الرئيسية

الخَطِيئة المبكرة، 12 ألف قاصر تم تزويجهن خلال السنة الماضية في المغرب

تزوجت سعاد. أ. وهي في عمر الخامسة عشر بشاب يكبرها بعشر سنوات. لم يدم زواجهما سوى فترة قصيرة لتجد نفسها مطلقة. بملامح طفولية تعيش اليوم حياة الكبار وتواجه نظرات التحقير من أبناء الدوار. بين "حلمها" المجهض بالأمس ومستقبلها الغامض اليوم، تدرك سعاد أن حياتها انقلبت رأساً على عقب منذ أن صادقت النيابة العامة على طلب زواجها ضمن 27 ألف 623 ملفاً آخر لزواج القاصرات توصل بها القضاء المغربي سنة 2019، لم يرفض منها سوى 10%. 
(ABDELHAK SENNA / AFP)

لا يزال زواج القاصر يشكل معضلة اجتماعية في المغرب، خاصة في الأوساط القروية التي مازلت تحتضن هذا النوع من الزواج التقليدي من خلال ما يطلق عليه “زواج الفاتحة”. رغم أن معدل الزواج في الوسط القروي يعادل سن الـ 23 لدى النساء، إلا أن 12 ألف و600 قاصر تزوجن سنة 2020 حسب إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط.

مثل سعاد تعيش آلاف القاصرات أدواراً أخرى أكبر من عمرهن. “المرأة المغربية بالأرقام: 20 عاما من التقدم”، هكذا عنونت المندوبية السامية للتخطيط تقريرها الأخير. بيد أن المتأمل للأرقام سرعان ما يكتشف أن “التقدم” المزعوم لا زال بعيد المنال. البيانات الإحصائية المتعلقة بزواج القاصرات، على سبيل المثال، تشير إلى أن من بين الـ 194 ألف من المتزوجين خلال سنة 2020 نجد أن 12 ألف و600 لا يبلغون سن الأهلية.

رغم “المنع المشروط” لـ ‘زواج القاصر’، تؤكد هذه الأرقام استمرار الظاهرة خاصة على مستوى العالم القروي حيث ترتفع نسبة الأمية والهدر المدرسي. في هذه المناطق النائية يتم إعداد الفتيات بشكل مبكر للعب دور الزوجة والأم إلى حد يصبح فيه الزواج أحياناً الحلم الأكبر والوحيد للفتيات ومؤشر النجاح في الحياة.

بالرغم من انخفاض عدد “زيجات القاصرات” مقارنة مع السنوات الماضية، ما تزال الظاهرة تقض مضجع الجمعيات المحلية والمنتظم الدولي. فشلت الحكومة السابقة في تشريع قانون يمنع صراحة تزويج القاصر الذي تم اقتراحه بداية السنة الحالية. أمّا مدونة الأسرة، فتبقى، رغم بعض نقط الضوء، قانونا فضفاضاً تعتريه الكثير من الثغرات التي لا تصمد أمام ضغط الكثير من العائلات على بناتها لتزويجهن ضدا أحيانا على رغبتهن. هكذا تحولت المدونة إلى عائق لوضع حد لهذه الظاهرة عوض أن تساهم في ”تطوير وضعية المرأة في الأسرة والمجتمع” كما كانت تنشد.

فعلى سبيل المثال، تنص المادة 13 من مدونة الأسرة على “أهلية الزوج والزوجة”، وتؤكد المادة 19 على القوام العقلي وبلوغ سن الثامنة عشرة كشرطين للسماح بالزواج، فيما تنص المادتين 10 و 11 على “ضرورة توفر الإيجاب والقبول بين الطرفين”. بيد أنه في المقابل، تتيح المادة 20 لقاضي الأسرة المكلف بالزواج “أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية المنصوص عليه في المادة 19، بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك، بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي والاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي”. والأكثر من ذلك تشير ذات المادة إلى أن “مقرر الاستجابة لطلب الإذن بزواج القاصر غير قابل لأي طعن”. 

بمقتضى هذا الاستثناء، حصلت 85 في المائة من طلبات الزواج على الترخيص ما بين 2011 و2018، ما استنفر عدداً من منظمات المجتمع المدني كجمعية “سِمسِم مشاركة مواطنة” وجمعية “صوت المرأة الأمازيغية” اللتان تقدمتا منذ 2019 بمقترح قانون يقضي بتغيير وتتميم مدونة الأسرة، وذلك في إطار حملة ترافعية تروم مواجهة ظاهرة تزويج القاصرات. يعتبر أصحاب المبادرة، أن التدخل التشريعي بات “ضرورة ملحة واستعجالية أمام “فشل وقصور المقاربات التحسيسية في الحد من ظاهرة زواج القاصرات”. كما نادوا بوضع نصوص قانونية واضحة للحد من هذه الظاهرة و”إعادة التوازن الطبيعي لمؤسسة الزواج”.

في مقال له على على موقع “الأنديبندت عربية“، تطرق الصحافي نوفل الشرقاوي إلى ما أسماه “التحايل” على على قانون مدونة الأسرة المنظم لأمور الأحوال الشخصية. تحت عنوان “زواج القاصرات في المغرب… بين التعديلات والتحايلات”، يورد المقال على سبيل المثال آليتي الزواج بالفاتحة والزواج بـ”الكونطرا” (عقد خاص) الذي يمكن الزوجين بعد ذلك من اتباع مسطرة إثبات الزواج التي يتيحها القانون المغربي. في الواقع، يضيف كاتب المقال، ما زالت تنظم وزارة العدل حملات منذ سنوات بهدف فسح المجال أمام الأزواج الذين لا يملكون عقد زواج شرعي أن يتقدموا بطلب إثبات الزواج أمام المحاكم. وكان مكتب الأمم المتحدة للسكان في المغرب، قد أعلن عن “إطلاق طلب استشارة لتعيين خبير يعهد إليه إعداد تقرير حول الحجج التي يستعملها القضاة المغاربة في منح الإذن لزواج القاصرات”.

في عيون الأمم المتحدة 

بحسب صندوق الأمم المتحدة للسكان، يُعد زواج الأطفال انتهاكاً لحقوق الإنسان. “بيد أن هذه الممارسة تبقى واسعة الانتشار على الرغم من القوانين المناهضة لها، ويعود ذلك جزئيا لاستمرار الفقر وانعدام المساواة بين الجنسين” تقول المنظمة. ففي الدولة النامية تتزوج واحدة من بين كل 3 فتيات قبل بلوغها سن 18 عاما. وتتزوج واحدة من بين كل 5 وهي دون 15 عاما. وتضيف المنظمة أن زواج الأطفال “يحرِم الفتيات من حقهن في اختيار بمن ومتى يتزوجن – وهو واحد من أهم القرارات في حياة الإنسان”. 

تذهب المنظمة الأممية إلى أن زواج الأطفال يهدد بشكل مباشرة صحة ورفاهية الفتيات، إذ كثيرا ما يكون الزواج متبوعا بالحمل مع كل ما يترتب عن ذلك من معاناة جسدية ونفسية. في هذا الصدد، تشير الإحصاءات في الدول النامية، 9 من بين كل 10 ولادات لفتيات مراهقات تحدث في إطار زواج أو ارتباط. في هذه البلدان، تعد مضاعفات الحمل والولادة من بين الأسباب الرئيسية للوفيات بين الفتيات المراهقات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 إلى 19 عاما.

ووفقاً لأحدث بيانات صندوق الأمم المتحدة للسكان نجد أن ثلث الفتيات تقريبا في البلدان النامية (من بينها المغرب) يتزوجن قبل بلوغهن 18 عاما، كما تتزوج ما يقدر بـ11 في المائة قبل بلوغهن سن الـ 15، ويتوقع الصندوق أن تتزوج 13.5 مليون فتاة دون 18 سنة سنويا، طوال العقد القادم، وهو ما يعادل زواج 37 ألف قاصر كل يوم.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram