الرئيسية

وجدة.. الدولة تشهر العصا في وجه العصيان العمالي في قطاع النقل الحضري

بعد انقضاء أزيد من شهر على انطلاق الاعتصام العمالي المفتوح، الذي يخوضه عمال شركة "موبيليس ديف" للنقل الحضري، في مدينة وجدة بالجهة الشرقية، كسرت السلطات المحلية صمتها، يوم الأربعاء، بإعلانها قرارا بمنع التظاهر أمام مقر شركة الحافلات التي تطالب الساكنة برحيلها عن تدبير القطاع.

عماد استيتو

المنع .. جواب الداخلية

قال القرار الكتابي الذي وقعه باشا مدينة وجدة، إن “الاعتصام المنظم أمام مقر شركة النقل الحضري “موبيليس ديف” باسم الاتحاد المغربي للشغل بالطريق العام تسبب في عرقلة حرية العمل، وشكل إخلالا بالنظام والأمن العامين ..”، لذلك تقرر أن يمنع، طبقا للقانون المتعلق بالتجمعات العمومية وخاصة الفصل 13 منه، تنظيم أي تجمهر أو اعتصام بالشارع العام، أمام مقر الشركة، على “أن يعهد للسلطة المحلية والمصالح الأمنية السهر على تطبيق هذا القرار وفرض واحترام تطبيق القوانين الجاري بها العمل في هذا الشأن”.

انتقد محمد امباركي، عن حزب فيدرالية اليسار الديمقراطي في وجدة، الذي يساند الاحتجاجات العمالية، هذا القرار على صفحته على موقع “فايسبوك” بالقول: “أخيرا تخرج السلطة عن صمتها في ملف عمال موبيليس، حقيقة خرجت السلطات المحلية عن صمتها لتنحاز بشكل مكشوف في صف إدارة شركة موبليس من خلال قرار مكتوب يصادر حق العمال في التظاهر والتجمهر السلميين وبالتالي هذه مقدمة للحل القمعي وفض الاعتصام العمالي المفتوح منذ أزيد من 30 يوما .. ذات يوم حدثونا عن دولة الحق والقانون، الدولة الاجتماعية ودستور الحقوق والحريات، بيك يا وليدي “.

ويخوض عمال الشركة بدخولهم في اعتصام مفتوح منذ 17 فبراير الماضي، معركة ضد ما يصفونه بتغول الشركة، بعد أن عمدت إلى طرد البعض منهم إثر دخولهم في إضرابات سابقة، علاوة على عدم تأدية أجور البقية، وكذا عدم التصريح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.

بحسب مصادر نقابية متطابقة، أقدمت شركة موبيليس ديف المفوض لها تدبير ملف النقل الحضري بعاصمة الجهة، على طرد 25 عاملا بعد عقدها ل ” جلسات استماع” لهم، و تضمن محضر جلسات الاستماع دواعي مقرر الفصل الذي جرى تبليغه للمعنيين عن طريق مفوَّض قضائي. 

وارتكزت الشركة على المادة 39 من مدونة الشغل، لاتخاذ قرار فصل المستخدمين من العمل دون أي تعويض بدءا من تاريخ محضر الاستماع، وبررت الشركة قرارها بكون المستخدمين قاموا بالأفعال التالية: توقيف الحافلات بشكل كلي عن ممارسة أي نشاط؛ التجمهر أمام الشركة، ومنع خروج الحافلات بالقوة، مع السب والشتم في حق العمال غير المضربين؛عرقلة حرية سير العمل، ومنع العمال الراغبين في مزاولة عملهم بالقوة، والضغط عليهم من أجل شل حركة النقل العمومي بالمدينة مما خلق الفوضى العارمة بين المواطنين والمرتفقين والطلبة وقت الامتحانات.

وفي السياق ذاته، كانت الشركة قد قامت باستقدام سائقين من خارج المدينة، لكسر الإضراب الإنذاري الذي نفذه السائقون في الأسبوعين الأولين من شهر فبراير، وأسفرت محاولات “إخراج الحافلات بالقوة” عن دهس وإصابة عاملين، وفق رواية عدد من المضربين. 

واستمرت استعانة الشركة بعمال من مدن أخرى -تحديدا- بعد دخول الإضراب المفتوح حيز التنفيذ، وهو ما وصفه المكتب النقابي لعمال ومستخدمي الشركة المنضوي تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل، في بيان له صدر بتاريخ 24 فبراير، بأنه “خرق سافر لتشريع الشغل، أمام مرأى ومسمع من السلطات المحلية التي اكتفت بالتفرج وتوفير الحماية لمن يشتغل خارج القانون”. 

الوجديون ضاقوا ذرعا ..

لا يقف العمال وحدهم في مواجهة شركة “موبيليس ديف” حيث تشتكي الساكنة منذ سنوات من تردي خدمات الشركة، التي تستخدم أسطول حافلات محدود العدد ومتهالكا ميكانيكيا، وهو ما يؤثر بشكل مباشر ويومي على حياة الآلاف من الوجديين.

وعلى رأس هؤلاء يوجد الطلبة والتلاميذ، الذين نظموا يوم 19 فبراير الماضي مسيرة احتجاجية في اتجاه ولاية جهة الشرق، للمطالبة بايجاد حل لأزمة النقل، وتضامنا مع نضالات عمال النقل الحضري، رافعين شعارات تطالب برحيل وإسقاط الشركة، فضلا عن تنظيمهم في الأسابيع الماضية مقاطعة جزئية للدروس.

توالت وتعددت بعدها الأشكال التضامنية مع “اعتصام الكرامة”، الذي يخوضه العمال منذ حوالي شهر، إذ نظم الاتحاد المغربي للشغل في 1 مارس الماضي قافلة تضامنية كبرى شاركت فيها حوالي 100 مركبة مشكلة من سيارات خفيفة، وسيارات نقل مهني، وشاحنات انتهت بتجمع احتجاجي أمام مقر ولاية الجهة، كما تم تنظيم احتجاج على شكل اعتصام، شاركت فيه فعاليات حقوقية وسياسية ونقابية متنوعة، أمام مقر جماعة وجدة بتاريخ 7 مارس .

مجلس النواب.. أسئلة من دون أجوبة

وصلت أصداء أزمة النقل الحضري وشركة موبيليس إلى قبة مجلس النواب، حيث تلقت وزارة الداخلية منذ بداية إضرابات العمال 6 أسئلة كتابية من النواب، لم تجب عن أي منها.

وكانت النائبة البرلمانية فاطمة التامني، عن حزب فيدرالية اليسار الديمقراطي، سباقة إلى مساءلة وزارة الداخلية في الموضوع، بتاريخ 11 فبراير المنصرم، حول التدهور الفظيع لخدمات الشركة وتعسفاتها في حق العمال، وحول الإجراءات التي تعتزم القيام بها لتوقيف ما وصفته بـ “البطش المزدوج”، الذي ترتكبه الشركة وبالتالي حماية حقوق الجميع. 

وأشارت التامني إلى أن الشركة “تتعمد استخدام حافلات مهترئة، وفاقدة لأدنى شروط الخدمة، مع نقص حاد في أسطول الخطوط، مما يعرض مئات الآلاف من المواطنين والمواطنات لحالة تشرد طرقي دائم، مما يمس حقوقهم في التحصيل الدراسي والاقتصادي والطبي وغيرها من تحركات الحياة اليومية.. كما أن الشركة المذكورة تمعن في انقلابها على دفتر التحملات، وتحتقر كل ملاحظات وتوصيات وتنبيهات الهيئات الرقابية والقضائية، بل تدير ظهرها لأحكام قضائية مشمولة بالتنفيذ في تصرفات متنطعة وغير مسبوقة “.

و ذهب النائب الاتحادي عمر أعنان في الاتجاه ذاته مطالبا الداخلية- في سؤاله بتاريخ 27 فبراير- باتخاذ تدابير استعجالية لمعالجة أزمة النقل الحضري بالمدينة، قائلا إن الشركة التي فوض إليها تدبير القطاع فشلت في الوفاء بالتزاماتها، “رغم تلقيها دعما ماليا كبيرا بهدف تحسين خدماتها، وهو ما أدى إلى تفاقم أزمة النقل الحضري بدلا من تطويره”.

 كذلك، كشف أعنان عن وجود “أكثر من خمسين حافلة معطلة ومهملة في مرائب الشركة، دون صيانة أو تشغيل، بينما تعاني الحافلات القليلة المتبقية من أعطاب خطيرة تهدد السلامة الطرقية. إلى جانب ذلك، تفاقم الاكتظاظ داخل الحافلات المتوفرة، في ظل غياب الالتزام بالتوقيت وعدم احترام محطات الوقوف”، منتقدا غياب رقابة فعالة على مدى التزام الشركة بدفتر التحملات، ما وضع مجلس جماعة وجدة في وضع قانوني ضعيف.

بدورها، اعتبرت نبيلة منيب عن الحزب الاشتراكي الموحد، أن الشركة التجأت إلى الحلول السهلة، متسببة في خلق أجواء مشحونة في المدينة تنذر بمزيد من التصعيد. مطالبة الوزارة الوصية بتدخل مستعجل يعيد الاعتبار لكرامة الساكنة وتاريخ المدينة.

ووجه نواب حزبي الاستقلال ( سؤالين) والعدالة والتنمية ( سؤال واحد) بدورهما أسئلة كتابية لوزارة الداخلية عن الوضعية الكارثية لقطاع النقل الحضري بالمدينة، وحالة الشلل التي أصابت حركة السير والجولان فيها، في ظل غياب حلول جذرية لهذه المعضلة.

مجلس الجماعة.. المعارضة اليسارية في صف العمال

وصل الحراك المؤيد لاحتجاجات العمال ضد الشركة إلى داخل المؤسسات المحلية المنتخبة، التي لم تقم إلى حدود اللحظة بإصدار أي بيان في الموضوع، إذ وجه نور الدين لزرك، المستشار في مجلس الجماعة عن حزب فيدرالية اليسار الديمقراطي، مراسلة بتاريخ 11 مارس إلى رئيس المجلس المسير للجماعة، يطالبه فيها بإدراج نقطة مستعجلة، لمناقشة وضعية الشركة ضمن جدول أعمال الدورة الاستثنائية المقبلة. 

وأوضح العضو في جماعة وجدة أن “الشركة تتمادى في أسلوب التعالي على المجلس الجماعي، وتجاهل دوره الرقابي وصلاحياته القانونية، وكأنها فوق المساءلة والمحاسبة (…) وقد تجاوزت الشركة كل الحدود عندما أقدمت على تسريح عدد من العمال بطريقة تعسفية، في خرق سافر للقوانين الجاري بها العمل، مما يهدد السلم الاجتماعي ويؤدي إلى تفاقم البطالة في المدينة. هذه الممارسات غير المسؤولة وغير القانونية تفرض علينا التدخل العاجل لوضع حد لهذا التجاوز الخطير”.

من جانبهما، نفذ شكيب السبايبي وغيثة البراد عضوا الجماعة عن الحزب الاشتراكي الموحد، قبل أسبوع، اعتصاما جزئيا إنذاريا داخل مقر الجماعة تضامنا مع العمال.

هذا الانتقال من الترافع المؤسساتي إلى الاحتجاج الميداني فرضته مجريات الأمور، بحسب ما فسره شكيب السبايبي في تدوينة له. “دور العضو الجماعي هو الدفاع عن مصلحة الساكنة والعمال، دورنا داخل جماعة وجدة هو تداولي، نعطي مقترحات ونصوت على النقط التي نراها مفيدة للمدينة، ونصوت بالرفض على النقط التي لا تخدم الساكنة.. الاحتجاج شكل من أشكال التعبيرات النضالية، عندما تغيب لغة الحوار نزاوج بين النضال المؤسساتي والنضال مع الجماهير، يعيش العمال أزمة اجتماعية خانقة. الملف هو ملف الجميع من أجل إيجاد حلول آنية ولكن بدون أي دعوة للحوار يبقى التصعيد هو الحل.. خطوات غير مسبوقة في المستقبل ستكون في حالة لم يتم فتح باب الحوار مع نقابة العمال”.

في حماية من؟

يرى الكثير من المراقبين بأن الشركة تحظى بنوع من النفوذ والحماية يجعلانها فوق المساءلة، حيث كتب محمد الغلوسي، رئيس جمعية حماية المال العام، في منشور سابق على منصة “فايسبوك” بتاريخ 3 مارس أن  الشركة- على ما يبدو- تتمتع بنفوذ وسلطة لا يعرف أحد من أين تستمده.

ويردف الغلوسي : “يتساءل الرأي العام المحلي خاصة، في طريقة حصولها على الصفقة ومن يقف خلفها ويدعمها في التنكيل بالعمال، وتقديم خدمات رديئة بالمدينة باستعمال حافلات لا تليق بمرفق النقل العمومي وجودته، شركة لا تحترم الحد الأدنى من التزاماتها الواردة بدفتر التحملات، ولا يستطيع المجلس الجماعي بالمدينة تطبيق الجزاءات الواردة بذات الدفتر، وهو ما يطرح أسئلة مشروعة عن طبيعة ومصدر العلاقات المتشعبة للشركة وضمنها علاقتها بالمجلس المسير للمدينة؟ 

وضعية هذه “الشركة اللغز”، يقول الغلوسي، “تفرض على وزارة الداخلية إيفاد لجنة على وجه الاستعجال، للتدقيق في ظروف وملابسات حصول هذه الشركة على هذا الامتياز، الذي غلف في إطار صفقة للتدبير المفوض يفيض ذهبا، ويوفر أرباحا طائلة لمسؤولي الشركة ومن يقف خلفها، وترتيب الجزاءات القانونية المناسبة “.

وبحسب المعطيات التي توصل إليها الحزب الاشتراكي الموحد في وجدة، استفادت الشركة من عدة امتيازات أبرزها: تخفيض مبلغ الإتاوة السنوية من 30 ألف درهم إلى 3000 درهم للخط سنويا، دعم مالي متعلق بالتخفيف من الآثار المالية لجائحة كوفيد يقدر بحوالي 30 مليون درهم، فيما لم تقم الجماعة حتى الآن بتحصيل أي درهم من مداخيل الحافلات.

وبدأت شركة موبيليس ديف العمل في وجدة نهاية سنة 2016، لتعويض شركتي “الشرق” و “النور”، وهي إحدى فروع مجموعة “سيتي باص”، التي حصلت على تفويض قطاع النقل الحضري كذلك في مدن: مكناس، وفاس، وتطوان، والفقيه بنصالح، والجديدة، وجزء من الرباط-سلا- تمارة .

وتعهدت الشركة، التي منحت تفويضا لتدبير القطاع لمدة عشر سنوات، حينها، باستثمار 396.200.000 درهم، والانطلاق بأسطول من 70 حافلة حديثة، مكيفة ومزودة بآلات التذاكر الإلكترونية، وبمحركات من جيل EURO 5 ، تتمتع بمواصفات جمالية وتقنية  متطورة ومطابقة لأعلى معايير احترام البيئة.

وكانت شركتا “ألزا” الإسبانية والشركة المغربية- الإسبانية فوبوس-فوغال قد احتجتا وقتها على استبعادهما من الصفقة، وقدم محاموهما طعونا لإلغاء قرار التفويض، غير أن المحكمة الإدارية رفضت هذه الطعون، مؤكدة أن الشركة التي حازت على التفويض تتوفر على جميع الشروط المطلوبة.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram