الرئيسية

لهيب الأسعار يفاقم معاناة المغاربة و”شبح المقاطعة” يقف على باب رئاسة الحكومة

تشهد أسعار المواد الاستهلاكية ارتفاعا صاروخيا، كنتيجة لا محيد عنها لارتفاع أسعار المحروقات؛ ارتفاعٌ لم يعد يهدد فقط القدرة الشرائية للمواطنين، بل يبدو أنه يتجه للإجهاز عليها.

محمد تغروت

ارتفعت أصوات مواطنين وهيآت مدنية لتندد بالغلاء تدعو المسؤولين إلى اتخاذ تدابير عاجلة، بينما بدأت دعوات ترتفع بشكل خاص على مواقع التواصل الاجتماعي، تدعو بشكل صريح رئيس الحكومة عزيز أخنوش إلى الرحيل، بعد 4 أشهر وبضعة أيام من تنصيب حكومته من قبل البرلمان.

هاشتاغ أخنوش إرحل و”شبح” المقاطعة يعود لاكتساح منصات التواصل الاجتماعي

هاشتاغات “أخنوش ارحل” و”لا لغلاء الأسعار في المغرب” و “لا للأجر مقابل التلقيح”، اكتسحت مواقع التواصل الاجتماعي، خلال الأيام الأخيرة، عقب الارتفاع الصاروخي في أسعار المواد الغذائية الأساسية والمحروقات، وما اعتبره نشطاء تنصلا من قبل الحكومة من الوعود الانتخابية التي قدمها أخنوش وفريقه للمغاربة قبل وصوله لرئاسة الحكومة.

هذا الاحتقان والرفض المتزايد لقرارات الحكومة وللغلاء دفعت الكثيرين إلى رفع سلاح المقاطعة من أجل الضغط على الحكومة والشركات لإعادة الأمور إلى نصابها.

سلاح المقاطعة سبق أن جربه المغاربة سنة 2018، وكان موجها ضد ثلاث علامات تجارية من أبرزها شركة توزيع المحروقات افريقيا غاز، التابعة لمجموعة أكوا لصاحبها رئيس الحكومة عزيز أخنوش، وكانت الحملة آنذاك قد كبدت الشركات المعنية خسائر فادحة.

إعلاميون يخرجون من دائرة الصمت

استغرب المنشط الإذاعي في راديو لوكس رشيد الادريسي في فيديو على صفحته على الفايسبوك صمت الحكومة على الزيادات المهولة في الأسعار، واستشهد الإعلامي بمنشور سابق للصحفي رضوان الرمضاني بنفس المضمون “أنه لم يفهم سر صمت الحكومة”.

وأضاف الادريسي أن هذا الوضع يطرح من جديد نقاش الخلط بين السلطة والمال، معتبرا أن وجود سياسي لديه شركة وتحصل على أرباح هائلة في مجال المحروقات (في إشارة إلى رئيس الحكومة عزيز أخنوش) يطرح إشكالا في تطرق الإعلام له سواء بالحديث أو الصمت.

وأضاف الادريسي أن الزيادة في أسعار المحروقات يؤدي إلى ارتفاع أسعار النقل وهو ما يؤدي بدوره إلى ارتفاع أسعار كل المواد الاستهلاكية والخدمات.

ردود الأفعال هذه من طرف صحفيين يعتبرهم البعض مقربين من السلطة يؤكد أن الوضع تجاوز الحد الذي يسمح بالصمت.

ارتفاعات متوالية ومستمرة لأسعار المواد الاستهلاكية

تسارعت في الآونة الأخيرة وتيرة ارتفاع الأسعار، بشكل غير مسبوق، حيث وصلت إلى مستويات قياسية، خاصة في ظل انعكاسات أزمة كورونا من جهة وانحباس الأمطار من جهة أخرى، مما يهدد الأمن المائي والغذائي على حد سواء.

وشمل ارتفاع الأسعار أغلب السلع والمواد الاستهلاكية الأساسية خاصة المواد الغذائية والمحروقات الشيء الذي انعكس على أسعار وسائل النقل والمواد الصناعية ومواد البناء والعديد من الخدمات.

ووصل ثمن القمح المحلي إلى 550 درهما للقنطار، بعدما كان ثمنه يتراوح بين 380 درهم ودرهم 400  للقنطار، في حين ارتفع سعر القمح المستورد من 400 درهما للقنطار إلى 750 درهما، وانعكست هذه الزيادات على أسعار القمح وعلى كل المواد الغذائية التي يدخل في مكوناتها.

جمعية مهنية تفضح “واقع المنافسة ” المفترى عليها

أصدرت الجمعية المغربية للنقل واللوجيستيك بلاغا، يوم الاثنين 14 فبراير الجاري، أعلنت بموجبه اتفاق أعضائها على رفع أسعار النقل ب20 في المائة، قبل أن تصدر في نفس اليوم بلاغا تتراجع بموجبه عن الرفع المعلن عنه، غير أن هذا التراجع لا يمنع من تعرضها للمساءلة من طرف مجلس المنافسة، لأنها قدمت الحجة على أن شركات النقل واللوجيستيك تتفق حول الأسعار، وهو الأمر الذي يتعارض مع قانون حرية الأسعار والمنافسة.

وفي هذا السياق أعلن أحمد رحو رئيس مجلس المنافسة، في تصريح صحفي، “أن اتفاق جمعية مهنية أو فيدرالية على الأسعار غير مسموح به مطلقا، لأن السوق هو الذي يحدد الأثمنة حسب العرض والطلب. وأي شركة ينبغي أن تحدد أسعارها بشكل تلقائي وأحادي”. وأضاف رحو أن “الاتفاقات في ميدان الأسعار محظورة بالقانون”.

واعتبر متتبعون أن هذه الواقعة تكشف واقع تعاطي شركات في تحديدها للأسعار بشكل اتفاقي وغير معلن، وهو ما يذكر بما حصل في وقت سابق في العلاقة مع شركات توزيع المحروقات والـ17 مليار الشهيرة.

نقابات وجماهير تحتج وتعارض

أعلنت مجموعة من النقابات رفضها لارتفاع الأسعار، ودعت الحكومة إلى التدخل للحد من الآثار السلبية لموجة الغلاء على جيوب المواطنين.

وفي هذا السياق نظمت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل احتجاجات متفرقة في عدد من المدن والأقاليم عبر ربوع البلاد، وشارك في هذه الاحتجاجات مئات المواطنين في كل من الرباط، والدار البيضاء ومكناس وأكادير وأسفي، وجدة وغيرها، مطالبين الحكومة بالتدخل بشكل مستعجل، واعتبار المرحة استثنائية تقتضي تدخلا استثنائيا، واتخاذ الإجراءات الازمة لحماية القدرة الشرائية لعموم المواطنين، مؤكدين أن هذه الأوضاع المتردية إن استمرت على ما هي عليه قد تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه.

وأكدت النقابة في بيانها أن “غلاء الأسعار يشكل مؤشرا على الاحتقان الاجتماعي”، داعية إلى ضرورة مأسسة الحوار الاجتماعي الثلاثي الأطراف الذي التزم به رئيس الحكومة بمباشرته قبل نهاية شهر فبراير. كما خرج مئات من المواطنین بمدينة جرادة شرق المغرب في مظاهرة حاشدة احتجاجا على الغلاء وارتفاع الأسعار.

وفي السياق ذاته دعت الجبهة الاجتماعية (وهي ائتلاف مكون من عدد من الإطارات النقابية والسياسية والحقوقية) إلى تنظيم احتجاجات تزامنا مع ذكرى انطلاق حركة عشرين فبراير يوم الأحد المقبل، في أزيد من 25 مدينة مغربية.

من جهته، أوضح رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، بوعزة الخراطي، أن “هناك بعض المواد الاستهلاكية التي عرفت زيادة في أسعارها رغم إنتاجها محليا”، مشيرا إلى “استغلال بعض الأشخاص (الوسطاء) لظروف الزيادة في الطلب والرفع من أسعار بعض المواد الاستهلاكية”.

وانتقد الخراطي “صمت الحكومة رغم الاحتجاجات على غلاء الأسعار دون أن تقدم معلومات لتقنع المستهلك المغربي بهذه الزيادات”، موضحا أن أسعار المحروقات ارتفعت بـ 4 دراهم مقارنة بعام 2020 وبدرهمين مقارنة بعام 2021.

ردود أفعال حكومية مرتبكة

من جانبها ظلت الحكومة تتفاعل باحتشام مع الأوضاع الناجمة عن فورة ارتفاع الأسعار، إذ أرجعت نادية فتاح العلوي، وزيرة الاقتصاد والمالية، الارتفاع المسجل في عدد من المنتوجات إلى الظرفية التي تعرفها الأسواق العالمية، وتعهدت بمحاربة الهوامش غير المبررة لارتفاع الأسعار.

وقالت العلوي في ردها على تدخلات الفرق النيابية خلال جلسة التصويت على الجزء الأول من مشروع قانون المالية، إن “للجنة بين الوزارية المكلفة بالأسعار تشتغل بصفة منتظمة منذ أسابيع، وستكثف أشغالها لتجاوز هذه الظرفية من خلال محاربة كل الهوامش غير المبررة لتحديد الأسعار واتخاذ كل الإجراءات لتحقيق الهدف الأسمى الذي تحرص عليه الحكومة، المتمثل في الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين”

ومن أجل الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين، كشفت الوزيرة أن الحكومة قررت تعليق الرسوم الجمركية من أجل ضمان استقرار أسعار القمح، وخصصت ما يناهز 8 مليارات درهم كزيادة في كتلة الأجور، خصصت أساسا لأداء المتأخرات المتعلقة بترقية الموظفين لسنتي 2020 و2021.

ورفضت فتاح العلوي انتقادات المعارضة الموجهة إلى الحكومة بخصوص ضرب القدرة الشرائية للمواطنين، وتساءلت باستنكار: “حينما نخصص 8 مليارات كزيادة في كتلة الأجور، وعندما نخصص 16 مليارا لدعم السكر وغاز البوتان والدقيق، و10 مليارات لدعم صندوق التماسك الاجتماعي، فهل نضرب القدرة الشرائية للمواطنين؟”.

من جانبه اعتبر مصطفى بايتاس، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلّف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني والناطق الرسمي باسم الحكومة، في ندوته الصحفية الأسبوعية أن الحكومة تقوم بمجهودات في سبيل إبقاء أسعار المواد الاستهلاكية مستقرة، من خلال دعم مواد عن طريق صندوق المقاصة، مشيرا إلى أن مخصصات دعم الدقيق للحفاظ على سعر الخبز الذي يباع بدرهم وعشرين سنتيما تصل إلى 50 مليار سنتيم شهريا. وهو ما ردت عليه الفيديرالية المغربية للمخابز والحلويات بالقول أن المخابز لا تتلقى أي دعم عمومي للحفاظ على الثمن المرجعي للخبز في 1.2 درهم، وأنها وحدها تتحمل كل المصاريف والزيادات في كل المكونات إنتاج الخبز لمدة 20 سنة.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram