الرئيسية

قضية الصحراء.. بين جدل المواقف التاريخية وخطاب الإجماع  

أشعلت تصريحات عزيز غالي، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، حول قضية الصحراء جدلا واسعا، وتعرض لحملة تخوين ولهجوم اتخذ طابعا تشهيريا في الغالب. لكن ما هي مواقف الهيآت والتنظيميات الحقوقية والسياسية المغربية على مدى خمسة عقود من هذا النزاع؟ كيف يمكن قراءة هذه المواقف على مر التاريخ؟ وهل كانت متوافقة مع رؤية السلطات أم مغايرة لها؟ وإلى أي مدى ساهمت هذه التوجهات في تشكيل خطاب حقوقي وإنساني بديل يجنب المنطقة الحرب ويجمع دول الاتحاد المغاربي؟ في هذا الملف تعود هوامش إلى أهم المواقف التاريخية للحركات والأحزاب المغربية حول قضية الصحراء.

محمد تغروت

على مدى نصف قرن، ظلت قضية الصحراء من أكثر القضايا تعقيداً وإثارة للجدل في المغرب، حيث تتشابك فيها الأبعاد الوطنية والسياسية والحقوقية. وبينما يشكل الإجماع الوطني على وحدة التراب المغربي حجر الزاوية في الخطاب الرسمي، عرف المشهد السياسي مواقف مختلفة بشأن سبل حل النزاع. وبينما تدعو جبهة البوليساريو مدعومة بأطماع الجزائر إلى انفصال المنطقة، يقترح المغرب الحكم الذاتي كحل سياسي وحيد.

وأعادت تصريحات عزيز غالي، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، بشأن “حل تفاوضي يُرضي جميع الأطراف”، إشعال الجدل حول هذه القضية وتعرض لحملة تخوين ولهجوم اتخذ طابعا تشهيريا في الغالب. ويطرح تناول الموضوع  بشكل مختلف مخاطر كثيرة لدى الصحافيين والحقوقيين، وهو ما يدعو إلى البحث في مختلف المواقف التي عرفتها هذه القضية، على مدى العقود الخمسة الماضية، من طرف الهيأت والتنظيميات الحقوقية والسياسية المغربية.

فكيف يمكن قراءة هذه المواقف على مر التاريخ؟ وهل كانت متوافقة مع رؤية السلطات أم مغايرة لها؟ وإلى أي مدى ساهمت هذه التوجهات في تشكيل خطاب حقوقي وإنساني بديل يجنب المنطقة الحرب ويجمع دول الاتحاد المغاربي؟ في هذا الملف تعود هوامش إلى أهم المواقف التاريخية للحركات والأحزاب المغربية حول قضية الصحراء. 

حين وافق الحسن الثاني على “تقرير المصير

وافق الملك الراحل الحسن الثاني، سنة 1981، على إجراء استفتاء لـ “تقرير المصير في الصحراء” تحت إشراف الأمم المتحدة، وأعلن عن ذلك من العاصمة الكينية نيروبي، خلال قمة منظمة الوحدة الأفريقية المنعقدة هناك، وهو موقف اعتبره عبد الرحيم بوعبيد، أحد زعماء حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وكاتبه الأول حينها، “تنازلا غير مقبول عن سيادة المغرب”، فعارض موقف الملك بشدة، معلناً أن الصحراء جزء لا يتجزأ من المغرب ولا ينبغي أن تكون موضوعاً لاستفتاء، معتبراً أن هذا النهج يضعف الموقف الوطني ويعطي مشروعية لمطالب جبهة البوليساريو. 

أدى موقف بوعبيد الصارم إلى اعتقاله، مع عدد من قيادات حزبه، في سابقة سياسية أثارت الكثير من الجدل. وأمضى فترة في السجن، دون أن يشفع له في ذلك، أنه كان أول سفير للمغرب في باريس، ووزيرا للدولة مكلفا بشؤون المفاوضات في حكومة مبارك البكاي (1955-1956)، بل وتولى وزارة الاقتصاد الوطني والمالية من أكتوبر 1956 إلى ماي 1960، وأضيفت له كذلك مسؤولية وزير الفلاحة، وكان نائب رئيس الحكومة في حكومتي أحمد بلافريج وعبد الله إبراهيم. 

ولم يذكر الحسن الثاني لبوعبيد قيامه، سنة 1974، بجولة في الخارج للتعريف بقضية الصحراء، ولا دفاعه عن “الوحدة الترابية” بشكل أكثر تجذرا عن الموقف الرسمي، ليصبح موقف الرجل رمزاً للتوتر بين الدولة المغربية والمعارضة اليسارية بشأن كيفية التعامل مع قضية الصحراء، ويصبح عبرة لمن يعارض الرواية الرسمية. 

قبل ذلك، وفي سبعينيات القرن الماضي، لم تكن المواقف الأكثر تشددا بشأن الصحراء صادرة عن الملكية، بل عن المعارضة، الممثلة في الاتحاديين أساسا، إذ كان عمر بن جلون، أشد معارضي الحسن الثاني بعد اختطاف المهدي بن بركة عام 1965، يطالب في عام 1975 باستعادة الصحراء من إسبانيا بالقوة بدلا من المسيرة السلمية.

وقد أظهرت المعارضة اليسارية العلنية، في هذه الفترة، شدة وصرامة بالغة تجاه قضية الصحراء، ولم تكن تفوت أي فرصة لتوجيه الانتقادات إلى القصر، متهمة إياه بالضعف والتردد، لينضاف ذلك إلى التهديدات المتعلقة بالمحاولتين الانقلابيتين اللتين عرفهما المغرب، الأولى يوم 10 يوليوز 1971، حيث نجا الحسن الثاني بصعوبة من محاولة انقلابية استهدفته في قصره بالصخيرات، حين كان يقيم حفل استقبال بمناسبة عيد ميلاده الثاني والأربعين؛ والثانية يوم 16 غشت 1972، عندما حاول طيارون من القوات الجوية الملكية المغربية إسقاط الطائرة التي كانت تقل الملك أثناء عودته من فرنسا، لكن المحاولتين باءتا بالفشل، كل ذلك دفع الملك إلى تبني مواقف أكثر حزماً تجاه إسبانيا، لتسارع إلى تحديد شروط انسحابها، وتصبح بذلك قضية الصحراء رسميا فرصة مثالية لتوحيد الصف الوطني.

مذاك جرت مياه كثيرة تحت الجسر، وأصبح خيار الاستفتاء غير قابل للتنفيذ باعتراف الأمم المتحدة، غير أن المفاوضات المباشرة ظلت قائمة بين الدولة المغربية وجبهة البوليساريو، قبل أن يطرح المغرب مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، كحل وحيد لتسوية النزاع، وهو مقترح تبنته فرنسا مؤخرا وإسبانيا في وقت سابق، بينما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية في عهد دونالد ترامب اعترافها بسيادة المغرب على الصحراء بشكل واضح.  

إجماع “قسري” واستثناءات “مزعجة”

جرت العادة، عند الحديث عن تدبير الدولة المغربية لملف الصحراء، أن نسمع عبارة “تدبير ملف الصحراء وفق الرؤية المتبصرة للملك”، وهو الجهة الوحيدة التي تدير ملف الصحراء منذ بدايته بشعار واضح: “الإجماع الوطني”، ويتم ذلك دون إشراك القوى الفاعلة في الساحة السياسية والحقوقية، وبذلك ظل دور الأحزاب، مقتصرا على ترديد المقاربة التي يحددها الديوان الملكي، الموجه الأساسي للسياسة الخارجية عامة، ولاسيما تلك المرتبطة منها بالوحدة الترابية، حتى أصبحت مواقف الأحزاب السياسية المتواجدة في البرلمان، امتدادا لمواقف الحكم، خاصة بعد أن اقتنع حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب الاستقلال بتجاوز المواقف التاريخية، التي تبناها زعماؤهما.

يوم 5 شتنبر 1981، أصدر المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي تصريحا حول قرارات نيروبي الثانية، اقترح فيه “بكل التأكيد الذي تتطلبه المرحلة التاريخية التي تعرفها بلادنا، أن ينظم استفتاء شعبي ديمقراطي طبقا للدستور، يدعو مجموع الشعب المغربي للتعبير عن موقفه بكل وضوح حول قرارات لجنة التطبيق المجتمعة في نيروبي الثاني المتعلقة بمستقبل الصحراء الغربية، أي بمستقبل وحدتنا الترابية”. وعلى إثر هذا البلاغ اعتقل أعضاء المكتب السياسي وعلى رأسهم عبد الرحيم بوعبيد ومحمد اليازغي ومحمد الحبابي وحكم عليهم بسنة سجنا نافذة وتم ترحيلهم لميسور (مركز إقليم بولمان حاليا) لقضاء المدة.

أما علال الفاسي، زعيم حزب الاستقلال، فقد أطلق  مجلة “صحراء المغرب” التي كانت “منبرا للتعريف بقضية الصحراء وبعدالة مطالب المغرب لاستعادتها من الاحتلال الاسباني، كما قام  شخصيا بمساع لدى المسئولين الإسبان للتعجيل بتصفية الاستعمار وأصدرت الشبيبة الاستقلالية في 11 يناير 1971 عريضة طالبت فيها بتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب”، وذلك قبل أن يتبنى بوضوح أطروحة “المغرب الكبير”، الذي يضم موريتانيا والصحراء الغربية والصحراء الشرقية (تندوف والساورة وتوات) وسبتة ومليلية، ويعارض دعم الحسن الثاني لاستقلال شنقيط (الاسم القديم لموريتانيا)، والصحراء الشرقية سنة 1972، ما دفع الجنرال أوفقير إلى أن يطلب من الملك إعدامه – أي علال الفاسي- غير أن الحسن الثاني رفض طلبه.

رحل علال الفاسي وفي نفسه شيء من حتى بشأن موضوع الصحراء، وبعد أن استعاد المغرب الساقية الحمراء سنة 1975، ووادي الذهب في غشت 1979، وبعد قبول الملك الراحل الحسن الثاني بالاستفتاء في الصحراء، “أكد حزب الاستقلال في العديد من المناسبات تمسكه بالتطبيق السليم لمخطط التسوية وفي مقدمته ضمان مشاركة جميع الصحراويين في الاستفتاء، ورفضه لأي تحريف يطال المخطط، لحرمان أبناء الصحراء من المشاركة في العملية الاستفتائية”.

وبعد أن وافقت الجهات الرسمية في المغرب على “التفاوض على أساس مشروع الاتفاق الإطار” الذي اقترحه المبعوث الأممي جيمس بيكر سنة 2001، “للوصول إلى التسوية النهائية للنزاع “، أكد حزب الاستقلال تأييده “لأي حل لا يمس بوحدة المغرب الترابية وسيادته الوطنية على الأقاليم الجنوبية”، ومذاك أصبحت مواقف حزب الاستقلال تتطابق مع الموقف الرسمي.

الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، بدوره تغيرت مواقفه من القضية، تبعا للتغيرات التي عرفتها القيادة السياسية التي تعاقبت عليه، وكذا التحالفات السياسية الخارجية التي عقدها، ففي عهد المهدي بنبركة اتخذ الحزب موقفا منسجما مع سياسة اليسار الفرنسي والعالمي آنذاك، فلم  يتبنّ الأطروحة الانفصالية ولم  يؤيد مطالب الجهات الرسمية في المغرب، بل اتخذ موقفا وسطا يطالب بـ “حق تقرير المصير” من جهة ورفع شعار وحدة المغرب العربي من جهة ثانية.

هذا الموقف لخصه تقرير بنبركة إلى المؤتمر الثاني للبلدان الإفريقية، المنعقد بين 25 و29 يناير 1960، بقوله “إن عملية الاكتساح والهجوم التي تمارس ضد جماهير الصحراء تفرض تقوية صفوفنا وإرادتنا، من أجل فرض إخلاء كل القواعد العسكرية الأجنبية، ودعم نضال الجماهير الصحراوية، بكيفية خاصة من أجل حريتهم وتقرير مصيرهم”. 

لكن القيادات التي توالت على قيادة الاتحاد الوطني، بعد اغتيال بنبركة سنة 1963، لم تستمر في تبني هذا الموقف، بل عادت إلى اعتبار الصحراء جزءَا من المغرب ينبغي استرجاعه، منتقدة في الآن ذاته، موقف المغرب الذي قبل عرض القضية على لجنة تصفية الاستعمار التابعة للأمم المتحدة، باعتبار أن هذا القبول يضفي الشرعية على “حق تقرير المصير” الذي تطالب به البوليساريو والدول المناصرة لها، ويتعارض مع أهداف المغرب في استرجاع أرضه.

قضية الصحراء وموقف اليسار الجديد في المغرب 

 لقد كانت قضية الصحراء من أبرز القضايا الخلافية في صفوف ما كان يسمى باليسار الجديد، أو الحركات الماركسية السرية في المغرب، إذ برز من خلالها التمايز القائم بين رؤيتين سياسيتين تعتمدان نفس المرجعية الفكرية، وتسعى كل منهما إلى فرز خط سياسي يدعو إلى الكفاحية من أجل تغيير موازين القوى لصالح الكادحين وفي طليعتهم الطبقة العاملة.

تبنت منظمة 23 مارس السرية، المعروفة تاريخيا بمنظمة ألف، موقف “مغربية الصحراء”، وتجلى ذلك في “الكراس” الذي صدر في شتنبر 1974، حول قضية الصحراء، تحت عنوان “طريقان لمعالجة مسألة الصحراء الغربية: طريق شوفيني بورجوازي وطريق وطني ثوري”، وضم الكراس إلى جانب رد المنظمة وجهة نظر لأحد قياديي، منظمة 23 مارس، وهو عبد السلام الموذن، حول”مغربية الصحراء”، أو المعبر عنه من داخل السجن ردا على إعلان مناضلي منظمة إلى الأمام لموقفهم إبان محاكمة.

وعبرت منظمة 23 مارس عن موقفها بوضوح أكبر في البيان الصادر عن لجنتها الوطنية بتاريخ 22/04/1974، حيث أوردت فيه “إن كون الصحراء مغربية لا يعني تأييدنا لإلحاقها بالعنف الرجعي بالنظام الملكي الأوتوقراطي التبعي المغربي، بل يعني التأكيد على الوحدة التي تربط الجماهير الصحراوية وجماهير المغرب، كما شأن سبتة ومليلية والجزر الجعفرية، فإن هذا لا يحل المشكلة”، وفقا لما ورد في موقع منسوب لعبد الكريم مطيع الحمداوي.

في المقابل وفي خضم مرحلة ما سمي بـ “سنوات الرصاص”، حسمت  منظمة “إلى الأمام” موقفها لفائدة مساندة جبهة البوليزاريو والدعوة لمناصرتها، بل إن موقفها امتد إلى الاعتراف بـ “الجمهورية الصحراوية” كممثل شرعي ووحيد للشعب الصحراوي. وقالت المنظمة إن الوضع أصبح في صالح الثورة وأن الجنوب سيصبح بؤرة ثورية ستشكل قاعدة للرفع من إيقاع النضال…”. 

وقرر مناضلو منظمة “إلى الأمام” لحظة محاكمتهم الاعتراف بالجبهة، وذلك بعد أن أعلن الإتحاد الوطني لطلبة المغرب عن نفس الموقف في المؤتمر الخامس عشر، والذي تبنى في إحدى توصياته “حق تقرير المصير للشعب العربي في الصحراء”.  

وربطت المنظمة، في مقال “فلسطين جديدة في أرض الصحراء”، المنشور على صفحات مجلة أنفاس، في عددها المزدوج 7 و8، دجنبر 1971 ويناير 1972، الموقف بمبدأ “ارتباط تحرر الصحراء، بتحرّر المنطقة العربية”. 

ويعتبر أيضا موقف حزب النهج الديمقراطي العمالي، من بين المواقف المزعجة للجهات الرسمية في الوقت الراهن، حيث دعا في البيان العام الصادر عن مؤتمره الخامس، المنعقد أيام 22 و23 و24 يوليوز 2022، “إلى الوحدة المصيرية بين شعوب المغرب الكبير ونبذ كل النعرات الشوفينية والتمزقات التي تؤججها الأنظمة القائمة”، وأيضا “إلى حل النزاع في الصحراء الغربية على قاعدة تقرير المصير وفتح حوار جاد على أساس المقررات الدولية ذات الصلة لتجنيب المنطقة مزيدا من المعاناة والمآسي، ومن أجل فتح الطريق أمام الحلول الديمقراطية، التي ستمهد لبناء وحدة الشعوب المغاربية”,

الجمعية المغربية تحت نار “التخوين”

خلال الأسابيع الأخيرة تعرض رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان عزيز غالي، ومن خلاله الجمعية المغربية لحملة واسعة، سخرت لها حسابات وصفحات على منصات التواصل الاجتماعي، وجرائد إلكترونية، تتهم الجمعية بـ “الخيانة” بعد تصريح لرئيسها أثار الجدل في المغرب. 

وقال عزيز غالي في حوار مصور له إن “موقف الجمعية  في المؤتمر الخامس كان مع تقرير المصير، وبعد جلوس المغرب إلى طاولة المفاوضات مع جبهة البوليساريو تحت قبة الأمم المتحدة، أصبح موقفها هو دعم حل تفاوضي يرضي جميع الأطراف ويجنب المنطقة الحرب”. 

وبالعودة إلى البيان العام للمؤتمر الخامس، كما هو منشور على المنصة الرسمية للجمعية، ، والصادر بتاريخ 05 أبريل 1998، كأول وثيقة رسمية صادرة عن مؤتمر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، نجد أنه “بشأن ملف الصحراء يتطلع المؤتمر إلى طيه نهائيا وجعل حد لكافة انتهاكات حقوق الإنسان المرتبطة به وذلك بالاستفتاء الحر والنزيه“. ولم نعثر حتى الآن في البيانات الختامية لمؤتمرات الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، سواء في نسختها الإلكترونية المنشورة على المنصة الرسمية للجمعية، أو في نسختها المطبوعة الصادرة في الطبعة الخامسة من “وثائق مرجعية”، في أكتوبر 2011، على عبارة “حل تفاوضي يرضي جميع الأطراف”.

موقف الجمعية من “الاستفتاء” إلى “الحل الديمقراطي” 

 بينما لم تتناول مؤتمرات الجمعية الأربعة الأوائل أية إشارة صريحة إلى الموقف من النزاع في الصحراء، وكذلك الأمر في المؤتمرين السادس والسابع، شكل البيان الختامي الصادر عن المؤتمر الوطني الخامس، أول بيان ختامي تتناول فيه الجمعية الموضوع، حيث دعت إلى “طيه -النزاع- نهائيا وجعل حد لكافة انتهاكات حقوق الإنسان المرتبطة به وذلك بالاستفتاء الحر والنزيه“، كان ذلك في فترة رئاسة النقيب عبد الرحمان بنعمرو. 

وعادت الجمعية لتناول الموضوع في البيان العام الصادر عن المؤتمر الوطني الثامن، بتاريخ 22 أبريل 2007، جاء فيه أنه “وبالنسبة للنزاع حول الصحراء، إن المؤتمر يعبر عن استيائه لاستمرار هذا النزاع منذ عشرات السنين مع ما نتج عنه من ضحايا، ومن إهدار للطاقات الاقتصادية، ومن عرقلة لبناء الوحدة المغاربية المنشودة.

ويؤكد المؤتمر موقف الجمعية بشأن الحل الديمقراطي للنزاع حول الصحراء وبشأن التصدي لكافة الانتهاكات الناتجة عن النزاع مهما كان مصدرها”، وهو نفس الموقف المعبر عنه في البيان العام الصادر عن المؤتمر الوطني التاسع، بتاريخ 23 أبريل 2010، وكذلك المؤتمر الوطني العاشر في شهر أبريل من سنة 2013.

وفي ذات السياق جدد البيان العام الصادر عن المؤتمر الوطني الحادي عشر، في أبريل من سنة 2016 “التعبير عن استيائه من استمرار هذا النزاع، منذ عشرات السنين، مع ما نتج عنه من ضحايا ومآس إنسانية، وإهدار للطاقات الاقتصادية، وعرقلة لبناء الوحدة المغاربية المنشودة، مؤكدا في نفس الوقت على موقف الجمعية بشأن الحل الديمقراطي والفوري للنزاع، والتصدي لكافة الانتهاكات الناتجة عن النزاع مهما كان مصدرها”، وهي نفس الصيغة التي تضمنها البيان العام الصادر عن المؤتمر الوطني الثاني عشر في أبريل سنة 2019، ثم المؤتمر الوطني الثالث عشر في يونيو 2022، وهو آخر مؤتمر إلى حدود اليوم.

وظل نفس الموقف، أي “الحل الديمقراطي والفوري للنزاع في الصحراء الغربية”، هو الذي طالما عبرت عنه الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في تقاريرها السنوية.

النزاع على الصحراء داخل الجمعية 

الإشارة إلى المواقف الصادرة عن هذا الإطار الحقوقي، في بعض البيانات الختامية لمؤتمراته، لا يؤكد وجود إجماع بين مكوناته على الموقف من الصحراء، بل طالما شكل مجالا للصراع والنقاش، بين مؤيدي “الحل الديمقراطي والفوري للنزاع”، وبين أنصار تبني الرواية الرسمية للدولة المغربية. 

وشكل المؤتمر الوطني التاسع المنعقد من 20 إلى 23 ماي 2011،  ببوزنيقة، تحت شعار “حركة حقوقية وديمقراطية قوية من أجل دستور ديمقراطي، دولة الحق والقانون ومجتمع الكرامة والمواطنة”، المحطة التي انفجر فيها الخلاف، إلى درجة انسحاب منتدبين منتمين إلى كل من حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، والحزب الاشتراكي الموحد، من الترشح للجنة الإدارية المنبثقة عن المؤتمر التاسع للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، معتبرين أن “المؤتمر تحكمت فيه نية الإقصاء والهيمنة لطرف واحد على الأطراف الأخرى، من خلال استغلال أغلبية عددية جرى الإعداد لها من قبل”، بل وقاموا برفع شعارات وترديد أغان حول “مغربية الصحراء”، وضد ما اعتبروه “مواقف انفصالية، يريد تثبيتها بعض المنتمين إلى حزب “النهج الديمقراطي” ضمن أدبيات الجمعية”.  

غير أن أجهزة الجمعية المنبثقة عن المؤتمر، بقيادة خديجة رياضي، لولاية ثانية، اعتبرت في بلاغ توضيحي أن الأمر لا يتعلق بالخلاف على الموقف من الصحراء، بقدر ما يتعلق بمطالبة المنسحبين بكوطا، أي بتدبير التمثيلية التعددية للفصائل في أجهزة الجمعية، وهو ما تم رفضه، مما دفعهم للانسحاب.

علاقة بتداعيات المؤتمر الوطني التاسع للجمعية، المشار إليها أعلاه، وفي إطار بحثنا في وثائق الجمعية عن سيرورة تطور الموقف المعلن من قبلها حول النزاع في الصحراء، وقفنا على بتر صفحة كاملة من البيان الصادر عن المؤتمر الوطني الخامس، وذلك في نسخة مطبوعة تحت عنوان “وثائق مرجعية: 32 سنة من النضال من أجل حقوق الإنسان”، في طبعتها الخامسة، الصادرة في أكتوبر من سنة 2011، إبان الولاية الثانية لخديجة رياضي.

وبالرجوع إلى النسخة الإلكترونية المنشورة على المنصة الرسمية للجمعية، تأكدنا من بتر صفحة كاملة، حيث تم تقسيم البيان، كما جرت العادة في بيانات الجمعية، إلى التطرق للوضع على الصعيد العالمي، ثم على المستوى العربي والمغاربي، في حين لم يرد المحور المتعلق بالمستوى الوطني، على عكس النسخة الإلكترونية التي أوردت هذا المحور، وهو ما قد يفهم الرغبة في تلطيف الأجواء من قبل قيادة الجمعية آنذاك للحفاظ على وحدة الصف الداخلي.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram