الرئيسية

مائة يوم بعد زلزال الحوز.. الانتظار والبرد يزيدان قلق الأسر المتضررة

بعد مائة يوم، تعود حليمة إلى منزلها للمرة الأولى، عند وصولها، يتعاظم الصمت المطبق على المكان، تطل بحزن ذكرى شجرة الزيتون التي تزين مدخل البيت؛ كل شيء صار هنا يأخذ صفته من الأنقاض.

– هوامش

 كل شيء كان يبدو طبيعيًا قبل الساعة الحادية عشرة ليلا، يوم 8 شتنبر الماضي، قبل أن يضرب المغرب زلزال بقوة 6.8 درجات على عمق 18.5 كيلومتر.

هذا الزلزال الذي وقع في قلب جبال الأطلس على بعد 71 كيلومترا جنوب غرب مراكش، يعتبر أقوى زلزال يضرب المغرب منذ 120 عاما، ورغم كل الجهود والمخططات، لا يزال الناجون والضحايا ينتظرون تطبيق ما وعدوا به، بينما يقترب فصل الشتاء وتكشر الطبيعة عن أنياب قسوتها.

مخططات الإنقاذ والإعمار.. تمطيط الانتظار 

بعد مائة يوم، تعود حليمة إلى منزلها للمرة الأولى، عند وصولها، يتعاظم الصمت المطبق على المكان، تطل بحزن ذكرى شجرة الزيتون التي تزين مدخل البيت؛ كل شيء صار هنا يأخذ صفته من الأنقاض.

تأخذ المرأة المفتاح من جيبها وتضعه في قفل الباب الرئيسي، وهو الجزء الوحيد من المنزل الذي لا يزال سليمًا. السقف سقط تحت قوة الزلزال، وبالكاد تصمد الجدران الخرسانية، لكن حليمة ترفض أن تفقده وتفقد ذكرياتها معه، فبالنسبة لها لا يزال منزلها وإن أصبح ركامًا.

حليمة واحدة من 300 شخص فقدوا منازلهم في الساعات الأولى من يوم 9 سبتمبر؛ في أزرو، وهي إحدى قرى إقليم الحوز الذي ينتمي إداريا لجهة مراكش آسفي، بعدما هز ثاني أعنف زلزال في تاريخ المغرب، سلسلة جبال الأطلس الكبير، مما أسفر عن مقتل حوالي 3000 شخص وتشريد عشرات الآلاف.

وفي انتظار تلقي المساعدات التي وعدت بها الحكومة المغربية، يلجأ السكان الآن هربا من البؤس والبرد والمطر إلى مخيمات مؤقتة.

وفي الأسبوع الأول من أكتوبر الماضي، قررت الحكومة المغربية البدء في صرف مخصصات مالية مباشِرة للأسر المتضررة من الزلزال الذي ضرب البلاد.

وفي اجتماع اللجنة المُكلفة ببرنامج إعادة البناء والتأهيل للمناطق المتضررة، قالت الحكومة إنها قررت أن تصرف شهريًا “ألفين وخمسمائة درهم مغربي (2500)، إعانة مالية مباشرة للأسر المتضررة من الزلزال”، “بوصفها ‏مساعدات استعجالية للأسر التي انهارت منازلها جزئيًا أو كليًا جراء الزلزال”، حسب بلاغ الحكومة آنذاك.

إضافة إلى ذلك، قررت اللجنة تخصيص اعتمادات بقيمة مليارين ونصف مليار درهم مغربي من أجل المباشرة الفورية في مشاريع إعادة الإعمار؛ وتشمل هذه المشاريع “ذات الطابع الاستعجالي”، إعادة بناء أكثر من ألف مدرسة وتأهيلها، إضافةً إلى إعادة تأهيل اثنين وأربعين مركزًا صحيًّا.

كما أعلن الديوان الملكي آنذاك، أن المملكة تعتزم إنفاق 120 مليار درهم (نحو 11,7 مليار دولار) على مدى السنوات الخمس المقبلة في إطار برنامج لإعادة الإعمار عقب الزلزال، ويستهدف أكثر من 4 ملايين شخص.

ويشمل هذا البرنامج في خطوطه العريضة “إعادة إيواء السكان المتضررين، وإعادة بناء المساكن وإعادة تأهيل البنيات التحتية”، إضافة إلى “فك العزلة” و”تسريع امتصاص العجز الاجتماعي” في المناطق المنكوبة، وهي في معظمها قرى نائية كانت تعاني أصلًا مشاكل إنمائية.

ومنذ ذلك الحين، وفي انتظار تنزيل كل هذه الوعود على الأرض، امتلأت الفضاءات المحاذية للوديان بالأطلس الكبير بالخيام؛ بعضها قدمته الحكومة والبعض الآخر قدمته المنظمات غير الحكومية والبعض الآخر أقيم نتيجة براعة ومهارة سكان المنطقة، الذين يعتمدون على أنفسهم لبناء أي سقف يظلهم من الطوب والقماش أو البلاستيك، وفعلا تمكنوا من تشييد مساكن صغيرة، يتمنون أن يكون مصيرها الزوال، حين يعاد بناء منازلهم، وهم محاطون بصمت الجبال الذي يسحق الأمل الذي يتمطط مع طول الانتظار.

البطانيات.. ضرورة عاجلة

تعيش خديجة وسارة، البالغتان من العمر 17 و20 عامًا على التوالي، في خيمة صغيرة لا تزيد مساحتها عن 10 أمتار مربعة، مع والديهما وشقيقهما الأصغر.

“لم أنم منذ ليالٍ، البرد يمنعني من النوم”، تقول سارة متحسرةً، بينما في هذه الأثناء، تصل شاحنة إلى المخيم المؤقت الذي أقامه سكان هذه القرية، وهذا حدث غير عادي أشاع التوقعات وعدم اليقين بين الجيران. وتؤكد سارة، “لم يأت أحد إلى هنا منذ أشهر، لقد تم نسياننا”.

يترجل من إحدى السيارات؛ أشيد باهل، مؤسس المنظمة الكندية غير الحكومية “من أجل حب الأطفال”، المخصصة للمساعدات الإنسانية للأطفال في جميع أنحاء العالم، جاء إلى هنا، محملًا بعشرات الصناديق المليئة بالزيت والماء والبطانيات.

في غضون دقائق قليلة، يحيط بالرجل حشد من الناس قرب المسجد المؤقت الذي بني في أزرو، لحظتها غرقت الابتسامات ونظرات الأمل في بحر من الدموع والقلق. لقد تحول الأمل الأولي إلى معركة ضارية من الضرب ورمي الحجارة؛ فالجميع يريد بطانية… إنه وجه البرد واليأس.

“ندرس في خيمة ونسير لمدة ساعة إلى تحناوت من أجل المرحاض”

في بعض القرى، تم تركيب مراحيض متنقلة لضمان حد أدنى من شروط النظافة والظروف الصحية لسكانها؛ ومع ذلك، ففي العديد من المناطق الأخرى، مثل أزرو، لم تصل هذه المساعدة الأساسية.

وتوضح سارة، “علينا أن نسير لمدة ساعة للوصول إلى أقرب مدينة، وهي تحناوت، حيث توجد حمامات ومراحيض مدفوعة الأجر، لكننا لا نستطيع تحمل تكاليفها دائمًا”.

وكانت المدرسة التي تدرس بها سارة بها تقع في  أزرو؛ أما الآن فهي تتابع دراستها في خيمة، حيث تتلقى وزملاؤها دروسهم كباقي أطفال هذه المناطق. وبعد الزلزال، قدرت وزارة التربية والتعليم المغربية أن 1050 مركزا تعليميا قد تضرر. تقول خديجة، “منذ ذلك الحين، لا نذهب إلى المدرسة إلا لبضعة أيام”.

وتشير الشابتان إلى أن الدراسة تأثرت بالزلزال، إذ لا يدرس التلاميذ في الفصول الدراسية، وهو الوضع الذي تفاقم بسبب إضراب الأساتذة بعد أن فرضت  الحكومة النظام الأساسي الجديد لموظفي وزارة التربية الوطنية.

وهكذا، أصبح علي الشابتين في الأيام التي تذهبان فيها إلى مدينة تحناوت، استخدام شبكات التواصل الاجتماعي لمواصلة الدراسة؛ فمن خلال إنستغرام ويوتيوب، بدأ بعض الأساتذة المغاربة في بث دروس عبر الإنترنت للتلاميذ الذين لا يستطيعون الذهاب إلى الفصول الدراسية.

وأصبحت هذا الحل ملجأ لسارة وخديجة؛ فبالنسبة لهاتين الشابتين اللتين تقولان أن عائلتهما لم تحصل بعد على المساعدات الحكومية، فإن دراستهما هي السبيل الوحيد للخروج من الجحيم الذي تعيشان فيه منذ ثلاثة أشهر.

الأمل في المساعدة يذبل والاكتئاب يغزو العائلات

في ضواحي مدينة أمزميز، الواقعة على بعد 60 كيلومترا من مراكش، تشكلت مجموعة من الأطفال وهم يلعبون على هضبةٍ من الركام؛ يستخدم البعض منهم عيدانا خشبية وكأنها سيوف، والبعض الآخر يخيف وحشا وهميا يختبئ بين الأنقاض.

في المقابل، يشاهد هشام أطفاله وهم ينقلون الخشب في عربة؛ إنهم يبنون ما سيكون منزلهم الجديد حتى يستعيدوا منزلهم.

وبعد الزلزال، أعلنت الحكومة المغربية عن حزمة مساعدات لإعادة بناء المنازل المتضررة. وبناء على ذلك، من المتوقع أن تحصل العائلات التي فقدت منازلها جزئيا أو كليا على ما بين 80 ألف و140 ألف درهم؛ لتتمكن من إعادة تأهيل منازلها.

ورغم وعود الحكومة المغربية بأنها ستقدم دعما ماليا شهريا لكل أسرة؛ إلا أن هشام فقد الأمل في القدرة على إعادة بناء ما كان منزله، والذي انهارا جزئيًا، لأنه لم يتلق أية مساعدة ولا يعرف متى سيتم البت في طلبه، “لا أحد يخبرنا بأي شيء، ولا أعرف متى سأتلقى المساعدة”، يقول الرجل.

علاوة على ذلك، يتأسف هشام لأن المبلغ المقرر لن يغطي سوى 35 بالمائة من إجمالي تكلفة إعادة تأهيل منزله.

ومنذ أن هز الزلزال البلدة التي يعيشون فيها، أصبح هشام يعتني بأطفاله الثلاثة، حيث أصيبت زوجته بالاكتئاب، ما ألزمها البقاء في الخيمة منذ ذلك الحين.

“يشعر الكثير من الناس بالخوف المستمر، خوفٌ ناجمٌ عن الأصوات التي تبدو عادية، مثل ضجيج السيارات والشاحنات”، تؤكد فاطمة الزبير، متطوعة في منظمة غير حكومية.

شعور بالرعب يولد عزوفًا عن العودة إلى منازلهم، “على الرغم من سوء الأحوال الجوية والمعيشية، إلا أنهم يفضلون البقاء في الخيام لأنهم يخشون أن تسقط منازلهم بالكامل إذا عادوا إليها، تفسر الزبير.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram