الرئيسية

عام و5 أشهر على زلزال الحوز.. “معاناة يخفونها بصباغة الجدران”

"طلبوا منا إزالة الخيام، وطلاء المنازل من الخارج قبل إنهاء أشغال البناء داخلها، من أجل التقاط الصور"، هذه العبارة ترددت على ألسنة عدد من منكوبي زلزال الحوز، الذين وثقت منصة هوامش شهاداتهم، وهي عبارة تلخص ما يعتري برنامج إعادة الإعمار.

سامي صبير

يوم 7 نونبر 2023، وبعد مرور شهرين على أعنف زلزال في تاريخ المغرب، أعلنت الحكومة عن الشروع في صرف الدفعة الأولى من الدعم الخاص بإعادة بناء المنازل، حيث ‏تقرر تقديم مساعدة مالية مباشرة، بقيمة ‏‏14 مليون سنتيم، خصصت للمساكن التي انهارت بشكل كامل، و8 ملايين سنتيم مخصصة للمساكن التي انهارت جزئيا. لكن بعد مرور أزيد من عام وخمسة أشهر، يظهر واقع حال دواوير الحوز مخالفا لكل ما تم الإعلان عنه.

محاولات للتستر على الاختلالات

مخيم أزرو نسوق

على الطريق الرابط بين جماعة اجوكاك وثلاث نيعقوب، نصب منكوبو دوار أزرو نسوق، ودوار تيكيوت، مخيما تحت أشجار الزيتون. مشهد الخيام البلاستيكية باللون الأزرق والأصفر الفاقع، إلى جانب بعض الحاويات، اعتادت عليه أعين العابرين وأصبح روتينيا، فقد مر على هذا الحال أكثر من عام، بعدما دمر زلزال 8 شتنبر 2023، جل المنازل في الدوارين، ودكت الصخور الضخمة، التي هوت من أعلى الجبل، جدران البيوت التي لم تحولها الهزة الأرضية إلى أنقاض، مخلفة قتلى وجرحى، مما دفع الأهالي إلى اللجوء إلى الحقول بحثا عن بداية جديدة.

الخمسيني، حسن آيت لحسن، من دوار تيكيوت، يقول في حديث لمنصة هوامش: “إلى حدود الساعة ما تزال الصخور تتساقط من الأعلى، فكان لابد لنا من الرحيل، إلا أن التعويض الذي كانت قد أعلنت عنه الحكومة وقدره 14 مليون سنتيم، المخصص للمنازل التي تهدمت بشكل كلي، لم نحصل منه إلا على 8 ملايين سنتيم، المبلغ المخصص لإصلاح المنازل المهدمة جزئيا، وليس لإعادة البناء الكلي”.

آيت لحسن، الذي لا يزال يعيش في المخيم، يضيف: “اضطررت إلى اقتراض مبلغ مالي من أجل إتمام بناء المنزل، بعدما اقتنيت بقعة أرضية بجزء من مبلغ الدعم”.

الاتهامات بالتلاعب بالدعم الموجه لإعادة الإعمار، ومحاولة التستر على الواقع القاسي الذي يعيشونه في المخيمات، ترددت في عدة شهادات، يقول محمد التكموتي في حديثه لهوامش “منزلي تضرر بسبب الزلزال، وقامت السلطات بهدمه كليا دون أن أوقع على أي وثيقة، ومع ذلك صرف لي مبلغ 8 ملايين سنتيم، المخصص للمنازل التي تضررت جزئيا، وهم الآن يطلبون منا إزالة الخيام دون توفير البديل”.

ويضيف “طلبوا منا تركيب النوافذ والأبواب، وصباغة الواجهة، ليتمكنوا من التقاط الصور للمنازل على أن عملية بنائها اكتملت”. نفس الأمر يؤكده لحسن آيت ناصر بالقول “لأن المنزل بجانب الطريق، طلب مني أعوان السلطة أن أسرع في إتمام الواجهة المقابلة للطريق وصباغتها، قبل انتهاء الأشغال داخل المنزل”.

وعلاقة بالموضوع، ندد الائتلاف المدني من أجل الجبل، في بلاغ له مطلع الشهر الجاري، بما وصفه “الحملة التي تقوم بها السلطات المحلية وأعوانها، ضد المتضررين الذين يقطنون في الخيام، في محاولة منها لتغطية الشمس بالغربال والتستر على التأخير الحاصل في اعادة الإعمار والإيواء، من خلال إرغام الضحايا على إزالة الخيام والدخول إلى المنازل وهي في طور البناء”.

المكيات”.. مرغمون على الرحيل دون بديل

مخيم دوار المكيات

غرب إغيل، بؤرة الزلزال، تقع الجماعة القروية أغبار. هذه الجماعة، الواقعة على الحدود بين الحوز وتارودانت، محاطة بالجبال من كل الجهات. وفي دواويرها، كحال دوار تيكيوت وأزرو نسوق، امتزجت دموع الحزن على فراق الضحايا، بآلام المعاناة اليومية التي بدأت مع خطوات إعادة الإعمار.

هذا حال لحسن آيت لحسن، الذي وجد نفسه مستبعدًا من الدعم، ومضطرًا لمغادرة دوار المكيات، الذي أصبح مهددًا بالانهيار، لتواجده على جبل قد تتهاوى صخوره في أية لحظة. 

أما جاره حسن، الذي حصل على دعم مخصص للمساكن التي انهارت جزئيا، فقد وجد نفسه في رحلة بحث عن قطعة أرض ليبدأ حياته عليها من جديد، بعد أن بدأ أشغال البناء في قطعة بأمر مهندس، ثم اضطر إلى تغيير المكان بأمر مهندس آخر.

“لم استفد من دعم 2500 درهم، ولا دعم إعادة الإعمار، وتم ترحيل أهل الدوار لأن المساكن أصبحت مهددة بالانهيار، ونحن نعيش حاليا حياة التشرد بين الخيام. لحسن الحظ لم تتساقط أمطار غزيرة ولا ثلوج، وإلا كانت معاناتنا أقسى”، يقول لحسن آيت لحسن.

لحسن آيت لحسن 

يضم دوار المكيات أكثر من 50 منزلا، وحسب مصطفى اختارن، رئيس جمعية باب الخير المكيات، استفاد فقط قرابة نصف هذا العدد، وأكد أن المستفيدين حصلوا على مبلغ التعويض المخصص للمساكن التي انهارت جزئيا، 8 ملايين سنتيم، وليس من دعم المساكن التي انهارت بشكل كلي، 14 مليون سنتيم، رغم أنه تم ترحيل الدوار بأكمله. 

 حسن اختارن، واحد من الذين تم ترحيلهم واستفادوا من الدعم الجزئي، وجد نفسه في دوامة بحث عن الاستقرار، يقول في حديث لهوامش: “استفدت من دعم 8 ملايين سنتيم، ولكنهم لم يسمحوا لي بالإصلاح. طلب منا المهندس في قطعة أرضية جديدة، وبعد أن أنفقت 4000 درهم، طلب مني مهندس آخر تغيير المكان”. 

استفسر اختارن عمن سيتحمل كلفة ما صرفه، فاكتفى المهندس بالقول إن الموقع لا يصلح للبناء، “اضطررت لاقتناء بقعة أخرى بمبلغ 12 ألف درهم، أخذتها من مبلغ 80 ألف درهم الذي من المفترض أنه مخصص فقط للإصلاح”، يقول الرجل.

لطالما كان اللون الأبيض رمزا للسلام والطمأنينة، لكنه حاليا في المكيات، يحمل معنى مختلفا تماما. فعندما تبدأ البقع البيضاء بالظهور على السفوح المحيطة بالدوار، ويتشكل الجليد على جنبات الطريق، يتسلل التوجس إلى نفوس الأهالي، الذين يترقبون داخل الخيام البلاستيكية ما تخبئه السماء. 

يقول مصطفى: “خلال مواسم الشتاء الماضية كان الأهالي يعانون داخل المنازل عند تساقط الثلوج، فما بالك وهم يسكنون في خيام من القصب والبلاستيك”، ويضيف: “صعوبة التضاريس، ووعورة الطريق، وبعد المسافة، يحملوننا تكاليف إضافية، فأقرب محل لبيع مواد البناء، يقع بمدينة أولاد برحيل، التي تبعد بنحو 60 كيلومترا”.

ويوضح المتحدث: “بالنسبة للطوب من فئة 20 على 50 سنتمتر، يكلفنا 10 دراهم للوحدة، عوض 6 دراهم، بزيادة نصف الثمن تقريبا، وكذلك الأمر بالنسبة للرمل والأسمنت والحديد”.

حال منكوبي دوار المكيات، يثير التساؤلات حول مدى أخذ الجهات المعنية خصوصية كل منطقة بعين الاعتبار، والصعوبات التي يعاني منها المستفيدون، أثناء تسطير برنامج إعادة إعمار المناطق التي تضررت من الزلزال. 

احتجاجات ونصب واعتقالات

ليس من السهل أن يتحالف ضدك البشر والطبيعة والجغرافيا، هذا ما تلخصه النائبة البرلمانية عن فريق العدالة والتنمية، عائشة الكوط، في سؤال كتابي وجهته، منتصف شهر دجنبر لوزارة الداخلية، بشأن تعرض متضررين، من دوار تاغزوت، جماعة إمكدال، للنصب من طرف مقاول تعرفوا عليه بتزكية من القائد والشيخ.

وحسب سؤال البرلمانية، فإن نفس الشخص “قام بالنصب أيضا على متضررين آخرين من جماعتي أسني وثلاث نيعقوب”، وأخذ منهم مبالغ مالية من أجل إعادة بناء مساكنهم، وساءلت الكوط وزير الداخلية عن: “هذه العملية التي عمقت مآسي هؤلاء الذين عانوا من الزلزال وما بعد الزلزال وقضت على حلمهم بإعادة بناء مساكنهم”.

جانب من احتجاجات ضحايا الزلزال

وفي جوابه أكد وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، أنه تم اعتقال أحد المقاولين، حيث قام فعلاً بالنصب على 14 مستفيدًا من دوار تغزوت بجماعة أمكدال، و4 مستفيدين من دوار تنمل بجماعة ثلاث نيعقوب، حيث أخل بالعقود المبرمة معهم ولم يُتمّم الأشغال المتفق عليها، بالإضافة إلى عدم احترامه للضوابط التقنية المعمول بها.

وفي نفس السياق، تمت متابعة مقاول، والنائب الرابع لرئيس الجماعة الترابية أمغراس، وموظف جماعي، في حالة اعتقال، من أجل تهم تتعلق بالنصب على متضررين من الزلزال على مستوى الجماعات التابعة لدائرة أمزميز.

زلزال الحوز لم يكن مجرد كارثة طبيعية، بل كان بداية رحلة طويلة من المعاناة. وبعد مرور عام وخمسة أشهر، لا يزال الناجون يواجهون تحديات كبيرة في إعادة بناء حياتهم، فهم بالإضافة إلى فقد مساكنهم، يعانون من صعوبات اقتصادية، وهو ما دفع العشرات من ساكنة دواوير الحوز إلى الخروج في مسيرات، وتنظيم وقفات احتجاجية، في محاولة للفت الأنظار إلى معاناتهم، وللمطالبة بإعادة النظر في سياسة التعويض بحسب خصوصية كل منطقة، والتحقيق في الخروقات وإنصاف المقصيين.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram