الرئيسية

زلزال الحوز – شهادات من آسني: “حياتنا انقلبت رأسا على عقب”

تقف رحمة، وهي أم لطفلين، أمام خيمتها وتراقب ما يحدث بملامح جامدة، لازالت لم تستوعب أن حياتها انقلبت بهذا الشكل المأساوي، وتتحدث إلينا وهي تتأمل المشهد وتنظر إلى معالم الواقع الجديد: خيام تأوي المنكوبين، شاحنة ماء عند مدخل المخيم، وسيارات في الطريق لإيصال المساعدات، وكثير من الألم.

آسني- “هوامش”/ أسامة باجي

عند وصولنا إلى آسني، التي تبعد عن مراكش ب 50 كيلومتر، عبر الكواسم وولاد منصور وتحناوت ثم مولاي ابراهيم، كان 6 أطفال يجلسون أمام بضع خيام عشوائية، نُصبت من الأغطية والبلاستيك التي تمكن الناجون من استخراجها من بين الأنقاض، وهم ينظرون باتجاه الشارع خلفهم الذي أقامه الجيش  في ساحة كبيرة. 

الأسر التي لجأت إلى هاته الخيام تنتظر دورها لتنضم إلى المخيم الذي أقامه الجيش، رفضت الحديث إلينا، واكتفى أحد أفرادها بالقول إنهم بانتظار دورهم.

هاته القرى كانت مركز الزلزال، الذي دكَّ بيوتا كانت آمنة، وخطف بعض الأرواح في طريقه ومضى إلى القرى المجاورة، مروعًا الساكنة من مختلف الأعمار. 

في آسني، وجدنا الاستعدادات جارية لافتتاح المستشفى الميداني لاستقبال المرضى والناجين، وتقديم العلاجات الضرورية، وغير بعيد عنه، بأمتار قليلة؛ ترقب وتوجس يخيم على الناس الذين تجمعوا في الخيام، وحيث ما وليت وجهك في المكان تهاجمك آثار الزلزال؛ بقايا منزل استوى على الأرض، وأغطية، وأقمشة يكسوها الغبار.

تقف رحمة، وهي أم لطفلين، أمام خيمتها وتراقب ما يحدث بملامح جامدة، لازالت لم تستوعب أن حياتها انقلبت بهذا الشكل المأساوي، وتتحدث إلينا وهي تتأمل المشهد وتنظر إلى معالم الواقع الجديد: خيام تأوي المنكوبين، شاحنة ماء عند مدخل المخيم، وسيارات في الطريق لإيصال المساعدات، وكثير من الألم.

تقول رحمة لـ”هوامش” إن “أهل القرية عاشوا رعبا ودماراً لا يوصف، وليلة لا زالت تبعاتها تخيم على نفوس الجميع”.

تسترجع رحمة اللحظات التي سبقت هذا المآل “أعددت العشاء وشغلت التلفاز، بعدها استشعرت حركة غير عادية، في البداية ظننت أنها حركة بسيطة، وما هي إلا ثوان حتى أغمي عليَّ، حين فتحت عينيّ علمت أن زوجي انتشلني من تحت الردم بعد أن انهار علينا جزء من المنزل”.

“فقت لقيتهم معصبين ليا راسي بالزيف ورجلي ناعسة عليا” تصف رحمة بدراجة واضحة ما تذكره من ليلة الزلزال، وهي تعد فطورها في خيمة أعدت لإيواء الناجين ، قبل أن تصمت عن الكلام.

فاضمة، سيدة أخرى من الناجين، وهي أم وجدّة، تقول بيقين المؤمنين “هادشي ديال الله ولي جات من عند الله مرحبا بيها”.

ولكنها تضيف أن “الفقر هنا لا تخطئه العين سواء قبل الزلزال أو بعده”، متمنيةً أن يكون هذا “تذكيرا للمسؤولين بأن أناساً هنا يعيشون الفقر والهشاشة وظروفاً غير عادية”.

تصمت فاضمة قليلاً، وتتنهد، ثم تكمل “ما كاين ما يتقال كولشي قدامك، المخزن داير خدمتو، الناس معاونين ولكن خاصنا ديورنا، ونرجعو لحياتنا الطبيعية”، مشيرةً إلى ضرورة التفاعل والتعويض عن الخسائر وجبر الضرر النفسي والمادي.

تركنا رحمة وفاضمة، وأكملنا رحلة توثيق قصص الناجين من الزلزال؛ داخل كل خيمة يوجد أنين وحزن إما على فراق أحد الأقارب، أو على الوضع المزري والهلع المستمر من ليلة الرعب تلك.

غير بعيد عن المكان، يقف مصطفى، أحد أبناء اسني، يشير إلى أعلى الهضبة ليرينا الردم الذي كان قبل تلك الجمعة المرعبة بيته.

رغم المحنة لا تفارق الابتسامة محياه، رحب ربنا وسط الدمار، دون أن ينتبه إلى أنه أصبح بلا بيت، فالترحاب والضيافة عادة لدى أهل المنطقة. 

يحكي مصطفى لـ”هوامش” ما علق بذاكرته قبل أن ينهار كل شيء، “عشت ليلة سوداء، كنت أمام المنزل، وفور وقوع الهزة سارعت لانتشال ابنتي التي كانت عالقة في غرفة صغيرة، فيما هرعت أمي وزوجتي إلى الخارج. لحسن الظن لم يقع مكروه إلا أني بعد ساعات وجدت نفسي أفترش الأرض في العراء مع أمي وزوجتي وابنتي”.

“خلال لحظات الزلزال كنت والأهالي نسابق الزمن لإخراج الناس وإيصالهم إلى منطقة آمنة” يضيف مصطفى، ويسكت قليلا، يتنهد ويواصل، “أودي الأمان هنا فقط”، يلفظها مع تنهيدة أخرى وهو يضع يده على صدره مشيرا إلى القلب.

غير بعيد عن المخيم يترقّب الحسين افتتاح المستشفى الميداني. علامات العياء واضحة على ملامح الرجل الذي يبدو في عقده الخامس. الغبار الذي على ملابسه، على الأرجح، من أثر انهيار أحد المباني، نرى بوضوح خدوشا على وجهه بينما يعرج حين يمشي.

الحسين ابن قرية تابعة لمنطقة مولاي ابراهيم إقليم أسني، بلكنة أمازيغية وبصعوبة يقول لـ”هوامش” إنه “ينتظر فتح المستشفى الميداني من أجل الكشف على رجليه، ويعالج الخدوش التي على وجهه وإصابات أخرى”.

ويوضح الحسين أن مولاي ابراهيم تضررت بالكامل؛ “تحوَّلت من مزار يقصده السياح إلى منطقة منكوبة يقصدها الناس لتقديم العون”. 

“أنا واحد ممن نجوا بأعجوبة، فكل المنازل والبنايات بالمنطقة بُنيت بشكل تقليدي، وكسائر أهل القرية كنت في بيتي حين باغتنا الزلزال”، يؤكد الحسين.

لم يستوعب الرجل بعدُ ما حدث، “كنت أُمسك بكأس شاي، أحسست بالأرض تهتز، شعرتُ بدُوار شديد، ثم سمعنا صوتا مفزعا، كان صوت بعض الأعمدة التي سقطت على زوجتي التي ظلت تحت الركام لساعات، فيما تهاوى مدخل المنزل مما صعَّب علينا الخروج سريعا”.

وبحزن شديد يشرح الحسين “لقد نجوت نعم؛ لكن لم ينج بيتي الذي كان يأويني وزوجتي، ولم تنج عائلتي وقريتي، لقد فقدنا الكثير، هناك قرى لم تجد من يشيع جنائز أمواتها”.

خلف الزلزال بآسني مآسي هي جزء من فاجعةٍ مليئة بالقصص، ففي كل خيمة قصص كثيرة تروى، قد تختلف السياقات إلا أن القاسم المشترك بينها عند الساكنة أنهم بحاجة “لإعادة إعمار البيوت”، فالكارثة أتت على الأخضر واليابس وحولتهم إلى “لاجئين ينتظرون فرجا من الله”.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram