة من سفارتي المغرب في مصر وفلسطين، من أجل تسهيل مغادرته القطاع، إلا أنه ما يزال يصُرّ على البقاء هناك، رغم ضراوة الحرب التي تقترب من شهرها السادس، ومأساوية العيش في غزة. فاليعقوبي، وهو خريج جامعة الأزهر الإسلامية بغزة، يدين “للمدينة بالكثير” كما يقول لهوامش، مسجلا أنه لن يستسيغ “تركها في هذه الظروف”. 

أطباء مرهقون ومستشفيات مدمرة

يحكي اليعقوبي في حديثه لهوامش ما تلا اقتحام الجيش لمجمع الشفاء الطبي “أخرجنا برفقة المرضى بشكل قسري. ثم دمر عمدا كل الأجهزة الطبية، خاصة  تلك الخاصة بالتصوير الطبي والتصوير الإشعاعي، بقصد تأخير المنظومة الصحية في مدينة غزة لسنوات وعقود. خاصة أن إعادة تجهيز المستشفيات رهين بموافقة الاحتلال”. 

ويضيف محدثنا أن سلوك جيش الاحتلال الاسرائيلي “وضع حياة المرضى في مهب الريح. لأن الطبيب لا يستطيع الإقدام على أي إجراء، دون تصوير وتشخيص طبي سابق. عدا أن المعاناة الأكبر  ستتكشف في اليوم التالي للحرب”. 

يوم 18 نونبر أخلت قوات الاحتلال الاسرائيلي مجمع الشفاء الطبي، الذي يضم أكبر مستشفى في القطاع، لتتركه في حالة شبه شلل تام. “باتت المستشفى تعمل بنحو 10 في المئة من طاقتها  الاستيعابية، ولا تقدم الآن سوى بعض الإسعافات والإطعامات الأولية وصرف الأدوية للمواطنين” يؤكد اليعقوبي.

ويلفت المتحدث الانتباه إلى أن “معاناة بعض الفئات، التي تحتاج رعاية طبية متواصلة، قد تضاعفت؛ خاصة ذوي الأمراض المزمنة، والنساء اللواتي يتابعن حملهن في الأشهر الأخيرة، إضافة إلى الأطفال”. ويضيف الطبيب “تزايدت أعداد المرضى في صفوف الأطفال، لأن المستشفيات الثلاثة المتخصصة في طب الأطفال بالمدينة سُويت بالأرض”. 

“في أحسن تقدير  لم يتبق إلا 4 في المئة من الكوادر الطبية في مدينة غزة، نتيجة نزوح الأطباء مع ذويهم إلى الجنوب”، كما يفيد اليعقوبي. الأمر الذي يسبب ضغطا على من ظلوا هناك ويسبب لديهم إرهاقا شديدا نتيجة المداومة لفترات أطول. 

“غياب المواصلات، أو العمليات العسكرية، أو قصف بيت الأسرة أو بيت قريب؛ كلها أسباب تعيق يوميا وصول أعضاء الطاقم الطبي إلى مستشفى الشفاء. وهو أمر لا يمكن أن يُلام أحد بشأنه”، يشرح اليعقوبي ما يضضطره إلى المداومة لوقت طويل.

إلى ذلك تتعمد قوات الاحتلال “تدمير أغلب سيارات الإسعاف والسيارات الإدارية فضلا شح الوقود اللازم لتشغيل ما تبقى منها”، وهو ما يزيد من أعباء الأطباء الذين لازالوا في الشمال، حيث أنهم مضطرون إلى “المشي على الأقدام أو امتطاء الدراجات الهوائية من أماكن لجوئهم إلى المستشفى، ما يشكل تحديا لقدرتهم على الاستمرار وتحمل أعباء المرضى”.

في قلب المجاعة

يحمل الطبيب الشاب يوميا أيضا عبء جلب الحطب اللازم، لكي يطهو ما يسد رمقه وإخوانه وباقي أسرته المتبقية في المدينة. ويقول لهوامش: “لا يوجد غاز طهي في غزة. ولذلك نذهب كل يوم في رحلة صباحية للبحث عن الحطب بين أنقاض المنازل، كي نطهو طعامنا”.

حسب إحصائيات رسمية فلسطينية، ما يزال  ستمائة ألف شخص في شمال قطاع غزة، جميعهم  يعيشون “في قلب المجاعة”، كما يؤكد اليعقوبي، بسبب “شُح المساعدات الإنسانية التي تصل إلى الشمال، وغلاء أسعار المواد الغذائية الأساسية، التي باتت فلكية”؛ حيث أن “سعر كيلوغرام واحد من الدقيق يبلغ 30 دولارا أمريكيا (300 درهم مغربي)، أما السكر فبلغ سعره 90 درهما للكيلوغرام. إنه قليل جدا ونادر، ولا نكاد نجده” يقول محدثنا.

“ما يصل إلى القطاع على قلته، يعوزه التأمين من قبل الشرطة المدنية، التي توقفت عن العمل نتيجة الاستهداف المتكرر من قبل قوات الاحتلال، وهو الأمر الذي حول المدينة إلى غابة تسودها الفوضى في توزيع المساعدات الإنسانية” يضيف الشاب المغربي. 

وفي الواقع لم تسلم طوابير المدنيين الذين يحجون إلى أماكن توزيع المساعدات بالمدينة، من استهداف مدفعية الجيش الإسرائيلي وقناصته. وكان آخرها القصف الذي استُشهد على إثره أكثر من 100 فلسطيني، كانوا يترقبون وصول شاحنات المساعدات عند دوار النابلسي بمدينة غزة.

ومن شدة الجوع، يؤكد المتحدث “اضطرت ساكنة غزة إلى تناول علف الأغنام والأبقار من شعير وذرة، وأكل العصافير، ما قد يخلف مضاعفات في الجهاز الهضمي وبنية ومناعة الغزيين”، وفقا للمتحدث. 

أما الحصول على المياه للاستخدام الشخصي، فأصبح ترفا، حسبما يكشف اليعقوبي: “لأغراض الاستحمام والوضوء بتنا نشتري 1000 لتر من الماء، المخصص للغسيل وليس للشرب، بما يعادل 150 إلى 200 درهم مغربية”.

اتصالات “عسيرة”

“لم يجر أحد منا مكالمة هاتفية على مدى ثلاثة أشهر”، يقول الطبيب المغربي، متحدثا عن انقطاع التواصل مع أفراد أسرته الذين نزحوا إلى جنوب وادي غزة، بالنظر إلى قطع خطوط الاتصالات في كامل القطاع.

ويستدرك اليعقوبي: “المكالمات الهاتفية لم تتحسن إلا بصعوبة بالغة خلال الأيام العشرة الماضية”.

أمام هذا الوضع تبقى الشرائح الإلكترونية الحل الوحيد لسكان شمال غزة، للتواصل مع عائلاتهم، لكنها مُكلفة “مقابل ساعة إنترنت واحدة ندفع ما يساوي عشرين درهما مغربيا”، يقول الطبيب المغربي.  

 ولا تعمل هذه الشرائح في كل الأماكن، الأمر الذي  يضطر مُحدثنا على غرار باقي ساكنة مدينة غزة، إلى قطع مسافات طويلة مشيا على الأقدام، للعثور على مكان جيد لالتقاط الشبكة وإجراء اتصال يطمئن من خلاله على أفراد الأسرة. 

اليعقوبي: ضمن الشهداء الخدج أطفال مغاربة

 “دُمر منزلنا، وتم قصف منزل عمي بطائرة F16، فاستشهد ابنه. وهو واحد من ستة شهداء من أبناء عمومتي،  جلهم يحملون الجنسية المغربية” يقول اليعقوبي في حديثه لهوامش.

وعلى قائمة الشهداء المغاربة يوجد، كما يكشف الطبيب المغربي بنبرة متأسفة “خدج توفوا في مستشفى النصر للأطفال، جراء حصار قوات الاحتلال للمستشفى في نونبر الماضي”.

وتقدر الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان مغاربة غزة بـ 2000 شخص. استشهد عدد منهم حسب تقارير إعلامية. وآخر الشهداء المغاربة “غزة” الطفلة من أب فلسطيني وأم مغربية. غزة، التي ارتقت شهيدة جراء قصف إسرائيلي عنيف في محيط مستشفى الشفاء، أواخر فبراير الماضي. 

هذه الطفلة كانت ترعى شقيقيها الصغيرين (أربع سنوات وسنة واحدة) بعد أن استشهد والداها، قبل فترة، وفقا لما كشفته الناشطة المغربية سهام بلمقدم، التي نعت الطفلة عبر حسابها الشخصي على منصة فيسبوك. 

وأجرت سفارة المغرب في مصر أربع عمليات إجلاء متباعدة بين شهري نونبر ويناير، غادر على إثرها أكثر من 200 مغربي القطاع المحاصر. ونقلت هوامش في وقت سابق مناشدات عدة أسر كالمقوسي والخيامي والزعلان، التي تتخذ من مدينة ومعبر رفح ملجأ، من أجل التعجيل بالإجلاء، خاصة وأن ضمنهم حالات خاصة تستدعي إجلاء فوريا، كما هو الحال بالنسبة لمازن المقوسي (50 سنة) الذي يُعاني ضعفا في عضلة القلب، ولا يزال عالقا في المعبر منذ أكثر من شهرين.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram