الرئيسية

” معوزون ولم نستفد”.. الزوايا المظلمة للدعم الاجتماعي المباشر 

كانت تأمل في الاستفادة من الدعم الاجتماعي المباشر في المغرب بعد فترة طويلة من البطالة والمرض. ورغم متابعتها للإعلانات والبرامج التي تعلن عن توفير الحماية الاجتماعية، وجدت حفيظة نفسها مع آلاف مثلها من المواطنين الآخرين بدون دعم. يسلط هذا التقرير الضوء على نظام الدعم الاجتماعي المباشر في المغرب، في سياق إعلان شعار "الدولة الاجتماعية" التي تهدف إلى تحسين الوضع المعيشي للأسر ذات الأوضاع الهشة، في هذا الروبورتاج نعرض قصص مواطنين في أوضاع هشة، على غرار آلاف غيرهم، يواجهون صعوبات في الحصول على الدعم المعلن عنه، ما يطرح معه مصير الشعار الذي يؤطر الخطاب الرسمي للدولة.

محمد الحراق

اعتقدت حفيظة، بعد سنوات من العطالة والمرض، أنها ستستفيد من الدعم الاجتماعي المباشر، وهي تتابع الوصلات الإشهارية التي تجتاح مواقع التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام الرسمية التي تروج للبرامج التي أعلنت عنها الحكومة من أجل توفير الحماية الاجتماعية لفئات واسعة من المواطنين المغاربة، لكن حفيظة وجدت نفسها على غرار الآلاف من المغاربة على الهامش دون دعم. 

ونظام الدعم الاجتماعي المباشر، هو برنامج وطني يهدف، وفق الحكومة، إلى تحسين الوضع المعيشي للأسر التي لديها أبناء في سن التمدرس، أو تلك التي توجد في وضعية هشاشة، والتي لا تستفيد من أي تعويضات عائلية وفق النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، كما ينظم ذلك القانون رقم 58.23، المتعلق بمكونات نظام الدعم الاجتماعي المباشر وشروط الاستفادة منه، وذلك بهدف دعم قدرتها الشرائية أو حمايتها من المخاطر المرتبطة بالشيخوخة.

 بموجب هذا البرنامج ستتلقى الأسر المستهدفة دعما اجتماعيا شهريا، يختلف حسب تركيبة كل أسرة ووضعية أفرادها، دون أن يقل عن 500 درهم شهريا كحد أدنى، بعد استيفائها لشروط الاستحقاق المنصوص عليها قانونيا، أبرزها الاستجابة للعتبة على أساس التنقيط المحصل عليه في السجل الاجتماعي الموحد RSU.

طابور الدعم  

للاستفادة من الدعم الاجتماعي المباشر، على كل رب أسرة أن يسلك طريقا طويلا عبر التسجيل في بوابة السجل الوطني للسكان، وإعداد الوثائق الثبوتية المطلوبة للتسجيل الخاصة به وبأفراد أسرته، ووضعها في مركز الخدمات في المقاطعات الإدارية والجماعات الترابية. 

الحصول على المعرف المدني والاجتماعي الرقمي لا يعني نهاية الطريق، بل يلزم رب الأسرة التسجيل في السجل الاجتماعي الموحد، حيث يتعرف على مؤشره الاجتماعي، ثم بعد ذلك عليه التسجيل في البوابة الخاصة بالدعم الاجتماعي المباشر، وانتظار موافقة المصالح المعنية على طلبه. 

وحددت المصالح المكلفة مؤشر الأسرة في السجل الاجتماعي الموحد، المؤهل للاستفادة، في أقل من عتبة الاستحقاق 9,743001، وشكل هذا الرقم هاجسا لآلاف الأسر التي لم يحالفها الحظ في الاستفادة، وشرعت في البحث عن سبل لتخفيض هذا المؤشر/ الكابوس. 

أحست حفيظة، ذات 54 سنة بالضيم، وهي ترى جيرانها يتوافدون على وكالات تحويل الأموال من أجل سحب مبالغ الدعم الاجتماعي المباشر، الذي خصصته الحكومة من أجل تحسين الوضع المعيشي للأسر التي لديها أولاد في سن التمدرس، أو تلك التي توجد في وضعية هشاشة، وهي التي في أمس الحاجة إليه. 

كابوس المؤشر الاجتماعي الموحد

تعيش حفيظة، وهي مطلقة منذ سنوات، رفقة ابنتها، الحاصلة على الإجازة في شعبة الاقتصاد والمعطلة بدورها عن العمل، تحت سقف واحد، وتعاني من مرض مزمن يتطلب منها أموالا كثيرة من أجل مواصلة رحلة العلاج. حفيظة، لا تتوفر على مدخول قار، ولا على تغطية صحية تساعدها على تحمل تكاليف العلاج. 

وجدت المرأة نفسها خارج دائرة المستفيدين من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، الخاص بالأشخاص غير القادرين على تحمل واجبات الاشتراك “AMO تضامن”، إضافة إلى ذلك هي خارج دائرة المستفيدين من الدعم المباشر بسبب كابوس المؤشر الاجتماعي الموحد المرتفع، والذي يتجاوز العتبة المطلوبة. 

بذلت حفيظة وابنتها جهدا من أجل تخفيض المؤشر الاجتماعي الموحد، ولم تتوان في التردد على المقاطعة الإدارية التابع لها مقر سكناها، وعلى فضاءات الانترنيت دون جدوى لتدرك في الأخير أن سبب هذه المعاناة هو أن ابنتها المعطلة عن العمل اشتغلت أربعة أشهر في إطار برنامج أوراش، وسجلت في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وبالتالي ليست معنية بهذا البرنامج، وعليها سلوك مساطر أخرى من أجل الوصول إلى الهدف. 

“لم يكن أمامي من خيار سوى إعادة التسجيل رفقة أسرة تقطن في نفس الحي الذي أسكن فيه، وضعها مشابه لوضعي، لكن ما يهم بالنسبة لي هو الاستفادة من AMO  تضامن، وتغطية مصاريف العلاج”، تقول حفيظة في حديثها لـ “هوامش”.

ثم تضيف، وهي تسرد معاناتها “ما يحز في نفسي هو رؤية أناس أفضل حالا منا، ومنهم الميسورون يستفيدون من الدعم، بينما الفقراء يرمون إلى الهامش”. 

يتحتم على حفيظة بعد أن تمكنت من الوصول إلى عتبة المؤشر الاجتماعي الموحد التي حددتها الحكومة من أجل الاستفادة في 9.743، اقتسام الإعانة الجزافية المحددة شهريا في 500 درهم، وهو ما يعني حصولها على مبلغ 250 درهم شهريا كإعانة من الحكومة. 

يعيشون وضعية هشة ولا أمل في الأفق

سعيد (41 سنة)، رب أسرة وأب لطفلة، وجد نفسه هو الآخر ضمن غير المؤهلين للاستفادة  من الدعم الاجتماعي المباشر، بسبب توفره على رقم تسجيل في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، بعد أن عمل حوالي 8 أشهر حارسا بإحدى الشركات بمدينة الدار البيضاء قبل أربع سنوات.

“اقترحوا على أن أقصد وكالة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي قصد اتخاذ مسطرة التشطيب، وانتظار 6 أشهر أخرى، وتحيين مؤشر الأسرة من أجل الاستفادة من الدعم المباشر ومن AMO   تضامن”. 

أما خديجة (47 سنة)، والتي تعيش وحيدة في منزل والديها بعد وفاتهما، فقد عانت مما تعتبره “ظلما” حيث أنها لم تستفد من دعم الدولة رغم أنها في أمس الحاجة إليه.

اضطرت خديجة أن تبدل الخطة، وتلتحق بأسرة أخرى في السجل الاجتماعي الموحد لعلها تحصل على مؤشر يمكنها من الاستفادة من الدعم الاجتماعي المباشر، ومن التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، الخاص بالأشخاص غير القادرين على تحمل واجبات الاشتراك AMO  تضامن.

“هذا مجحف كيف يتم إقصاء الفقراء بهذه الطريقة؟ على الدولة إعادة النظر في هذا البرنامج وتوزيع الإعانات على المواطنين بشكل عادل، هذا ليس معقولا” تقول خديجة لهوامش. 

محنة المستفيدين

الذين استفادوا من الدعم وأدرجت أسماؤهم في قائمة المستفيدين، ليسوا أكثر حظا من الآخرين، فقد وجدوا أنفسهم أسرى الانتظار تارة، وتارة أخرى مضطرين إلى التنقل من مناطق بعيدة صوب مراكز المدن من أجل سحب مبالغ الدعم، ومنهم من وقع ضحية نصب واحتيال وفق ما أشارت إليه تقارير إعلامية.

إبراهيم عامل بناء، التقته هوامش وهو ينتظر دوره أمام بوابة إحدى وكالات تحويل الأموال، لم يذهب للعمل في ذلك اليوم، وظل ينتظر لساعتين بعد خلل أصاب الشبكة فجأة، سئم من تعقيد المساطر، ومن الانتظار من أجل سحب مبلغ 500 درهم.

قال إبراهيم في تصريح لهوامش “من أجل مبلغ زهيد يتكدس المواطنون بالعشرات أمام الوكالات البنكية، ووكالات تحويل الأموال منذ الصباح الباكر”، مبلغ يؤكد إبراهيم أنه هزيل بالمقارنة مع غلاء الأسعار الذي يلهب جيوب المغاربة. 

وعاينت هوامش، وهي تعد هذا الربورتاج، تجمعات للنساء والرجال أمام وكالات تحويل الأموال، وأمام فضاءات الانترنيت والمحلات التي توفر هذه الخدمات، خاصة أن فئة من المواطنين كانت تشكك أو لم تقتنع بهذا البرنامج، أو لم يسعفها وضعها للتسجيل في السجل الاجتماعي الموحد، فكان صرف الدفعة الأولى حافزا لها للتسجيل، من أجل الحصول على دعم حددته الحكومة بين 500 و1000 درهم شهريا، أخذا بعين الاعتبار تركيبة كل أسرة.

رئيس الحكومة عزيز أخنوش، كان قد كشف أن عدد المستفيدين من الدفعة الأولى من الدعم، والتي شرعت الحكومة في صرفها منذ نهاية السنة الماضية، يقدر بنحو مليون أسرة، أي ما يعادل 3,5 ملايين مواطن مغربي ممن استوفوا “شرط العتبة” في ‏السجل الاجتماعي الموحد، عبر حساباتهم البنكية بمختلف جهات المغرب. 

وأكد الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، الذي وصف هذا البرنامج ب “الثوري”، أنه جرى صرف نصف مليار درهم للدعم الاجتماعي، وأنه تم التوصل ب 3 ملايين طلب، مشيرا إلى أن الحكومة حريصة على إنجاح هذا البرنامج الاجتماعي. 

لكن مراقبين يشككون في نجاح هذا البرنامج، بالنظر للوضعية الاقتصادية التي يعرفها الاقتصاد المغربي، والذي يتميز بحالة من الركود التضخمي الذي سمته الأساسية استمرار ضعف النمو، والتضخم والبطالة المرتفعة.

الدولة الإجتماعية: عسر الولادة؟ 

في تحليله للحصيلة الاقتصادية لسنة 2023، أوضح الخبير الاقتصادي نجيب أقصبي، في فيديو نشره عبر قناته على منصة يوتيوب، أن الوضع المالي بالمغرب جد مقلق، مشيرا إلى أن قانون مالية 2024 يؤشر على ضعف الإمكانيات الذاتية للتمويل، أي ضعف الموارد الجبائية.

وأكد أن أرقام قانون المالية لسنة 2024 توضح أن هناك عجزا في التمويل يضاعف ثلاث مرات ما يعلن عنه، وهذا يعني وفق أقصبي “أن العجز سيتم تمويله بالديون، مما سيؤدي في النهاية المطاف إلى تراكمها”.

وأبرز أقصبي في ندوة نظمها مركز بنسعيد آيت إيدر للأبحاث والدراسات، يوم 06 يناير من السنة الماضية، أن تمويل نفقات الدولة الاجتماعية يكون ذاتيا، وليس عن طريق الديون، وبشكل يكون كافيا ودائما.

وقال أقصبي، في نفس الندوة السنة الماضية، إن “مشروع الدولة الاجتماعية في المغرب، منذ البداية أعطيت له جدولة زمنية ومن بينها مشروع تعميم التغطية الصحية الإجبارية، التي قيل إن تطبيقها سيبدأ في 2022، واليوم دخلنا سنة 2023 ولم نر شيئا، ومن المفترض أن 38 مليونا من المغاربة يملكون حاليا تغطية صحية”. 

واعتبر أقصبي أن النظام الضريبي المعمول به في المغرب لا يمكنه أن يمول مشروع الدولة الاجتماعية، “بينما تقول الحكومة إن الكلفة الإجمالية للمشروع تصل إلى 51 مليار درهم سنويا، منها 28 مليار درهم اشتراكات، و23 مليار درهم بين التأمين والمساعدات، والمشكل هو هل يمكن تحقيق مبلغ 28 مليار درهم من الاشتراكات؟ لأن عددا كبيرا من المواطنين المؤمنين في صندوق الضمان الاجتماعي، لم يؤدوا اشتراكاتهم، وهذا ما أدلى به مدير الصندوق في تصريحات رسمية”، رابطا نجاح مشروع الدولة الاجتماعية بالتوفر على إرادة سياسية حقيقية لإنجاح مثل هذه البرامج. 

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram