الرئيسية

برلمان ما بعد التطبيع في المغرب.. غزة لا تكاد تذكر والاتفاق الثلاثي من الطابوهات

تراجع حجم الاهتمام بالقضية الفلسطينية في البرلمان المغربي إلى مستويات منخفضة، بعد توقيع اتفاق التطبيع مع إسرائيل، حيث وجه أعضاء مجلس النواب، خلال الولاية التشريعية الحالية، 15 سؤالا فقط حول الموضوع الفلسطيني، بنسبة أقل من النصف، مقارنة بالولايتين التشريعيتين السابقتين، من بينها 4 أسئلة مباشرة فقط عن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. ومنذ توقيعه من طرف الدولة المغربية طرح سؤالان فقط عن استمرار العمل باتفاق التطبيع، بحسب ما يكشفه تحليل قامت به منصة "هوامش" للبيانات المنشورة على الموقع الرسمي للبرلمان المغربي.

عماد استيتو

في الثامن والعشرين من أبريل من سنة 2015، أي قبل حوالي 10 سنوات من اليوم، سيتدخل ادريس لشكر، زعيم الاتحاد الاشتراكي، ورئيس فريقه البرلماني في مجلس النواب، لطرح سؤال شفوي في مجلس النواب على رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران. كان موضوع السؤال : “التطبيع مع الكيان الاسرائيلي”.

حينئذ، سيسائل الزعيم الاشتراكي، والوجه اليساري في المعارضة البرلمانية، بصرامة، الحكومة التي يقودها الإسلاميون، عن مدى انسجامها مع التزاماتها في هذا المجال. سيثير لشكر ما يقوم به المجتمع المدني من حملات تعبوية واحتجاج لمناهضة خطر هذا التطبيع الذي بدأ يأخذ أشكالا مختلفة، من قبيل “الاختراق المقنع على مستوى بعض الواردات، إلى جانب ما أثير مؤخرا بعدم سلامة بورصة القيم من مثل هذه العمليات المشبوهة والمدانة، حيث علم أن حصة الكيان الصهيوني من الاستثمارات الأجنبية المتداولة في بورصة الدار البيضاء بلغت مليارا و 27 مليون درهم خلال سنة 2014.. “، كما يرد في نص السؤال.

في الواقع، حصل هذا في إطار المزايدات السياسية العنيفة التي شهدتها الولاية الحكومية 2011-2016 بين بنكيران وخصومه في المعارضة البرلمانية. ففي الجلسة البرلمانية نفسها حصلت ملاسنة كلامية حادة بين بنكيران ولشكر وصف فيها الأول الأخير بـ “السفيه”.

لأن الرجل نفسه، سيعود في تصريحات متواترة ومتكررة لسنوات ليدافع عن توقيع المغرب لاتفاق التطبيع مع إسرائيل. كان آخرها كلامه في لقاء حزبي عقد قبل أسبوعين وصف فيه المطالبين بإلغاء هذا الاتفاق بأنهم يفتقدون إلى “الرؤية الاستراتيجية”، وأن مطالبهم ليست سوى “محاولات للضغط والابتزاز السياسي”. 

على نهج الدولة

التصريحات الأخيرة لادريس لشكر التي يدافع فيها عن اتفاق التطبيع في سياق المجزرة التي اقترفها جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، والتي دامت حوالي 15 شهرا، هي مجرد غيض من فيض من السلوك السياسي الحزبي المغربي المهادن للكيان الصهيوني خلال السنوات الخمس الأخيرة. 

يؤكد هذا المعطى تشكيل لجنة الصداقة البرلمانية المغربية-الاسرائيلية  التي أعلن عن تركيبتها منتصف شهر ماي من سنة 2023، دون تبيان تاريخ تشكيلها. ولم تعقد اللجنة أي اجتماع -بحسب المعلومات المتوفرة-، وبدا أن تأسيسها مجرد إجراء بروتوكولي لاستكمال مسار تشكيل هياكل مؤسساتية تضفي الشرعية على اتفاق التطبيع دفعت إليه كيانات سياسية لا تملك قرارها.

في خضم حرب الإبادة الأخيرة، عاد النقاش حول الانسحاب من اللجنة أو حلها، إلى واجهة الأحداث مجددا. وبهذا الشأن كان ادريس السنتيسي رئيس الفريق الحركي في مجلس النواب واضحا: “علينا أن نتفق أنها مسألة دولة وليست مسألة فرد أو فريق برلماني”.

ويكشف تحليل البيانات المفتوحة، المنشورة على الموقع الرسمي لمجلس النواب، هذا النزوع الحزبي إلى الاصطفاف التام مع مواقف الدولة، أو التهرب من طرح أسئلة مزعجة.

الجرد الإحصائي الذي قامت به منصة “هوامش” يظهر طرح 24 سؤالا برلمانيا متعلقا بالقضية الفلسطينية منذ توقيع الاتفاق الثلاثي بين المغرب و “إسرائيل” والولايات المتحدة الأمريكية في دجنبر سنة 2020، من بينها 15 سؤالا خلال الولاية التشريعية الحالية، إلى حدود 20 فبراير 2025.

العدوان على غزة .. ما قل ودل 

تفيد المعطيات، التي تم تجميعها من الموقع الرسمي لمجلس النواب، طرح 13 سؤالا، من أصل 15 سؤالا، بعد عملية “طوفان الأقصى”، في السابع من أكتوبر سنة 2023، من ضمنها 10 أسئلة مرتبطة ارتباطا مباشرا أو غير مباشر بالتطورات في قطاع غزة.

لكن التدقيق في طبيعة الأسئلة المطروحة من طرف النواب حول الأوضاع في غزة، يكشف أن 4 أسئلة فقط وجهت إلى الحكومة تسائلها عن جهودها لوقف العدوان الإسرائيلي أو إدانته، ودعم المدنيين الفلسطينيين، جميعها وجهها نواب من حزب العدالة والتنمية، الذي لم تمكنه نتائجه الانتخابية من تشكيل فريق برلماني.

وتركزت بقية الأسئلة حول جهود إجلاء المغاربة العالقين في قطاع غزة، أو أحداث ومواقف وقعت في المغرب، من قبيل إعفاء خطباء مساجد بسبب تضامنهم مع فلسطين، ورفض توشيح طالبة بالكوفية الفلسطينية في حفل تخرجها الجامعي، ورسو سفينة اسرائيلية في ميناء طنجة.

وإذا كان المتن الخطابي للأسئلة المباشرة، التي وجهت حول ما يجري في قطاع غزة يحمل موقفا صريحا من خلال حضور مفردات، من قبيل “المحتل الصهيوني”، “الإبادة الجماعية”، “المجازر”، “العدوان”، “المحارق” وغيرها، إلا أن سؤالا واحدا فقط من هاته الأسئلة تناول بشكل ضمني استمرار اتفاق التطبيع مع “إسرائيل”، وجهته النائبة نادية القنصوري، عن المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية، بتاريخ 28 غشت 2024 إلى وزارة الخارجية، وهي تسألها عن “الإدانة القوية” ضد “إسرائيل” المنتظرة من المغرب .

“إن الدعم الذي كان ولازال يحظى به الفلسطينيون من جلالة الملك حفظه الله، نترجى أن يُتوج بنفض اليد عن كل ما قد يجمع بلدنا بهذا الكيان الغارق في الدماء البريئة، التي لانريدها أن تصبح، لا قدّر الله، لعنة على بلدنا وأمنه واستقراره”، قالت البرلمانية نادية القنصوري.

كما يكشف تحليل هاته المعطيات تجاهل وزارة الخارجية المغربية، التي كان لها النصيب الأكبر من هاته الأسئلة المرتبطة بالموقف المغربي من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وأجابت الحكومة المغربية في المجمل على سؤالين فقط مرتبطين بالقضية الفلسطينية منذ 7 أكتوبر 2023.

بعد الاتفاق مع إسرائيل  … آمين

عرفت نهاية الولاية التشريعية الماضية توجيه 9 أسئلة فقط إلى الحكومة عن القضية الفلسطينية، إثر توقيع اتفاقية التطبيع، يبقى أبرزها السؤال الشفهي لعبد الله بوانو عن العدالة والتنمية، بتاريخ 17 فبراير 2021 عن الإجراءات التي اتخذها المغرب لتعزيز ملف القضية الفلسطينية في السياسة الخارجية للمغرب، والسؤال الكتابي، -بعدها ب 3 أشهر- لمصطفى الشناوي، عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، الذي يصف فيه بوضوح قرار التطبيع ويصفه ب “الخطأ الجسيم”، متسائلا متى يتخذ قرار بطرد المسؤول عن مكتب الاتصال الإسرائيلي في المغرب.

ويبقى سؤال النائب اليساري الشناوي السؤال البرلماني الوحيد الذي يعلن معارضته بشكل صريح لقرار التطبيع مع الكيان الصهيوني، ويدعو لاتخاذ إجراءات صارمة لوقفه، حيث تجنبت أسئلة النواب حول القضية الفلسطينية، بعد هذا التاريخ، أي خوض في الموضوع أو طرحه للنقاش، حتى مع تصاعد المجازر الاسرائيلية في غزة والتظاهرات الشعبية اليومية التي كان يعرفها الشارع المغربي.

في الولاية التشريعية 2016-2021، وجه النواب ما مجموعه 36 سؤالا عن القضية الفلسطينية، من بينها 27 سؤالا قبل الاتفاق الثلاثي بين المغرب و “إسرائيل” والولايات المتحدة الأمريكية، معظمها كانت أسئلة تتمحور حول التطبيع أو العلاقات مع “إسرائيل”، ولم تجب الحكومة خلال هذه الولاية الحكومية سوى عن 3 أسئلة فقط، من مجموع الأسئلة الموجهة إليها حول القضية الفلسطينية.

برلمان ما بعد الربيع.. ضد التطبيع 

حماسة النواب البرلمانيين للقضية الفلسطينية، كما وكيفا، بدت أكثر تجليا في الولاية التشريعية 2011-2016، وهي الفترة التي وصل فيها حزب العدالة والتنمية لأول مرة في تاريخه إلى مواقع المسؤولية الحكومية، وساعد وصول عدد كبير من النواب الإسلاميين، والمزايدات بين فرق الأغلبية والمعارضة، في تعزيز هذه المكانة.

حيث طرحت خلال هذه الولاية التشريعية 43 سؤالا عن القضية الفلسطينية، 7 منها عن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة سنة 2014.

توزعت الأسئلة المطروحة بين 4 أحزاب، وجه منها نواب حزب العدالة والتنمية 32 سؤالا إلى الحكومة، التي كان يقودها حزبهم، وتفاعلت الحكومة مع 10 منها بالجواب. وسجل تجاهل وزارة الخارجية لمعظم الأسئلة التي بلغ عددها 15 باستثناء سؤالين فقط.

واستأثرت مختلف أشكال التطبيع مع “إسرائيل” وإقامة علاقات معها بالنصيب الأكبر من الأسئلة الموجهة إلى حكومة بنكيران، بواقع 26 سؤالا، بينما طرح سؤال يتيم بشأن السياسة الخارجية للبلاد في موضوع القضية الفلسطينية.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram