هاجر الريسوني
سناء تحكي لـ”هوامش أنفو”، كيف أن زملاء لها من الذكور توظفوا بعدها لكن منهم من أصبح مدير قسم أو مدير مشروع، وتوضح أن “المرأة لازالت تعاني من التمييز داخل فضاء العمل، وعليها أن تقوم بمجهود أكبر من زملائها الذكور كي تظفر بنفس أجرهم أو تحصل على الترقية”، وتضيف أنها سمعت من عدد من زميلاتها أن “المسؤولين عن التوظيف يفضلون توظيف النساء العازبات عوض المتزوجات، لأنهم يعتقدون أن المتزوجة ستحتاج لإجازة الأمومة وأن إنتاجيتها ستكون أقل بسبب المسؤوليات، في حين أن المرأة لها القدرة على تقسيم وقتها بين العمل والبيت وباقي المسؤوليات” تقول سناء.
وفي شهادة تضمنها تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول أشكال التمييز ضد النساء في الحياة الاقتصادية، تحكي فاطمة (اسم مستعار)، طبيبة بيطرية، قائلة: “رئيس المصلحة يرفض أن أقوم بالعمل الذي يجب على البيطري القيام به عادة، كزيارة الأسواق والمسالخ، فهذه المهام يقوم بها تقني بينما يقتصر عملي على المهام الإدارية والتنشيط النسوي وهي مهام ينبغي أن يتولاها المتخصصون في العمل الإداري”.
بينما تقول سعاد (اسم مستعار) في نفس التقرير “أنا مهندسة في مجال التصميم والصناعة الميكانيكية، في بداية توظيفي، قيل لي صراحة، منذ اليوم الأول بأنه لا يمكن لي أن أطمح في الوصول إلى منصب مديرة الورشة الميكانيكية، لذلك اضطررت إلى تغيير مساري المهني، وإعادة توجيهي نحو التسيير والتكوين”.
أداء المرأة المغربية والمعدلات التي تحصل عليها في المدارس أفضل من الرجل، ففي سنة 2021، كان 55 في المائة من خريجي المدارس الثانوية نساء، وكانت نسبة النساء 26 في المائة مقابل 14 في المائة للذكور، من الحاصلين على شهادة التعليم العالي، إلا أن معدل النشاط لدى النساء لا يتجاوز 33.7 في المائة مقابل 92 في المائة بالنسبة للرجال وفق إحصائيات سنة 2020 التي أوردتها المندوبية السامية للتخطيط في تقريرها “نساء مغربيات في أرقام”.
وحسب دراسة للبنك الدولي فإن هذا التباين بين التعليم وسوق الشغل يعكس عدم المساواة في النواتج والفرص الذي تتعرض له النساء، إذ أن العوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية تقف خلف هذا التباين الذي يمتد ليشمل أوجها أخرى لعدم المساواة في الأجور والاستقلالية والتعرض للمخاطر والتمثيل السياسي.
ولا زالت النساء يواجهن صعوبة في الوصول إلى مناصب المسؤولية، بحيث كشفت دراسة لوزارة إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية حول مكانة المرأة الموظفة بمناصب المسؤولية في الإدارة العمومية بالمغرب عن أن نسبة النساء اللائي يصل إلى موقع المسؤولية في الوظيفة العمومية تصل إلى 22 في المائة مقابل 78 في المائة للذكور.
وفي الوقت الذي تسود فيه صورة نمطية عن أن النساء المتزوجات أقل إنتاجية، أكدت ذات الدراسة على أن غالبية النساء اللائي يشغلن مناصب المسؤولية متزوجات، بحيث كلما كان المنصب أعلى زادت نسبة المتزوجات، مما يشكك في فكرة أنه لا يمكن للمرأة أن ترتفع في التسلسل الهرمي بسبب المسؤوليات المتعلقة بالتزاماتها الأسرية، وأضافت الدراسة أن “65 في المائة من النساء اللائي في مناصب عليا من المتزوجات، بينما تصل نسبة رئيسات القسم من المتزوجات إلى 56 في المائة”.
رغم أن الدستور المغربي أقر مبدأ المناصفة والمساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلا أن تحقيق ذلك لازال بعيد المنال في جميع القطاعات سواء الاقتصادية أو السياسية أو المدنية، بحيث كشف تقرير حول الموارد البشرية المرفق لقانون المالية لسنة 2021، أن عدد النساء اللائي تم تعيينهن في مناصب المسؤولية بلغ 137 تعينا من أصل 1160 منصبا، إذ يعتبر منصب “مدير” الأكثر ولوجاً بالنسبة إلى النساء بنسبة 13 بالمائة، ثم منصب “مفتش عام” بنسبة 12,2 بالمائة.
وانحصرت نسبة النساء اللائي شغلن مناصب في الهيئات الديبلوماسية 30.3 في المائة في سنة 2018، 35.5 في المائة منهن يعملن في القنصليات و 25.1 في المائة يعملن في السفارات، وفقا لتقرير “المرأة المغربية في أرقام”، بينما شكلت نسبة النساء في المناصب القضائية 24.9 في المائة برسم سنة 2020، فيما شكلت نسبة المحاميات 24.3 في المائة.
وإذا كان المغرب اعتمد عام 2002 آلية للتمييز الإيجابي “الكوطا” لرفع نسبة النساء في المؤسسات المنتخَبة، فإن نسبة النساء اللائي وصلن إلى قبة البرلمان في انتخابات سنة 2021، لم تتجاوز 24.3 في المائة، بينما بلغت نسبة النساء الممثلين في المجالس الجهوية نسبة 39.79 في المائة ونسبة 29.87 في المائة بالنسبة للمجالس الجماعية، حسب تقرير المندوبية.
فيما بلغت نسبة النساء اللائي عين كوزيرات في الحكومة الجديدة 29.1 في المائة، حيث عرفت نسبة النساء المستوزرات ارتفاعا ملفتا مقارنة مع الولاية السابقة التي لم تتجاوز فيها نسبة مشاركة هذه الفئة 16.7 في المائة.
ووفقا لدراسة وزارة إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية، فإن عدد من المستجوبات من الموظفات اعتبرن أن “نظرة الرجال للنساء ليست محايدة، وأنهم يصدرون أحكام قيمة سلبية ومسبقة حتى يثبت العكس ويجب دائما إثبات الذات بشكل كبير”، وأضفن أن “السياق السوسيو-إداري لازال مثقلا بعدة صور نمطية والتي لازالت تعتقد بأن بعض الصفات متأصلة في الرجال دون النساء من قبيل القدرة على التحمل، الإصرار، التنافسية، والقيادة والتي تعتبر ضرورية لشغل مناصب المسؤولية”.
واعتبرت الدراسة أن الأمومة لا تزال عائقا لكثير من النساء في مسارهن المهني، بحيث أن النساء في سن الإنجاب لا يندرجن حقا في حركة تقدم التسلسل الهرمي، باعتبار أن “ضرورة وجودهن بما فيه الكفاية بالقرب من أطفالهن يخلق المزيد من المعوقات فيما يتعلق باختيارهن بين الحياة المهنية والحياة الأسرية، فضلا عن أنه ينظر للزوجة أحيانا على أن مسارها المهني ثانوي وراتبها كمكمل للدخل.
في 31 من شهر يوليوز 2021، أقر البرلمان تعديلاً في القانون المتعلق بالشركات المساهمة ذات المسؤولية المحدودة، بهدف سد الفجوة بين الجنسين في مجال التوظيف، وتشجيع تحقيق تمثيلية متوازنة بين النساء والرجال في مناصب المسؤولية بمجالس إدارة الشركات، إذ حدَّد القانون حصصاً إلزامية للنساء في مجالس إدارة الشركات المتداولة في سوق المال، إذ ستصل بحلول سنة 2024 إلى 30 في المائة، وإلى 40 في المائة بحلول سنة 2027.
وفي هذا الشأن اعتبر البنك الدولي في تعليقه على القانون أن “هذا الإصلاح الجديد الجريء الذي نفَّذه المغرب يعد مؤشراً إيجابياً على استعداده لتعزيز مشاركة النساء في المناصب القيادية العليا”، وزاد “وتجلَّى هذا التغير في أنماط التفكير في الآونة الأخيرة في انتخابات البلاد عام 2021 التي أسفرت عن تولِّي نساء مناصب قيادية في ثلاث مدن مغربية كبرى، وذلك للمرة الأولى في المملكة. علاوةً على ذلك، تم تعيين ست نساء في مناصب رئيسية في الحكومة المغربية، منها وزارة المالية التي أصبحت فيها نادية فتاح أول وزيرة للمالية في المغرب، وهي أيضا إحدى مؤسِّسات “نادي النساء المديرات”. وأظهر هذا الإصلاح بجلاء الدور الذي يمكن أن يؤديه المجتمع المدني من أجل التغيير بالاشتراك مع الحكومة”.
ورغم أن هذا القانون يفتح باب الأمل لوصول النساء إلى المناصب العليا جنبا إلى جنب زملائهن الذكور، إلا أنه لاتزال توجد تفاوتات كبيرة بين الجنسين فيما يتعلق بالحصول على وظيفة، حيث أن نسبة النساء النشيطات سنة 2020، لم تتجاوز 23 في المائة، رغم أن النساء شكلن 50.2 في المائة من ساكنة المغرب، فيما تراجعت نسبة النساء العاملات بـ 4 في المائة مقارنة مع سنة 2010، وذلك وفقا لتقرير المندوبية السامية للتخطيط حول “المرأة المغربية في أرقام :20 سنة من التطور”.
ووفقا لذات التقرير فإنه في سنة 2019 لم تتجاوز نسبة المقاولات المغربية التي تترأسها نساء نسبة 12.8 في المائة، 17 في المائة منهن في قطاع الخدمات، 13 في المائة في قطاع التجارة، و12 في المائة منهن في قطاع الصناعة، أما في القطاع العام وصلت نسبة النساء المديرات إلى 23 في المائة، و21 في المائة من أعضاء مجالي الإدارة على المستويين الجهوي والإداري.