دواوير كثيرة في جماعات المعيدر الخمسة ( تازارين، أيت ولال، النقوب، تاغبالت، أيت بوداود) عانت الأمرين صيف 2021 بسبب الخصاص المهول في الماء، جماعات اعتمدت توزيع الماء على بعض دواويرها بواسطة صهاريج تابعة للجماعات المحلية، كما نشطت تجارة الماء أيضا خاصة بالنسبة للأشخاص الذين يملكون إمكانيات شراء شحنات إضافية من الماء عند الخواص، سيما الذين نظموا أعراسا أو مناسبات عائلية.
إذا أخذنا نموذج جماعة أيت بوداود بزاكورة مثلا، فإن دواوير مثل سردرار، أيت أولحيان أيت عثمان، تاكلكولت، وشمال أمراد، أقوج وترݣا نايت إزو كلها تعاني من مشكل الخصاص في المياه هذا الصيف، وبحسب “ب ل” وهو من ساكنة أيت أولحيان فإن البئر المخصصة لمياه الشرب بالجماعة تغطي حاجيات الساكنة شتاءً، حيث تلبي 100 في المئة من حاجيات الجماعة من شهر نونبر إلى شهر مارس، وتبدأ في التناقص مع ارتفاع درجة الحرارة وازدياد حاجة الناس للماء، وكذلك لازدياد أعداد السكان في الصيف حيث العطل والمناسبات. نفس المتحدث أكد أن هذه البئر تغطي فقط 30 في المئة من حاجيات الساكنة صيفا.
يرى متدخلون استقت هوامش آراءهم أن بعض الزراعات الدخيلة ساهمت بشكل كبير في تأزيم وضعية الساكنة سيما مياه الشرب، ومن هذه الزراعات البطيخ الأحمر الذي بدأ يزرع في هكتارات كبيرة في ضواحي زاكورة، وساهم في وصول المياه إلى أعماق غير مسبوقة.
وبحسب تصريحات مسنين من المنطقة فإنه سنة 1978، كان التنقيب على الماء بمنطقة الفايجة آخر ما يشغل بال الفلاحين. الأمر لا يكلف سوى حفر 8 أمتار على أكثر تقدير. حينئد كان عدد الآبار بكل تلك المنطقة كلها 34 بئرا فقط.
المزروعات في أغلبها معيشية، قمح، ذرة وشعير وبعض الأشجار المثمرة…وكان البطيخ الأحمر Citrullus Lanatus وغيره من الفواكه التي تنتمي لعائلة Curcurbitaceae يزرع ، لكن ليس بغرض تسويقي. فقط لإشباع الحاجة اليومية من هذه الفاكهة الصيفية التي تحتوي على 92% من وزنها من الماء.
تم الإستثمار في زراعة الدلاح بهدف تجاري بمنطقة الفايجة أول مرة سنة 2003. المحصول كان جيدا والمردودية كانت مبهرة، مما شجع فلاحين آخرين على خوض غمار تجربة زراعية تذر الملايين دون أن يأبهوا لذلك.
تضاعفت المساحة المخصصة للدلاح لتلتهم مساحات شاسعة وليصل ثمن العقار في فيافٍ لم تكن سوى مرتعا للذئاب إلى أرقام فلكية.
إلتهم الدلاح جل مساحة الفايجة وغيرها، ونزح المستثمرون من سوس ومن أماكن أخرى وظهرت الصراعات على أراضي الجموع. وكعدوى انتقلت هذه الزراعة المغرية إلى مناطق أخرى من الإقليم كأنكَام، بويزكارن، ميرد، بني خليل، فم العشار، أوجيال ، أفرا، تانومريت، تيوريرين، زاوية الفضل، النقوب، تازارين. مع ذلك لماذا يتم اتهام الدلاح وحده بأنه المتسبب في العطش في المنطقة؟
ما لا ينتبه إليه الكثيرون أن ألواح الطاقة الشمسية ساهمت كذلك بشكل كبير في استنزاف الثروة المائية بالمنطقة، ذلك أنه مؤخرا عمد جل الفلاحين إلى تركيبها بالحقول، لجلب المياه من أعماق كبيرة، فتقوم هذه الطريقة بضخ المياه بشكل مستمر طول النهار، وأحيانا في الليل كذلك بالنسبة لمن يستعمل خزانات الطاقة، وأصبحت المياه بدون أي تكلفة تذكر، يتم تبذيرها بشكل مبالغ فيه، أو تترك عرضة للتبخر فيما يشبه “بحيرات” صغيرة تم إعدادها لتجميع المياه لسقي الضيعات. مضخات تشتغل نهارا، كلما كانت الشمس ساطعة، وهي ساطعة على الدوام في زاكورة، تضخ المياه بشكل مستمر، حتى وإن لم يكن هذا الفلاح بحاجة إليها.
مع اشتداد الأزمة ترتفع أصوات كثيرة تنادي ببناء السدود التلية بالمنطقة، وفي منطقة تازارين ونواحيها يعد مجموعة من الشبان داخل المغرب وخارجه عريضة للمطالبة ببناء السدود في المنطقة، ما يزالون في طور جمع التوقيعات. إلا أن نسبة التساقطات المسجلة كل سنة توحي بأن هذه السدود لن تغير كثيرا من أزمة العطش بالمنطقة، هذا إذا لم تخلق صراعات بين الساكنة. ذلك أن الأمطار قليلة جدا، وتجميعها في مكان دون آخر قد يعقد الحياة في أمكنة لم تصلها هذه المياه الموسمية. وفي المحاميد مثال، فبناء سد المنصور الذهبي مثلا، وإن ساهم في تنمية بعض المناطق فإن ذلك كان وبالا على مناطق نواحي المحاميد، بعد أن أثر ذلك في وصول الصبيب إلى تلك الواحات وهو ما أدى إلى موت النخيل في بعضها.
إن أزمة العطش في المنطقة، يرتبط جزء مهم منها بالتغيرات المناخية، فالسواقي لم تعد جارية كما السابق والأمطار تقل كل سنة ولا بعد من التفكير في حلول حقيقية يمكنها أن تثبت الساكنة في هذه القرى لتمارس نشاطها الفلاحي وتجد مياه الشرب في الصيف والشتاء وإلا فالوضع لا يبشر بخير.