الرئيسية

“تصدير الحدود”.. خلفيات تواجد الدرك الملكي في جزر الكناري

وصل التعاون الأمني بين إسبانيا والمغرب، لمكافحة الهجرة غير النظامية، إلى مشاركة الدرك الملكي المغربي والحرس المدني الإسباني في تنفيذ دوريات مشتركة لمراقبة الحدود ومنع عبور المهاجرين، في ما بات يعرف بسياسة “تصدير الحدود” التي تتبعها إسبانيا بالتعاون مع المغرب ودول إفريقية أخرى لوقف تدفقات الهجرة، وتتعرض هذه السياسة لانتقادات من قبل منظمات حقوقية بسبب الانتهاكات التي ترتكبها بعض الأطراف ضد المهاجرين.

“هوامش”| لانزاروتي- سعيد المرابط: 

يوم الأربعاء 18 سبتمبر 2024، شارك عنصران من الدرك الملكي المغربي في تقديم المساعدة لقارب مطاطي وصل إلى جزيرة لانزاروتي. وظهر أفراد من الدرك الملكي المغربي، برفقة عناصر الحرس المدني الإسباني، على شاطئ “لا غاريتا” في الأراضي الإسبانية، بعد أن وصل قارب على متنه 64 شخصًا، من بينهم طفل وأربع نساء، إحداهن حامل.

حول هذه العملية، وحسب ما استقته “هوامش” من معطيات في لانزاروتي فإن “هذه الدوريات المختلطة تُنظم شهريًا بين الدولتين، وتتم بالتناوب بين الجانبين. كما أن “عناصر الدرك المغربي يرافقون دائمًا دورية من الحرس المدني، كتعزيز لهذا النوع من العمليات”. و “ينتقل الدركيون المغاربة إلى جزر الكناري لمدة أسبوع، بينما ينتقل عناصر الحرس المدني إلى المغرب لأسبوع آخر، وذلك منذ عدة سنوات”.

“حماية أمن الحدود

قبل أسبوع، كشفت الصحافة الإسبانية أن الدرك الملكي المغربي بدأ في تنفيذ دوريات مشتركة مع الحرس المدني الإسباني، في جزيرة لانزاروتي.

حسب المعطيات الرسمية، تهدف هذه الدوريات المختلطة، أساسًا، إلى مكافحة الشبكات الإجرامية التي تسهل الهجرة غير النظامية من المغرب إلى جزر الكناري. ويركز هذا التعاون على المناطق الرئيسية للإبحار والوصول، بهدف ردع عمليات تهريب الأشخاص، وحماية أولئك الذين يحاولون القيام برحلات بحرية خطيرة.

وتستند هذه المبادرة إلى تبادل المعلومات الاستخباراتية بين جهازي الأمن، وتسعى إلى تعزيز أمن الحدود، بالإضافة إلى حماية حياة المهاجرين. ويشكل وجود الدرك الملكي في لانزاروتي جزءًا من “استراتيجية مشتركة لإدارة الهجرة بطريقة أكثر فاعلية وإنسانية”، وفقًا لمندوبية حكومة جزر الكناري في لانزاروتي.

نفذت قوات الحرس المدني التابعة لقيادة لاس بالماس، بالتنسيق مع القيادة الإقليمية للدرك الملكي بالعيون، دوريات مشتركة، مما عزز التعاون المتزايد بين المؤسستين في مجال الأمن ومراقبة الحدود، وفقًا لما ذكرته وسائل إعلام إسبانية.

وتم التخطيط لهذه العمليات بناءً على المعلومات الاستخباراتية المتاحة، والمشتركة بين هذين الجهازين الأمنيين، لا سيما فيما يتعلق بأنشطة الشبكات الإجرامية المتخصصة في تسهيل الهجرة غير النظامية، وخروج القوارب المحتملة من المغرب، والجريمة المنظمة المرتبطة بالهجرة، و”المُيسّرون” الذين يوفرون الوسائل والروابط بين الشبكات الناشطة في كل من إسبانيا والمغرب.

ويرتكز هذا النهج بشكل أساسي على تكثيف الجهود في المناطق الرئيسية لانطلاق ووصول المهاجرين. ويهدف هذا الإجراء إلى ردع الشبكات المتورطة في تهريب البشر، وبالتالي حماية حياة الأشخاص الذين يُقدمون على خوض رحلات بحرية محفوفة بالمخاطر.

ويعد هذا التعاون بين إسبانيا والمغرب، وفقًا لحكومة جزر الكناري، “خطوة مهمة نحو إدارة أكثر فاعلية وإنسانية للهجرة، تسعى إلى حماية أمن الحدود وحياة المهاجرين في الوقت ذاته”.

دوريات مشتركة أخرى 

في الفترة ما بين 7 و9 ماي 2024، قامت بعثة من الدرك الملكي المغربي بزيارة إلى مدينة غرناطة، في إقليم الأندلس، للقيام بدوريات مشتركة مع عناصر الحرس المدني الإسباني على سواحل غرناطة. 

كان الهدف من هذه الدوريات المشتركة هو أن تكون وسيلة ردع في مكافحة الهجرة غير النظامية وتهريب المخدرات القادمة من شمال إفريقيا، بالإضافة إلى تعزيز التعاون والتفاهم المتبادل بين أفراد الجهازين الأمنيين.

وتعود بداية هذه الدوريات المشتركة، بين الحرس المدني الإسباني والدرك الملكي المغربي، إلى أوائل عام 2004، وهي شراكة لم تتوقف إلا في عام 2020 بسبب جائحة “كوفيد-19″، وفقًا لبيان صادر عن الحرس المدني.

ومنذ عام 2008، نفذ عناصر الحرس المدني الإسباني، من غرناطة، أكثر من مائة دورية مشتركة في المغرب، خاصة في مدينتي الحسيمة والناظور.

وخلال الأيام الثلاثة التي استمرت فيها هذه الدوريات المشتركة، قام عناصر الحرس المدني الإسباني والدرك الملكي المغربي بمهام أمنية، برية باستخدام سيارة دورية تابعة للحرس المدني، وبحرية على متن الزورق “ريو خينيل” التابع للخدمة البحرية في موتريل، وجوية باستخدام مروحية من وحدة الطيران في غرناطة.

وشملت الدوريات المشتركة المناطق الأكثر استخدامًا لإنزال القوارب على ساحل غرناطة، بهدف ردع الشبكات المتورطة في تهريب البشر وتهريب المخدرات.

وفي شهر يونيو 2024، قام عناصر من الحرس المدني الإسباني، تابعين لقيادة غرناطة، بزيارة إلى مدينة الحسيمة لإجراء دوريات مشتركة جديدة مع نظرائهم من الدرك الملكي المغربي. 

تعاون أمني واتفاقيات ثنائية

وقّع المغرب وإسبانيا عدة اتفاقيات لتعزيز التعاون الأمني ومكافحة الجريمة المنظمة. ومن أبرز هذه الاتفاقيات تلك التي وُقّعت، في 13 فبراير 2019، بين وزيري داخلية البلدين، ودخلت حيز التنفيذ في 30 أبريل 2022.

تتضمن هذه الاتفاقية 15 بندًا، وتهدف إلى تعزيز التعاون في مجالات متعددة، منها مكافحة الإرهاب، والإتجار بالبشر، والهجرة غير النظامية، والاتجار بالمخدرات.

وتستند الاتفاقية إلى معاهدة “الصداقة وحسن الجوار والتعاون” المبرمة سنة 1991، وتؤكد على التعاون في التحقيقات والأنشطة العملياتية المتعلقة بالجرائم المنظمة، بما في ذلك الابتزاز، والسرقة، والاتجار غير المشروع بالأسلحة، وغسل الأموال، والجرائم الاقتصادية والمالية.

كما تشمل تبادل المعلومات، والمساعدة في التعرف على الأشخاص المفقودين والبحث عنهم، والتعرف على الجثث، والبحث عن الأدلة والأشياء المرتبطة بالجرائم.

بالإضافة إلى ذلك، وقّع البلدان، في 28 أكتوبر 2015، مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون في مجال الأمن السيبراني، بهدف تبادل الخبرات وتطوير القدرات في هذا المجال، وتعزيز التعاون القانوني والتشريعي المتعلق بالأمن المعلوماتي.

يوم 2 فبراير 2023، خلال الدورة الثانية عشرة للاجتماع رفيع المستوى بين البلدين، وُقّعت 19 اتفاقية تعاون تغطي مجالات متعددة، بما في ذلك الهجرة، والضمان الاجتماعي، والماء، والنقل، والبيئة، والطاقة، والزراعة، والرياضة، والتعليم، والتكوين المهني، والمقاولات الصغرى، والتعاون العلمي والثقافي، والتشغيل، والصحة، والسياحة.

هذه الاتفاقيات وفق التصريحات الرسمية “تعكس التزام البلدين بتعزيز التعاون الأمني وتنسيق الجهود لمواجهة التحديات المشتركة في مجالات متعددة”.

سياسة “تصدير الحدود

تنتهج إسبانيا، بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، سياسة تُعرف بـ”تصدير الحدود” إلى المغرب، ودول أفريقية أخرى، بهدف الحد من تدفقات الهجرة غير النظامية نحو أراضيها.

وتقوم هذه الاستراتيجية على تقديم مساعدات، مالية وتقنية ولوجستية، إلى دول العبور والمصدر، مقابل تعزيز الرقابة على الحدود، وتكثيف عمليات منع المهاجرين من مغادرة سواحلها نحو أوروبا.

ومن أشكال التعاون بين إسبانيا والمغرب ودول أفريقيا في مكافحة الهجرة؛ تمويل وتعزيز الأجهزة الأمنية، حيث تقدم إسبانيا والاتحاد الأوروبي دعمًا ماليًا لمساعدة المغرب، ودول مثل موريتانيا والسنغال، في تعزيز قدراتها الأمنية لمراقبة الحدود.

ويتم تزويد هذه الدول بمعدات ضمنها سيارات دفع رباعي، وأنظمة مراقبة متطورة، وطائرات مسيّرة لمراقبة تحركات المهاجرين.

وتعمل الدولتان على تنفيذ دوريات مشتركة للمراقبة البحرية؛ حيث يتم تنفيذ دوريات بحرية مشتركة، بين الحرس المدني الإسباني والدرك الملكي المغربي، لاعتراض قوارب الهجرة قبل مغادرتها السواحل المغربية، بما في ذلك اعتراض القوارب في المياه الدولية، وإعادتها إلى نقطة الانطلاق.

ومن صور تصدير الحدود، التي تنهجها إسبانيا؛ قيامها ببناء المراكز الأمنية على الأراضي الإفريقية؛ إذ أقامت إسبانيا مراكز لمراقبة الهجرة في دول غرب أفريقيا، مثل السنغال وموريتانيا، حيث يتم “احتجاز المهاجرين ومنعهم من الوصول إلى أوروبا”، وفقًا لتحقيقات صحافية.

وتدعم إسبانيا هذه الدول في بناء مراكز استقبال واحتجاز للمهاجرين غير النظاميين الذين يتم اعتراضهم.

وعقدت إسبانيا اتفاقيات مع المغرب ودول أفريقية أخرى تتيح إعادة المهاجرين غير النظاميين إلى أراضيها، حتى لو لم يكونوا من مواطنيها.

وفي بعض الحالات، يتم ترحيل المهاجرين مباشرة من جزر الكناري إلى بلدانهم الأصلية، أو إلى دول عبور مثل موريتانيا.

وتتعرض هذه السياسة لانتقادات من قبل منظمات حقوقية، مثل “هيومن رايتس ووتش” و”أمنستي إنترناشيونال”، التي ترى أن إسبانيا والاتحاد الأوروبي “يتنصلان من مسؤولياتهما الإنسانية، عبر توكيل دول ثالثة بمهام ضبط الهجرة”.

كما يتم توثيق انتهاكات حقوقية ضد المهاجرين في المغرب ودول أخرى، بما في ذلك الاعتقالات الجماعية، والترحيل القسري إلى مناطق نائية دون محاكمة عادلة.

وقعت حوادث مأساوية، في هذا السياق، مثل مجزرة مليلية في يونيو 2022، حيث قُتل العشرات من المهاجرين أثناء محاولتهم العبور إلى الأراضي الإسبانية، في ظل قمع عنيف من القوات المغربية، مع تواطؤ إسباني.

وتعتبر سياسة “تصدير الحدود” من الأدوات الرئيسية التي تعتمدها إسبانيا لمكافحة الهجرة غير النظامية، لكنها تثير تساؤلات حول مسؤولية الدول الأوروبية في حماية حقوق المهاجرين.

وفي هذا السياق، روى مهاجرون سابقون لـ”هوامش”، كيف يتم اعتراضهم وإعادتهم قسرًا إلى المغرب، حيث يواجهون أوضاعًا صعبة، وأحيانًا انتهاكات لحقوقهم.

وبينما تحقق هذه السياسات نجاحًا في تقليل أعداد الوافدين، إلا أنها تؤدي إلى تفاقم معاناة المهاجرين في دول العبور، حيث يواجهون العنف والاحتجاز في ظروف قاسية.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram