الرئيسية

“لا تصدقوا ويكيبيديا”| مأساة تاراخال: 15 قتيلا و10 سنوات من الإفلات من العقاب 

اليوم، وبعد مرور عقد من الزمن على تلك المأساة، تقلب "هوامش" صفحات عشر سنين من التاريخ؛ لتعود إلى قضية إنسانية تمثل واحدًا من جراح الهجرة التي لا تندمل، وفصلًا آخر من فصول الإفلات من العقاب، وعمى العدالة عندما يكون الضحية مهاجرًا إفريقيًا. مرت عشر سنوات على ما بات يعرف بـ"مأساة تاراخال"، وهي العملية التي قام فيها الحرس المدني الإسباني بإطلاق النار على مهاجرين غير نظاميين بسواحل سبتة، يوم 6 فبراير 2014، ما تسبب في وفاة 15 مهاجرًا غرقًا أثناء محاولتهم دخول المدينة.

“هوامش”| سعيد المرابط: 

كثيرًا ما كان المغرب، شماله بالتحديد، حيث الحدود مع إسبانيا، الدولة الواقعة على الجنوب الأوروبي؛ مسرحًا لأحداث ترتبط بالهجرة غير النظامية، وكثيرًا ما رافق تدفق المهاجرين مآسٍ إنسانيّة؛ يراها كثير من الحقوقيين، جرائم ضد حقوق الإنسان، تتعدى حدود المغرب، لتصل أحيانا إلى حدود الهروب الأوروبي من المسؤولية والعقاب، وهم الذين يدعون أنهم سدنة الحقوق والعدالة.

يوم الثلاثاء الماضي، حلت ذكرى الـ6 فبراير الأسود، وهي واحدة من مآسي تلك الحدود، وما حدث قبل عشر سنوات من اليوم، يجعل من غير المرجح على الإطلاق أن يتم نسيانها؛ إنها مأساة المهاجرين في معبر “تاراخال” بسبتة، واحدةٌ من القضايا التي تعدت حدود النسيان، تجاوزت حدود الأمكنة، ولم يعد يحدها في النهاية إلا القانون الدولي.

ففي ذلك الفجر الأسود من يوم 6 فبراير 2014، غرق خمسة عشر مهاجرا أثناء محاولتهم الوصول إلى شاطئ سبتة، سباحةً، في حين استخدم عناصر الحرس المدني الإسباني؛ معدات مكافحة الشغب ضد حوالي 200 شخص من مواطني دول جنوب الصحراء الكبرى الذين شاركوا في محاولة العبور تلك.

اليوم، وبعد مرور عقد من الزمن على تلك المأساة، تقلب “هوامش” صفحات عشر سنين من التاريخ؛ لتعود إلى قضية إنسانية تمثل واحدًا من جراح الهجرة التي لا تندمل، وفصلًا آخر من فصول الإفلات من العقاب، وعمى العدالة عندما يكون الضحية مهاجرًا إفريقيًا.

“مرت عشر سنوات وتكررت قصة تاراخال بمليلية في يونيو 2022، وفي الأخيرة يمكننا أن نتحدث بالفعل عن مذبحة، حيث قُتل على الأرجح مائة شخص. وكما هو الحال مع تاراخال، فإن السردية الأولية للحكومة وقوات الأمن لا تتطابق على الإطلاق مع سردية الناجين”، وفق ما تقوله الصحفية الإسبانية، لوثيلا رودريغيث.

عوامل عدم النسيان 

العامل الرئيسي الذي يمنع نسيان تلك التراجيديا؛ هو القائمة الطويلة من القتلى، حيث تم التعرف على 13 شخصًا وظل اثنان مجهولين، فيما خمسة من القتلى، مثل الكثيرين الذين غرقوا أثناء محاولتهم الوصول إلى إسبانيا، يرقدون في لحدهم بمقبرة “سيدي مبارك” في مدينة سبتة.

العامل الثاني هو التدفق المستمر لـ”السباحين”، كما يسمي أفراد قوات الأمن هؤلاء المهاجرين، المنحدرين من المغرب ومن دول جنوب الصحراء الكبرى، والذين يحاولون الوصول إلى أراضي الاتحاد الأوروبي، عن طريق القفز في البحر بحقيبة ظهر بدون أمتعة، سوى هاتف محمول وشاحن ملفوف جيدًا في البلاستيك.

اليوم، وبعد مرور عشر سنوات على تلك المأساة، لا زلنا نرى في كل مرة مهاجرين يرمون بأنفسهم إلى الماء، محاولين الالتفاف على حاجز الأمواج الذي يفصل مدينة سبتة عن مدينة الفنيدق، وإسبانيا عن المغرب، بحيث لا يستطيع أي شاهد في تلك المنطقة من العالم أن ينسى ذكرى تلك المأساة.

أما العامل الثالث فهو استمرار القضية في المحكمة، فرغم مرور 3650 يومًا من ذلك اليوم الحزين، لا زالت القضية تمر بتحولات ومنعطفات قانونية؛ حيث تنظر المحكمة الدستورية في طلب إسقاط “قانون تكميم الأفواه” المقدم من محامي عائلات الضحايا، الذين يتهمون في شكاواهم الحرس المدني الإسباني، بقتل أبنائهم.

ورفعت الدعوى لأول مرة في محكمة التحقيق في سبتة، في أكتوبر 2019، ثم في محكمة قادس الإقليمية في يوليوز 2020، التي اعتبرت أن المواد التي استخدمتها الشرطة كانت “كافية ومتناسبة”؛ لترفع أيضًا إلى المحكمة العليا في يوليوز 2022.

وتنتظر المنظمات التي تدافع عن عائلات القتلى، الآن انتهاء الموعد النهائي، النظر في الدعوى بعد أن قبلت المحكمة الدستورية طلبها للحصول على العدالة.

يوم السبت الماضي، خلال إحياء ذكرى الفاجعة، أكد المحامون لوسائل الإعلام المختلفة أنهم “سيتوجهون إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان إذا لم تنصفهم عدالة إسبانيا”.

الاتهامات التي توجهها المنظمات غير الحكومية، الداعمة للضحايا، وأهمها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تشير إلى جرائم “الحرمان من المساعدة، القتل، والاستهتار الذي يؤدي إلى الوفاة”.

وفي الوقت نفسه، تمكن محامي أحد المهاجرين الذين تمكنوا في ذلك اليوم من الوصول إلى الأراضي الإسبانية؛ والذي أعيد قسرًا من فوره، في سن الـ15 عامًا بمعية 22 آخرين؛ من إحالة قضيته إلى لجنة التعذيب التابعة للأمم المتحدة، بمساعدة منظمة “المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان” (ECCHR).

على “الجبهة الجنوبية”: يمكن أن يحدث ذلك مرة أخرى

لا يزال الحرس المدني في سبتة صامتًا بشكل مطلق، إنهم يفضلون عدم الحديث لوسائل الإعلام حول قضيةٍ مفتوحة وجرح لم يندمل. 

ومثل زملائهم، المشاركين في مأساة سياج مليلية، يشعر رجال الشرطة الإسبان بالظلم والذم بسبب الآراء التي لا زالت تدينهم حتى بعد مرور 10 سنوات.

“هل تعتقد أننا فرحون بإطلاق الرصاص المطاطي على الأشخاص الذين يأتون للسباحة؟ اللعنة، هذا محض افتراء!”، يحتج أحد الشرطيين القدامى، الذين عملوا في سبتة لمحاربة تهريب المخدرات والهجرة غير النظامية.

ما يحدث في تلك المنطقة، وهو ما يطلق عليه رجال الشرطة الإسبان باللغة العامية “الجبهة الجنوبية”، يلخصه هذا الشرطي، لصحيفة “إِلْبيريوديكو”، الفترة التي قضاها في سبتة منذ سنوات، “هناك تتعلم ما يعنيه أن تكون وحيدًا، وتعلم أنه لن يدعمك أحد إذا حدث شيء ما، وأن ما سيحدث من الأفضل ألا يحدث في دوريتك. وإذا حدث فلن يفهمك أحد”.

وقدمت وزارة الداخلية الإسبانية في ذلك الوقت، بقيادة خورخي فرنانديز دياز، أدلة على القضية، وهي مقاطع فيديو، تفيد بأن أي رصاصة مطاطية لم تصب المهاجرين الذين كانوا في الماء، على الرغم من إطلاق النار على 145 منهم.

وكذلك حول دور زوارق الدرك المغربي، التي وجهت إليها أيضًا اتهامات بـ”الإهمال” وعدم تقديم المساعدة للمهاجرين، ولكن المنظمات غير الحكومية، المشاركة في القضية، ظلت دائمًا تصف تلك الفيديوهات بأنها “أدلة باطلة وغير كاملة”.

والآن، وبعد مرور عشر سنوات، يعلم الجميع في سبتة أن ذلك يمكن أن يحدث مرة أخرى؛ أحد أفراد قوات أمن الدولة في سبتة، كان واضحًا في تصريح لـ”إِلْبيريوديكو”، حيث يقول “بالطبع يمكن أن يحدث ذلك مرة أخرى، وسوف يحدث مرة أخرى”. 

كلامه يشير إلى أن العديد من حالات الغرق يمكن أن تحدث في محاولة جماعية أخرى في أي يوم، رغم أنه يتجنب حقيقة أن المهاجرين المنهكين يتم استقبالهم من طرف زملائه بالعصي والرصاص المطاطي، كما حدث في فاجعة مليلية.

جدير بالذكر، أن ما حدث في “تاراخال”، عدل بروتوكول عمل قوات مكافحة الشغب على “الحدود البرية مع المغرب” ويقصد بذلك عند سياج سبتة ومليلية المحتلتين. 

ومنذ ذلك الحين، مُنع الحرس المدني والشرطة من إطلاق قنابل الدخان أو الرصاص المطاطي على المهاجرين الواقفين على السياج، أو المعلقين به، أو الذين يحاولون عبور حاجز الأمواج نحو المدينتين المحتلتين.

تصريح هذا الشرطي الإسباني، جاء قبل يومين فقط من ظهور وزير الداخلية الإسباني فرناندو غراندي مارلاسكا في مجلس الشيوخ، لشرح أزمة الهجرة لعام 2023؛ والذي توقع أن يتكرر نفس الأمر، حيث يسبح المهاجرون عبر مياه “تاراخال”، متحدّين برد شمال إفريقيا المتوسطي، والرياح القوية التي تهب على ذلك الساحل. وقبل ذلك، في الفترة ما بين 31 يناير و2 فبراير، سبح 32 قاصرا مغربيا من أجل الوصول إلى “تاراخال”. 

كرونولوجيا المأساة: عقد من اللاعدالة 

عشر سنوات مرت على مقتل 15 مهاجرًا بساحل سبتة، بعد استخدام الحرس المدني الإسباني لمواد مكافحة الشغب، وهي “عشر سنوات من الإفلات من العقاب”، كما تصفها  “اللجنة الإسبانية لمساعدة اللاجئين” (CEAR)، المنظمة الإسبانية غير الحكومية المتخصصة في شؤون الهجرة واللاجئين.

وخلال هذا العقد من الزمن؛ تمت أرشفة القضية وإعادة فتحها ثلاث مرات، بينما لاتزال “عائلات الضحايا تنتظر الحقيقة والعدالة والتعويض، حتى لا تتكرر الأحداث المؤسفة والمأساوية مثل تلك التي شهدناها ذلك الصباح مرة أخرى”، حسب ما تقوله المنظمة الإسبانية.

في الـ6 من فبراير 2014، حاول حوالي 200 مهاجر دخول سبتة، ووصل نحو 90 منهم إلى حدود شاطئ “تاراخال”، ومن ثم حاولوا السباحة لدخول المدينة.

وغرق ما لا يقل عن 14 منهم وأعيد 23 آخرون إلى السلطات المغربية من نفس الشاطئ دون القيام بأي إجراء رسمي. 

وبينما كان هؤلاء الأشخاص في المياه، حاول عناصر الحرس المدني منعهم من الوصول إلى اليابسة من خلال الاستخدام المفرط للقوة ومواد مكافحة الشغب، مثل الرصاص المطاطي وقنابل الدخان.

يوم 13 فبراير 2015، استدعى قاضي التحقيق في القضية 16 رجلا من الحرس المدني كانوا حاضرين في ذلك الصباح، للإدلاء بشهادتهم.

حينها، استبشرت المنظمات الحقوقية، التي دعمت القضية، خيرًا ببدء الإجراءات القضائية أخيرًا؛ من أجل توضيح المسؤوليات الجنائية والسياسية، وتقديم التعويضات لأسر الضحايا.

في 1 يوليوز 2015، دخل قانون الأمن الوطني، حيز التنفيذ، وهو قانون عرف أيضًا باسم “قانون تكميم الأفواه”، وأصبح ساريًا، على الرغم من رفض المعارضة بأكملها له وبالإجماع.

تضمن ذلك القانون نصًا إضافيًا يهدف إلى توفير تغطية قانونية لحالات “العودة السريعة”، مثل تلك التي حدثت على شاطئ “تاراخال” أو تلك التي تحدث عادةً على سياجَيْ سبتة ومليلية، وكان عقبة كبيرة أمام تحقيق العدالة في قضية “تاراخال” 2014.

يوم 15 أكتوبر 2015، قضت محكمة التحقيق رقم 6 بسبتة بالحفظ المؤقت لقضية “تاراخال”، وإسقاط الدعوى في جريمة القتل والإصابات المتعمدة، معتبرة أن “الإعادة السريعة” إلى المغرب كانت “ممارسة شائعة وبالتالي لا يمكن معاقبة عملاء الحرس المدني عليها”.

بعد ذلك، تقدمت منظمتا الـ”CEAR” و”Coordinadora de Barrios”، باستئناف ضد هذا القرار، مؤكدة أن “هناك مؤشرات على وجود جريمة” وأنه يجب مواصلة التحقيق في الوقائع وتحديد المسؤولية فيما يتعلق بحالات الوفيات الخمسة عشر.

يوم 13 يناير 2017، قبلت محكمة قادس الإقليمية الطعون المقدمة من منظمة الـ”CEAR” و”Coordinadora de Barrios”؛ وأمرت “بإعادة فتح التحقيق في القضية”.

يوم 27 يناير 2018، محكمة التحقيق رقم 6 بسبتة تغلق وتؤرشفُ قضية “تاراخال” مرة أخرى، ولكن الـ”CEAR” و”Coordinadora de Barrios”، الكيانان الممثلان للمهاجرين، قدما استئنافًا أمام محكمة قادس الإقليمية للتنديد بـ”عدم أخذ أقوال اثنين من الناجين الذينِ يقيمان في ألمانيا والذين وافقت المحكمة نفسها على شهادتهما من خلال جلسة عبر الفيديو، لأنهما لا يمتلكان تصريح إقامة في إسبانيا”.

وكذلك بعدم الانتظار حتى “ترسل السلطات المغربية نتائج تشريح الجثث، من خلال لجنة إنابة قضائية”، وبعدم بذل أي جهد لـ”التعرف على جثث الضحايا الأربعة الذين ما زالوا مدفونين في مقبرة سبتة”.

يوم 6 فبراير 2018، هيرفي، أحد المهاجرين التسعين الذين حاولوا السباحة إلى شاطئ “تاراخال” في ذلك الصباح المشؤوم، يقرر كسر جدار الصمت. 

وعلاوة على ذلك، وفي الذكرى الرابعة، أعلنت الـ”CEAR” أنها تستأنف القضية مرة أخرى بسبب “الإغلاق الكاذب للتحقيقات”.

يوم 31 غشت 2018، أعادت محكمة قادس الإقليمية فتح القضية، وأيدت الاستئناف المقدم ضد ملف القضية المقدم من الـ”CEAR” ومنظمات أخرى.

ويرى “القرار القطعي الذي لا يمكن الطعن فيه” أنه “لم تتم أدنى محاولة لسماع الشهود المقترحين والمقبولين”، وكان ذلك بصيص أمل آخر لأولئك الذين يطالبون بالعدالة للضحايا.

يوم 24 سبتمبر 2019، قاضي محكمة التحقيق رقم 6 بسبتة يحاكم 16 من رجال الحرس المدني الذين تم التحقيق معهم في قضية “تاراخال”.

وعللت القاضية ذلك بـ”ورغم أنه صحيح أن حماية الحدود يتم تفعيلها ضد محاولات الدخول غير الشرعي، إلا أنها لا يمكن أن تثير، ولو عن بعد، فكرة أن الحدود أو المساحات التي بينها هي مناطق استثناء فيما يتعلق بحقوق الإنسان”.

كما أن عناصر الحرس المدني “كان بإمكانهم مساعدة المهاجرين وامتنعوا عن ذلك دون سبب يبرر امتناعهم”، تضيف القاضية في تعليلها للحكم.

يوم 30 أكتوبر 2019، تمت أرشفة قضية “تاراخال” للمرة الثالثة، ونفس القاضية التي حاكمت الحرس المدني قبل شهر قررت رفض الدعوى، بعد الطعون المقدمة من مكتب المحامي العام للدولة ومكتب المدعي العام والدفاع الخاص.

وعللت القاضية السبتيَّةُ قرارها بـ”عدم وجود دعوى خاصة”، رغم أن عائلات ستة من الضحايا، وهم من الكاميرون، طلبوا مرتين مثولهم في قضية مقتل أبنائهم، لكن محكمة سبتة رفضت كلا الطلبين. 

وفي اليوم التالي، من ذلك القرار، استأنفت الـ”CEAR” أمام المحكمة الإقليمية.

يوم 28 يوليوز 2020، أصدرت محكمة قادس الإقليمية أمرًا برفض الطعون المقدمة من طرف العديد من المنظمات غير الحكومية ضد قرار المحكمة رقم 6 في سبتة، والقاضي بحفظ القضية.

واصلت المنظمات الترافع والدفاع ضد تصرفات الحرس المدني التي “لم تكن متناسبة ولا متطابقة”، معتبرةً أن “جميع الأدلة لم يتم تقييمها بشكل كاف”، وأن هذا القرار “يمكن أن يشكل سابقة للإفلات من العقاب وانتهاك حقوق الإنسان على حدودنا الجنوبية”.

في غشت 2020، جميع المنظمات المشاركة في الاتهام تتحد وتتقدم باستئناف إلى المحكمة العليا بهدف “وضع حد نهائي لكل هذه السنوات من الإفلات من العقاب”.

يوم 27 ماي 2022، المحكمة العليا الإسبانية ترفض طلب الاستئناف، معتبرة أنه “لا يوجد استئناف ضد القرار الصادر عن محكمة قادس الإقليمية، لأن الإجراء بدأ قبل الإصلاح القانوني لعام 2015″، وكانت تقصد “قانون تكميم الأفواه”.

في يوليوز 2022، قدمت الـ”CEAR”، بمعية منظمات أخرى، طلبًا للحماية بسبب “عدم التحقيق في الوفيات التي وقعت يوم 6 فبراير 2014 وغياب الحماية القضائية الفعالة”.

في يوليوز 2023، تم قبول طلب الحماية المقدم من المنظمات، في المحكمة الدستورية، واعتبرته المنظمات “فرصة للعقيدة الدستورية التي أنشئت لحماية حق المهاجرين في الحياة على الحدود”.

يوم 31 يناير 2024، قبل عشرة أيام من الذكرى السنوية العاشرة للقضية، يرفع أحد الناجين من فاجعة “تاراخال” دعوى ضد إسبانيا أمام لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة بقيادة المركز الأوروبي لحقوق الإنسان (ECCHR).

وتشير الدعوى إلى “فشل التحقيق وتطالب بإعادة فتحه”، وبالتالي فتح طريق جديد للعدالة، بالتوازي مع الإجراء الداخلي الذي تشارك فيه الـ”CEAR” ومنظمات أخرى أمام المحكمة الدستورية.

“الحقيقة لم تعد مفيدة لتحقيق العدالة” 

في مقال نشرته صحيفة “إِلْ بوبليكو”، تحت عنوان “لا تبحث عن مأساة تاراخال في ويكيبيديا”، تقول لوثيلا رودريغيث، مديرة مؤسسة “بُورْكَاوْسَا” (porCausa)، المتخصصة في صحافة الهجرة، أن “لجوء هذا الناجي، إلى لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة، أتى من أجل العدالة التي يبدو أنه خسرها بالفعل”.

وتوضح رودريغيث، الصحفية والمتخصصة في الاتصال السياسي وإدارة الأزمات، “لأنه على مدى عشر سنوات قبل الاتحاد الأوروبي وحكومة إسبانيا ما حدث في ذلك اليوم، من خلال إجراءات سياسية تنطوي ضمنًا على قبول موت الأشخاص أثناء العبور؛ باعتباره أخف الضررين في سباق نحو الأمننة والإغلاق المستحيل للحدود”.

وتشدد رودريغيث، على أن “ما حدث في تاراخال هو بداية النهاية لما يحدث دائما، لأن المشكلة الأكبر هي الإفلات من العقاب وعدم تحمل المسؤوليات الموجودة رغم كل نضال أهالي الضحايا والناجين ومنظمات حقوق الإنسان”.

وعرجت في مقالها، على تزوير الحقائق الذي يحدث دائما في مآسي الهجرة: “ما حدث في ذلك اليوم لا يُروى دائمًا بنفس الطريقة، فويكيبيديا تحكي قصة لا علاقة لها بما جرى. إذ يتحدث النص الموجود في تلك الصفحة عن (اعتداء منظم قام به مهاجرون غير شرعيين تم احتواؤه من قبل الحرس المدني، مات فيه 15 شخصًا غرقًا)”.

“الطريقة التي كتبت بها القصة وكيفية عرض الأجزاء المختلفة منها لا تترك مجالًا للشك؛ أن هناك بعض الأشرار، وهم المهاجرون، وبعض الطيبين، وهم الحرس المدني، الذين يتعرضون لهجوم ويتصرفون وفقاً لذلك، إن استخدام مصطلح (غير شرعي) تم اختياره بعناية لأنه لا يمكن تطبيقه على أي شخص، وبذلك يصبح عدم وجود وثائق مجرد مخالفة إدارية” تضيف الصحفية الإسبانية المتخصصة في الهجرة.

وتشير إلى أن “ويكيبيديا تحتل مرتبة جيدة للغاية في محركات البحث، وأفترض أن الكثير من الناس قد قرأوا هذه القصة، حيث يكون المهاجرون هم الوحيدون المسؤولون عن وفاتهم”.

“تمت كتابة قصة ويكيبيديا في عام 2017، وتمت إعادة فتح القضية من قبل محكمة سبتة وتم نشر مقاطع الفيديو التي جمعتها أجهزة مراقبة الحدود، مما لا يترك أي شك حول أفعال الحرس المدني. ورغم كل الأدلة، أغلقت المحكمة العليا القضية عام 2020، لتثبت أن الحقيقة لم تعد مفيدة لتحقيق العدالة لا قبل ولا بعد”، تؤكد رودريغث.

وفي الحالتين، وفق ما جاء في مقالها، “برر وزيرا الداخلية ما حدث وأشاد الرئيس الحالي بما قامت به قوات الأمن، وبقدر ما قد يكره سانشيز ذلك، فإنه في سياسة الهجرة يشبه راخوي أو أسوأ منه”. 

إحياء ذكرى الضحايا

سار مئات الأشخاص في سبتة لإحياء ذكرى المهاجرين الخمسة عشر، من دول جنوب الصحراء الكبرى، الذين لقوا حتفهم في 6 فبراير 2014 عندما أطلق الحرس المدني الرصاص المطاطي وقنابل الدخان أثناء محاولتهم الوصول إلى سبتة عبر معبر “تاراخال”.

على الساعة الثالثة بعد زوال السبت 3 فبراير الجاري، في ساحة “لوس رييس” في سبتة، انطلقت “مسيرة الكرامة”، التي وصفها منظموها بأنها “إدانة لعمليات الإعادة القسرية والسريعة، والانتهاك المنهجي لحقوق الإنسان على الحدود الجنوبية”.

وتحت شعار “عشر سنوات من البحث عن الحقيقة والعدالة وجبر الضرر”، طالب منظمو المسيرة الحكومة بتحمل مسؤوليتها عما حدث في ذلك اليوم، والذي وصفته إحدى اللافتات المرفوعه بأنه “لم يكن مأساة.. كان مذبحة”.

ورغم مرور عقد من الزمن، لم تنس المنظمات المنظِمة للمسيرة ما حدث، فهي تأتي كل عام بآلاف الأشخاص من كافة أنحاء إسبانيا للتنديد بـ”سياسة الهجرة القاتلة”، والتي تقول تلك المنظمات في بيانها إنها “كان قبل تاراخال وبعده”.

وأعادت هذه المسيرة إحياء ذكرى المهاجرين الـ15 الذين لقوا حتفهم في 6 فبراير 2014، ومن بينهم 13 تم التعرف عليهم، وهم “جانوت، أرماند، سامبا، داوودا، لوك، إيف، لاريوس، يوسف، عثمان، كيتا، عُومارو، بلايس، وروغر تشيمي”، بينما لا تزال هوية اثنين آخرين مجهولة.

وفي مقابلة مع صحيفة “إِلْدياريو” الإسبانية، طالبت والدة داوودا، بـ”إعادة فتح تحقيق يمنحنا الأمل بعد فترة لم يحدث فيها أي شيء”.

“هذا يجعلنا نريد الاستمرار، فهناك أشخاص في إسبانيا يدعموننا، العدالة لأطفالنا مهمة لهم أيضًا”، تضيف الأم المكلومة.

وعندما شاهدت صور تدخل الشرطة الإسبانية، علقت قائلةً “إنه أمر خطير للغاية، ابني كان مهاجرًا، نعم.. لكنه كان إبني أيضًا”، وتضيف بهدوء، “يبدو أنهم نسوا ذلك”. 

ثم تتساءل”لقد رأيت صوراً لحدائق الحيوان الأوروبية حيث يعاملون الأسود والطيور بشكل جيد للغاية… لماذا عاملوا إبني بتلك الطريقة؟”.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram