محمد تغروت
على مسَاحة تبلغ 17 كلم مربع، تُوجد جماعة عامر القروية، المحدثة سنة 2008، بسَاكنة تقدر بأكثر من 35 ألف نسمة. تعيش أغلبية السّاكنة على العمل المَوسمي والفلاحة والرّعي وبيع الخَشب المحصل من غابة المعمورة،. وهي موزعة على سبعة دواوير: دوار اولاد سبيطة – الحنشة – دوسليم – زردال – أولاد العياشي، ولاد اكزولي – البراهمة – العيايدة. يحدها من الشرق الجماعة الحضرية لسيدي علال البحراوي، غربا الجَماعة الحضَرية لبوقنادل، شَمالا الجماعة القروية سيدي الطيبي، وجنوبا الجماعة القروية للسهول.. حيث تشكل عائدات غابة المَعمورة ودعم الوزارة الوصية، أهم مداخيلها.
يحكي ميلود، أحد المعنيين بقرار الهدم والترحيل، وأحد ممثلي الساكنة: “أنا إنسان بسيط، أخذت قرضا لبناء منزل. واشتغلنا أنا وزَوجتي لنتمكن من إرجاع أقساطه، زوجتي تشْتغل في الخياطة، وأنا أشتغل مياوما في الصباغة، وفي نفس الوقت أقوم بالدعم الدراسي للتلاميذ في المنطقة، بمبلغ رمزي لأن الأمر يتعلق بتلاميذ ينتمون إلى شرائح اجتماعية فقيرة…” يضيف ميلود “بالقرض الذي أخذته، اشتريت بقعة أرضية في أولاد العياشي سنة 2015، ومنذ ذلك التاريخ وأنا أسكن هنا. بنيت منزلي لبنة لبنة وكافحنا. قبل شهر فقط أدينا القسط الأخير من القرض، لنتفاجأ بقرار الهدم.
تنطبق حالة ميلود على العديد من ساكنة الدوار، الذي يتشكل في الغالب من مياومين وعمال زراعيين. علامات الشقاء على وجوه أغلب الحاضرين، في وقفة احتجاجية نظمت يوم الأحد 27 فبراير، كما عاينت تشقق أيدي بعض من قابلتهم، بما يدل على اشتغالهم في أشغال شاقة، لضمان قوتهم اليومي.
أوضح ميلود لمنصة هوامش، “منذ أن بدأت عملية الهدم في دوار البراهمة، أصبحنا نعيش في حالة ضياع، لم أعد أنام مرتاحا، ولا آكل براحتي، لأنني أعرف أن المصير مجهول”.
وأضاف ميلود أن السلطات المحلية كانت قدمت إلى دوار البراهمة وقامت بترقيم المنزل وتصوير أصحاب المنازل إلى جانب هذه الأرقام، لتخبرهم أنهم مطالبون بالإفراغ في اليوم الموالي، دون أن تعطيهم أية مهلة لتدبر محل للكراء أو البحث عن مأوى بديل، رغم أن أغلبهم “بسطاء”، لا يملكون ما يكفي لقوتهم اليومي.
وبدأ هدم المنازل بدوار البراهمة في اليوم الموالي لإنذارهم، فاضطرت الساكنة إلى البحث عن مساكن بديلة عن طريق الكراء أو الرهن، غير أن أغلبهم، يقول ميلود بمرارة، لم يجدوا مأوى، إذ من بينهم من اضطروا إلى امتهان التسول في حي “الواد” (أحد أحياء مدينة سلا)، ويبيتون في غابة مجاورة.
حالة سكان دوار البراهمة، حسب ميلود أبكت ساكنة دوار العياشي، وجعلتهم يتوجسون من مصير مماثل.
وكانت ساكنة دواوير البراهمة بجماعة عامر القروية بسلا قد استفاقت على قرار حمل معه طابع المفاجأة، صدر عن عامل عمالة سلا؛ ويتعلق بتنفيذ إجراءات الهدم و الترحيل في حق ساكنة البراريك بهذه الدواوير في إطار تنزيل برنامج “سلا بدون صفيح”.
وباشرت السلطات المحلية مرفوقة بالقوة العمومية (قوات مساعدة ودرك ملكي) وأعوان السلطة، اتصالاتها الميدانية بالساكنة المحلية خصوصا منها التي شملها الإحصاء للاستفادة من برنامج إعادة الإسكان ببوقنادل، وذلك بهدف إخلاء “براريكها” داخل أجل منظور، والاستعداد لإجراء القرعة التي ستمنح بقعة أرضية واحدة لأسرتين أو “برّاكتين”، والبحث عن سكن للكراء مؤقتا ريثما يتم إنهاء المسطرة الإدارية، فيما تتكلف الجرافات بهدم البراريك.
وهي نفس العملية التي تشمل السكان غير المحصيين الذين وجدوا أنفسهم” خاويي الوفاض”، بعدما اشتروا براريك في أراضي سلالية وفاتتهم عملية الإحصاء.
فرع سلا للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، كان قد حمل مسؤولية انتشار البناء العشوائي وأحياء الصفيح بالمدينة للمنتخبين والسلطات فيما مضى من سنوات. وأكد ذات المصدر أن سلطات المدينة لم تستطع أن تجعل مدينة سلا في الموعد منذ توقيع عقد “برنامج مدن بدون صفيح”، أمام الملك سنة 2004، حيث بقي البرنامج رهين أجندات انتخابوية، وسياسية ضيقة، إضافة لممانعة بعض الساكنة المحلية وبعض ذوي الحقوق.
استفاق الجميع على مدى السنوات الماضية، على خلق “قرية” كبيرة متاخمة لمدينة سلا، بدواوير وتجمعات سكانية متفرقة، بناء ”أكواخ” براريك، بناء إسمنتي، تفتقر كلها لمقومات السكن اللائق، من تطهير وماء شروب وإنارة وطرق.. والحال أن هذا الواقع الذي يحمل معه عدة مشاكل اجتماعية، صحية، تربوية وأمنية، سيشكل تحديا للمسؤولين على المدى المنظور، للاستجابة لطلب مئات الآلاف من السكان الذين غيروا المعادلة السكانية والعمرانية بالمنطقة… مما سيشكل عبئا آخر في طريق تأهيل المدينة ككل، ويمدد على مدى عشرات السنين من الطابع العشوائي لأحياء سلا وضواحيها .
وحسب المعطيات التي تتداولها الساكنة، فإن قرار هدم جميع المساكن التي شيدت بشكل “غير قانوني”، في الفترة ما بين يوليوز 2016 و2021، يشمل قرابة عشرة آلاف مسكن، بساكنة تتجاوز الـ20 ألف نسمة، يواجه الرفض لأسباب متعددة، بدأ تصريفها في احتجاجات قوية، علما أن عمليات البناء تمت أمام أعين سلطات عمالة سلا.
فرع سلا للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، في بيان سابق أكد أن سلطات عمالة سلا وجهت محاضر وإنذارات لبعض السكان المعنيين تتحدث عن خرق لقوانين التعمير يعود لسنة 2008، وعن معاينة قام بها قائد المنطقة الموقع على المحضر نفسه نهاية شهر غشت من سنة (2020)، وأكد ذات المصدر أن العديد من الضحايا الآخرين حصلوا على البقع الأرضية عن طريق الشراء بواسطة عقود مصادق عليها من طرف السلطات بإحدى مقاطعات حي السلام بسلا، وهو ما أكده ميلود لمنصة هوامش، حيث أوضح قائلا: “صحيح أننا لم نحصل على تراخيص البناء، لكن ما قمنا به، تم أمام أعين السلطة، وأن مشتري البقع الأرضية في المنطقة، تمت المصادقة على عقودهم في مقاطعات مدينة سلا، ما يعني أن مؤسسات تابعة لوزارة الداخلية هي التي صادقت على صحة توقيعاتهم، وهو الأمر الذي طمأن الساكنة.
وتطالب ساكنة أولاد العياشي، إما بإعادة الهيكلة في عين المكان، بتخصيص بقعة أرضية لكل أسرة، عوض بقعة أرضية لكل أسرتين كما تقترح السلطات. وبرر ميلود المطلب، بحرص الساكنة على تجنب المشاكل الممكن حصولها في حالة تخصيص بقعة لكل أسرتين، نظرا لاختلاف أوضاع المعنيين وإمكانياتهم، واختلاف خططهم.
وتطالب الساكنة كذلك بحضور خبير لتقييم الخسائر المادية وتعويضها لجميع الساكنة، حسب الحالات، وكذا إعادة الإحصاء للحرص على شمولية استفادة كافة المعنيين باختلاف وضعياتهم (الفلاحين، مالكي المنازل، مالكي البقع الفارغة).
وأوضح محدثنا أنه منذ أن بدأت الساكنة تحتج وتطالب بحقوقها، بدأت السلطات تستجيب لبعض المطالب، على رأسها تأجيل عملية الترحيل إلى حدود انتهاء الموسم الدراسي، وهو ما عاينته منصة “هوامش” بحضور الكاتب العام لعمالة سلا وباشا المنطقة، حيث تم الوعد بالتأجيل إلى غاية شهر يونيو.
وأصر ميلود على التأكيد على أن الساكنة لديها ثقة في الإدارة، وأن عامل عمالة سلا يدرس طلباتها، وتنتظر قراراته، وأكد ميلود أن الساكنة تنتظر حضور العامل بشكل شخصي للإعلان عن القرار النهائي.
عاينت “هوامش”، حضور الكاتب العام لعمالة سلا، تزامنا مع احتجاج للساكنة، حيث خاطبهم لطمأنتهم، والتزم في ذات اللقاء بتأجيل عمليات الهدم إلى غاية شهر يونيو، مراعاة لوضعية التلاميذ الذين يتابعون دراستهم، وتفاديا لتكرار تجربة دوار البراهمة.
ووعد ذات المسؤول الساكنة بأن السلطات ستدرس الملفات الفردية، للوقوف على خصوصيات كل حالة على حدة، مؤكدا أن حالة دوار أولاد العياشي استثنائية، لأن أوضاعهم الاجتماعية في المجمل مزرية.