الرئيسية

قبل 100 يوم.. كيف كان زلزال الحوز مادة للابتزاز السياسي والدبلوماسي؟

      هذا الزلزال لم يقتصر على قلب الأرض على رؤوس ساكنيها، بل أحدث هزات حتى على مستوى العلاقات الدولية والعلاقات الدبلوماسية للمغرب بشكل خاص، تجلت في الجدال الذي عرفه ملف المساعدات الإنسانية وعمليات الإنقاذ التي عرضتها عدة دول واستقبل المغرب عروض أربعة منها فقط.

سعيد البدري  

   شهد المغرب في الثامن من شهر شتنبر الفائت أعنف زلزال في تاريخه، وخلف وفاة 2946 مواطنا، وجرحى ومعطوبين، إضافة إلى انهيار أزيد من 50 ألف مسكن بشكل جزئي أو كلي، بعد أن ضرب 6 أقاليم تضم نحو 578 ألف و280 أسرة في جهات مختلفة حسب مذكرة المندوبية السامية للتخطيط.

      هذا الزلزال لم يقتصر على قلب الأرض على رؤوس ساكنيها، بل أحدث هزات حتى على مستوى العلاقات الدولية والعلاقات الدبلوماسية للمغرب بشكل خاص، تجلتى في الجدال الذي عرفه ملف المساعدات الإنسانية وعمليات الإنقاذ التي عرضتها عدة دول واستقبل المغرب عروض أربعة منها فقط.

منذ الأيام الأولى التي أعقبت الزلزال أعلنت عدد من الدول أبرزها الصين والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والجزائر وألمانيا عن استعدادها لتقديم مساعدات عاجلة للمغرب، للمساهمة في الإنقاذ ومواجهة الآثار المدمرة للزلزال.

وقالت وزارة الداخلية المغربية في بلاغ لها “استجابت السلطات المغربية في هذه المرحلة بالذات، لعروض الدعم التي قدمتها الدول الصديقة إسبانيا وقطر والمملكة المتحدة والإمارات العربية المتحدة، والتي اقترحت تعبئة مجموعة من فرق البحث والإنقاذ”.

وهكذا استقبل المغرب من إسبانيا ما يقارب 65 من وحدة الطوارئ العسكرية مع 4 كلاب من وحدة الطوارئ العسكرية لإنقاذ المنكوبين، كما استقبل المغرب من بريطانيا فريقا يضم 60 شخصا من المتخصصين بعمليات البحث والإنقاذ.

وفي نفس السياق استقبل المغرب من قطر فريقا للإنقاذ محمّلا بالمعدات والآليات اللازمة للإنقاذ والبحث، إضافة إلى مساعدات طبية وإنسانية للمتضررين من الزلزال، كما استقبل طائرة من الإمارات محملة بأطنان من المساعدات الإنسانية.  

ورغم أن موقف بريطانيا لا يتطابق مع الموقف الإسباني والدول العربية، أجمع الملاحظون أن المغرب قبل بدخول مساعدات الدول التي تجمعه معها علاقات يطبعها التوافق حول مجموعة من الملفات أبرزها ملف الصحراء، وهو ما خلف ردود فعل متباينة.، وفبينما لم تصدر ردود فعل من مجمل الدول التي عرضت المساعدة، وجدت بعضها في رفض عرض المساعدات فرصة لتصفية الحسابات، خاصة فرنسا والجزائر التي عرفت علاقاتهما بالمغرب توترا حادا في السنوات الأخيرة.

أعلن الرئيس الفرنسي، يوم 9 شتنبر الماضي، غداة الزلزال، استعداد بلاده لتقديم المساعدات الضرورية إلى لإنقاذ ومساعدة المنكوبين في تغريدة على منصة إكس (تويتر سابقا) حيث قال ” لقد شعرنا جميعا بالصدمة بعد الزلزال المروع الذي ضرب المغرب. وفرنسا على استعداد لتقديم المساعدة في مجال الإسعافات الأولية”.

ثلاثة أيام بعد ذلك، وعقب إعلان قبول المغرب مساعدات قطر وبريطانيا وإسبانيا والإمارات العربية المتحدة، توجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بكلمة مباشرة للشعب المغربي، عبر مقطع مصور نشره عبر حسابه على منصة إكس (تويتر سابقا) يوم 12 شتنبر المنصرم، وهو ما جر عليه انتقادات واسعة.

وقال ماكرون في كلمته “أود أن أتوجه مباشرة إلى المغاربة والمغربيات، كي أقول لكم إن فرنسا تأثرت أيضا بما حدث ليلة الجمعة/السبت، بعد هذا الزلزال المروّع، وإننا نؤكد تعاطفنا مع المفقودين وعائلاتهم ومع الجرحى. وأنا أقول هذا أفكر طبعا في العائلات التي تعيش بين فرنسا والمغرب وفي هذه المصائر المشتركة، إن فرنسا متضامنة وتقف إلى جانبكم”.

وأضاف ماكرون في كلمته “في هذا الوقت، الذي هو وقت حزن، لكنه أيضا وقت الفعل والتضامن، وأرغب باستخدام كلمات بسيطة للغاية، في الأيام الأخيرة رأيت كثيرا من الجدل لا داعي له، نحن هنا، ولدينا إمكانية تقديم مساعدة إنسانية مباشرة، يبقى بطبيعة الحال لجلالة الملك وللحكومة المغربية، أن يقوما، على نحو سيادي بالكامل، بتنظيم المساعدة الدولية، ونحن رهن إشارة خيارهم السيادي، وهو ما نقوم به منذ الثانية الأولى بشكل طبيعي”.

وواصل ماكرون في التسجيل الذي بلغت مدته دقيقة واحدة و42 ثانية “أتمنى أن يتوقف كل هذا الجدل الذي يفرّق ويعقد الأمور في هذا الظرف المأساوي، وأن يصمت أصحابها احتراما للجميع. نحن إلى جانبكم اليوم، نحن إلى جانبكم أيضا من خلال تمويل جمعيات تتدخل ميدانيا منذ اليوم الأول، وسنواصل فعل ذلك”.

وبينما يبدو أن ماكرون حاول أن يخفف من حدة الحملة التي شنتها أهم وسائل الإعلام الفرنسية، وأكثرها متابعة، على المغرب، ردا على ما اعتبره مدونون على قنوات فرنسية تجاهل المغرب لفرنسا، جلب الخطاب عليه (ماكرون) انتقادات كبيرة خصوصا من المغاربة ومن الفرنسيين أيضا، على اعتبار أنه “تجاوز حدود اللياقة والأعراف الدبلوماسية بتوجيه خطابه إلى شعب دولة أخرى”.

وخصصت  وسائل الإعلام الفرنسية حيزا كبيرا لزلزال الحوز، واستدعت شخصيات تندد  “برفض المغرب للمساعدات الفرنسية”، بل ذهب بعض المعلقين إلى القول أن المغرب لا يملك حق رفضها، بينما نشرت جريدة ليبيراسيون صورة مواطنة مغربية التقطها أحد مصوري وكالة الأنباء الفرنسية وأرفقتها بعنوان “ساعدونا نحن نموت في صمت”.

ويأتي عدم استجابة المغرب للمساعدات الفرنسية في ظل استمرار توتر العلاقات السياسية بين البلدين، وسحب السفير المغربي من فرنسا، أبرزها موقف الدولة الفرنسية من قضية الصحراء، وقضية بيغاسوس التي اتهم فيها المغرب بالتجسس على هاتف الرئيس الفرنسي، علاوة على التقليص من عدد التأشيرات التي تمنح للمغاربة إلى النصف.

واستمر هذا الجدل بتصريح وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا لوسائل الإعلام الفرنسية بزيارة ماكرون للمغرب بدعوة من الملك، وهو ما سارع المغرب إلى نفيه من خلال وكالة المغرب العربي للأنباء في تصريح نسبته الوكالة إلى مصدر حكومي رسمي.

إعلاميا لم يختلف الأمر في الجزائر التي يشن إعلامها الرسمي وشبه الرسمي حملة ضد المغرب منذ سنوات، لكنها على غرار عدد من الدول التي عرضت المساعدة، عبرت الحكومة الجزائرية يوم 10 شتنبر الماضي، عن “استعدادها لتقديم المساعدات إلى المغرب، إثر الزلزال المدمر الذي ضرب إقليم الحوز، عرض مخطط طارئ لمساعدة المغرب”. حسب بيان لوزارة الخارجية الجزائرية، نقلته وسائل الإعلام الجزائرية. 

 وجاء في بيان وزارة الخارجية الجزائرية، أنها “تلقت من الكاتب العام لوزارة الخارجية المغربية قرارا يعبر فيه عن عدم حاجة المغرب إلى المساعدات الجزائرية”.

وجاءت هذه الخطوة في سياق يشهد توتر العلاقات بين البلدين، فعلاوة على عدم استجابة الجزائر لعرض المغرب المساعدة في إخماد الحرائق بواسطة طائرات “كنادير”، في شهر غشت من عام 2021، تستمر السلطات الجزائرية بقرار غلق الأجواء أمام الطائرات المدنية المغربية، وغلق الحدود، وقطع العلاقات الدبلوماسية، على خلفية الصراع التاريخي بين البلدين بخصوص ملف الصحراء.

وبعد دخول مساعدات الدول الأربع المذكورة سالفا، أظهر التلفزيون الجزائري صورا لثلاث طائرات، تابعة للجيش الجزائري، تم إعدادها لنقل فريق التدخل والإنقاذ والحماية المدنية والذي يضم 93 عونا متخصصا، وما يزيد عن 100 طن من المساعدات الإنسانية موجهة للمغرب، بينما تبين أن شحن هذه الطائرات وتجهيزها للإقلاع تم دون تنسيق مع الجانب المغربي.

هذه الخطوة تذكر بخطوة رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، الذي جهز طائرة لنقل بعثة المنتخب المغربي للناشئين، من مطار سلا إلى الجزائر، للمشاركة في كأس إفريقيا للناشئين بالجزائر، في أبريل الماضي، والتي تزامنت مع وصول رئيس الفيفا ورئيس الكاف إلى نفس المطار، ليؤكد (لقجع) أن المنتخب المغربي جاهز للمشاركة والطائرة تنتظر فقط موافقة الدولة الجزائرية التي تغلق الأجواء في وجه الطيران المدني المغربي. 

من جانبها أوضحت الحكومة المغربية أن عدم الإستجابة لمساعدات بعض الدول يأتي في سياق الرغبة في الحفاظ على السيطرة وعدم المخاطرة بخلق وضع فوضوي محتمل مع دخول عشرات الدول والمنظمات للمساعدة. وقالت وزارة الداخلية المغربية في بيان لها “إن الافتقار إلى التنسيق في مثل هذه الحالات سيؤدي إلى نتائج عكسية”.

وبينما كان الدبلوماسيون منشغلين بتصفية الحسابات السياسية، على وقع الهزات الارتدادية التي تعود بين الفينة والأخرى، كانت منظمات المجتمع المدني الدولية منها والوطنية تقوم بمجهودات لإغاثة المنكوبين والتخفيف عنهم، بينما كشفت الأزمة عن أشكال تضامنية عفوية أطلقها أفراد ومجموعات داخل المغرب شكلت خطوطا متواصلة للمساعدات الإنسانية والإغاثية غصت بها الطرق المؤدية إلى المناطق المنكوبة.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram