“هوامش”| سعيد المرابط:
من المنتظر أن تبدأ عمليات التنقيب عن الغاز في قاع البحر، جنوب شرق جزر الكناري، بعد الترخيص الذي منحه المغرب لشركة “نيو ميد إنيرجي” الإسرائيلية، وشريكتها المغربية “أداركو إنيرجي”.
في نهاية فبراير الماضي، تم التوقيع النهائي على الترخيص، الذي يشمل استكشاف واستغلال 17 رخصة بحرية، لمدة 8 سنوات جنوب بوجدور، وكانت وزيرة التحول الطاقي والتنمية المستدامة المغربية، ليلى بن علي، هي من أعطت الضوء الأخضر النهائي لاتحاد الشركتين المغربية والإسرائيلية.
التطبيع مهدَ للتنقيب
هذه الرخصة التي أصدرها المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن؛ للاتحاد الذي تقوده شركة “نيو ميد”، وهي جزء من مجموعة “ديليك” التي يملكها البليونير الصهيوني، الليبي الأصل، يتسحاق (إسحاق) تشوفا، تسمح بالتنقيب في مساحة واسعة تبلغ قرابة 29 ألف كيلومتر مربع، قبالة سواحل بوجدور، التي تقع على 180 كلم جنوب غرب مدينة العيون. وتمتد هذه المنطقة التي سيكون فيها التنقيب بين مدينتي بوجدور والداخلة.
هذا التعاون بين الرباط و”تل أبيب” لاستكشاف الغاز في قاع البحر، كان أمرًا لا يمكن تصوره قبل بضع سنوات. ومع ذلك، فإن تطور التطبيع بين المغرب وإسرائيل، سمح بتغييرات كبيرة، على عدة أصعدة أبرزها التعاون العسكري.
وكانت اتفاقيات “أبراهام”، التي تم توقيعها في عام 2020 بوساطة الولايات المتحدة، بمثابة عامل فعال في هذا التغيير.
وأدت هذه الاتفاقيات، إلى إعادة العلاقات بين المغرب و”إسرائيل”، التي وقعت اتفاقات تطبيع مع دول عربية أخرى، مما أدى إلى الرفع من مستوى المعاملات الاقتصادية والتجارية.
وبفضل هذه الاتفاقيات، أصبح بإمكان تحالف شركتي “نيوميد وأداركو” الآن استكشاف واستغلال الموارد الطبيعية، والصناعة العسكرية إضافة إلى الفلاحة.
ويسمح هذا الوضع لـ “إسرائيل” ليس فقط بالوصول إلى احتياطيات الغاز المحتملة، بل وأيضا بزيادة نفوذها الجيوسياسي في منطقة لم يكن من الممكن الوصول إليها من قبل، ولكنه تم بعد التطبيع.
وبعد الحصول على الترخيص، أصبحت شركتا “نيو ميد” و”أداركو” جاهزتين لبدء مشروع “بوجدور أتلانتيك”، في نفس المنطقة التي نفذت فيها شركتا “كوزموس إنيرجي” و”كايرن إنيرجي” الأمريكيتان؛ عمليات استكشاف غير ناجحة بين عامي 2014 و2015.
وتستحوذ شركتا “نيو ميد” و”أداركو”، المملوكتان لرجل الأعمال اليهودي المغربي، يريف الباز، والملياردير الإسرائيلي يتسحاق تشوفا؛ على نسبة 37.5 بالمائة من تصاريح الاستكشاف لكل منهما، بينما تحتفظ الحكومة المغربية بنسبة 25 بالمائة المتبقية من خلال مكتبها للمناجم والهيدروكربونات.
“متحدون معًا في رؤية مشتركة”
تتباهى الشركة الإسرائيلية على شبكات التواصل الاجتماعي الخاصة بها بأن “مشروع بوجدور أتلانتيك يواصل التقدم بسلاسة وفي الموعد المحدد، مما يدل على قوة التعاون بين شركة نيوميد إينرجي والمكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن”.
وتضيف الشركة “إننا متحدون معًا في رؤية مشتركة لتطوير موارد الطاقة في المنطقة وتعزيز الحلول المستدامة. ونحن واثقون من أن هذه الشراكة ستدفع إلى تحقيق تقدم مؤثر وتوليد قيمة دائمة والمساهمة في بناء مستقبل مزدهر ومستدام للطاقة في المغرب”.
وقال يوسي أبو، الرئيس التنفيذي لشركة “نيو ميد”، وهي مساهم رئيسي في حقل ليفياثان الإسرائيلي الضخم للغاز البحري: “لقد أدركنا منذ فترة طويلة الإمكانات الهائلة للتعاون مع المغرب في قطاعي الغاز الطبيعي والطاقة المتجددة”.
صهيوني من أصل ليبي
تعود ملكية إحدى الشركتين اللتين حصلتا على هذا الترخيص، لإسحاق تشوفا، وهو رجل أعمال وملياردير إسرائيلي من أصول ليبية، وُلد في 7 يوليوز 1948 في طرابلس، بليبيا. هاجر مع عائلته إلى “إسرائيل” في سن مبكرة، واستقروا في مدينة نتانيا.
وخدم تشوفا في الجيش الإسرائيلي ضمن سلاح المهندسين، وبعد خدمته العسكرية، بدأ مسيرته الاستثمارية، حيث عمل في مشاريع مختلفة، بما في ذلك بناء التحصينات على طول خط “بارليف” قرب قناة السويس بعد حرب 1967.
ووسع تشوفا نشاطه إلى قطاعات العقارات والطاقة، ويشغل حاليًا منصب رئيس مجموعة “إل-عاد” التي تمتلك فندق بلازا في نيويورك، وهو أيضًا مالك مجموعة “ديليك” الإسرائيلية.
وفي عام 2014، صُنِّف كأحد أغنى الشخصيات في “إسرائيل”، حيث قُدِّرت ثروته الشخصية بـ4.2 مليار دولار أمريكي حتى سبتمبر 2019.
مهندس اتفاق التطبيع يفوز بالصفقة
ياريف الباز، هو شريك تشوفا في الصفقة التي يحصل بموجبها على 37.5% من حقوق التنقيب والاستغلال، وهو رجل أعمال إسرائيلي-أمريكي من أصول مغربية، وُلد عام 1976 في المغرب.
نشأ ياريف المنحدر من “أبي الجعد”، في حي “الملاح” بمدينة مراكش، حيث كان والده صائغًا ويتاجر في الذهب والحلي، وبعد تخرجه من مدرسة “ESCP” التجارية الفرنسية المرموقة عام 1998، عمل في بنك التمويل الفرنسي.
لاحقًا، أسس الباز مجموعة “YCAP” الاستثمارية التي بلغ رأسمالها حوالي 1.5 مليار يورو. وسيطرت هذه المجموعة على غالبية الصناعات الغذائية في المغرب، حيث اشترى شركتي “فورافريك FORARFIC” و”ثريا TRIYA”.
وتمتد استثماراته إلى خارج المغرب، وتشمل مناطق عديدة في أفريقيا، حيث اشترى شركتي السكر والطواحين في السنغال، وشركة طواحين أبيدجان.
ويُعتبر الباز مقربًا من جاريد كوشنر، مستشار وصهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقد لعب دورًا محوريًا في اتفاقية التطبيع الإسرائيلية المغربية التي وقعت عام 2020.
وكان ياريف الباز، “المفاوض الرئيسي” بين المغرب وإدارة دونالد ترامب حول التطبيع، وفق صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية. ووصفته “ماروك إيبدو”، سنة 2022، بأنه “مهندس الاتفاق المغربي الإسرائيلي“.
وأشار موقع أكسيوس، في مقال سنة 2020، أن “فكرة التطبيع جاءت من مجموعة من المسؤولين الإسرائيليين السابقين بقيادة نائب رئيس الموساد السابق رام بن باراك، الذي كانت شركته تتعامل تجاريا في المغرب مع ياريف الباز، وهو يهودي مغربي وأحد تجار التجزئة الرئيسيين للمواد الغذائية في المغرب، وشريك مقرب من وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة”.
وأوضح الموقع أنه “في عام 2018، تحدث بن باراك والباز مع مستشاري نتنياهو للأمن القومي، والمبعوث الأمريكي الخاص السابق جيسون جرينبلات وبوريطة، وطرحا فكرة صفقة التطبيع مع إسرائيل مقابل الصحراء الغربية”.
وفي تلك الفترة، حسب نفس الموقع، “لم تحقق المبادرة أي تقدم، لكن تم إنشاء اتصال بين الباز ومساعدي نتنياهو، وكذلك بين الباز والبيت الأبيض، وتحديداً جاريد كوشنر”.
الرجل البالغ من العمر 44 عامًا يمتلك دفتر عناوين غني، وشبكة مؤثرة للغاية في الإدارة الأمريكية، وفي فرنسا، وفي “إسرائيل”، حيث يمتلك العديد من الشركات.
وبالإضافة إلى علاقته الوثيقة بجاريد كوشنر، صهر ترامب، فهو صديق قديم لريتشارد أتياس، رجل أعمال فرنسي من أصل مغربي؛ ومستشار موثوق لعدد من زعماء الدول وكبار رجال الأعمال، وقد أسهم في تأسيس “منتدى نيويورك”، وكان المنتج التنفيذي لمنتدى “دافوس” من عام 1995 إلى 2008.
وأشارت الصحيفة الإسرائيلية “هآرتس” إلى أن “الاتفاق بين القدس والرباط تم إبرامه بمساعدة المستثمر اليهودي المغربي ياريف الباز”، الذي يمتلك شركات في “إسرائيل” وعمل كوسيط في تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمغرب.