الرئيسية

خلف قرار إسبانيا.. ماذا تعني العودة لاتفاقية محمد الخامس وفرانكو  في سبتة ومليلية؟

بعد سنوات من الإغلاق والتوتر، توصل المغرب وإسبانيا إلى اتفاق يعيد فتح معابر سبتة ومليلية، مستندًا إلى اتفاقيات تاريخية تعود إلى خمسينيات القرن الماضي بين الملك محمد الخامس والدكتاتور فرانكو. فما دلالات إعادة فتح الجمارك في المدينتين بعد كل هذه السنوات؟ وكيف يمكن لاتفاقيات قديمة أن تنظم التجارة في السياق المعاصر؟ وهل يساهم هذا الاتفاق في إنهاء التهريب المعيشي بين البلدين؟ وسط تحديات تقنية واقتصادية، يثير الاتفاق تساؤلات حول مستقبل سبتة ومليلية، ودورهما في العلاقات المغربية الإسبانية.

“هوامش” 

بعد عدة سنوات من المفاوضات بين إسبانيا والمغرب، كل شيء يشير إلى أنه تم التوصل إلى اتفاق، وأن إعادة فتح الجمارك التجارية في مدينتي سبتة ومليلية على وشك أن تتم؛ بعد ست سنوات من إغلاق مكتب جمارك مليلية، في عام 2018، من طرف المغرب دون سابق إنذار، في حين لم يكن قد تم بعد إنشاء مكتب جمركي في سبتة.

2022.. مباحثات “فتح الحدود”   

“اليوم هو يوم مهم بالنسبة لإسبانيا والمغرب”، هكذا استهل رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز خطابه عام 2022، خلال ندوة صحفية عقب لقائه بالملك محمد السادس بالرباط. 

ومن بين الاتفاقات التي تم التوصل إليها، سُلط الضوء على “إعادة فتح حدود سبتة ومليلية”، ووصفها سانشيز بأنها بداية “مرحلة جديدة” و”خارطة طريق متينة وطموحة”.

وشدد سانشيز على أن العلاقات الثنائية مع المغرب تمر بـ”لحظة تاريخية ستعيد الحياة الطبيعية في إطار حسن الجوار”، مشددا على أنه لن يكون هناك مجال “للأعمال الأحادية”.

وفي ذلك الوقت، أُعلن بالفعل أن “إعادة فتح الحدود سيتتم بشكل تدريجي”، بهدف ضمان المرور الكافي للأشخاص والبضائع.

فتح الجمارك 

أكدت مندوبة الحكومة المحلية بمليلية، صابرينا موح، الخميس الماضي، على أن السلطة التنفيذية المركزية تتعاون مع المغرب لإعادة فتح الجمارك التجارية لمليلية “في أسرع وقت ممكن”.

وأضافت موح، أنه منذ إغلاق الجمارك في 2018، “كنت أؤكد وأؤكد دائما أن هذه الحكومة ستعمل على إعادة فتحها بكل الضمانات”.

وفي عام 2023، ذكرت إسبانيا أن مكاتب الجمارك في سبتة ومليلية مستعدة لبدء العمل، ومع ذلك، كان المغرب هو الذي يؤكد على أن “هناك مشكلات فنية يتعين حلها”.

وسلطت الممثلة العليا للحكومة المركزية في مليلية الضوء على الجهد المشترك لتنفيذ “سلسلة من الإجراءات المنسقة بين البلدين”، رغم أنها حذرت من أن “العائدات التجارية لمليلية لن تكون هي نفسها السابقة”، مؤكدةً، على أنها “سوف تتكيف مع الاحتياجات الحالية”.

“لقد كنا نسير بثبات بهدف إنجاز العمل بشكل جيد والحصول على النتائج المثلى، وسيتم تنفيذ ذلك بشكل تدريجي حتى تحقيق التطبيع الكامل”، وفق قول المندوبة موح.

ماذا يعني فتح الجمارك؟

شكل موضوع الجمارك بين سبتة ومليلية المحتلتين وباقي التراب المغربي، إحدى نقاط التوتر بين المغرب وإسبانيا، هذه الأخيرة التي تصر منذ سنوات على اعتماد “الحدود الجمركية”، وفرض التأشيرة على جميع المغاربة.

هذا الأمر في حالة قبول المغرب به، بالشروط الإسبانية، يعني أمرين: أولهما تسليم المغرب بأن سبتة ومليلية مدينتان إسبانيان وتدخلان ضمن فضاء شينغن، والثاني حرمان ساكنة الناظور وتطوان والمناطق المحيطة بهما من دخول مليلية وسبتة بدون تأشيرة.

وفي ماي 2023، عقب تدفق آلاف المهاجرين غير النظاميين على سبتة، سبق للمغرب أن انتقد وصف مارغريتيس شيناس نائب رئيس المفوضية الأوروبية، مدينتي سبتة ومليلية بأنهما “أوروبيتان”، واعتبر الأمر انزلاقا.

وقبل ذلك احتج المغرب على زيارة الملك الإسباني خوان كارلوس للمدينتين، سنة 2007، واصفا إياها بـ “المجازفة بمستقبل وتطور العلاقات بين البلدين، والإخلال الجسيم للحكومة بمنطوق وروح معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون المبرمة سنة 1991″، مؤكدا على أن “الخطوة غير المجدية تسيء للمشاعر الوطنية المتجذرة والراسخة لدى جميع مكونات وشرائح الشعب المغربي”.

إضافة إلى ذلك، فإن فتح “الحدود الجمركية”، سيحرم سكان المدن والمناطق المتاخمة للمدينتين المحتلتين من دخولهما بدون تأشيرة، وهو ما كان الأمر عليه على اعتبار وجود علاقات عائلية وتاريخية بينهم وبين سكان سبتة ومليلية.

فضلا عن ما سلف، سيغلق موضوع الجمارك والتأشيرة، الباب أمام المواطنين المغاربة، الذين يعتاشون مما يعرف بـ “التهريب المعيشي”، وهي سلع يجلبونها من المدينتين بدون أن يؤدوا عليها أية رسوم جمركية.

ماذا يقول الاتفاق؟

صحيفة “إِلْباييس”، تمكنت هذا الأسبوع، من النفاذ إلى الاتفاقية المبرمة بين مدريد والرباط بخصوص جمارك سبتة ومليلية، وأكدت الصحيفة الإسبانية ذائعة الصيت، أنه تم الاتفاق على أن “شاحنة واحدة فقط يوميًا ستكون قادرة على التنقل عبر كل مركز جمركي في كلا الاتجاهين”.

وتنص الاتفاقية، وفق ذات المصدر، على أن “المغرب سيصدر الفواكه والخضروات والأسماك، في حين سترسل إسبانيا منتجات النظافة ومنتجات التجميل والأجهزة المنزلية والمواد الإلكترونية”.

وبحسب الصحيفة الإسبانية، فإن الأمر الذي لازال معلقا هو: “كيفية تدبير عبور المسافرين، نظرا لأن المغرب يمنع حاليا نقل المنتجات المشتراة على الجانب الإسباني من الحدود”.

وبالتالي فإن السيولة التجارية في معبري “بني انصار” و”تاراخال” ستكون محدودة. علاوة على ذلك لا يسمح للمواطنين بالدخول بأي منتج.

تجديد لاتفاقٍ قديم 

في مقابل الصمت الذي يطوق به الجانب المغربي هذا الاتفاق، تقول المصادر الإسبانية إن حكومة سانشيز قبلت “الشروط التي وضعها المغرب لإعادة فتح جمارك مليلية وإنشاء أخرى بسبتة”، مضيفةً أن هذا كان بمثابة الأمر الرئيسي للتغيير التاريخي لموقف مدريد من نزاع الصحراء.

وتضيف المصادر، أن الهدف الرئيسي لخارطة الطريق الجديدة للعلاقات الإسبانية-المغربية هو ضمان الأمن، وتفادي الاختناق الاقتصادي الذي تعاني منه المدينتان المتمتعان بالحكم الذاتي، وخاصة منذ الأزمة الناجمة عن جائحة كورونا.

وبهذا الاتفاق، يعود المغرب إلى القوانين التي كانت سائدة قبل بناء السياج الفاصل، أي قبل ثمانينات القرن الماضي، والتي كانت تسمح بالعبور التجاري الرسمي أو القانوني عبر معبري سبتة ومليلية، للمنتجات الزراعية، والأسماك والفواكه والخضروات وغيرها، والتي كانت تدخل مدينتي سبتة ومليلية من الناظور وتطوان. نفس القوانين كانت تسمح للمنتجات “غير النمطية” لكلتا المدينتين بالدخول إلى المغرب.

وعبارة “غير النمطية” قادمة من اتفاقية ثنائية وقعها الدكتاتور فرانسيسكو فرانكو والملك الراحل محمد الخامس، جد الملك محمد السادس، لتنظيم التجارة بمجرد انسحاب إسبانيا من شمال المغرب. أي أنها تستند إلى الاتفاقيات الثنائية التاريخية التي نظمت التجارة والزراعة وإمدادات المياه من ينابيع تطوان والناظور، من بين أمور أخرى.

وفي اتفاقية التجارة الموقعة عام 1957 في مدريد، تم الاتفاق على أن “يمنح كل من الطرفين المتعاقدين الساميين أكبر قدر ممكن من التسهيلات، سواء لاستيراد أو تصدير المنتجات الطبيعية أو المصنعة التي يكون منشأها أراضي الطرف الآخر”.

وحددت الاتفاقية قائمتين بالبضائع التي يسمح بعبورها في كل اتجاه؛ إلى إسبانيا تعبر الخضروات واللحوم والأسماك والدقيق والفواكه والبذور والبقوليات. في حين تعهد المغرب بمنح تراخيص الاستيراد، في حالة الطلب، للأحجار والمعادن والفلزات والمنتجات الكيماوية والصيدلانية، إضافة إلى الأقمشة والجلود والآلات والمصنوعات المعدنية.

ويتم تقديم هذه المعلومات، خاصة تلك المتعلقة بإصدار تراخيص الاستيراد والتصدير، من خلال المكاتب التجارية للسفارتين في مدريد والرباط، وبالإضافة إلى ذلك، هناك لجنة مختلطة تتكون من ممثلين عن الحكومتين.

وجدير بالذكر، أن هذه هي المرة الثالثة التي تعلن فيها حكومة إسبانيا عن إطلاق الجمارك التجارية منذ عودة العلاقات بين البلدين في أبريل 2022.

تأثير غلق المعابر

وفي غياب أرقام رسمية صادرة عن جهة حكومية مغربية أو مؤسسة دولية؛ تشير تقديرات غير رسمية؛  إلى أن إغلاق الحدود الجمركية مع سبتة ومليلية؛ أثر على ما بين 10 آلاف إلى 15 ألف شخص؛ بشكل مباشر وغير مباشر.

بين تطوان وسبتة، تأثر ما بين 3 آلاف و5 آلاف شخص، كانوا يعملون بشكل مباشر في نقل السلع عبر المعبر، فيما يعرف بـ “التهريب المعيشي”. بالإضافة إلى ذلك، هناك الآلاف من الأشخاص في تطوان والمناطق المحيطة كانوا يعتمدون على هذه السلع لتشغيل محلاتهم التجارية، ما شكل جزء من النشاط الاقتصادي المحلي.

وبين الناظور ومليلية، كان التأثير مشابهًا، حيث يُقدّر عدد المتأثرين مباشرة بحوالي 4 آلاف شخص، مع تأثير غير مباشر على التجار وأصحاب المحلات، حيث كانت التجارة غير النظامية تشكّل جزءًا كبيرًا من النشاط الاقتصادي في المدينة.

يشار إلى أن توقف التهريب المعيشي في كلا المدينتين، أثّر على الفئات الأكثر هشاشة، مما زاد من البطالة والفقر في تلك المناطق.

في المقابل، سعى المغرب لتعويض المتضررين من خلال تطوير مشاريع اقتصادية بديلة، مثل إنشاء مناطق تجارية حرة في الفنيدق والناظور، لكن الانتقال إلى أنشطة جديدة يظل تحديًا كبيرًا.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram