متابعة|”هوامش”- “لابانغوارديا”
بالقرب من مركز الزلزال، على بعد 80 كيلومترا جنوب مراكش، وسط جبال الأطلس الكبير، دُمِّرت قرى بأكملها، بعدما ضربت هزة أرضية إقليم الحوز، بقوة بلغت 7 درجات على مقياس ريشتر، وبلغ تأثيرها عشرات القرى وشعر بها حتى سكان الدار البيضاء والرباط.
وهذا هو أكبر زلزال تم تسجيله على الإطلاق في المغرب، بعد الزلزال الذي هز مدينة أكادير عام 1960، بقوة بلغت 5.8 درجات، وأدى إلى وفاة خمسة عشر ألف شخص، وإصابة اثني عشر ألفًا آخرين.
ترفع السيدة المسنة الزهرة بن بريك يديها وتبكي بيأس المنسيين، حزنًا على ثمانية عشر فردا من عائلتها لقوا حتفهم تحت أنقاض منازلهم الحجرية بمنطقة “تافغارت” بجبال الأطلس جنوب مراكش، حيث لم يبق منزل يذكر. السيناريو قاتم، بينما تتناثر عشرات المنازل المنهارة على سفح الجبل، ومن كل جانب هناك أبواب ودراجات أو أرائك مطمورة بالغبار والحجارة، كما لو أن انفجار غاز دمرها.
تمسح الزهرة عينيها،لكنها تستسلم مرة أخرى لنحيب،”لم يأت أحد لمساعدتنا، أنا عجوز ولا قوة لي. أحد الجيران ساعدني في إزالة الحجارة واحدة تلو الأخرى حتى أتمكن من العثور على عائلتي ودفنها… لقد فقدت كل شيء وأنا وحدي، ماذا سيكون مصيري الآن؟ “.
الزلزال الذي هز المغرب يوم الجمعة الماضي، هو الأقوى في تاريخ البلاد، وأسفر عن مقتل ما لا يقل عن 2122 شخصا وإصابة 2421 آخرين، منهم أزيد من 1400 حالة خطيرة، ضرب بشكل خاص المناطق الفقيرة والقروية في البلاد.
في قرية “تفگاغت”، بجماعة امغراس دائرة أمزميز إقليم الحوز،التي تضم 120 منزلاً فقط، لقي أكثر من 80 شخصًا حتفهم.
وفي الساحات، بين أشجار الزيتون والشجيرات الجافة، تنتظر عشرات العائلات دون أن تعرف ماذا ستفعل بالضبط.
رغم مرور أكثر من أربعين ساعة على وقوع الزلزال، لم يأت أحد من السلطات لمساعدتهم، ولم يتمكن سوى عدد قليل من المتطوعين المدنيين، من قرية أمزميز الواقعة عند سفح الجبل، من جلب بعض الطعام والبطانيات. الشيء الأكثر انعدامًا في “تفگاغت” هو المواد الغذائية، لأن الجميع فقدوا كل شيء ولا وجود لمحلات التجارية
يتجول بعض الجيران تائهين. يكرر رجل يرتدي قبعة زرقاء “هذا مثل العراق!، هذا مثل العراق”، دون أن يعيره أحد الكثير من الاهتمام.
لم يتوقف إبراهيم مظهر عن إزالة الحجارة بيديه منذ وقوع الزلزال. يتكبد الدم على أطراف أصابعه والتراب يخضب ذراعه إلى المرفق، لكن ما يوجعه أكثر هي جراحٌ أعمق وغير مرئية : الذنب الذي يأكله منذ يوم الجمعة.
كان قد استعد للتو للصلاة مع زوجته وابنته عندما شعروا برجة شديدة، وكأن الأرض تهدر وتدور مثل وحش، “لقد كنت مخطئاً، فقلت لهم أن ينتظروا داخل المنزل لأن الحجارة كانت تمطر في الخارج، لم يعد المنزل قادراً على الصمود، فسقط عليهم… اعتقدت أنني كنت أحميهم والآن ماتوا”.
كل منعطف في أزقة “تفگاغت”، يمتلىء بالحجارة والركام، ويحمل نفس الصوت المتكرر؛ صرخات النساء والرجال الذين فقدوا كل شيء وينتظرون بالقرب من أنقاض منازلهم.
مشهد الكارثة والنسيان في المناطق الريفية له أيضًا رائحة، فبسبب حرارة الجو بدأت رائحة الجثث المتحللة في الانتشار من بين الحجارة.
وفي نهاية إحدى التلال، حيث كانت توجد عشرات المنازل التي تحولت إلى دمار، يزيل محمد بعض الحجارة بنظرات كليلة، وهو يبحث عن والده البالغ من العمر 76 عامًا، والذي كان نائما عندما سقط المنزل عليه.
ويقول محمد إنه ليس لديه أمل في العثور عليه حيًا، لأن “غبار الجدران يخنق القلّة الذين نجوا تحت الحجارة، وفي هذه القرية لم يخرج أحد على قيد الحياة من تحت الأنقاض”.
هنا في “تفگاغت”؛ تنبعث من الهواء رائحة الغبار والجثث، والخوف يسكن في النفوس من هزة ارتدادية، ومن انهيار غير متوقع، ومن تذكر رعب الليلة الأولى.
وبالأمس، استقرت مئات العائلات في العراء، على السجاد أو تحت الأشجار، لقضاء الليلة الأولى بعد الزلزال.