الرئيسية

تلاشت أحلامهم في المغرب.. جدل حول ’’العودة الطوعية‘‘ لآلاف المهاجرين إلى بلدانهم

قطعوا مئات الأميال عبر الصحراء الكبرى، مشيا على الأقدام، أو على متن شاحنات مهترئة، وتحدوا أشباح عصابات الاتجار بالبشر وخلايا الإرهاب المُتربصة في الطريق، سعيا وراء تحقيق حلم الوصول إلى أوروبا. غير أن عدة آلاف منهم تخلوا العام الماضي، بعد وصولهم إلى المغرب، عن الحلم الذي نسجوه في مدن وقرى ومداشر إفريقيا جنوب الصحراء.          

محمد حميدي

5 آلاف و844 مهاجرا غير نظامي عادوا إلى بلدانهم، هذا الرقم كشفت عنه وزارة الداخلية المغربية، في بلاغ يوم 23 يناير الماضي، ويخصُ أعداد مواطني إفريقيا جنوب الصحراء، المرشحين للهجرة غير النظامية، الذين عادوا “طوعا” إلى بلدانهم في سنة 2023. عودة جرت في “احترام لحقوقهم وكرامتهم” و”بالتنسيق مع المنظمة الدولية للهجرة والبعثات الدبلوماسية” حسب نفس البلاغ.

وقالت وزارة الداخلية إن الرقم المسجل لأعداد المهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء العائدين بصفة طوعية إلى بلدانهم، يُشكل قفزة بنسبة 62 في المئة، مقارنة بالرقم المسجل سنة 2022. وهي قفزةٌ يراها حقوقيون وباحثون في مجال الهجرة واللجوء تحدثوا  لـ”هوامش” تعبيرا عن تزايد لجوء المهاجرين إلى “آخر الخيارات”، بعد تنامي “شعورهم بالخوف” و”ضيق الأفق” في المغرب. 

أقل من نصف المهاجرين عادوا عبر المنظمة  

يبدو أن المهاجرين العائدين إلى بلدانهم بصفة طوعية، وبتنسيق بين السلطات المغربية والمنظمة  الدولية للهجرة، لا يتجاوزون نصف العدد الذي أعلنته وزارة الداخلية؛ ففي تصريح حصري لهوامش أفادت مريم ماسايا مساعدة الاتصال الأولى بفرع المنظمة في المغرب، أن “إجمالي عدد المهاجرين الذين عادوا بشكل طوعي من المملكة إلى بلدانهم الأصلية، في إطار برنامج دعم الهجرة الطوعية وإعادة الإدماج المعروف اختصارا ب AVRR، الذي تنفذه المنظمة، بلغ 2007 مهاجرين، خلال سنة 2023″، مُسجلة “وجود انخفاض طفيف مقارنة بالعام الماضي؛ حيث أُعيد 2457 مهاجرا طوعا”.

ولا توجد إحصائيات رسمية تفصيلية عن أعداد المهاجرين الذين يعودون طوعا إلى بلدانهم، بتنسيق مع البعثات الدبلوماسية لبلدانهم. إلا أن وزيرة خارجية السينغال، كانت قد أشرفت بنفسها، في 27 يوليوز من السنة الفارطة،  على إعادة 450 من مواطنيها إلى البلاد،  50 منهم عبر رحلة جوية، و400 عبر رحلات بواسطة الحافلات. 

وتأتي عملية عودة هؤلاء المهاجرين غير النظاميين، حسب ما نقلته وسائل إعلام مغربية، عقب “خوض بعضهم إضرابا في مراكز استقبال” بمدينة الداخلة، فيما “كان آخرون يتلقون العلاج بمستشفياتها إثر إنقاذ مراكبهم” من قبل البحرية الملكية.

هذا الأمر طرح في حينه أسئلة حول مدى امتثال عمليات عودتهم لمبدأ الموافقة الحرة المستنيرة، خاصة في شقه القاضي بتوفير”وقت كافٍ للنظر في الخيارات الأخرى المتاحة والاستعداد للعودة؛ وإمكانية تعليق أو إعادة النظر في الموافقة إذا تغيرت الأنشطة المقترحة أو الظروف أو المعلومات المتاحة”، حسب ما تنص عليه الفقرة الخامسة من ورقة بعنوان “ضمان العودة الآمنة الكريمة وإعادة الإدماج المستدامة”، صادرة في مارس 2021، عن الأمم المتحدة.

في هذا الصدد، وجوابا عن سؤال حول تقيد العمليات التي تشرف عليها المنظمة الدولية للهجرة- فرع المغرب، بمبدأ الموافقة الحرة المستنيرة وإتاحة الوقت الكافي للمهاجر للنظر في قرار العودة، تشير مريم ماسايا إلى أن “المدة الفاصلة بين تعبير المهاجر عن رغبته في العودة الطوعية، ورحلة عودته إلى بلده الأصلي، تصل في المتوسط إلى شهرين”.

“لكن هذه المدة عموما، تختلف من حالة إلى أخرى، استنادا إلى تقييم المنظمة لحالة الضعف لدى  المهاجر. أحيانا قد لا تتعدى أسبوعين، وقد تدنو أو تلامس في أحيان أخرى 4 أشهر”، تشرح ماسايا.

وتؤكد المتحدثة أنه على قصر أو طول تلك المُدد التي تتخللها جملة من الإجراءات الإدارية، تُقدم المنظمة مساعداتها للمهاجرين على ثلاث مراحل. تَبسطُها ماسايا في حديثها إلينا: “في المرحلة الأولى، ما قبل الرحيل، يستفيد المهاجر من أنشطة توعوية لصقل وعيه، ويتم إرشاده ومساعدته إداريا ولوجستيا وإنسانيا. وفي المرحلة الثانية، وهي المرحلة المتقدمة، تمنح المنظمة للمهاجرين مساعدة سفر (مساعدة عبور، مرافق طبية، إلخ). أما خلال المرحلة الثالثة، أي بعد وصول المهاجر، فتُمده المنظمة بصنفين من المساعدات. الصنف الأول يخص المساعدات الفورية (مساعدة الاستقبال، النقل إلى الأمام، إلخ). والصنف الثاني مساعدات على المدى الطويل؛ تروم  دعم إعادة التكامل. كما تُعالج الضعف الفردي طوال عملية AVRR”.

وعن مصير المهاجرين العائدين إلى بلدان مُضطربة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، كما هو حال بلدان الساحل الإفريقي والسودان، تُفيد ماسايا بأن عمليات العودة الطوعية للمهاجرين من المغرب، التي تشرف عليها المنظمة حريصة على “الحفاظ على مبدأ عدم الإضرار، وعدم تعريض الأفراد لمخاطر إضافية عبر فحص المهاجرين المحتملين للعودة، وجمع جميع المعلومات ذات الصلة حول خلفية الشخص، بما في ذلك الضعف المحتمل”.

خوفٌ وضيقُ أفق 

الناشط الحقوقي عمر ناجي، ينفي الصفة الطوعية عن العمليات المعلن عنها لعودة المهاجرين غير النظاميين من المغرب إلى بلدانهم الأصلية (جنوب الصحراء)، بما فيها تلك التي تشرف عليها المنظمة الدولية للهجرة. ويعزوها إلى سلسلة أسباب باتت تضغط على هؤلاء المهاجرين، من حلقاتها: “الإقفال شبه الكلي لطُرق الهجرة من شمال البلاد الى أوروبا، حيث تطلب منهم شبكات التهريب الناشطة في هذه الطرق مبالغ مالية تُلامس أحيانا سقف 100000 درهم”. وهي مبالغُ حسب ناجي ، “فوق طاقة هذه الفئة، ولا يَقدر على تأديتها إلا (بعض) المغاربة”.

“هناك سبب آخر وهو العسكرة الاستثنائية لمحيط سياج مليلية، التي اتخذت عدة أوجه؛ كإكمال بناء سياج علوه 7 أمتار بشفرات حادة، وحفر خندق بعمق 3 أمتار، وكذا حصول المغرب على أجهزة متطورة للمراقبة بما في ذلك الطائرات بدون طيار (درونات)، وتعبئة المئات من أفراد  القوات العمومية ليلا ونهارا”، يضيف ناجي، العضو بالجمعية المغربية لحقوق الإنسان- فرع الناظور، في تصريح لهوامش.

ويستحضر المتحدث واقعة وفاة 24 مهاجرا أثناء محاولتهم العبور عن طريق القفز بشكل جماعي فوق سياج مدينة مليلية المحتلة، يوم 24 يونيو 2022؛ فالواقعة التي جاءت نتيجة “التدخل العنيف للقوات العمومية” كما يقول، أو “مناوشات عنيفة أسفرت عن إصابة 140 فردا من أفراد الأمن، خمسة منهم بإصابات خطيرة” حسب بلاغ لوزارة الداخلية المغربية في حينه، أدت في رأي عمر ناجي  إلى انطباع “صورة مخيفة لدى المهاجر، حول عبور السياجات الحدودية”. 

ويخلص الناشط الحقوقي إلى أن كل ما سلف “يؤثر في مشروع الهجرة” الذي يضعه المهاجرون الوافدون من إفريقيا جنوب الصحراء إلى المغرب “بهدف أساسي وهو العبور إلى أوربا”، ويستبعد ناجي تماما أي مُساهمة “لنُدرة الفرص الاقتصادية لهذه الفئة داخل المملكة”، في حَملها على العودة إلى بلدانها.

الباحث في مجال الهجرة واللجوء، حسن عَماري، يُوافق عمر ناجي القول إن “عمليات عودة المهاجرين التي يجري الحديث عنها غير طوعية”؛ ويذهب عماري في تصريحه لهوامش إلى أن “هذه العمليات في باطنها عودة قسرية تتدثر بصفة العودة الطوعية”.

عماري يشرح أن اختيار المهاجر العودة طوعا إلى بلاده “يكون ناشئا عن إحساسه بضيق أفق العبور إلى الضفة الأخرى من المتوسط، واستحالة معانقة حلم الوصول إلى أوروبا”. إنه، أي المهاجر، حسب ذات المتحدث، يواجه أثناء مُكوثه في المغرب “عدم تجديد بطائق إقامة المهاجرين، وتشديد مسارات الهجرة سواء عبر البحر الأبيض المتوسط أو عبر مسار الأطلسي (على من يرغبون في العبور إلى جزر الكناري)، والتقارب الكبير بين المغرب وإسبانيا في ما يتصل بملف الهجرة، المُترجم عبر  اتفاقات كتابية وشفوية”.

الدعم المالي الأوروبي..و”دور الدركي”

حين يتحدث الناشط الحقوقي عمر ناجي عن دور ما يصفه “عسكرة الحدود” في عودة الآلاف من أفارقة جنوب الصحراء إلى بلدانهم عوضا عن التشبث بالهجرة إلى أوروبا، يُشير إلى أن البلاد “تلعب دور الدركي”.

 ويقول  ناجي: “أغلب الرحلات الجوية التي تعيد هؤلاء المهاجرين تتم بتمويل من الاتحاد الأوروبي”. 

 أثناء زيارة له إلى المغرب، في مارس من السنة الماضية، أعلن مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون الجوار والتوسع، أوليفر فالهيري، عن إطلاق الاتحاد والمغرب، برنامجا شاملا لمعالجة الهجرة بقيمة 152 مليون يورو، مُدته أربع سنوات. ويهدف البرنامج، حسب الموقع الرسمي للمفوضية الأوروبية، إلى تعزيز “إجراءات إدارة الحدود المغربية في مكافحة شبكات التهريب، ودعم استراتيجية المغرب للهجرة واللجوء، فضلا عن العودة الطوعية وإعادة إدماج المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية، وفقا للمعايير الدولية في مجال حقوق الإنسان”.

وينضاف المبلغ المذكور إلى حزمة مساعدات مالية أوروبية تلقاها المغرب، خلال السنوات الماضية، عبرَ آليات تمويل مختلفة. من أبرز هذه الآليات صندوق الطوارئ الائتماني الأوروبي من أجل إفريقيا، المعروف اختصارا بEUTF Africa، والذي حصل المغرب من خلاله على ما يفوق 234 مليون أورو، بين سنتي 2015 و2022، وُجهت 10 ملايين أورو من هذه الأموال، أي ما نسبته 4 في المئة، “لدعم وتطوير حكامة الهجرة والعودة الطوعية للمهاجرين”، استنادا إلى وثيقة صادرة عن المفوضية الأوروبية، في فبراير من السنة الماضية.

وبحسب ذات الوثيقة التي تحمل عنوان “دعم الاتحاد الأوروبي للهجرة في المغرب support migration EU ، فإن من “ثمار” الدعم المالي المذكور “عودة 2908 مهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، طوعا، إلى بلدانهم الأصلية”.

وحسب ما استقته منصة هوامش من مصادر متطابقة، فإن عددا لا بأس به من المهاجرين الذين عادوا إلى بلدانهم، في إطار “العودة الطوعية”، يبحثون سبل محاولة الهجرة مرة أخرى والرجوع إلى المغرب، بسبب انسداد آفاق الشغل في بلدانهم.

وحاولنا في منصة هوامش، على مدى أسابيع، التواصل مع هؤلاء المهاجرين، لكننا لم نتمكن من نقل أصواتهم إما بسبب انقطاع الاتصال، أو بسبب تخوفهم من التصريح والكشف عن رغبتهم ما قد يعرقل خططهم للهجرة مرة أخرى.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram