الرئيسية

يتهمون “الإعلام الفرنسي”.. تراجع عائدات السياحة بمراكش يقلق مهنيي القطاع

بعد زلزال الثامن من شتنبر في مراكش، شهدت صناعة السياحة المحلية تراجعًا حادًا في الإقبال والإيرادات. السائقون وأصحاب الكوتشيات ومهنيو القطاع يشتكون من تراجع دخلهم بسبب رحيل السياح وإلغاء الحجوزات، خاصة من قبل الفرنسيين. يحكون في هذا التقرير عن سقوط بعض الإسطبلات على خيول عربات الكوتشي، وعن طوابير الانتظار الطويلة لكسب قوت العيش، كيف يتعايش مهنيو السياحة مع الركود النسبي في الساحة الأكثر صخبا في المغرب (جامع لفنا) وهل أثّر الإعلام الفرنسي على توافد الزوار؟

 محمد حميدي/ هوامش  – خاص

“وكأننا عُدنا إلى فترة الجائحة” هكذا يلخص محمد، سائق سيارة أجرة بمراكش، حال الإقبال على ركوب “التاكسي” بالمدينة الحمراء بعد زلزال الثامن من شتنبر. يقول ذو تجربة الثلاث سنوات في المهنة إن كسبه  تراجع خلال الأسبوع  الفائت. “لا يتجاوز دخلي اليومي حاليا 50 درهما. في السنة الماضية كان يصل أحيانا إلى 200 درهم. لقد تراجع بنسبة خمسين في المئة في أحسن الأحوال”.

بالقرب من باب دكالة، يشتكي مِهني آخر إلى صديقه، تراجع  النقل في سيارة الأجرة، فيقول بنبرة منفعلة “البارحة زوالا، تجولت ساعة كاملة دون أن أُقِلّ راكبا واحدا. لم أجد حتى من يسألني كم الساعة. منذ أن ضرب الزلزال والسياح يغادرون. الأجانب قليلون. أما المغاربة فجميعهم ذهبوا إلى أحبائهم في الشمال  والبوادي”.

طوابير “الكوتشي” : قسوة الانتظار 

انتقلنا إلى ساحة جامع الفنا. من النادر سماع لغة أجنبية أو لهجة غير مراكشية، مقارنة بالمعتاد. بينما تسود أحاديث السُكان عن تشقق منزل أو انهيار آخر بالمدينة القديمة، أو الاستفسارات المتبادلة عن مرور لجان تفقدية بغية تفحص المنازل وإحصاء الأضرار. 

سفيان – صاحب عربة الكوتشي

في أقصى رئة السياحة بالمدينة يصطف طابوران طويلان  لعربات “الكوتشي” قرب مسجد الكتبية. يقول أحد سائقيها، واسمه سفيان  ” كنا نقوم قبل الزلزال بثلاث جولات  سياحية في اليوم، على الأقل. أما في هذا الأسبوع فبالكاد نقوم بجولة واحدة. وهناك “كوتشيات” كثر لا يصلهم الدور من الأساس”.

ينخرط  أحمد وهو سائق كوتشي آخر، في الحديث، والشرر يتطاير من عينيه “الأسوء أن هناك من تهدمت اسطبلات خيولهم. ولا يوجد من سأل عن أحوالنا. لا سلطات المدينة ولا مسؤولو وزارة السياحة”. بينما يواصل سفيان متحسرا “لوكان غير كانت السياحة الداخلية بعدا”.

لقد استقبلت مدينة البهجة حتى ماي من نفس السنة ما يفوق الثلاثة ملايين سائح من داخل المملكة وخارجها. وهو رقم أشرّ حينئذ على تجاوز تداعيات جائحة كورونا على السياحة بالمدينة؛ إذ يشكل تسجيله ارتفاعا بنسبة 63 في المئة عن الأرقام المسجلة في نفس الفترة من سنة 2019. وفقا لما أفادت به المندوبية الجهوية للسياحة بجهة مراكش آسفي في بلاغ لها، صدر في يونيو 2023. 

ركود سياحي : الإعلام الفرنسي في قفص الاتهام 

قصدت “هوامش”وكالة أسفار توجد على بعد 100 متر تقريبا من محطة “الكوتشيات”. اطلعنا على كُناش حجوزاتها، فوجدنا علامات التشطيب رابضة فوق عدد من حجوزات أيام ما بعد الثامن من شتنبر. يقول عبد الغني، مستخدم بالوكالة، مُفصلا “العديد من حجوزات السياح الأوروبيين وتحديدا الفرنسيين، قد ألغيت. أما الآسيويين، ومنهم صينيون ويابانيون وماليزيون، فيتواصل حجزهم بنفس الوتيرة المعتادة. ربما لأنهم معتادون على مثل هذه الكوارث الطبيعية، وضمنها الزلازل”.

عبد الغني، مستخدم بوكالة الأسفار

“ربما من تحريض الإعلام الفرنسي وتشويهه لسير عمليات الإنقاذ المغربية لضحايا الزلزال”. هكذا يُفسر عبد الغني إلغاء حجوزات سياح فرنسيين. يصمت مُحدثنا قليلا، ثم يضيف ويهز كتفيه دلالة اللاهتمام “مهم الا كيفكرو تاهما هكاك معندنا منديرو بيهم”.

لا يستبعد الخبير في القطاع السياحي، الزبير بحوت، هو الآخر وجود دور لتغطية وسائل الإعلام الفرنسية لزلزال الحوز في تأثر السياحة بمراكش، وإن برؤية مختلفة؛ إذ يقول في تصريح لـ “هوامش” إن “استعمال الإعلام الفرنسي منذ اللحظة الأولى لتعبير زلزال مراكش، بدل إقران ذكر الفاجعة باسم بؤرتها (إيغيل)، ساهم في بث الذعر  في أوساط عدد من السياح المتواجدين بالمدينة، إضافة إلى خلق تردد لدى الراغبين في زيارتها، على الرغم من طمأنة الفيدرالية الوطنية للصناعة الفندقية، من عدم تضرر أي زبون أو فندق”.

وعلى الرغم من ازدياد وتنوع البلدان الرئيسية المصدرة لسياح مراكش، خلال السنوات القليلة الماضية، فإن فرنسا ما زالت تحتل موقعا مهما في قائمة هذه الدول؛ إذ ارتفع عدد السياح الفرنسيين الذين زاروا المدينة هذا العام بنسبة 39 في المئة، حسب بلاغ المندوبية الجهوية للسياحة. وبذلك تكون أكبر مصدرة للسياح بالمغرب بعد بريطانيا.

 سحابة صيف؟

غير بعيد عن  وكالة الأسفار التي يشتغل بها عبد الغني، صادفنا إيلي، سائحة فرنسية شابة، أمام عربة لبيع الأواني الخزفية. سألناها عن يوم قدومها للمغرب فأجابت: في اليوم الموالي لوقوع الزلزال. صمتت قليلا. ثم أردفت بابتسامة عريضة، “صحيح، لقد تملكنا الذعر في البداية. لكن المغرب في حاجة إلينا في هذه اللحظة بالضبط، لأن شعبه كريم ومضياف”.

يحذو الأمل عددا من المغاربة و المراكشيين ومهنيي قطاع السياحة بالمدينة تحديدا، أن يكون وقع الزلزال، على السياحة بالحمراء، مجرد سحابة صيف. ويراهنون على وفاء السياح الأجانب –على اختلاف جنسياتهم ومعدلات ترددهم – للمغرب ولمراكش على وجه الخصوص.

 ذات الأمل يحذو الخبير في القطاع السياحي، الزبير بحوت؛ فهو يرى أن عدم الإعلان حتى الآن، عن تأجيل أو تغيير مكان الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، “إشارة خير”،  وهو المؤتمر المقرر عقده في الفترة من 09 إلى 15 أكتوبر 2023 في مدينة مراكش. ويضيف المتحدث “أن هذا الاجتماع سيضم ما يتراوح بين 14 و15 ألف من محافظي بنوك دول مختلفة ووزراء الاقتصاد والمالية والمسؤولين في عدد من المقاولات العالمية العامة والخاصة “.

ومع ذلك فإن الأنظار تتجه -بالدرجة الأولى- صوب ما ستتخذه وزارة السياحة والصناعة التقليدية من إجراءات لضّخ دماء جديدة في قطاع السياحة بمراكش. في هذا الإطار يرى بوحوت أن الوزارة والمكتب المغربي للسياحة، مطالبين بدعم المتضررين،والمشاركة القوية في الدورة القادمة من المعرض الدولي للسياحة وسوق السفر، التي تقام سنويا بضواحي باريس، عن طريق التواصل المكثف مع  مختلف وسائل الإعلام الأجنبية على اختلاف ألسنتها.

نُغادر ساحة جامع الفنا على وقع أغنية إفريقية، تستمع إليها، بافتخارٍ فيّاض، مُهاجرة تبيع مجوهرات إفريقيا جنوب الصحراء، ويرددها ورائها بعفوية، مغربي يبيع أكلات “حمص كامون” و”الفول”، رغم قلة الإقبال على بضاعتهما.  

يحاول البائعان التغلب على مرارة الركود في مشهد يُجسد اتصاف المراكشيين “بالبهجة” ونقلهم عدواها إلى كل من يحط بالحمراء، مهما أحدث الزمن بمدينتهم من شقوق وتصدعات.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram