الرئيسية

عمليات الولادة القيصرية، ما بين العنف والجشع الطبي

لطالما كانت الولادة القيصرية حلا طبيا للعديد من مشكلات الولادة المتعسرة، لكن يبدو أنها أصبحت في السنوات الأخيرة حلا غير محسوب العواقب، بعدما تضاعفت أعدادها بصورة غير مبررة ودون دواع صحية، لتصبح كثير من النساء ضحايا قرار يترنح ما بين العنف المرغوب والجشع الطبي.

حسناء عتيب

اختارت راضية (28 سنة) الولادة لكونها من النوع الذي لا يتحمل الألم ولو لدقيقة واحدة ولو أنها على علم مسبق بما قد يحدث بعد الولادة القيصرية من تبعات، لكن الأمر برمته بالنسبة لها أهون عليها من الولادة الطبيعية، مضيفة لمنصة هوامش، أن الطبيب الذي تابعت معه مراحل الحمل لم يٌخيّرها بين الولادة الطبيعية والقيصرية، وإنما منذ اليوم الأول للحمل، قرر إجراء الولادة القيصرية، حتى لا تتعرض هي ومولودها لأي خطر محتمل ولو أنها كانت بصحة جيدة. هذا القرار الذي لم تتدخل فيه راضية،  يخفي بعض الأرقام الغامضة.

أرقام

وفقا للمعطيات الصادرة عن الصندوق الوطني لمنظمة الاحتياط الاجتماعي “CNOPS” والتي صدرت قبل ثلاث سنوات، فإن المغرب يتصدر دولاً كثيرة في العلميات القيصرية؛ ففي عام 2008، سجل المعدل الوطني 38 في المائة، بينما بلغ هذا المعدل في أوروبا نسبة 23 في المائة، و35.6 في المائة في المناطق الأمريكية، و24.1 في منطقة غرب المحيط الهادي. في فرنسا تجري /102 نساء عملية قصيرية بينما يصل المعدل في المغرب إلى 6 من 10 نساء.

ولفتت المصادر ذاتها إلى أن حالات الولادات القيصرية المسجلة بلغت سنة 2016 ما مجموعة  30 ألف 492 حالة، مقابل 23 ألف 481 في عام 2006. ويتراوح عمر النساء اللواتي يخضعن لهذه العلميات ما بين 20 و35 سنة.

وسجل التقرير أن نسبة اللجوء إلى العمليات القيصرية تصل في القطاع العام إلى 23 في المائة، بينما تقفز في القطاع الخاص إلى 65 في المائة، وهو رقم يتجاوز بكثير النسبة التي حددتها منظمة الصحة العالمية التي توصي “بأن اللجوء للعمليات القيصرية لا يتم إلا في حالة ضرورة طبية”.

وتصدرت مدن الرباط والدار البيضاء وفاس وأكادير والصويرة باقي المدن المغربية في الولادات القيصرية سنة 2016، بنسبة تتراوح بين 80 و95 في المائة، في وقت يبلغ فيه المعدل الوطني نسبة 59 في المائة.

الولادة الطبيعية، عنف و إساءة

المعاملة السيئة للنساء أثناء عملية الولادة، والمعروفة أيضا باسم العنف عند الولادة، هو مصطلح عالمي أثار اهتمام المنظمات الدولية، والباحثين في المجال الطبي، حتى إن منظمة الصحة العالمية واليونيسيف وعددا من المنظمات الدولية أنجزت دراسة مشتركة حول الأمر، وخلصت إلى أن نحو 42% من النساء، في التقرير، قلن إنهن تعرضن للإيذاء الجسدي أو اللفظي أو التمييز أثناء الولادة في المراكز الصحية، وهو ما جعل سعاد 35) سنة( تختار إجراء عملية قيصرية بعدما تعرضت للعنف في ولادتها الطبيعية لابنها البكر حسن قبل سنوات، ولم تتقبل أن تعيد التجربة. فالولادة القيصرية بالنسبة لها ولو أن تكلفتها مضاعفة تبقى مقارنة بالولادة الطبيعية تتميز بالتعامل الراقي على الأقل.

جشع طبي… ولكن

مستشفيات خاصة كثيرة تقنع النساء الحوامل بالخضوع إلى عمليات قيصرية، من خلال طمأنتهن بأنهن لن يتعرّضن لألم ولا لمضاعفات، مستغلين )بعض الأطباء( جهل النساء الحوامل بمخاطر العمليات القيصرية. لذلك، ”نلاحظ أنّ نسبة العمليات القيصرية في بعض المراكز الخاصة أعلى من مثيلاتها في تلك العمومية، علماً أنّ تكلفة العملية القيصرية أعلى من تكلفة الولادة الطبيعية”. في المقابل يضيف الطبيب الذي تحدثت إليه “هوامش”، والذي فضل عدم ذكر اسمه، “لا يمكن أن ننكر أن هناك أطباء يسعون إلى نيل ربح مادي، عبر توليد النساء قيصريا، ففي كل مجال هناك أناس يسيئون إلى مهنتهم، لكن هذا الأمر لا يعني أن النساء المطالبات بإجراء العمليات القيصرية لسن مسؤولات عن اختياراتهن”.

وفيما ترتفع أصوات محذرة من مضاعفات الولادة القيصرية، قال المصدر الطبي، الذي تحدث لمنصة هوامش، ”إنَّ العملية القيصرية يتم اللجوء إليها لتفادي المضاعفات التي تنجم عن الولادة الطبيعية، مضيفا “إذا تمّت العملية بشكل صحيح، فإنّ مضاعفات الولادة تكون عادية”.

وكشف  المتحدث  ذاته أن الأطباء مسؤولين بنسبة كبيرة عن زيادة معدلات الولادات القيصرية، حيث يقوم الغالبية بإجراء الولادة القيصرية دون مبرر طبي اختصارا للوقت، إضافة إلى كونها منعشة ماديا حيث تفوق تكلفتها أضعاف تكلفة الولادة الطبيعية بالنسبة للطبيب وللمستشفى.

ففي سنة 2007، بلغ عدد النساء اللواتي أنجبن بعد عملية قيصرية 35 في المائة فقط، لترتفع النسبة إلى 43 في المائة سنة 2009، ومنها إلى 61 في المائة سنة 2017، والمثير هو أن 75 في المائة من هذه الحالات تسجل في المصحات الخاصة بينما لا تتعدى النسبة في المستشفيات العمومية 25 في المائة، وما يفسر الظاهرة هو الفرق في التسعيرة بين نوعي الولادة، فبينما لا يتجاوز الثمن 5000 درهم على أقصى تقدير في حالة الولادة الطبيعية، نجد أن سعر التوليد عبر العملية القيصرية يتخطى 8000 درهم، مما يعني هامش ربح أكبر للطبيب وللمصحة.

للضرورة أحكام

قال الدكتور يوسف عتاب “إنه لا يوجد اختلاف حول مخاطر الولادة القيصرية، وضرورة اللجوء إليها عند وجود ضرورة طبية، ولكن في الوقت نفسه لا يمكن إغفال عوامل أخرى تجعل منها ضرورة لا مناص منها”، خاصة أن غالبية النساء يفضلن الولادة القيصرية عن الطبيعية، بسبب طول مدة الولادة الطبيعية والألم المصاحب لها، موضحا :”إلى أن الولادة الطبيعية الواحدة قد تستغرق من 10 إلى 16 ساعة وهو الوقت الذي يكفي لإجراء 16 عملية ولادة قيصرية، بالإضافة إلى أن الكثير من الأطباء يلجؤون إلى الولادة القيصرية لتجنب أي مشاكل صحية قد تحدث للأم أو للجنين خلال فترة الولادة الطبيعية، مثل انخفاض نبض الجنين، أو تعرض الأم لما يعرف بعسر الولادة، فتكون الولادة القيصرية هي الحل البديل والحل الأسهل لعدد من الأطباء والنساء الحوامل رغم التحذيرات من مخاطرها.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram