هوامش
أعلن القصر الملكي الأربعاء 26 فبراير الجاري، عن عدم القيام بشعيرة ذبح أضحية العيد، للمرة الرابعة في تاريخ المغرب، حيث دعا الملك محمد السادس، المغاربة إلى الاكتفاء بإحياء عيد الأضحى “وفق طقوسه المعتادة ومعانيه الروحانية النبيلة وما يرتبط به من صلاة العيد في المصليات والمساجد وإنفاق الصدقات وصلة الرحم”، دون ذبح الأضحية.
حرب الرمال .. أول عيد للمغاربة بلا أضحية
سنة 1963، كانت المرة الأولى التي يمر فيها عيد الأضحى في المغرب بدون أضحية، وهي السنة التي شهد فيها شهر أكتوبر نشوب النزاع المسلح بين المغرب والجزائر، والذي عرف بحرب الرمال، وذلك بعد مرور سنة واحدة فقط على إعلان استقلال الجزائر عن فرنسا، بسبب الخلاف حول ترسيم الحدود الشرقية للمغرب.
وبالرغم من أن مدة هذه الحرب لم تتجاوز خمسة أشهر، حيث تم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في شهر فبراير من عام 1964، بعد وساطة من منظمة الوحدة الأفريقية، إلا أنها كانت مستنزفة.
إلى جانب الأرواح التي أزهقها الرصاص، وجهت “حرب الرمال” الميزانية، التي كانت مخصصة للتنمية الاقتصادية للبلاد عقب الاستقلال، إلى تعزيز استيراد العتاد العسكري من فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وفق مراسلات رسمية.
وأرخت هذه الحرب بظلالها على الوضع الاقتصادي للمغرب، من خلال زيادة الضغط الضريبي أو ارتفاع أسعار السلع الأساسية، ما دفع الملك الحسن الثاني، لأول مرة في تاريخ مغرب ما بعد الاستقلال، إلى الإعلان عن عدم القيام بشعيرة ذبح أضحية العيد.
مات الناس بدل الأكباش.. العجز الاقتصادي وانتفاضة 81
كانت المرة الثانية التي يتم فيها حث المغاربة على عدم نحر الأضحية، سنة 1981، وكان السبب اقتصاديا أيضا.
في تلك الفترة مر اقتصاد البلاد بأزمة خانقة، إثر تراجع عائدات الفوسفاط، بسبب انخفاض أسعاره في الأسواق العالمية، وكذا ارتفاع المديونية والعجز في الميزانية. كما ساهم الجفاف في تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، بعد أن شهد المغرب فترة جفاف قاسية أثرت على القطاع الفلاحي، أحد أعمدة الاقتصاد الوطني.
خلال تلك السنة شهد المغرب واحدة من أقوى الانتفاضات الشعبية في تاريخه، وهي التي سمّاها وزير الداخلية آنذاك، إدريس البصري، انتفاضة “الكوميرا”. وأسفرت عن سقوط مئات الشهداء من المواطنين بالرصاص، في شوارع العاصمة الاقتصادية للبلاد، بعد تدخل الجيش لتفريق المحتجين، عقب الإضراب العام الذي دعت إليه الكونفدرالية المغربية للشغل، ردا على الزيادات في الأسعار التي أعلنت عنها حكومة المعطي بوعبيد، زعيم حزب الاتحاد الدستوري حينها.
1996 .. عام “الكارثة الوطنية”
يوم 29 مارس 1996، أطل وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السابق، عبد الكبير العلوي المدغري، على المغاربة عبر شاشة التلفاز، ليتلو رسالة الملك الراحل، الحسن الثاني، والتي أشار فيها إلى “سنوات الجفاف الأخيرة التي مرت على البلاد، والتي جعلت المغرب يعلن سنة 1995، سنة كارثة وطنية”.
وأكدت الرسالة أنه “معلوم إذا كان ذبح الأضحية سنة مؤكدة، فإن إقامتها في تلك الوضعية الصعبة من شأنه أن يتسبب في ضرر محقق، بسبب ما سينال الماشية من إتلاف، وما سيطرأ على أسعارها من ارتفاع يضر بالغالبية العظمى من أبناء الشعب”.
وكانت هذه هي المرة الثالثة التي يتم فيها حث المغاربة على الإحجام عن ذبح أضحية العيد، واستمر بعدها إحياء هذه الشعيرة الدينية طيلة 28 سنة، قبل الإعلان هذا العام عن تراجع كبير في أعداد الماشية، مما سيحول دون إحيائها.
المرة الرابعة .. المخطط الأخضر في قفص الاتهام
عقب إعلان العاهل المغربي الاكتفاء بإحياء طقوس عيد الأضحى المعتادة دون نحر الأكباش، وجهت انتقادات كبيرة للسياسات الحكومية المتعاقبة، وخصوصا في قطاع الفلاحة، ما أدى إلى تدهور وضعية القطيع، وكانت أكثر الانتقادات موجهة إلى رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، الذي شغل منصب وزير الفلاحة لسنوات طويلة.
من جانبه، رفض الناطق الرسمي بإسم الحكومة، مصطفى بايتاس، الخميس 27 فبراير، في ندوة صحافية، الانتقادات التي وجهت بشكل خاص لبرنامج المخطط الأخضر، مشيرا إلى أن السبب وراء الوضع الفلاحي راجع إلى توالي سنوات الجفاف، حيث تمر البلاد بأطول فترة جفاف في تاريخها.
وسجل المجلس الأعلى للحسابات عدة اختلالات في مشروع المغرب الأخضر، والذي أشرف عليه رئيس الحكومة الحالية، عزيز أخنوش، بصفته وزيرا للفلاحة والصيد البحري آنذاك، حيث كان من بين أهدافه تعزيز الأمن الغذائي، من خلال زيادة الإنتاج المحلي، وتقليل التبعية لاستيراد المواد الغذائية.
وسجل تقرير المجلس المجلس لسنة 2021 – 2022، أنه “لم ترق حصيلة الإنجازات إلى مستوى الأهداف المسطرة”، مشيرا إلى أنه على مستوى الحصيلة العامة لتجميع رؤوس الماشية، تم تحقيق 15 في المائة فقط من الأهداف.
وفي هذا السياق، اعتبرت النائبة البرلمانية، ثورية عفيف، عن حزب العدالة والتنمية، خلال جلسة سابقة لمجلس النواب، أن سياسة المخطط الأخضر ركزت على المنتوجات الفلاحية الموجهة للتصدير، مما انعكس سلبا على تلبية الحاجيات الداخلية.
وكشف وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، أحمد البواري، تراجع القطيع الوطني بـ38 في المائة مقارنة مع سنة 2016، جراء توالي سنوات الجفاف حيث انخفض معدل التساقطات المطرية بأكثر من 60٪ في بعض المناطق، ولم يتجاوز مخزون السدود الوطنية 23٪ في 2024، ولتغطية العجز تم إلى غاية يوم 12 من فبراير الجاري، استيراد 124 ألف رأس من الأغنام، و21 ألفا من الماشية، و704 أطنان من اللحوم الحمراء.
كما أعلن الناطق الرسمي بإسم الحكومة، مصطفى بايتاس، قبل أيام عن توقيع اتفاق مع أستراليا من أجل استيراد الأغنام، لتغطية النقص الحاصل نتيجة تراجع مساحات الرعي واضطرار مربي الماشية إلى الاعتماد بشكل شبه كلي على الأعلاف التي شهدت بدورها ارتفاعا في الأسعار.