سعيد المرابط
لا يفصل مزارع الفراولة عن الأكواخ (براريك)؛ التي يعيش فيها عشرات الأشخاص في فقر مدقع؛ إلا سياج، يمثل خطًا فاصلًا بين عالمين، واحد مخملي يمتلكه المزارعون، والآخر تراجيدي يعيش فصوله مهاجرون قذفت بهم سبل الحياة إلى هذه البرية.
حسب النشطاء الذين استشارتهم منصة “هوامش”، يوجد “في محيط حقول الفاكهة الحمراء في هويلفا 41 مخيمًا”.
وتقع الأكواخ على أرض رملية محاطة بأكوام من القمامة، على بعد أقل من دقيقة واحدة من حقول الفراولة، وهي أكواخ مبنية من منصات خشبية (باليت) مغطاة بأكياس بلاستيكية بيضاء وسوداء؛ يقطن فيها هؤلاء المهاجرون طول السنة، فهي مأواهم مهما كان الجو، باردًا في الليل أو ساخنًا أثناء النهار.
“أنا هنا منذ خمس سنوات، كنت أعيش في كوخ والآن احترق، من طول انغماسي في هذه الحياة نسيت أن أكون إنسانًا، أنا هنا متوحش”، يقول محمد (اسم مستعار)، مياوم مغربي.
“الآن الموسم ضعيف، نشتغل حوالي ست ساعات ونصف”، يضيف هذا الشاب الذي رفض الكشف عن اسمه، “خوفًا من أن يعرف أهلي أني في هذا الجحيم”.
ينحدر أغلب العمال المياومين من إفريقيا، “30 بالمائة منهم أشخاص غير مسجلين وبدون وثائق”، حسب تقديرات حقوقية.
ويترجم هذا الوضع، أي “بدون وثائق”، في الحقول الزراعية “حالة من العجز عن الدفاع عن النفس، وظروف عمل ومعيشة أقرب إلى العبودية”، كما أشار مقرر الأمم المتحدة فيليب ألستون خلال زيارته لهذه المخيمات في عام 2020.
“عندما لا تكون لديك أوراق (وثائق قانونية) فإنك تعمل لساعات أطول، على سبيل المثال، إذا عملت لمدة 8 ساعات، يطلب منك رئيسك المزيد، لأنه يعلم أنك بدون أوراق”، يوضح محمد.
وبحسب “جمعية حقوق الإنسان في الأندلس”، فإن محمد مثله مثل “80 ألف شخص في الأندلس”، ينتظرون قانون التسوية الذي أقره مجلس النواب.
وعلى مدى سنوات، فشلت المجالس البلدية في ليبي، وموغيرْ، وبالوس دي لا فرونتيرا، ولوسينا ديل بويرتو في منطقة هويلفا، في معالجة التحدي الذي تشكله مخيمات المهاجرين، والتي “تمثل عنصرية إسبانيا، والجانب المظلم من عالم مزارع الفراولة”، وفق وصف الناشطة الإسبانية لاورا سيرانو.
وتضيف الناشطة في تصريحها لـ”هوامش”، أنه “لا توجد بدائل سكنية لهؤلاء الأشخاص المهاجرين، الذين لا يستطيعون اختيار السكن العادي بدون أوراق (وثائق قانونية)”.
“في النهاية، هم يعيشون حياةً تشبه التشرد، وهو الأمر الأكثر خطورة”، كما يصف محمد، المهاجر المغربي.
ويؤكد أن “المشكلة الأساسية هي عدم التوفر على الوثائق”، ما يؤدي بهم إلى “العيش في براريك غير صالحة للعيش الآدمي، وبدون شروط صحية، ومهددة بالاحتراق في أي وقت، وحين تحترق، كما حصل، قبل أسابيع علينا أن نعيد بناءها وهو ما يكلفنا ما بين 300 إلى 500 يورو”.
وتعد الفراولة إحدى الموارد الاقتصادية الرئيسية في المنطقة، ويمثل هذا القطاع 8 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للمقاطعة، وفي العام الماضي تم تصدير ما يزيد عن 550 مليون يورو، وفقًا للحكومة الأندلسية.
وتقدر جمعية الفراولة المهنية الأندلسية (إنترفريسا) أن 98 بالمائة من التوت الأحمر في إسبانيا، و30 بالمائة من إجمالي التوت في الاتحاد الأوروبي، يتم إنتاجه في هويلفا.
ولتشغيل هذه الآلية، تم توظيف حوالي 100 ألف شخص، 30 بالمائة منهم من خارج الاتحاد الأوروبي.