الرئيسية

سجناء السردين.. حين يقود رفض الغلاء إلى السجن بزاوية الشيخ  

أصدرت المحكمة الابتدائية بقصبة تادلة، مساء الخميس 3 أبريل حكماً بالحبس النافذ لمدة شهر، وغرامة مالية قدرها 500 درهم في حق ثلاثة أشخاص، لكل واحد منهم، من بينهم أستاذ بثانوية أم الرمان التأهيلية، بمدينة زاوية الشيخ، إثر جلسة وصفت بـ الماراثونية، للمحاكمة التي شغلت الرأي العام بزاوية الشيخ، وعبأت الحقوقيين من مختلف مناطق جهة بني ملال خنيفرة.

أسامة باجي

وجهت النيابة العامة للشباب الثلاثة تهم “عرقلة سير عمل التجار بالفضاء المخصص لذلك النشاط، التجمهر والتحريض على ذلك”، تعود وقائعها إلى يوم الأحد 16 مارس الماضي، الذي صادف موعد السوق الأسبوعي.

أصل الحكاية.. من “مرتفقين” إلى “محرضين”

في ذلك اليوم بدأت محنة مهدي الرافعي، أستاذ مادة اللغة الفرنسية، ومهدي فائز، بائع سمك، ومحمد فاتح، بائع أواني متجول، حين تحولوا إلى محرضين ومعرقلين لسير التجارة بالسوق، بسبب مذكرة إخبارية وجهها باشا المدينة إلى قائد مركز الدرك الملكي. 

بحسب نص المذكرة، التي اطلعت عليها “هوامش”، يقول باشا مدينة زاوية الشيخ، “لاحظنا قيام المدعو مهدي الرافعي (..) بتحريض الساكنة على مقاطعة شراء سمك السردين بدعوى الثمن المبالغ فيه وبأنه لا ينبغي أن يتجاوز 5 دراهم”، وتورد المذكرة أسماء المعتقلين باعتبارهما شريكين.

وتختم المذكرة الموجهة لقائد مركز الدرك بأن “تدخل هذه السلطة بمعيتكم جعل المعنيين بالأمر يغادرون سريعا، خوفا من عواقب تصرفاتهم وأعاد السكينة إلى السوق (..) وثم ضمان سلامة التجار وحرية التجارة”.

محاكمة بدون شهود ومشتكين 

ضمن وثائق الملف، اطلعت “هوامش” على تقرير الدرك الملكي، الذي كانت إحدى وحداته “تقوم بدورية معتادة بالسويقة (..) كل يوم أحد رفقة أعوان السلطة المحلية والقوات المساعدة من أجل استتباب الأمن والحفاظ على وتيرة حركة التجارة”.

يفيد تقرير الدرك الملكي، في الواقعة، بتجمهر “حوالي 30 شخصا حيث كانوا يطالبون بتخفيض ثمن السردين”، حوالي الساعة العاشرة و45 دقيقة، مشيرا إلى تدخل الباشا الذي “فتح حوارا قصيرا مع المتجمهرين انتهى بتفرقهم”، بعد ربع ساعة، “في جو يسوده الأمن دون المس بسلامة أي أحد أو أي تخريب لأي ممتلكات”.

عائلات المعتقلين الثلاثة، ومصادر من زاوية الشيخ، أكدت لـ “هوامش” أنهم كانوا يتسوقون بشكل عادي، ونفوا تنظيم أي شكل احتجاجي، بل إن مهدي فائز كان يمارس نشاطه في بيع السمك في ذلك اليوم، ونفى الثلاثة أمام القاضي تنظيمهم لأي احتجاج وعدم قيامهم بأي تحريض.

وخلال جلسة المحاكمة، عاينت “هوامش”، عدم حضور أي شاهد، وعدم حضور أي من تجار السمك، ووقف المتهمون ودفاعهم في مواجهة ممثل النيابة العامة فقط، بينما لم تسجل أي شكاية ضدهم من طرف باعة السمك في السوق.

دفاع المتهمين: “الباشا أشعل الفتيل”

يشير عبد اللطيف آيت الحاج، محامي بهيئة بني ملال وعضو هيئة الدفاع، في حديث لـ “هوامش” إلى أن هذا الملف لا ينفصل عن سياقه الوطني، في ظل موجة الاحتجاجات الاجتماعية التي عرفتها عدة مناطق بالمغرب بسبب ارتفاع أسعار بعض المواد الاستهلاكية، وخاصة السمك، وهو ما أفرز متابعات قضائية واعتقالات طالت محتجين في أهرمومو وأزيلال، وصولاً إلى زاوية الشيخ.

ووجه آيت الحاج انتقاده لباشا مدينة زاوية الشيخ الذي “اختار أن يُشعل فتيل هذا الملف، رغم بساطة الموضوع، حيث لم يكن هناك سوى احتجاج فردي على ارتفاع أسعار السردين الذي يعتبر سمك الفقراء “.

وتمت متابعة الشبان الثلاثة بناء على مقتضيات الفصلين 380 و299-1 من القانون الجنائي، حيث يقول الفصل 380 “من تدخل بغير صفة في وظيفة عامة، مدنية أو عسكرية، أو قام بعمل من أعمال تلك الوظيفة، يُعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات”.

وأكد آيت الحاج أن “وقائع الملف، كما تضمنها تقرير باشا المدينة ومحضر الدرك الملكي، لا علاقة لها بفصول المتابعة، وهو ما دفع هيئة الدفاع إلى تقديم مرافعات قانونية قوية، نسفت هذه المتابعة شكلاً وموضوعاً، وأكدت الطابع العفوي والسلمي للاحتجاج، البعيد كل البعد عن تهم التحريض أو العنف”.

أوضح المحامي أن “هذا الملف يثير إشكالاً قانونياً لكونه بني على تقرير أنجزه باشا مدينة زاوية الشيخ بصفته سلطة محلية، وليس بصفته ضابطاً للشرطة القضائية، مما دفع الدفاع للطعن فيه استناداً إلى المواد 23 و289 و290 من قانون المسطرة الجنائية”، منبها إلى أن هذا الملف “يُعيد طرح سؤال علاقة السلطة المحلية بالاحتجاجات الاجتماعية، ومدى احترام القانون والحقوق الدستورية للمواطنين في التعبير السلمي عن آرائهم”.

حكم بدون تهم.. 

اعتبر المهدي سابق، منسق ‘لجنة دعم معتقلي السردين بزاوية الشيخ”، في حديث لهوامش، أن “الحكم الصادر كان صادماً ومؤلماً، ليس فقط لأنه قاسٍ، بل لأنه يفتقر إلى أي عدالة ممكنة. وهو حُكم يُلقي بثقله على بيوت بالكاد تستر أبناءها… فقط لأنهم احتجوا بطريقة فردية، حضارية، هادئة، ضد أسعار السمك التي أصبحت أغلى من قدرة الفقراء على الشراء”.

وشدد المتحدث على أن “خطورة هذا الملف لا تقف عند حدود الأحكام القضائية فقط، بل تتجاوزها إلى ضرب عمق حرية التعبير، وإعادة إحياء سيناريو قديم يتلخص في توريط القضاء من طرف السلطات لتصفية الحسابات مع الحركات الاحتجاجية، أو لربما لضرب المثل وجعل هؤلاء الشباب درسا لمن قال إن السردين باهظ الثمن”.

من جهته، اعتبر الناشط الحقوقي وعضو “لجنة التضامن مع معتقلي السردين بزاوية الشيخ”، عبد القادر بوبول، أن المحاكمة لم تكن عادلة منذ بدايتها، انطلاقاً من تكييف النيابة العامة للوقائع، وصولاً إلى الحكم الصادر في حق المتابعين، مشدداً على أن مرافعات الدفاع، كانت بمثابة درس قانوني عميق في ضرورة احترام مقتضيات القانون الجنائي والمسطرة الجنائية وضمانات المحاكمة العادلة.

وأشار بوبول، في حديثه لـ “هوامش” إلى أن “النقاش حول أسعار السمك متداول بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب، بل إن سلطات بعض المدن، تعاملت مع هذا النقاش بإيجابية وتفهم، خلافاً لما جرى في زاوية الشيخ، حيث تمت محاكمة النوايا أكثر من محاكمة الأفعال المادية الملموسة”.

ونبّه المتحدث ذاته إلى أن نتيجة هذه المحاكمة هي تغييب أستاذ عن تلاميذه لمدة شهر كامل بسبب هذه المتابعة القضائية، متسائلاً: “أين هي ظروف التخفيف التي تراعي وضعية أستاذ مرتبط برسالة التعليم ومرتبط بتلاميذه؟ وأي منطق هذا الذي يعاقب مواطناً فقط لأنه قال إن سعر السمك مرتفع؟”

وأكد المتحدث أن الحكم الصادر “يحمل رسالة غير معلنة للمواطنين مفادها أن الاحتجاج والتعبير عن الرأي قد يكلف صاحبه المتابعة والعقاب، وهو ما يشكل، في رأيه، تضييقاً على الحريات العامة وتعارضاً صريحاً مع روح دستور 2011 الذي يضمن حرية التعبير وحق المواطن في مناقشة قضايا الشأن العام بكل حرية ومسؤولية”.

“السردين” في سياق متوتر

جاءت واقعة اعتقال ومتابعة الشبان الثلاثة في سياق جدل أثير حول أسعار السمك بالمغرب، خصوصا سمك السردين، حيث فجر شاب من مراكش نقاشا بلغ صداه إلى البرلمان، حين انتشرت مقاطع مصورة له وهو يبيع السردين بخمسة دراهم.

وشكل موضوع أسعار الأسماك محور نقاشات واحتجاجات، في عدة مناطق، أعقبتها متابعات قضائية وصدرت بشأنها احكام بالسجن في حق مواطنين استنكروا غلاء الأسعار.

وأصدرت المحكمة الابتدائية بأزيلال، يوم 27 مارس المنصرم، أحكاماً بالحبس النافذ في حق ثلاثة مواطنين، اعتقلوا خلال احتجاجات شهدها السوق الأسبوعي بأيت تاكلا أزوود ضد ارتفاع الأسعار، حيث قضت بثلاثة أشهر حبسا نافذا في حق أحدهم، وشهر واحد نافذ للاثنين الآخرين، بتهم التدخل في وظيفة عامة بدون صفة، والتحريض على ارتكاب جنحة في الأماكن العمومية.

ويوم 20 مارس، حكمت المحكمة الابتدائية في صفرو على ستة مواطنين من أهرمومو بأربعة أشهر حبسا موقوف التنفيذ، بعد متابعتهم بتهم التدخل في وظيفة عامة بدون صفة، التهديد، التحريض على ارتكاب جنح، العصيان، والاعتداء على الأشخاص، وذلك على خلفية احتجاجات ساكنة رباط الخير يوم 10 مارس، حيث قاطعوا السوق الأسبوعي بسبب غلاء الأسعار. كما توبع شخص آخر في نفس الملف بتهمة نشر أخبار كاذبة.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram