الرئيسية

هل أسقط ريان بعض “المنابر الإعلامية” في بئر أعمق ؟

على مدار خمسة أيام، اتجهت أنظار المغاربة ومعهم العالم إلى قرية إغران التابعة لإقليم شفشاون، شمال المغرب، لتتبع عملية إنقاذ الطفل ريان أورام، بعد أن سقط في بئر غير مغطاة. وشكلت وسائل الإعلام الوطنية والدولية النافذة التي من خلالها جرى تتبع هذا الحدث الاستثنائي، غير أن نقل الحدث لم يمر دون انتقادات لممارسات شابته، بلغت حد ضرب أخلاقيات مهنة الصحافة.

محمد تغروت

ماذا جرى؟

ما أن تداولت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي صورة للطفل ريان مرفوقة بهاشتاغ #أنقذوا_ريان،  ‫#قلوبنا_مع_ريان حتى تهافت العديد من الإعلاميين وأصحاب قنوات اليوتوب إلى بلدة إغرام، بإقليم شفشاون لنقل مجريات الأحداث من عين المكان.

السعي وراء الإثارة

وعلى عادة بعض المواقع  والصفحات وقنوات روتيني اليومي، كان السعي وراء الإثارة لجلب المشاهدات حاضرا بقوة، استعملت في ذلك كل الوسائل غير المشروعة، فلجأت إلى عناوين زائفة، وتصنع التأثر لجلب التعاطف، بل تجاوز الأمر ذلك إلى تداول صور ومقاطع فيديو تعود لحوادث قديمة، مدعية أنها توثق للحظة إخراج الطفل ريان من البئر التي سقط فيها، من بينها على سبيل المثال لا الحصر صورة ومقطع فيديو يعودان لعملية إنقاذ طفل سقط ببئر أرتوازي بريف إدلب في سوريا السنة الماضية.

“صحافة” تسقط في امتحان المهنية

كما تم بث صور ريان في حالة مزرية تحت الركام وهو سلوك لا يمت للعمل الصحفي الرصين بصلة، إذ أن نشر صورة ريان في تلك الحالة يضرب عرض الحائط أخلاقيات المهنة التي تنادي بإلزامية الحفاظ على الحق في الصورة، كما أنه لو خرج حيا ما كان سيحب الصور التي نشرت عنه وهو في تلك الحالة. فالعالم الرقمي له ذاكرة لا تنمحي.

وتم تصوير واستجواب أطفال قاصرين وهم في حالة إنسانية غير طبيعية، جراء التأثر بالحادث المتعلق بمصير حياة طفل قاصر، وكذا نشر صور قاصرين عبر أشرطة مصورة بمحيط عملية الإنقاذ، بغرض الإثارة المجانية، دونما الأخذ بعين الاعتبار لوضعيتهم النفسية أو سنهم.

مرة أخرى لم تخرج الصحافة ناجحة في امتحان المهنية العسير

القنوات التلفزية: حضور الدولي وشبه غياب المحلي

على رغم النواقص والتجاوزات التي عرفتها تغطية المواقع الإلكترونية للحادث، استطاعت أن تعطيه طابعا دوليا ليصل مداه إلى متلقين في كل بقاع المعمور، وهو ما دفع قنوات ذات صيت دولي تبعث مراسليها إلى عين المكان، أو تتواصل مع صحفيين كانوا متواجدين هناك، لتنقل ما يجري على مدار الساعة.

وبالمقابل اكتفت القنوات العمومية المغربية بنشرات متقطعة ومتباعدة، مكتفية بصفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي ومواقعها التي ليست في متناول الجميع، وهو ما ساهم بشكل مباشر في انتعاش الإشاعة والأخبار الزائفة.

وهو ما أكدهعبد الحفيظ لمنور، الأستاذ في المعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط، مؤكدا أن “حادث هذا الأسبوع يعيد الى الواجهة سؤال الحاجة الى قناة مغربية عمومية إخبارية على مدار الساعة لملء الفراغ الحاصل والذي يتسبب في هجرة المشاهد المغربي إلى الاعلام الدولي.”

مختصون ومتتبعون ينتقدون

وفي تصريح أدلى به مصطفى اللويزي، الأستاذ الباحث في التواصل، وصاحب كتاب “تواصل الأزمة وأزمة التواصل”، لموقع هوامش، أكد أن التغطية الإعلامية للحادث كانت كارثية، أثبتت مرة أخرى أن الصحافة المغربية غير قادرة على رفع التحديات اللازمة وتغطية الأزمات الكبرى، كما سبق أن أبرزت ذلك أزمة كوفيد.

وأكد اللويزي في ذات التصريح أن الأمر راجع إلى غياب التكوين، حيث أن العديد من الصحفيين يمارسون المهنة بمجرد قضاء سنتين في إحدى المدارس أو المعاهد، ودون امتلاك قواعد الممارسة المهنية السليمة، وتجلى ذلك، حسب اللويزي في عدم ضبط الأجناس الصحفية التي يمكن العمل عليها لتغطية الحدث، وعدم احترام أخلاقيات مهنة الصحافة وإسقاط الصحافي لذاته على الموضوع، وكذا التسرع في إعطاء أخبار غير متأكد منها.

من جانبه قال لمنور، في مقال نشره عبر حسابه على فيسبوك، أنه فيما يتعلق بما يعرف بالإعلام البديل او صحافة المواطن أو غيرها من التسميات، قد نختلف حول طريقة التقديم والتعليق و”جودة” المضامين وانتقاء المفاهيم والتعامل مع الوضعيات المختلفة، لكن ينبغي ألا ننكر السبق الذي حققته في نقل الحدث منذ البداية بل ساهمت في تدويله وإلا لما حظي بكل هذا الزخم.

وأضاف لمنور في ذات المقال أنه لتفسير جودة مضامين وسائل الاعلام، ومنها الإلكترونية التي لقيت نقدا لاذعا على خلفية بعض “السقطات” في تغطية حادث ريان، يجب الرجوع لطبيعة العاملين في هذه القنوات (تلفزة، إذاعة، جريدة ورقية او إلكترونية، اخرى..) من حيث التكوين والخبرة في التعامل مع هذه الأحداث، مؤكدا أن “مهنة الإعلام أو الصحافة لا تحتاج فقط لعلم ومعرفة مضبوطة فحسب، بل تحتاج ضميرا مهنيا ينضبط للقوانين والأخلاقيات التي وضعت في المجال”.

هيئات مهنية ونقابية تدق ناقوس الخطر

 دخل المجلس الوطني للصحافة  (الذي يُعنى بالتنظيم الذاتي لقطاع الصحافة والنشر على خط ما تم تسجيله من ممارسات ودعا مختلف وسائل الإعلام، إلى الالتزام بأخلاقيات مهنة الصحافة ومبادئها النبيلة وقواعدها، منبها أن تغطية الفواجع الإنسانية، تعتبر محكا رئيسيا لمدى احترام الصحافة لمسؤوليتها الاجتماعية وحرصها على ألا تحول الفواجع إلى وسيلة للربح والارتزاق.

وسجل المجلس في بلاغ أصدره في الصدد ما اعتبره خروقات مخالفة لميثاق أخلاقيات مهنة الصحافة، والتي تم ارتكابها من طرف بعض الصحف الإلكترونية، في تجاهل تام للمبادئ الإنسانية التي يتضمنها الميثاق المذكور، والتي من المفترض أن تلتزم بها المقاولات الصحافية والصحافيون المهنيون، خاصة في ظل أزمات وفواجع، لا يمكن أن تتحول، بأي حال من الأحوال، إلى مجال للربح المادي والإثارة الرخيصة لزيادة عدد المشاهدات وغيرها من أساليب المتاجرة في المآسي الإنسانية.

واستعرض المجلس بعض نماذج هذه الخروقات، من قبيل:

–         تصوير الطفل ريان في قاع البئر بوجهه الدامي، في وضعية إنسانية صعبة، مما يشكل ضررا لمشاعر عائلته، بالإضافة إلى خرق مبدأ الحق في الصورة.

–              وتعد هذه الأفعال منافية للمحور الثاني من ميثاق أخلاقيات مهنة الصحافة الخاص بالمسؤولية إزاء المجتمع ولاسيما البند التاسع منه المتعلق بحماية القاصرين.

–         مخالفة المحور الأول من ميثاق أخلاقيات المهنة، ولاسيما البند الأول منه، المتعلق بالبحث عن الحقيقة، حيث تم التعامل مع المعلومات والمعطيات المتعلقة بعملية الإنقاذ، بشكل غير مهني، من خلال ترويج أخبار غير صحيحة، إلى طغيان الهاجس التجاري والتسويقي، دون التأكد من صدق المعلومات.

وأضاف ذات البلاغ أن بعض الصحف الإلكترونية قامت باستجواب أسرة الطفل، مصرحة، بشكل فاضح أن هذا التصوير سيرفع عدد المشاهدات، بالإضافة إلى توظيف الوضع النفسي للأسرة، بطرح أسئلة لا علاقة لها بقواعد الصحافة، في عمل تجاري بحت، مستغلة الارتباك والحزن الشديدين، والخوف لأفراد عائلة ريان وهم ينتظرون عملية نجاح إنقاذ ابنهم، وذلك في خرق سافر للمحور الثاني من ميثاق أخلاقيات مهنة الصحافة الخاص بالمسؤولية إزاء المجتمع ولاسيما البند الأول منه المتعلق باحترام الكرامة الإنسانية.
وفي السياق ذاته نوه المجلس بوسائل الإعلام والصحافة التي التزمت بالعمل الصحفي الرصين، معلنا أنه بصدد ضبط مختلف الخروقات التي قد تستحق المتابعة التأديبية، لتفعيل ميثاق أخلاقيات مهنة الصحافة، طبقا لما يسمح به القانون المحدث للمجلس ونظامه الداخلي ومسطرة التصدي التلقائي للانتهاكات.

النقابة الوطنية للصحافة المغربية بدورها دعت إلى “التحلي بأخلاقيات المهنة التي تفرض التثبت من الخبر قبل إعلانه، والابتعاد عن محاورة وتصوير القاصرين”. واعتبرت أن “السقوط في فخ البحث عن الإثارة على حساب الحقيقة يسيء لنبل المهنة وقيمها”.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram