الرئيسية

من العيون إلى غويانا.. “هوامش” تقتفي أثر الصحراويين في أطول  رحلة لطلب اللجوء

تجنبًا للمخاطر، اختار السالك الطريق الأطول والأكثر أمنًا، والذي يبعد عن مسقط رأسه، العيون، بـ 4 آلاف و958 كيلومترًا، ليصل إلى إقليم غوايانا الفرنسية Guyane française، أحد أقاليم فرنسا ما وراء البحار، والذي يبعد عن العاصمة باريس بحولي 7 آلاف و200 كيلومتر، ويقع على الحدود البرازيلية المطلة على الساحل الشمالي لأمريكا الجنوبية.

هوامش/ سعيد المرابط:

تشتهر سواحل الصحراء، بالهجرة عبر البحر في “قوارب الموت”، نحو أرخبيل الكناري، فالمسافة الفاصلة بين العيون وجزيرة “لاس بالماس”، هي 247 كيلومترًا فقط، لكنها مقامرة محفوفة بالمخاطر، فقد يصل المهاجر إلى مبتغاه وقد يصير طعامًا للحيتان. لذلك يفضل أغلب هؤلاء خوض مغامرة طويلة لكنها أكثر أمنا، إنها “طريق غويانا”. 

منذ قرابة شهرين، تخوض مجموعة من طالبي اللجوء الصحراويين، اعتصامًا أمام محافظة غويانا الفرنسية، أحد أقاليم ما وراء البحار (مجموعة من الأقاليم تحت الإدارة الفرنسية خارج القارة الأوروبية)، للمطالبة بمنح صفة لاجئ والترحيل إلى أوروبا. وخاض المعتصمون إضرابًا إنذاريًا عن الطعام يوم 24 أبريل الماضي،  ليدخلوا في إضراب آخر لمدة أربعة أيام من 03 إلى 07 من ماي 2023.

أطول طريق للهجرة بحثا عن حياة أفضل 

بعد أن ضاقت به السبل في مدينة العيون، كبرى حواضر الصحراء، قرر السالك (اسم مستعار)؛ البالغ من العمر 30 سنة، والحاصل على إجازة في الاقتصاد، خوض تجربة الهجرة غير النظامية، بحثًا عن آفاق جديدة ومستقبل أكثر وضوحًا من الواقع القاتم الذي يعيشه.

تجنبًا للمخاطر، اختار السالك الطريق الأطول والأكثر أمنًا، والذي يبعد عن مسقط رأسه، العيون، بـ 4 آلاف و958 كيلومترًا، ليصل إلى إقليم غوايانا الفرنسية Guyane française، أحد أقاليم فرنسا ما وراء البحار، والذي يبعد عن العاصمة باريس بحولي 7 آلاف و200 كيلومتر، ويقع على الحدود البرازيلية المطلة على الساحل الشمالي لأمريكا الجنوبية.

يقول السالك لهوامش “فكرت في الهجرة بحرا عدة مرات، ولكن احتمال التعرض للخطر في الطريق نحو جزر الكناري ردعني. أريد البحث عن حياة أفضل من واقع البطالة وحالة اللايقين”، هكذا يفسر الشاب اختياره غوايانا؛ المنطقة الوحيدة في أمريكا اللاتينية التي اختارت الاندماج الكامل مع بلد أوروبي.

وفق مصادر “هوامش”، وصل السالك إلى هذه الجزيرة اللاتينية، رفقة ما يزيد عن 800 شاب صحراوي من أجل طلب اللجوء، وفي الأسابيع الأخيرة، “وصل أزيد من 140 صحراويا إلى غوايانا الفرنسية”، التي لا يتجاوز عدد سكانها 300 ألف نسمة، أزيد من نصفهم يتواجدون في عاصمتها كايينْ Cayenne.

انطلق السالك منتصف شهر فبراير الماضي، من مطار مدينة العيون نحو الدار البيضاء، حيث سألته شرطة الحدود المغربية بمطار محمد الخامس الدولي عن “سبب توجه الشباب الصحراويين بأعداد كبيرة إلى البرازيل” حسب تصريحه لمنصة هوامش.

مستفيدا من ميزة عدم اشتراط تأشيرة على حاملي جواز السفر المغربي، سافر السالك من البيضاء إلى العاصمة البرازيلية “ساو باولو”، على متن طائرة تابعة للخطوط الملكية المغربية، ومنها توجه إلى “أويابوكي”. هناك أقام في فندق يمتلكه برازيلي يدعى “سوزا”، وهو زعيم “كارتيل” يتكلف بنقل المهاجرين مقابل 70 يورو للشخص (حوالي 770 درهم). ويساعدهم في عبورالنهر الذي يفصل البلدة عن غوايانا الفرنسية بواسطة القوارب، “عندما وصلنا إلى الضفة الأخرى، تكفلوا بايصالنا إلى عاصمة إقليم غوايانا، وفي مركز شرطة كايينْ، قدمت طلب اللجوء”، يقول السالك.

هروب من “البطش” إلى رفض اللجوء

يصل عدد كبير من الشباب إلى إقليم غويانا، لكن الصحراويون منهم الذين وصلواإلى هنا لم يأتوا جميعا من أجل تحسين ظروف العيش فقط، فمن بينهم من يصفون أنفسهم بأنهم  “فارون من البطش”  بسبب مطالبتهم بـ”تقرير مصير الشعب الصحراوي”. وهي القضية المعروضة على الأمم المتحدة ولم تصل إلى حل  بين المغرب الذي يطرح “مشروع الحكم الذاتي” وجبهة البولساريو التي تدعو إلى انفصال “الصحراء الغربية” منذ حوالي نصف قرن من الزمن.

من بين هؤلاء علي (إسم مستعار)، 27 سنة، شاب من مدينة العيون ، يقول علي  في اتصال هاتفي “أنحدر من عائلة مناضلة ومسجلة في لوائح بعثة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء بالصحراء المعروفة بـالمينورسو”، يؤكد محدثنا أنه تعرض للتعنيف والتضييق مرارا وتكرارا بسبب مواقفه السياسية المطالبة بتقرير المصير، ويردف “أذكر يوم 23 يونيو 2012، حين شاركت رفقة شقيقي في مسيرة نظمتها الحركة التلاميذية. انطلقت المسيرة من إعدادية علال بن عبد الله بالعيون، وتعرضنا إثرها للضرب والرفس والسب والشتم بعبارات حاطة بالكرامة”.

وبسبب نشاطه السياسي، يقول علي، “تقرر منعي من مواصلة الدراسة، وطردت من الإعدادية ومنعت كذلك من التسجيل في أي مؤسسة أخرى، عقابا لي، كما وضعت تحت مراقبة المخابرات ورجال الأمن، وخضعت لعدة ضغوطات بعد ذلك، عانيت فيها الترهيب والتعذيب النفسي والحرمان”.  بعد ذلك قرر علي اللجوء إلى دولة موريتانيا بسبب ما وصفه “الهرب من التضييق”، ولكنه سرعان ما سئم الوضع هناك، فقرر العودة إلى العيون.

ويواصل الشاب الذي يتحدث إلينا من غوايانا “عند عودتي من موريتانيا ومروري من معبر الكركرات، وبعد التحقق من هويتي أخذوني إلى مخفر أمني، وتم التحقيق معي حول تواجدي بموريتانيا، وهددوني بالتصفية الجسدية. حينها أدركت جيدًا أن حياتي باتت في خطر، وبعد إطلاق سراحي بدأت الترتيب للهروب ومغادرة الوطن”.

انطلق علي رفقة شقيقه من العيون باتجاه الدار البيضاء، ومن هناك إلى البرازيل، وصلا إلى غوايانا وطلبَا اللجوء السياسي هناك، لكنهما فوجئا برفض الطلب، حسب الوثيقة التي حصلت “هوامش” على نسخة منها.

من العيون إلى غويانا..   

يحكي محمد (34 سنة)، لـ”هوامش”، أن رحلته انطلقت من العيون إلى الدار البيضاء في رحلة جوية “ومن الدار البيضاء إلى الدوحة القطرية، في رحلة أخرى استغرقت حوالي تسع ساعات”.

يسترسل الشاب الصحراوي، في سرد تفاصيل الرحلة، موضحًا أنه من العاصمة القطرية الدوحة استقل طائرة أخرى إلى ساو باولو البرازيلية، دامت الرحلة حاولي عشر ساعات” وعند الوصول إلى مطار ساو باولو “انتظرت 12 ساعة حتى موعد الطائرة التي أقلتني إلى مدينة أخرى، وهناك انتظرت ست ساعات، حتى موعد الطائرة التي طارت بي إلى مدينة ماكابا البرازيلية” يقول محمد.

“وعند الوصول التقينا أصحاب سيارات الأجرة الذين أصبحوا يعرفون وجهتنا بمجرد وصولنا إلى مطار ماكابا، بسبب كثرة الوافدين إلى هذه المنطقة من الحدود البرازيلية”، يوضح الشاب الصحراوي.

ويضيف أنه بمعية آخرين، صادفهم أثناء تلك الرحلة المكوكية، “اتفقنا مع أحد سائقي سيارات الأجرة، وهو معروف لدى الصحراويين إسمه سوزا، برازيلي الجنسية، تكلف بنقلنا إلى مدينة أويابوك وهي مدينة حدودية مع سان جورج الفرنسية، وعند الوصول إليها أخذنا قسطًا من الراحة في فندق هناك وفي الصباح الباكر ذهبنا إلى الشرطة الفيدرالية البرازيلية لختم جوازاتنا بطابع الخروج، ومن ثم ذهبنا في قارب أقلنا إلى الجانب الآخر من النهر الفاصل بين البرازيل وغوايانا، وعند وصولنا ذهبنا إلى الشرطة الفرنسية لكي نختم الدخول، ونستلم وثيقة طلب اللجوء السياسي داخل أراضي فرنسا، وبعد ذلك ركبنا سيارة أجرة نقلتنا إلى العاصمة كايِّينْ لاستكمال إجراءات اللجوء”.

وفي رده على سؤال “هوامش” عن الأسباب الكامنة وراء الإقدام على هذه المغامرة، والآفاق التي دفعته لخوضها، يقول محمد، إن “الظروف هي التي دفعتني للهجرة، نحن نعاني من الاضطهاد في الصحراء الغربية، وخيراتنا تستنزف يوميا ولا نستفيد منها، مع أن ثرواتنا كفيلةٌ بتشغيل الشباب الصحراوي وضمان العيش الكريم لهم، لذلك قررنا أن نهاجر من أجل بناء مستقبل أفضل من الذي نعيشه في وطننا”.

صدم محمد الذي وصل يوم 21 فبراير الماضي، بالواقع في غوايانا؛ إذ رفضت السلطات طلب لجوئه، ومن “ذلك الوقت وأنا داخل غوايانا الفرنسية، أنتظر قرار المحكمة بشأن الطعن في رفض طلبي اللجوء السياسي، فقد تم رفض أغلب الطلبات لأنه ليس لديهم معيار القبول، ولكن الإنصاف يأتي من المحكمة دائما” حسب قوله.

محمد يشارك اليوم رفقة عشرات الصحراويين في معتصم بالإقليم المذكور، يطالبون فيه بـ”الترحيل إلى فرنسا من أجل استكمال الإجراءات القانونية للمحكمة في باريس، لأن غويانا الفرنسية ليست آمنة ونتعرض للاعتداء، كما أن المعيشة باهظة الثمن وأثمنة إيجار البيوت مرتفعة ولا يوجد عمل”.

ويوضح المتحدث أن المساعدات التي تقدمها لهم السلطات غير كافية، إذ “يعطينا المكتب الفرنسي للهجرة والإدماج قسيمة قدرها 250 يورو (حوالي 2750 درهم) كل شهر، من أجل اقتناء الحاجيات الغذائية”.

ويؤكد الشاب أن أعداد الصحراويين تتزايد بشكل يومي، ما بين الشباب والعائلات؛ فقد “فاق عددهم 800 شخص، وهنالك نسبة كبيرة من النساء والأطفال، والعديد من العائلات؛ بينهم عوائل جاءت بأطفالها الرضع، وضمنها نساء حواملٌ”.

واقع أسود..

تكسرت أحلام هؤلاء الشباب على صخور الواقع الذي جمعهم في هذا الإقليم، رغم اختلاف أسباب مجيئهم، فقد اكتشفوا أن الواقع ليس ورديًا كما تخيلوه في هذه النقطة من أمريكا اللاتينية، الواقعة تحت سيادة فرنسا.

في شهادته لـ”هوامش”، يؤكد علي أنهم لم يحصلوا على دعم أو سكن “ندفع ألفا ومائتي يورو (أزيد من 12 ألف درهم)، إيجار شقةٍ يتشاركها ثمانية معنا، تخيل نفسك محشورا في شقة صغيرة ملاكها يستغلونك”.

من جهتها، قالت عمدة كايين، عاصمة غوايانا، ساندرا تروشيمارا، في تصريح صحفي أن “إدارتها غير قادرة على التكفل بالجميع”، وأضافت “نحن في وضع لا يطاق وغير مقبول”.

ورغم ذلك، تعترف العمدة بأنه “يجب توفير حل إنساني فوري لأولئك الذين دخلوا”، ولكنها أيضًا تشير إلى أنه “يجب إغلاق الحدود”.

وفيما يتزايد عددهم، ويتعمق سوء وضعهم، ينتظر الصحراويون الذين وصلوا منذ شهورٍ الرد على طلبات اللجوء التي تقدموا بها، وقد رفض العديد منها، فتقدموا بطعن ولا يزالون ينتظرون، وبينهم من تجاوزوا الخمسة أشهرٍ في الإقليم.

ويحكي سعيد هدي، وهو أحد المعتصمين، لـ “هوامش” ما أثناء اعتصامهم ومطالبتهم بحق اللجوء، “تم اعتقالنا لترحيلنا إلى المغرب ليتم إطلاق سراحنا من مخفر المطار بعد ساعات”. بينما يؤكد علي “إذا حصلنا على اللجوء نريد الذهاب إلى فرنسا، أو إلى أي بلد في أوروبا”.

ويضيف هذا الأخير في حديثه معنا “نريد حمايةً دولية هنا، لكي نكون قادرين على البدء في بناء حياة جديدة، لأنه في الصحراء يكاد يكون ذلك من المستحيل”.

الوجه الأخر للهروب من الصحراء 

لا يمكن الجزم أن كل هؤلاء المهاجرين طالبي اللجوء بغوايانا مضطهدين، فحسب شهادات متطابقة لمصادر استشارتها “هوامش”، تم قبول طلبات لجوء عدد كبير من الصحراويين “منحدرين من مدن خارج منطقة العيون، الطنطان وكلميم على سبيل المثال”، وفق تصريح شاب من الإقليم الفرنسي.

ويوضح طالبو اللجوء سبب “هروبهم” من المغرب، حسب ما توصلت به “هوامش” من مصادر متطابقة “ليس كل من قبلت طلباتهم تعذروا بالقمع السياسي وموقفهم من قضية الصحراء”. وكشف أحد هؤلاء في تصريح لـ “هوامش” موضحا “طلبت الحماية الدولية على أساس أني ملحد، وهارب من اضطهاد ديني”.

وفي جواب على سؤالنا عن السبب الذي جعله يختلق هذه القصة، أجاب بهدوء “إنه السبيل الوحيد لتسريع إجراءات اللجوء وضمان قبوله”، وأضاف ضاحكًا “أنا لم أكذب فأنا لست مؤمنًا جدًا، إذ لم أصلّ يومًا”.

ومن جهته، قال محمد اليوسفي عضو “الحزب الاشتراكي الموحد” بالعيون، في تصريح لـ”هوامش” إن “بعض طلبات اللجوء، والتي يروج أصحابها للبقية من أبناء الصحراء نجاعتها، ويدعونهم للقدوم إلى جنة غوايانا، غير صحيحة، فهم يكذبون عليهم، إذ أن الوضع هناك مزرٍ جدًا”.

ويؤكد اليوسفي أن كثيرين “أصبحوا يرددون سردية الإلحاد والمثلية الجنسية للحصول على الموافقة على طلب اللجوء، بعدما تعسر لدى آخرين قبول الطلبات السياسية المرتبطة بالانتماء للبوليساريو، والتعرض للاضطهاد السياسي والاجتماعي من طرف المغرب”.

جدير بالذكر، أن جهة العيون الساقية الحمراء، تحتل مراكز متقدمة في نسب المعطلين، ووفق دراسة لـ”مندوبية التخطيط”، حول وضعية سوق الشغل خلال الفصل الأول من سنة 2023، فقد سجلت جهات الجنوب (19.9%) وهو من أعلى مستويات البطالة.

ويؤكد اليوسفي أن “الظروف الاقتصادية والاجتماعية بالصحراء هي السبب الأول الذي يدفع الشباب إلى الهجرة، فنسب البطالة مرتفعة جدا منذ عقود”.

وأضاف المتحدث “لا نفهم لما يتغاضى الشباب والمعطلون المهاجرون عن معطى الامتيازات والأموال الطائلة، التي ينهبها المنتخبون من أبناء جلدتهم، ويظلون في صدام دائم واتهام متواصل للدولة”.

وأشار اليوسفي إلى أن “هناك أيضا الظروف السياسية المتمثلة في غياب الديمقراطية، وهندسة المخزن لخرائط سياسية تراعي التوازنات القبلية”.

وختم محدثنا قائلًا إنه “من المحير، ألا يذهب هؤلاء الشباب الذين يعتنق بعضهم فكر جبهة البوليساريو؛ لمناصرة هذا التنظيم في المخيمات والانخراط في تشكيلاته، بينما يذهب إلى آخر الدنيا ليرفع الشعارات هناك، رغم أن جلهم لم يرفعها هنا قط”.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram