محمد تغروت
صباح يوم الخميس 2 يناير الماضي، كان سجل الاتصالات يشير إلى عدد من المكالمات الفائتة، حين كانت والدة الطفلة (د.ب)، التي سنسميها في هذه القصة بسمة، تباشر أشغالها المنزلية، وحين انتبهت للهاتف كان ابنها يتصل، وبمجرد أن أقفلت الخط هرعت إلى ثانوية “أبي بكر الرازي” التأهيلية، فقد ألقت ابنتها بنفسها من الطابق الأول.
“اتصل بيا المدير ولكن ما سمعتش التلفون، عيط لي ولدي قال لي اختي في المدرسة”، هكذا تبدأ الأم، التي سنسميها فاطمة في هذه القصة، في استرجاع الأحداث أثناء لقائنا بها بمنزلها في ڭيڭو، جلست الأم وابنتها شقيقة بسمة، تتحدثان إلينا بغصة، وبينما لم تكن تسعفهما الكلمات كانت التنهيدات توصل ثقل ما تحملان من وجعٍ.
“لقيتها باقية في المؤسسة طايحة” تقول فاطمة، موضحةً أن المدير أخبرها بأنه “اتصل برجال الدرك”، الذين أشرفوا على نقل بسمة إلى المركز الصحي لڭيڭو.
وهناك، أظهر التشخيص إصابتها برضوض في رجلها، “فحصتها الطبيبة لقات شي باس ما كان، تقصحات في رجلها، وصافي جبت بنتي وجيت فحالاتي” تضيف الأم.
هذه الحادثة على خطورتها، لم تكن كافية لدق ناقوس الخطر، ولم تؤخذ على محمل الجد، حيث يبدو أن إدارة المؤسسة لم تبلغ عن محاولة انتحار تتطلب الوقوف على أسبابها، ومتابعة ما يستدعي المتابعة منها، ويظهر أنها اعتبرتها حادثة سقوط عادية، أما مصالح الدرك الملكي فلم نتوصل بما يؤكد قيامها بالتحريات اللازمة التي تستدعيها حادثة بهذه الخطورة، “الدرك لم ينجزوا أي محضر في الواقعة” تقول فاطمة.
لحظات قبل محاولتها الانتحار، كانت بسمة تقف أمام المؤسسة التي تدرس بها وبيدها هاتف، حين مرّ شقيقها بالمكان، لم تكن الأسرة تعلم أن ابنتها، التي لم تكمل عامها السابع عشر، تملك هاتفا، وحين شاهدها شقيقها فوجئا معا، استفسر الشقيق عن مصدر الهاتف، ولم يطل الحديث، وطلب منها إحضار محفظتها المدرسية ومرافقته إلى البيت.
لم يكن الهاتف ما يؤرق بسمة، فالطفلة كانت تعيش فترة ضغط وابتزاز، بحسب ما روته لنا أسرتها، حيث كانت تتعرض للتهديد من طرف زميلات لها بفضح علاقاتها مع أشخاص ترافقهم لممارسة الجنس، “حين رأت شقيقها أمام الثانوية ظنت أنهم أخبروه بكل شيء وشعرت بالخوف” تخبرنا فاطمة.
دخلت بسمة لتجلب محفظتها، وكانت الأفكار تتلاطم في رأسها، وكان الخوف ينهشها، لم يبد لها أنها قد تعطي تفسيرا يقنع الأسرة والشقيق الذي ينتظر عند باب المؤسسة، لذلك صعدت إلى الطابق الأول وألقت بنفسها كي تنهي كل ما تعيشه.
“أحضرناها إلى البيت، كانت الحادثة يوم الخميس، تركناها ترتاح، ويوم السبت حضر والدها من سفر وجلسنا جميعا، وطلبنا منها أن تشرح دوافعها لمحاولة الانتحار”، تقول فاطمة في حديثها لـ”هوامش”.
حين بدأت بسمة تقص على أسرتها، لم يكن أحد منهم قادرا على استيعاب ما عاشته؛ فوفق رواية الأسرة، تعرضت الطفلة للاغتصاب من طرف ابن عمها قبل 5 سنوات، حينها كان عمرها حوالي 12 سنة، وابن عمها يكبرها بحوالي 3 سنوات.
لم تذكر الطفلة لأسرتها شيئا عن حادثة الاغتصاب، لكنها حين كانت ما تزال تدرس في المستوى الإعدادي تعرفت على شخص بالغ، وكانت كلمات من قبيل “أحبك” و”سنتزوج” كافية لكسب ثقتها، فالزواج سوف يداري جرح الاغتصاب، حينها سلمت نفسها.
لم تكن علاقة مراهقة مع شخص بالغ لتخفى عن محيطها المدرسي، وبشكل خاص في أوساط زميلاتها، لذلك أصبحت هدفا لكل طالب متعة، وبحسب اتهامات الأسرة، “تعرضت بسمة لابتزاز وتهديد من طرف زميلات لها، يعملن وسيطات دعارة”.
تسارعت الأحداث بطريقة لم تعد الطفلة؛ التي لم تبلغ بعدُ عامها السابع عشر؛ قادرة على التحكم بإيقاعها، وأصبحت مرغمة على المضي في هذا الطريق دون أن تعرف له نهاية، فقد تبخر حلم الزواج، وكل ما يمكنها فعلهُ هو أن تدبر كل يوم بيومه حتى لا تنكشف “الفضيحة”.
بسبب وضعها النفسي الهش، والخوف الذي سيطر عليها، أصبحت بسمة مرغمة على مواصلة قبول ما تعرضه الوسيطات، والاستجابة لرغبات من يعرفون قصتها، حتى أنه أصبح بوسع كل من سولت له نفسه استغلالها أن يهددها مباشرة ويطلب منها تلبية رغباته أو سيفضحها.
“يوم 7 يناير أخذت ابنتي إلى صفرو وأنجزت لها شهادة طبية، ثم توجهنا إلى فاس ووضعت شكاية” تقول فاطمة، مؤكدةً أنها لم تتوقف عند ذلك الحد، بل توجهت إلى “اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان” فاس-مكناس، والتي وجهت بدورها شكاية إلى الوكيل العام للملك، وبعدها أحيل الملف على الدرك الملكي بصفرو، والذين بدورهم أحالوها على مركز الدرك الملكي في ڭيڭو.
“جات الشكاية عند الدرك الملكي في ڭيڭو، عيطو لي، مشيت عندهم، قالوا لي اشنو واقع لك باش يديرو المحضر، رفضت وقلت لهم ما نديرش المحضر هنا، راه واحد من عندكم مورط”، تسرد فاطمة.
بعد ذلك بأمر من نائب الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بفاس أحيل الملف على المركز القضائي بميسور، ليأخذ مساره في البحث الذي مازال جاريا، إلى يوم الناس هذا.
وبحسب منصة “محاكم”، تلقى مكتب الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بفاس، شكاية موضوعها “تكوين عصابة إجرامية والابتزاز والحث على الرذيلة والدعارة والتغرير بقاصر وافتضاض ومحاولة الانتحار”، ليتضح أنها كانت الشرارة الأولى للانفجار الإعلامي الذي عرف بموضوع القاصرات “مغتصباتُ ڭيڭو”.
بعد التوصل بالشكاية تقرر تكييف موضوع الملف، على اعتبار أنه “هتك عرض قاصر بالعنف الناتج عنه الافتضاض والتهديد والابتزاز ومحاولة الانتحار”.
بتاريخ 16 يناير 2025، انطلق البحث في مواجهة 7 أشخاص، حول موضوع الشكاية التي تقدمت بها والدة بسمة، ضد 3 إناث (ي.و) (ب.ا) (أ.ي)، و4 ذكور (د.س) (ب.ع) (.إ) (ع.ب) (ع.ب)، وبعد أربع جلسات من الاستنطاق، بتاريخ 13 مارس الجاري، تمت المطالبة بإجراء تحقيق (فتح ملف التحقيق).
نفس الإجراء السابق عرفته جلسة التحقيق يوم 14 مارس الجاري، سبقها تسجيل محضر تلبسي حول العنف ضد القاصرين، يوم 13 مارس، موضوعه التغرير بقاصر الناتج عنه الافتضاض، والمشتبه به لم يكن سوى ابن عم الطفلة.
وتقرر في سياق التحقيق الإبقاء على أربعة أشخاص قيد التحقيق في حالة اعتقال، اثنتان منهم إناث (أ.ب) 19 سنة و(و.ي) 20 سنة، وإثنان ذكور (ب.ع) 35 سنة، إضافة إلى (ع.ب) 20 سنة يتابع في حالة سراح، بينما ثلاثة آخرون (أ.ب) و(و.ي) و(ب.ع)، كان من المقرر أن يحالوا على جلسة التحقيق اليوم الخميس 20 مارس الجاري، فحضر أولياء أمور الضحيتين المفترضتين المشتكيتين، وحضر محامياهما من كيكو ومكناس، ليتم إخبارهم بقرار تأجيل الجلسة إلى غاية 15 أبريل المقبل، لاستكمال البحث.
وفي نفس السياق، تم الاستماع إلى عدد من المشتبه فيهم والضحايا المفترضين، سواء من الذين وردت أسماؤهم في شكاية والدة الضحية المفترضة، أو الذين ذكرت أسماؤهم في جلسات الاستنطاق، التي أجريت في خضم البحث القضائي، وتم إخلاء سبيلهم، ولازالت الأبحاث جارية.
مساء يوم 13 مارس الجاري، نشر حساب مجهول على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، تدوينةً بعنوانٍ مثير “فاجعة ڭيڭو”، وزعم أن دركيا وشخصا آخر “في قفص الإتهام بهتك عرض واغتصاب 14 تلميذة، بجماعة ڭيڭو “. قبل أن يستدرك بالقول إنه “لم يتم اعتقال أحد لربما لأن أحدهم في مهمة بفاس ولا ربما غياب أدلة قاطعة على تورط متهمين في هذا الفعل.. لكن ما تم التحقق منه هو أن 14 تلميذة يتهمن رجل سلطة وصديقه بهذا الفعل”.
حينها كانت المعلومات شحيحة، وأغلب ما يروج مجرد تكهنات أو تضخيم، لذلك تواصلنا مع صاحب التدوينة، وطلبنا منه معلومات أكثر تساعدنا على البحث، لكن لم يكن يمتلك أكثر مما يغذي الإشاعات، ثم لاحقا حذف المنشور، لكن سرعان ما غصت حسابات وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، بمنشوراتٍ مرتبطة بما أصبح يعرف بحادثة “اغتصاب قاصرات ڭيڭو”، تضمنت اتهامات خطيرة وأرقامًا صادمة، وادعاءات بالتواطؤ، في التستر على ما اعتبرته “جريمة مكتملة الأركان”.
فرع بولمان، لـ”الجمعية المغربية لحقوق الإنسان”، كان أول إطار جمعوي وحقوقي يدخل على خط الملف المثار، إذ نشر بتاريخ 15 مارس الجاري بلاغا على الحسابات الشخصية لأعضاء مكتبه، أصدره بتاريخ 13 مارس، بعنوان “بلاغ للرأي العام رقم 1 حول ‘واقعة ڭيڭو’”.
وأكدت الجمعية أن أعضاء مكتبها “باشروا في جمع المعطيات منذ يومين”، وأشارت أنه “أمام تضارب المعطيات حول حيثيات الواقعة من جهة، وغياب أسماء الضحايا المفترضين (غير واردة)، عرقل مسار التقصي والتحري خصوصا وأن النيابة العامة باشرت التحقيقات في الملف وتم اعتقال تلميذتين وشخصين آخرين”.
وأضاف بلاغ الجمعية “نخبر الرأي العام أننا كأعضاء في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ومع استحضار التحقيقات الجارية […] سنتابع أطوار الملف بشكل مباشر عبر التواصل مع الجهات المعنية”.
وبتاريخ 16 مارس أصدر الفرع بيانا آخرً موجها للرأي العام بڭيڭو، موضوعه “الاعتداء الجنسي على القاصرات جريمة شنعاء، مهما كانت الظروف، وكيفما كانت العلاقة بين الضحية والمغتصب”.
وأوضحت الجمعية في بيانها الثاني أنه “في سياق تتبع مستجدات الفعل الإجرامي الذي عاشته ڭيڭو خلال الأسبوع الجاري، ومباشرة بعد انتشار خبر اغتصاب تلميذات قاصرات بمواقع التواصل الإجتماعي، انتقلنا كأعضاء المكتب المحلي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان إلى جماعة ڭيڭو قصد التقصي والتحري المباشر وتعميق البحث في حيثيات الواقعة”.
وأضاف البيان أن أعضاء الفرع توصلوا إلى أن “الواقعة بدأت وانفجرت بعد محاولة انتحار تلميذة، على إثر ذلك سارعت عائلة الضحية إلى تقديم شكاية حول وضع ابنتها، التي تعرضت من طرف صديقتها للتهديد بنشر فيديو مصور، الشيء الذي فرض على النيابة العامة بميسور فتح تحقيق وبعد ثلاثة أيام”.
وأكد أنه “تم اعتقال لحدود الآن (يوم 16 مارس 2025) 8 أفراد من بينهم 5 أشخاص ذكور و3 تلميذات سيتم تقديمهم على أنظار قاضي التحقيق بفاس، وحسب المعطيات التي توصلنا بها من جهات معنية، فالعدد قابل للارتفاع حيث مازال التحقيق لم يكتمل”.
تواصلت منصة “هوامش”، هاتفيا مع أعضاء مكتب فرع بولمان لـ”الجمعية المغربية لحقوق الإنسان” من أجل الاستفسار عن مدى تأكد الفرع من المعطيات الواردة فيه، فأكد لنا أنه توصل بالخبر من مصدرين بالإضافة إلى ما استقاه أعضاء المكتب في زيارتهم لڭيڭو، وبعد مواجهته بالمعطيات التي توصلنا إليها، طلب مهلة لإعادة التأكد ليتصل بنا مرة أخرى لتأكيد ثقته في دقة المعطيات المنشورة في البيان.
وعلى ضوء بيان “فرع بولمان”، أصدر المكتب الجهوي لـ”الجمعية المغربية لحقوق الإنسان” فاس- مكناس، بيانا بتاريخ 17 مارس الجاري، أعلن فيه “تضامنه الكامل مع الضحايا ودعمهم ومؤازرتهم، وإدانته لما تعرضن له من اعتداء جنسي”، مؤكدا “متابعته لمجريات وتطورات التحقيق مع المشتبه فيهم” مع “تحذيره من أي غطاء أو استغلال سياسي أو مالي يهدف إلى طمس الجريمة من أي طرف كان”.
وأكد المكتب الجهوي “اعتباره أن ما وقع من الاعتداءات الجنسية على التلميذات القاصرات جناية ومتاجرة بالبشر، مما يستوجب تحديد كل المعتدين والأطراف المشاركة في هذه الجريمة بدون استثناء”، مطالبا “بمتابعة ومحاسبة كل المتورطين في هذه الواقعة لردعهم، ولكي لا يتكرر هذا الفعل الإجرامي في حق الطفولة”.
جمعيات أمهات وآباء وأولياء تلاميذ المؤسسات التعليمية بحوض ڭيڭو، بدورها أصدرت بيانا، عقب اجتماع عقدته، يوم 17 مارس الجاري، وحضره ممثلون عن عشر مؤسسات تعليمية في حوض ڭيڭو، أكدت من خلاله “اعتزازها بالنتائج الدراسية المشرفة التي حققها تلميذاتنا وتلاميذنا في امتحانات الباكالوريا للسنوات الماضية وكذلك بالنسبة للمستوى الإعدادي والمؤسسات الابتدائية”.
واستنكر الموقعون على البيان، التناول الإعلامي المبالغ فيه لهذا الحدث “من طرف الصفحات والمواقع الالكترونية التي تفتقد للدقة في تحري صدق المعلومة والخبر، مما يتنافى وأخلاقيات مهنة الصحافة” حسب تعبير البيان، مؤكدين أن ذلك “انعكس سلبا على نفسية تلميذات وتلاميذ المؤسسات المعنية وأسرهم”.
وأكد البيان أن “عدد الضحايا المتداول عبر الصفحات الالكترونية عار من الصحة”، مستنكرا بشدة “توظيف المواقع الالكترونية للمؤسسات التعليمية كأنها مسرح للجريمة، وكذا استجواب تلاميذ وتلميذات المؤسسات المعنية في إهمال تام لأدبيات الصحافة”، مؤكدا على الثقة في مؤسسة القضاء، و”إدانتنا الشديدة لكل الأفعال المقيتة التي قد تنال من سمعة وكرامة فلذات أكبادنا”.
وتعرضت الجمعيات الموقعة على البيان لانتقادات من قبل عدد من مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي، من منطقة ڭيڭو وإقليم بولمان، الذين اعتبروا أنه “لم يكن في مستوى التوقعات”، وركز على تكذيب ما نشرته صفحات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية، دون إعطاء موقف حازم من القضية المثارة، ولا إعلان تضامن صريح مع الضحايا المفترضين في حالة صحة ما نشر.
تواصلت “هوامش” مع الموقعين على البيان، وأكد أحد الحاضرين في الاجتماع، أن “مسودة البيان تطوع رئيس إحدى الجمعيات بإحضارها، وتليت مرتين ثم سجلت ملاحظات واقتراحات تعديل لتحرير الصيغة النهائية”.
وأكد مصدرنا على أن “الهدف لم يكن تكذيب الوقائع إن صحت، بل لتوضيح أن الجمعيات لا تملك ما يكفي من المعطيات لتأكيد أو نفي صحة الوقائع، معتبرة أنه لا يحق لها وليست مطالبة بالتعليق على الموضوع مادامت الإجراءات القضائية مازالت تأخذ مسارها”.
منذ 12 مارس الجاري، ظل رقم 14 يرافق عبارة “قاصرات ڭيڭو”، أينما وليت وجهك على شاشة الحاسوب أو الهاتف المحمول، من منصات التواصل الاجتماعي إلى منصة “يوتوب”، إلى المواقع الإلكترونية، الكل “مقتنع” ولا سبيل للتشكيك، وكل من شكك فهو متواطئ مع “البيدوفيليين” ومتحامل على الضحايا.
أحيانا كانت ترافق هذا الرقم أرقام أخرى لقاصرات في حالة حمل، ما بين من يقول 2، وآخر يصر أن إحداهما مؤكدة، دون أن يعطي أي مؤشر عن كيف تأكد، ومع مرور الأيام، بدأ المبادرون في نشر الأرقام المشار إليها في حذف منشوراتهم، والاكتفاء بتوجيه الشكر والتنويه إلى السلطات القضائية التي “أخذت الموضوع بكل موضوعية وحيادية”.
بحثنا في مصدر الرقم الذي تناقله الجميع، من ڭيڭو إلى كل ربوع الوطن، وترددت أصداؤه خارج البلاد، لم نجد للرقم أساسا، إذ لا شيء يؤكد أنه تم الاستماع إلى 14 تلميذة، كما أنه لا وجود لحوامل ضمن القاصرات المرتبطات بدرجة أو بأخرى بهذا الملف المثار، حسب ما ثبت من بحثنا، هناك افتضاض بكارة سابق عن إثارة الملف، أي منذ سنة 2020 بالنسبة لـ(د.ب) المشتكية، وإحدى المشتكى بهن، ولحدود كتابة هذا التقرير فقط قاصرتان هما اللتان تقدمتا كمشتكيتين، (د.ب) المشتكية الأولى التي فجرت الملف، و(أ.ي) التي ورد اسمها في مجريات البحث.
على مدى البحث كان هناك سؤال يلح علينا: هل تشكل ڭيڭو استثناء؟ رئاسة النيابة العامة تجيب بالنفي، حيث أن تقريرها بخصوص “السياسة الجنائية لسنة 2023“، (الذي نشر قبل أسبوعين)، أكد أن الاعتداءات الجنسية “ظلت في مقدمة الجرائم المرتكبة ضد الطفل، حيث سجلت مختلف النيابات العامة ما مجموعه 3979 قضية، برسم سنة 2023، بنسبة تناهز 43،69 بالمائة من مجموع الجرائم المرتكبة ضد الأطفال، مقابل 3295 قضية، خلال سنة 2022”.
وأضاف التقرير أنه باستثناء “جناية هتك عرض قاصر بالعنف التي عرفت استقرارا نسبيا في عدد القضايا المسجلة، والذي بلغ 1886 قضية سنة 2023، مقابل 1825 سنة 2022، فقد عرفت باقي جرائم الاعتداءات الجنسية ضد الأطفال ارتفاعا ملحوظا.
وأوضح التقرير أنه تم “تسجيل 868 قضية تهم جريمة هتك عرض قاصر بدون عنف برسم سنة 2023، مقابل 743 قضية برسم سنة 2022″، مضيفا أنه “كذلك الشأن بالنسبة لجريمة هتك عرض قاصر دون عنف مع ظروف التشديد التي انتقلت من 530 قضية سنة 2022 إلى 646 سنة 2023”.
وسجل التقرير أن سنة 2023 شهدت زيادة في عدد قضايا الاغتصاب، حيث بلغت 240 قضية مقابل 195 قضية في سنة 2022، أي بزيادة قدرها 23.07 بالمائة، كما ارتفعت، وفقا للتقرير قضايا إفساد الأطفال واستغلالهم في البغاء من قضيتين فقط في سنة 2022 إلى 18 قضية في سنة 2023.
نفس التقرير، أشار إلى أنه “خلال سنة 2023، تم تسجيل 165 قضية تحرش جنسي بالأطفال في الأماكن العمومية أو غيرها، و156 قضية بشأن التحرش الجنسي بواسطة رسائل مكتوبة أو هاتفية أو إلكترونية أو تسجيلات أو صور”، مضيفا أن عدد قضايا الاعتداءات الجسدية ضد الأطفال، خلال نفس السنة بلغ 3085 قضية 2023، بزيادة قدرها 31.5 بالمائة مقارنة بسنة 2022.
لم نكن بحاجة لنختم مقابلتنا مع فاطمة، فقد بدأت الكلمات تتلاشى حتى خنقتها (فعليا) غصة في الحلق، كانت تتحدث عن معاناة أسرة بأكملها بسبب ما حدث، “نفسيا كلنا متأثرين، العائلة كلها وضعيتها صعيبة، ولادي تأثروا كاملين، صعيبة.. صعيبة..” ثم غرقت فاطمة، التي تماسكت طيلة المقابلة، في دموعها.
منذ محاولة الانتحار، وما تلاها من تسجيل الشكاية وتداعياتها على مواقع التواصل الاجتماعي، اضطرت بسمة إلى التوقف عن الدراسة، والآن تعيش وضعا نفسيا صعبا، وأكدت فاطمة أن ابنتها لم تتلق أي زيارة ولا أي دعم نفسي لا من المؤسسة التي تتابع فيها دراستها، ولا من قبل الجمعيات المهتمة بحقوق الطفولة، باستثناء أستاذة تدرسها زارتها محاولة تشجيعها على العودة إلى فصول الدراسة.
حين غص حلق فاطمة، تماسكت ابنتها الأخرى، شقيقة بسمة، وأكدت لهوامش أن الأسرة تتشبث بحصول أختها على حقها بالقانون، وبعدم ضياع حقها في العدالة، مؤكدة أنهم لن يحرموها من حقها في الدراسة حتى لو اقتضى الأمر تغيير المنطقة.
في خضم هذه المأساة، والضجيج الإعلامي الذي رافقها وتناسل الإشاعات حولها، تتكوم بسمة على نفسها في انتظار كلمة العدالة، علها تعيد إلى الطفلة جزءًا من إنسانيتها التي انتُهكت مرارًا وتكرارًا؛ تارة من مغتصب، وتارة من مستغل، وأخرى من مبتزين ومجتمع لا يرحم.
هذه القضية ليست مجرد حادثة فردية، بل هي صرخة تدعو إلى وقفة جادة لمواجهة جرائم الاعتداء الجنسي على الأطفال وحماية الضحايا من براثن الاستغلال والإفلات من العقاب، وحتى من آلة إعلامية تقتات على التهويل والإشاعات.