الرئيسية

مخيم “إمزيلن”.. تكافل استثنائي يساعد الناجين من الزلزال على الصمود

أياما قليلة بعد وقوع زلزال 8 شتنبر الماضي، زارت "هوامش" جماعة ويرڭان على غرار جماعات أخرى متضررة من الفاجعة، ووقفت على حجم الخسائر التي تكبدتها ساكنة المنطقة، ماديا وبشريا، واستمعت إلى انتظاراتهم ونقلت توجسهم من الآتي. واليوم بعد مرور ما يزيد عن مائة يوم عدنا إلى هناك لنلقي نظرة متفحصة على ما آلت إليه أوضاع "منكوبي ويرڭان"، ونطلع على أحوالهم، وبالأخص ما آل إليه "مخيم إمزيلن"، المخيم النموذجي بما يجسده من تضامن وتعاون بين قاطنيه.

محمد تغروت

الطريق إلى المخيم 

الساعة تشير إلى التاسعة إلا ربعا، نستفسر داخل محطة سيارات الأجرة بمراكش، عن سيارة أجرة في اتجاه جماعة “ويرڭان”، اعتذر المكلف بتنظيم الرحلات لعدم وجود خط مباشر يربط المدينة الحمراء بهذه البلدة النائية في عمق جبال الأطلس الكبير، خصوصا بسبب قلة الركاب المتوجهين إليها، واقترح علينا التوجه إلى “أسني” وبعدها البحث عن وسيلة نقل إلى “ويرڭان”، وذلك ما كان.

توجهنا في البدء إلى “أسني”، الطريق بينها وبين “تاحناوت” (عاصمة إقليم الحوز) في الجزء الأكبر منها، عبارة عن منعرجات حادة، على جانب منها جبل وعلى الجانب الآخر حافة في قعرها وادي “غيغاية”، ويتوسطها خط متصل، يمنع على السائقين التجاوز، وإن تصادف وجود عدة سيارات في نفس الجانب، كما حصل معنا، يصبح المنظر أقرب إلى قافلة تتطلب المزيد من الحذر لتفادي الاصطدام.

وصلنا “أسني”، وكان لزاما علينا أن ننتظر لأزيد من نصف ساعة قبل أن تتحرك سيارة الأجرة بعد توفر العدد اللازم من الركاب، الاتجاه دوار “إمزيلن” بجماعة “ويرڭان”، جرب أن تكتب كلمة “ويرڭان” بالفرنسية على محرك البحث غوغل، سيعطيك في ظرف 0,29 ثانية حوالي  355.000 نتيجة بحث، غالبيتها مرتبطة بالسياحة الجبلية، غير أنه شتان بين ما كان وما هو كائن اليوم، القرية تحولت إلى مخيمات متناثرة، تضم خياما بكل ألوان الطيف.

جماعة “ويرڭان” هي جماعة ترابية ذات طابع قروي تقع في إقليم الحوز، ضمن جهة مراكش-آسفي، لا تتوفر على مركز حضري، بل تشكل القرية التي تحمل نفس الاسم مركزًا للجماعة، في الظروف العادية، كما يشير إلى ذلك بحث بسيط على محرك البحث غوغل، تكفي ساعة و15 دقيقة لقطع مسافة 63 كلم تفصل مراكش عن ويرڭان، عبر الطريق الإقليمية رقم 203، غير أن غياب خط مباشر، وقلة عدد المسافرين بين المنطقتين، وضرورة اللجوء إلى “الخطة باء” لقطع ذات المسافة يضيف بعض الوقت إلى مدة السفر، يتم الأمر حسب الظروف والحظ.

دخلنا مركز جماعة ويرڭان ولفتت انتباهنا لافتة بيضاء على جنباتها العلم الوطني، كتب عليها باللونين الأسود والأحمر بالعربية والفرنسية “مخيم سكان دوار إمزيلن جماعة ويرڭان ضحايا الزلزال“، هنا نصب ساكنة “دوار إمزيلن” مخيمهم قبل أزيد من 100 يوم، و”إمزيلن” بالأمازيغية تعني الحدادين، وهي إحالة على عدد من الحدادين الذين عرف بهم الدوار قبل أن يداهمه الزلزال.

هنا التقينا بتوفيق الجعيدي، ابن الدوار والفاعل الجمعوي، الذي ساهم إلى جانب عدد من ساكنة الدوار في تنظيم المخيم والسهر على حسن سيره؛ قبل البدء دعانا لشرب كأس شاي، وطبق أرز تبين أنه قد أوصى النساء الساهرات على الطبخ في المخيم بإعداده، حين كنا بانتظار عودته من العمل.

رافقنا توفيق في جولة داخل المخيم الذي أقيم في بستان أحد سكان البلدة، ويتشكل من خيام متراصة، كتب على كل واحدة منها اسم من يقطنها، جنبا إلى جنب مع عبارة “وزارة الداخلية، الوقاية المدنية”، في إشارة إلى أن الخيام سلمت من قبل جهة رسمية، وعلى عكس مخيمات أخرى سلمت فيها خيام باللون الأزرق، ا يغلب اللون الأصفر هنا، والمخيم محاط بالأشجار من كل جنباته.

وذكر توفيق الجعيدي لهوامش أن المخيم لم يكن في أيامه الأولى يتوفر على ما يكفي من الخيام لقاطنيه، قبل أن يقوم هؤلاء باعتراض القوافل التي كانت تمر بالقرب منه متوجهة إلى مناطق أخرى ك”إغيل” و”تلات ن يعقوب”، وتنبيهها إلى وجود مخيم منكوبين في البستان المجاور تغطيه الأشجار. 

عند أطراف المخيم وضعت مرافق صحية جاهزة تم جلبها وتركيبها وتضم مراحيض وحمامات مزودة بسخانات ماء بواسطة الغاز، كما تتوفر كل خيمة على لوح للطاقة الشمسية يتيح توفير الإضاءة داخلها، بينما جهزت أرضية الخيام بألواح خشبية تحسبا لتسرب المياه الناجمة عن الأمطار.

وسط مخيم الناجين : عائلة واحدة 

لعل السمة البارزة لمخيم دوار إمزيلن هو سيادة التضامن والتنظيم الذاتي التكافلي، حيث أقامت الساكنة مطبخا جماعيا، يزود كل قاطني المخيم باحتياجاتهم من الأكل، وتتناوب على ذلك نساء المخيم، حيث تتكلف خمس نساء بالطبخ كل يوم، بينما تتكلف أخريات بالعجين وفريق ثالث بطبخ الخبز، نحن الآن “عائلة واحدة” يقول لنا توفيق، مبنية على التضامن والصبر المتبادل الذي بدونه “مكاينشاي”. مضيفا وكله أمل “اليوم أفضل من الأمس، وغدا سيكون أفضل من اليوم، بفضل تضامن رجال ونساء وأطفال المخيم من أجل الاستمرارية”. في حين عاينت هوامش في مناطق أخرى عدم تمكن ساكنة المخيمات من الحفاظ على المطبخ الجماعي.

وفي ذات السياق أوضح محدثنا أن اللجنة المشرفة على تسيير وتنظيم شؤون المخيم تسهر على توزيع المساعدات التي يتم التوصل بها، “المساعدات التي نتوصل بها لا توزع في آنه وبشكل عشوائي، بل يتم فرزها والرجوع إلى اللائحة المعدة سلفا والتي تتضمن الأطفال والنساء وخاصة الأرامل منهن، ولائحة الرجال، بل حتى أرقام الأحذية التي يرتدونها، وتتم مقارنة المساعدات المتوفرة والحاجيات، آنذاك فقط تتم عملية التوزيع”، يقول توفيق. 

أما بالنسبة للمواد الغذائية، يوضح محدثنا، فهي لا تخضع للتوزيع، بل يتم تخزينها في مستودع وتسلم للنساء اللواتي يشرفن على إعداد الوجبات في المطبخ الجماعي، وكل صباح تسلم لهن المواد الكافية لوجبات اليوم كاملة (من فطور الصباح، إفطار ثان على الساعة العاشرة صباحا، ثم الغذاء والعشاء)، حسب الإمكانات المتاحة، نفس الشيء يضيف محدثنا، فيما يتعلق بباقي الاحتياجات ووسائل النظافة، “كلشي كاين، كاين الخير ما حْدْ الناس مْتضامنينْ راه مَيْخصهم خير”.

مخيم نموذجي يحظى بالدعم المالي واللوجستي 

لتزويد المخيم باحتياجاته تلقت ولازالت جمعية آفاق لتنمية ويرڭانڭان للتنمية تتلقى الدعم والمساعدة من مؤسسة محمد الخامس للتضامن وعدد من الجمعيات الأجنبية التي لا تخفي هويتها، إذ صادفنا في المخيم علامات تشير إلى أسمائها.

 من بين الجمعيات الداعمة لأهل إمزيلن هناك جمعية “كاريتاس مراكش” وهي إحدى فروع كاريتاس في المغرب، وتنتمي إلى الشبكة العالمية “كاريتاس إنترناشوناليس” (www.caritas.org)، والتي تشتغل في 163 بلدًا حول العالم، وبدأت كاريتاس نشاطها في المغرب منذ عام 1947، حيث تم الاعتراف بعملها الجمعوي والإنساني بواسطة مرسوم ظهير ملكي  صادر عن الملك الحسن الثاني في عام 1983، 

بالإضافة إلى جمعية CESVI الإيطالية، والتي تعمل بدورها على الاستجابة لحالات الطوارئ في جميع أنحاء العالم، ورعاية الأشخاص المتأثرين بالكوارث الطبيعية، والأحداث الجوية الشديدة، والنزاعات، والأوبئة، وهي تركز بشكل رئيسي على تقديم الدعم النفسي والاحتياجات الأساسية والمساعدة للمجتمعات المتأثرة.

وتقدم الجمعية نفسها على أنها مؤسسة علمانية ومستقلة، تهدف الى تعزيز القيم الاخلاقية للتضامن الإنساني وفكرة العدالة الاجتماعية، ولديها غرض مؤسساتي، وفق الشرعة الدولية لحقوق الإنسان وغيرها من المواثيق الدولية، وهو تحقيق أعمال المساعدة الإنسانية والتنمية، تعزيز أنشطة التعاون من أجل التنمية على الصعيد المحلي كما الدولي، وتعزيز خبرات التطوع ومساعدة السكان المحرومين بسبب التخلف، والبؤساء بسبب الحروب والكوارث الطبيعية والبيئية، وسكان الدول الفقيرة والنامية، وتلك التي يمر اقتصادها بمرحلة انتقالية، وكل البلدان التي تشهد اوضاعاً صعبة وهي بحاجة ماسة او بحالة طوارئ وفي الحالات الاخيرة التدخل من اجل تقديم المساعدة الإنسانية.

وتسهر CESVI بشكل أساسي على تجهيز خيمة كبرى، داخل المخيم، تخصص لتقديم الدعم النفسي للأطفال، وتوفير التعليم الأولي، وتجهيز فضاء للأطفال، بناء على شراكة مع جمعية آفاق لتنمية ويرڭان، حيث تتكفل بتوفير مؤطرة وطبيب نفسي والمصاريف التي يتطلبها تدبير الفضاء، وصادف وجودنا في المخيم حضور مهنيين اثنين يعملان على إصلاح الخيمة وتقويتها لتفادي التأثير الناجم عن الرياح.

ووفقا لما أخبرنا به توفيق الجعيدي، تعمل جمعية “كاريتاس مراكش” على إعداد غرف سيتم تجهيزها من حاويات مصنوعة من الصلب المقوى ستخصص مؤقتا لإيواء قاطني المخيم، موضحا أن شرط الجمعية الوحيد لتقديم هذه المساعدة هو استمرار التضامن والتنظيم بين المعنيين، والسهر على استمرار المطعم المشترك أساسا.

بينما قامت مؤسسة محمد الخامس للتضامن، بتقديم إعانات لقاطني المخيم تتكون أساسا من أوان وأفرنة وأفرشة ومواد غذائية، وفقا لمحدثنا، موضحا أن قاطني المخيم يقاومون البرد مكتفين بالأغطية، وبدعم المحسنين والدولة. وذكر توفيق في ذات السياق أن الخيام تتوفر على سخانات غير أنهم قرروا عدم تشغيلها لما قد تشكله من خطورة على صحة وحياة الأطفال والساكنة عموما.

إضافة إلى ذلك، يتوفر المخيم على حاويات مخصصة للمرافق الصحية والحمامات تحمل العلامة التجارية للمكتب الشريف للفوسفاط (OCP).

وأقر محدثنا أن التعامل مع البرد يعتبر مشكلة حقيقية، واستدرك أن وضع مخيمهم أفضل من غيره من المناطق التي تعاني من البرد بشكل أكبر قبل وقوع الزلزال، فما بالك بعد وقوعه، خصوصا المناطق التي لا تتوفر على مسالك، مما يصعب إمكانية التوصل بالمساعدات الكفيلة بالتخفيف من معاناة المنكوبين، مكررا لازمة “الحمد لله اليوم أفضل من البارحة”.

إعادة الإعمار.. مشروع بطيء 

أثناء حديثه إلينا، أوضح توفيق الجعيدي أن عملية إعادة الإعمار لازالت تعرف نوعا من البطء، بسبب ضعف الآليات المخصصة لهدم وإزالة مخلفات الزلزال، إذ تم توفير جرافة واحدة وشاحنتين فقط، للقيام بالعملية، وهو الأمر الذي وقفت عليه هوامش، أثناء زيارتها للمنطقة، وأضاف المتحدث أن هناك مشكلا أكبر بالنسبة للدواوير التي لا تتوفر على مسالك، متسائلا عن كيفية إيصال الجرافات إليها، مضيفا أنه حتى في حالة الرغبة في القيام بالأعمال اللازمة بالاعتماد على اليد العاملة، لم يتضح بعد كيفية القيام بذلك، “واش نعمروا برويطة واش نعمروا جوج، وتسنى انت توصل حدا الطريق باش اوجدوها للكاميو باش اديها”، مضيفا أن العملية ما تزال بطيئة وتواجه صعوبات.

ولدى سؤال توفيق الجعيدي، كم المدة التي يمكنكم أن يصمدوا فيها في ظل هذه الأوضاع، قال محدثنا بكل ثقة “بفضل التضامن والتعاون، وبفضل المغاربة من طنجة إلى الكويرة يمكننا أن نصمد لفترة أطول”.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram