هاجر الريسوني
تعود قصة تسقيف أسعار المحروقات في المغرب إلى أواخر سنة 2018، حيث خرج لحسن الداودي أمام أنظار ممثلي الأمة في قبة البرلمان وهدد شركات المحروقات في حالة عدم تخفيضها لأسعار البنزين والغازوال سيضطر إلى سلك طريق تسقيف الأسعار.
وبعد ذلك بأسابيع أعلن الداودي عن أن الحكومة شرعت رسمياً في مسطرة تفعيل قرار تسقيف أسعار المحروقات، مشيراً إلى أن “الربح الذي حددته الدولة لشركات المحروقات ومحطات الوقود هو 70 سنتيما للتر الواحد من الديزل، و60 سنتيما للتر الواحد من البنزين” وأنه سيتم تحديد سقف أسعار المحروقات كل 15 يوماً لكي يتم ضبط هامش ربح الشركات الموزعة وذلك لمدة ستة أشهر، وفي حالة عدم امتثال هذه الشركات للسقف المحدد، ستُطبق عليها ذعائر مالية يُمكن أن تصل إلى 60 مليون سنتيم.
ولم تكن الأسعار الملتهبة للمحروقات رغم تراجع الأسعار في السوق الدولية هي فقط السبب الوحيد الذي جعل الحكومة السابقة تفكر في هذا الإجراء، إذا كان لتقرير المهمة الاستطلاعية التي قامت بها لجنة مكونة من البرلمانيين للوقوف على كيفية تحديد أسعار البيع للعموم وحقيقة المنافسة في القطاع دور كبير في إثارة الانتباه إلى الأرباح التي راكمتها شركات المحروقات في المغرب بعد تحرير الأسعار سنة 2015 من طرف حكومة بنكيران وذلك على حساب جيوب المغاربة.
ويكشف التقرير أن الفرق بين السعر المعمول به بنسبة الربح المطبقة قبل التحرير وبعده، والسعر المطبق بالهوامش الجديدة بعد التحرير هو 0,96 درهم للتر بالنسبة للغازوال، و0,76درهم للتر بخصوص البنزين.
ورغم أن وزارة الداودي قامت بدراسة حول تطور قطاع المحروقات منذ التحرير، إلا أنها طلبت رأي مجلس المنافسة في قرار التسقيف، وقد بررت تقدمها بطلب الاستشارة بكون أسعار المحروقات السائلة عرفت ارتفاعات غير مبررة لا بالظرفية العالمية أو الوطنية خاصة تطور سعر المحروقات في السوق الدولية، وفقا لما جاء في مراسلة الوزارة.
رأي مجلس المنافسة لم يتوافق مع رؤية الوزير الداودي الذي كان مصرا على قرار التسقيف، حيث قال إدريس الكراوي، رئيس مجلس المنافسة آنذاك، في تصريح صحفي أن “التسقيف يشكل تدبيرا تمييزيا يطبق بدون استثناء على كافة المتدخلين في القطاع مهما كانت أحجامهم، وهذا يمثل خطرا حقيقيا قد يضر بالمتدخلين الصغار والمتوسطين الذين تتصاعد هشاشتهم… مما يؤثر سلبا على الرؤية المستقبلية للمتدخلين في القطاع”.
وقد اعتبر المجلس أن تسـقيف هوامش الربح لن يغطـي سـوى جزءاً يسيراً مـن بنيـة أسعار المحروقات وهو ليـس كافيا لحـل مشكل القدرة الشرائية فـي حالـة ارتفـاع أسـعار المـواد المكررة علـى الصعيد الدولي، مبرزا أن السـؤال الحقيقـي لا يكمن فــي معرفــة مــا إذا كان مــن الضــروري التســقيف، ولكــن فــي اتخــاذ تدابيــر مصاحبــة لحمايــة الفئـات الاجتماعيــة الأكثر تأثرا وأجـزاء الســوق الأكثر ضعفا فــي مواجهــة الارتفاعات المهمـة أسعار الغازوال والبنزين.
وأضاف المجلس أن قرار التسقيف استجابة جزئية وغيـر هيكليـة لمشكلة عميقـة وأكثر تعقيدا، وأنه حل ترقيعي دون تأثيــر علـى المـدى المتوسـط والبعيـد.
ولم يتوقف عند هذا الحد بل انتقد قرار تحرير المحروقات، معتبرا أنه تـم القيـام بالتحريـر التـام للأسعار دون اعتبار عـدة عناصـر مـن السياق الوطنـي التـي كان مـن المفـروض أن تنبـه الحكومـة إلـى جـدوى تنفيـذ هذا القـرار لسببين أساسيين أولهما توقــف نشـاط الشــركة الوطنيــة للتكريـر شهرين قبل التحرير الكلي والثاني يتجلى في غيــاب تدابيـر مواكبـة لضبط المنافسة فـي سـوق المحروقـات السـائلة، مشيرا إلى أنه كان مـن المفـروض عند توقـف نشـاط الشـركة الوطنية للتكرير أن تتخلى الحكومـة عـن قـرار التحريـر الكلـي المقـرر فـي فاتـح دجنبـر 2015 ،أو علـى الأقل إرجـاءه.
رأي مجلس المنافسة رغم أنه غير ملزم للحكومة وتعثر المشاورات مع مهنيي القطاع، ساهما في تأخر إصدار قرار التسقيف، رغم أن الوزير الداودي كان قد حدد تاريخ مارس 2019 لإخراجه لكنه تراجع عنه فيما بعد، وقد برر تراجعه هذا بأن تحديد التاريخ كان ورقة ضغط على شركات المحروقات وشركات التوزيع للجلوس إلى طاولة الحوار. وبعد هذا التاريخ استمر الوزير في المماطلة ونفي أن الحكومة تراجعت عن القرار إلى أن غادر الوزارة بسبب التعديل الحكومي وأقبر بعدها قرار تسقيف أسعار المحروقات.
اعتبار قرار تسقيف أسعار المحروقات حل لأزمة ارتفاع الأسعار وحماية لجيوب المغاربة، لم يكن رأي الحكومة السابقة فقط، بل إن فريق الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بمجلس المستشارين تقدم قبل أشهر باقتراح لتسقيف الأسعار، غير أن الحكومة رفضت المقترح. لكن السؤال المطروح هل تسقيف أسعار المحروقات يمكن أن يحل أزمة ارتفاع أسعار المحروقات ويحمي المواطنين من جشع المستحوذين على السوق؟
يجيب رشيد أوراز، باحث اقتصادي في المعهد المغربي لتحليل السياسات أن هناك حلان لا ثالث لهما لتجاوز أزمة ارتفاع أسعار المحروقات، أولها ضمان التنافسية في السوق، والحل الثاني يتمثل في خفض الدولة لنسب الضرائب، موضحا أنه في ظل الأزمة الحالية “الدول المتقدمة تبحث عن تزويد السوق بمزيد من براميل النفط، والولايات المتحدة قامت بتحرير جزء من مخزونها الاستراتيجي لخفض الأسعار، بالمقابل لا يمكن لها أن تطبق تسقيف الأسعار”.
وفسر أوراز في تصريح ل”هوامش أنفو” أن “تسقيف الأسعار يعني أيضا ضمان الأرباح للشركات وتسقيف الأرباح أيضا، وهذا يتنافى وقوانين السوق والمنافسة”، مسترسلا “التسقيف يتعارض مع قوانين الأسعار والمنافسة، ويتعارض مع التحرير الاقتصادي، فضلا على أنه يتعارض مع التزامات المغرب مع المؤسسات المانحة ومع التزاماته الدولية في الجانب الاقتصادي”.
ويرى الباحث الأكاديمي أنه “تطبيق التسقيف سيضر بتصنيف المغرب في تقارير الحرية الاقتصادية، وسيقدمه كبلد حمائي، يخاطر بصورته لدى المستثمرين الأجانب”، مردفا أن “مجلس المنافسة قال في دراسته أن هناك تواطئ بين الشركات الثلاث خصوصا، وهو ما يعني أنه يجب أن تطبق العقوبة في حقها، لأن التواطؤ تحرمه قوانين الأسعار والمنافسة”.
واستدرك قائلا : “المشكلة أن مجلس المنافسة لم يستطع تطبيق العقوبة، وذلك لضعفه وفشل رئيسه السابق في مهمته”.
وعن سؤال من يحمي القدرة الشرائية للمغاربة في ظل تقلبات السوق الدولي، قال أوراز إن الوسيلة الوحيدة لحماية المواطنين من ارتفاع الأسعار هي خفض الضرائب وتطبيق العقوبات على الشركات بسبب التواطؤ بينها، لكي تدخل في منافسة حقيقية”.