تنشط تجارة المستحاثات نواحي ألنيف، وكذلك نواحي الراشيدية، حيث تتناثر على طول الطريق الوطنية رقم 12 بين تازارين وألنيف، محلات عليها لافتات تتعلق ببيع المستحاثات والمتحجرات. حرفة تعود لأربعة عقود فقط حيث تشغل عددا مهما من العمال وتذر قوت اليوم لأسر كثيرة. نتعرف على أسرار هذه التجارة في هذا الروبورتاج الذي أعدته جريدة “هوامش”.
هناك بعض المستحاثات يتم العثور عليها فوق سطح الأرض، أو بالحفر البسيط في أماكن عديدة، وهي في غالب الأحيان من نوع ثلاثية الفصوص، بحسب مختصين استقت “هوامش” آراءهم. يتم جلب بعض هذه المستحاثات في سهل العطشانة وجبل أوسيمور، حيث تتواجد مستحاثات تعود إلى حقب جيولوجية غابرة، يعرفها فقط المتخصصون في المجال . إذ يتم العثور عليها في سطح الأرض سيما في بعض المناطق في الجنوب الشرقي للمغرب،
لكن ثمن بعض هذه الأنواع ليس كبيرا، حيث يقول مصطفى بنمولى : ” تباع هذه الأنواع التي يتم العثور عليها على الأرض ب5 دراهم للواحدة، وهناك نوع منها يباع فقط بدرهمين ونصف للمستحاثة الواحدة، نحن نبيعها للوسطاء الذين يبيعونها بدورهم للباحثين والمهتمين بهذه الأمور، المشكل أنها أصبحت قليلة في الفترات الأخيرة”.
هناك أصناف أخرى يبدأ ثمنها من 5000 درهم فما فوق، ويصل إلى ملايين السنتيمات، تباع هذه المستحاثات خصيصا لجامعات في أمريكا والصين واليابان، وهي أنواع يتم استخراجها من أحجار كبيرة، ويتم العمل عليها لأيام طويلة، بهدف تبيان شكلها مع الحفاظ على الحجر الذي ترسبت فيه وتشكلت معه.
حيث توجد محلات كثيرة خاصة بهذه الحرفة، يشتغل بها شبان من نواحي ألنيف والراشيدية، يعملون بمطارق وأزاميل لكسر الحجز وتبيان المسحاثات بداخله، مع الاحتفاظ بالحجر الذي تحجرت بداخله هذه المستحاثة.
باستعمال مطارق صغيرة وأزاميل حديدية في ورشات تبدأ من الصباح إلى الليل، وقد يتطلب ذلك أكثر من شهر كامل لتنقية مستحاثة معقدة الشكل، والحفاظ على شكلها الأصلي. فالزبون غالبا خبير في المتحجرات ولا يقبل تلك التي تم تزييفها باستعمال لصاقات أو ملونات وإضافات.
يعود ظهور هذه الحرفة في منطقة ألنيف إلى سنة 1981، فبحسب معلومات استقتها “هوامش” من موحند بنمولى من قصر تڭيرنا نواحي ألنيف بإقليم تنغير فإن رجلا يدعى ڭولوبول كان يأتي إلى المنطقة للبحث عن أحجار و مستحاثات متحجرة ويجمعها في أكياس، وكان بعض الرعاة حاولوا التقرب منه ومعرفة طبيعة الأحجار التي يجمعها فكانت تسمى عندهم وقتها “خْنْـتْــفُّو”، أحجار مهملة لا يهتم بها سوى بعض الأطفال الذين يجدونها في طريقهم، فليعبون بها بعض الوقت، ثم يتخلصون منها بعد ذلك. كان ڭولو بول يتردد على بعض المناطق نواحي ألنيف، وغيرها لجمع تلك الأحجار
وحاول الرعاة التقرب منه وسؤاله عن هذه الأحجار التي يقوم بجمعها وتعبئتها في أكياس وحملها معه. يقول مصدرنا إن رجلا اسمه أوسعيد وعمره الآن 65 سنة، جمع لهذا الرجل بعض هذه المستحاثات، وعندما التقاه قدمها له فأعطاه ذلك السائح مبلغا من المال، لقد كان المبلغ مهما بحسب أوسعيد نفسه. وما كان من هذا الراعي سوى ترك الرعي وامتهان حرفة جمع هذه الأحجار لبيعها لڭولو بول الذي يأتي مرة في السنة أو مرتين . ثم انخرط الجميع في عملية البحث، عندما علموا أن مدخولها أكبر بكثير مما يمكن أن يذره الرعي اليومي لأغنام قد لا تجد ما تأكل في بيئة جافة جدا. وكذلك التنقيب عنها في أماكن أخرى، لكن ڭولو بول، لن يأتي كل مرة، أكيد سيشيخ يوما، فانقطعت أخباره.
بدأ المنقبون الجدد عن المستحاثات يبحثون عن زبائن آخرين، من سياح وباحثين وغيرهم، كما دشنوا البحث في أماكن أخرى مستفيدين مما تعلموا مع مرور الوقت، وبعضهم تعلم من ذلك الرجل بشكل مباشر: ڭولو بول. فأصبحت حرفة يعيش منها العشرات من الناس في المنطقة.
“مؤخرا أصبحت المعاناة هي قلة هذه المستحاثات، لكن هناك بعض المناطق نكتشف فيها أنواعا مهمة، لكن الساكنة لا تترك المنقبين لاستغلالها، مثال نواحي تافتشنا بزاكورة، فبعض الساكنة لا يتركون المنقبين يبحثون عن هذه الأحجار، رغم وجودها نواحي هذه المنطقة بكثرة”، يؤكد مصطفى بنمولى.
