الرئيسية

سبتة ومليلية..  مَعبر “التهريب المعيشي” الذي أضحى بدون أمل

كانت فاطمة الزهراء التي تنحدر من مدينة الفنيدق تنتظر بفارغ الصبر، فتح معبر سبتة بعد إغلاق دام لأزيد من سنتين، غير أنها تفاجأت أن الأمور لم تعد كما في السابق، وأن عملها في معبر"تارخال" أصبح في مهب الريح، حيث أن السلطات المغربية أعلنت عن أن إدخال السلع لن يكون إلا عن طريق الجمارك مما يعني القطع مع عهد "التهريب المعيشي".

هاجر الريسوني

ليس لفاطمة الزهراء أي مصدر رزق قار، وقد عملت لسنوات كحمالة في المعبر تنقل السلع من سبتة إلى الفنيدق بمقابل 150 درهم لليوم، “كنت أتمنى أن يستأنف النشاط بباب سبتة، لأعود إلى عملي ويعود الرواج إلى المنطقة” تقول فاطمة الزهراء، وتضيف “عملي في باب سبتة كان يوفر لي أنا وأسرتي مصدر رزق قار نستطيع أن نعيش به حياة كريمة، لكن بعد الإغلاق اشتغلت كعاملة نظافة، أقضي اليوم كله أنظف بدون عطل وفي نهاية الشهر يمنحونني 1000 درهم”.

هذه السيدة التي تبلغ من العمر 40 سنة ولديها ثلاثة أطفال، تعتبر أن قرار منع التهريب المعيشي لم يأخذ بعين الاعتبار وضعية آلاف المواطنين الذين يعيشون من التهريب، موضحة “رغم وعود السلطات بإيجاد حل لنا بعد خروجنا للاحتجاج في السنة الماضية إلا أن المدخول الذي سنجنيه من العمل في التنظيف أو مهن أخرى، أقل بكثير مما نجنيه من التهريب، ولا يكفي كلفة الكراء والأكل والشرب”، مطالبة بالسماح لساكنة الفنيدق والمضيق بجلب السلع من سبتة بدون قيود أو ضرائب.

بالمقابل عبر رشيد المنحدر من مدينة تطوان عن ارتياحه لقرار فتح الحدود قائلا : “هذا القرار سيمكننا من رؤية عائلاتنا التي حرمنا منها لسنتين ونيف، كما سيساهم في رواج التجارة خصوصا في مدينة الفنيدق”، وأضاف “المئات من المغاربة القاطنون في مدينة سبتة يدخلون للتسوق من الفنيدق والمضيق وتطوان يوميا، بالإضافة إلى عودة المقاهي والخدمات التي توفرها المدن المجاورة لسبتة”.

وبينما تعبر فاطمة الزهراء عن استيائها من منع التهريب، يرى رشيد أن “ما كان يحدث في معبر طارخال مسيء للمرأة، حيث أن عناصر الشرطة الإسبانية كانوا يعنفون العاملات في التهريب ويسبونهم”، مضيفا “رغم أن المعبر كان مصدر رزق الآلاف من أبناء المنطقة إلا أنه كان نقطة سوداء وسببا في وفاة العديد من النساء بسبب التدافع”، متمنيا أن تجد الحكومة المغربية بدائل لساكنة المنطقة تحفظ كرامتهم.

من يستفيد من فتح الحدود

بعد مرور عامين على قرار السلطات الإسبانية إغلاق حدود مدينتي سبتة ومليلة المحتلتين إثر تفشي فيروس كورونا، واستمرار الإغلاق بسبب الأزمة الدبلوماسية التي اندلعت بين البلدين عقب استقبال مدريد في أبريل من سنة 2021 زعيم جبهة “البوليساريو” إبراهيم غالي بهوية مزيفة للعلاج من كورونا دون إخطار المغرب، أخيرا قررت سلطات البلدين فتح الحدود من جديد بعدما عاد الدفء للعلاقات، بعد إعلان إسبانيا دعمها لمبادرة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب لحل نزاع الصحراء المغربية.

إعادة فتح الحدود سيستفيد منها الآلاف من المواطنين المغاربة وحتى الإسبان، حيث اعتبر يحيى البياري المستشار الجماعي في جماعة المضيق، في تصريح لمنصة هوامش، أن “هناك فئات كثيرة ستستفيد من فتح الحدود، من بينها العائلات التي انقطعت أواصرها بعد الاغلاق، حيث أن العديد من الأزواج والأقارب حرموا من اللقاء، بالإضافة إلى العمال الذين كانوا يشتغلون بسبتة و كانوا في المغرب لحظة الإغلاق المفاجئ، هؤلاء العمال اغلبهم فقدوا عملهم، لكن فتح المعبر سيمكّنهم من تسوية وضعيتهم مجددا وفق الشروط الجديدة”.

وأضاف المتحدث أن “العمال المغاربة الذين كانوا عالقين في سبتة و ظلوا هناك قسرا، تدرس الآن ملفاتهم لتمكينهم من الدخول و الخروج بكل حرية، من بينهم العشرات من النساء اللائي يشتغلن كخادمات في البيوت أو مربيات”.

ومن بين المستفيدين أيضا من فتح الحدود حسب المستشار الجماعي “ساكنة تطوان وعمالة المضيق الفنيدق الذين لديهم فيزا شنغن ويفضلون السفر الى أوروبا عبر ميناء سبتة وليس ميناء طنجة، بالإضافة إلى ساكنة المنطقة الذين يذهبون إلى سبتة قصد السياحة والتسوق”.

نهاية عهد التهريب

بينما كان الآلاف من المغاربة ينتظرون فتح الحدود بين سبتة ومليلية المحتلتين والمغرب كي يعود نشاط التهريب المعيشي لسابق عهده، فاجأت السلطات المغربية الجميع بالقطع مع هذا النشاط الاقتصادي الذي كان يدر على الخزينتين الإسبانية والمغربية ملايين الدراهم.

وفي هذا الشأن نشر موقع “SNRT news” التابع للشبكة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية، تصريحا للمديرية العامة للجمارك والضرائب غير المباشرة جاء فيه أنه “تم اتخاذ جميع التدابير بهدف القطع النهائي مع جميع أنواع وأشكال التهريب الذي كان يعرفه المعبران سابقا وكان يشكل عائقا رئيسيا لتوفير مناخ ملائم لعملية العبور بشكل عادي”، مشددة على أنه منذ إعادة فتح المعبرين سجل غياب تام لما كان يسمى ببضائع “التهريب المعيشي”، وزادت بأن أعوان الجمارك “سيقومون بمصادرة السلع المضبوطة وتحرير محاضر ضد المسافرين المعنيين مع تطبيق الجزاءات القانونية والغرامات المالية”.

واعتبرت المديرية وفقا للتصريح ذاته أنه ” نقطتي عبور باب سبتة وباب مليلية مخصّصتان حصريا لمرور المسافرين الحاملين لأمتعتهم ذات الطابع الشخصي”، مضيفة أن “عملية استيراد البضائع تتم عبر المكاتب الجمركية المفتوحة قانونيا لهذا الغرض والتي تتوفر على البنية التحتية الملائمة لذلك”.

وتعليقا على هذا القرار اعتبر البياري أن “منع التهريب ضربة قاصمة للمنطقة عموما”، موضحا أن “التهريب كانت تدور في فلكه حلقة اقتصادية ممتدة، إذ أن حوالي 20 ألف أسرة كانت تعيش منه، من باعة و تجار و مهنيي النقل العمومي و السري و أصحاب المحلات و المطاعم و الفراشة”.

وتساءل البياري هل “البدائل الاقتصادية التي اقترحتها الحكومة كافية؟ هل ستعوض ما كان يوفره التهريب؟؟ الجواب قطعا لا”، مردفا “التهريب كان يدر أموالا طائلة وبشكل يومي”، ضاربا المثل “بكون شخص إذا دخل سبتة واقتنى الجبن الأحمر وعجلات السيارات، يمكن أن يربح بين 600 إلى 700 درهم في ثلاث ساعات دون عناء”.

 من جانبه اعتبر نبيل شليح فاعل جمعوي في تصريح لمنصة هوامش أن “الاتفاق غير واضحة معالمه، خصوصا في الشق المتعلق باستيراد السلع، حيث ليست هناك أي معلومات توضح كيف ستتعامل الجمارك مع السلع التي تأتي من سبتة ومليلية”.

ومنذ إغلاق المعبر وإثر اندلاع الاحتجاجات في المنطقة بسبب الوضع المعيشي المتدهور أعلنت الحكومة عن اتخاذ عدد من الإجراءات للحد من البطالة في المنطقة، إذ قال شليح إن  “الحكومة السابقة سبق وأن اتخذت إجراءات لتوظيف العاملين في التهريب المعيشي في قطاعات أخرى، خاصة الأسر التي تعيش الهشاشة، غير أن هذه الحلول كانت محدودة الأثر”، وأضاف “اليوم بعد القطع مع التهريب المعيشي، هناك مشروع كانت أطلقته الجهة السابقة في مدينة الفنيدق، بتخصيص محلات تجارية للكراء، وقد تم فعلا كراؤها من طرف تجار ينحدرون من المدينة وآخرون من مدينة الدار البيضاء، إذ نتمنى أن تحل هذه المحلات الأزمة ويتم تشغيل اليد العاملة الخاصة بالتهريب المعيشي فيها”.

وأضاف المتحدث ذاته” نعلم أن الأرباح ليست نفسها وأقل بكثير مما كان يجنيه أبناء المدينة من التهريب لكنها تبقى بديلا”، مشيرا إلى “المغرب ذهب في اتجاه تنشيط المنطقة الصناعية بالقرب من مدينة تطوان على أساس تشغيل اليد العاملة من المنطقة في تلك المشاريع”، مستدركا “نتمنى ألا تعود الاحتجاجات السابقة، التي كانت بسبب البطالة والفقر وتدهور المعيشة، إلى مدينة الفنيدق”.

تأشيرة العبور

في الوقت الذي تداولت مصادر إعلامية إسبانية، أخبارا تفيد بأن السلطات الإسبانية تتجه إلى فرض التأشيرة على الراغبين في دخول مدينتي سبتة ومليلية، خاصة العاملين في المدينتين، لم يصدر أي تصريح رسمي عن السلطات المغربية في هذا الشأن.

ووفقا للمصادر ذاتها فإن فئة العاملين في المدينتين المحتلتين سيكونون مطالبين بطلب تأشيرة خاصة بسبتة أو مليلية، من أجل الدخول والخروج بحرية، إذ ستكون هذه التأشيرة خاصة فقط بالمدينتين، ولا يمكن بواسطتها دخول إسبانيا.

وقالت صحيفة “إلفارو دي سبتة” أن القنصلية الاسبانية بتطوان حدّدت تاريخ الاثنين 24 من الشهر الجاري لبداية استقبال ملفات طلب التأشيرة الخاصة بدخول سبتة المحتلة بالنسبة للعمّال المرخص لهم.

وزادت الصحيفة أن كل ما يحتاجه المترشح “مجموعة من الوثائق من بينها تصريح العمل السابق سواء كان ساري المفعول أو منتهي الصلاحية، بحيث أن الحكومة المحلية ألغت شرط التصريح بالعامل لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بالنسبة إلى الذين يتوفّرون على تصريح عمل منتهي الصلاحية”.

وفي هذا الصدد اعتبر الشليح أن “قرار فرض التأشيرات قرار سياسي”، مضيفا “في نظري يجب أن تحظى ساكنة المضيق والفنيدق بتعامل خاص لدى السلطات الإسبانية، حيث أن هناك ارتباطا اجتماعيا واقتصاديا مع عائلاتهم في سبتة، و لا يمكن مقارنتهم بالجميع “، مشددا أنه “على السلطات المغربية الحزم في منح شواهد السكنى بطرق ملتوية لغير ساكنة المنطقة”.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram