الرئيسية

“جمعة الموت”.. رواية تفضح ما حدث في “مجزرة مليلية” 

يلخص عنوان "جمعة الموت" حكاية واحدةٍ من أكثر مآسي الهجرة دمويةً في تاريخ المغرب. وعمدت رواية  "جمعة الموت" إلى استدعاء تفاصيل يوم "الجمعة الدامي" من ذاكرة كاتبها السوداني "الحافظ ترجوك"، الذي استعرض تجربته القاسية في ما بات يعرف بـ"مأساة مليلية"، حيث رأى الموت في 24 يونيو 2022 على بعد أمتار قليلة من حدود سيطرة الاتحاد الأوروبي.

“هوامش”| سعيد المرابط

تقدم الرواية، على امتداد 130 صفحة من الحجم المتوسط؛ سردًا واقعيًا للمعاناة التي واجهها المهاجرون السودانيون وغيرهم خلال محاولتهم عبور السياج، يوم 24 يوليوز 2022؛ وما ترتب على ذلك من مأساة إنسانية في “مجزرة مليلية”.

توثيق لجريمة حقيقية 

رواية “جمعة الموت”، هي عمل أدبي يوثق ما ارتكبته الدولتان المغربية والإسبانية في حق المهاجرين السودانيين، خلال الواقعة التي خلفت عشرات القتلى والمصابين على أيدي القوات العمومية المغربية وكذلك الشرطة الإسبانية.

ويسرد “الحافظ ترجوك” في روايته؛ حقائق وأدلة وتفاصيل حول الحادث المأساوي الذي كان أغلب ضحاياه من المهاجرين السودانيين، عند محاولتهم عبور السياج الفاصل بين الناظور ومليلية المحتلة، بالإضافة إلى معطيات حول الوفيات والمفقودين والمعتقلين، الذين يقبعون إلى يومنا هذا في السجون المغربية، وذلك “بعد إدانتهم بأحكام جائرة وبناءً على اتهامات باطلة”، حسب تعبير الكاتب “الحافظ ترجوك” في تصريح لـ”هوامش”.

ويضيف الكاتب الذي كان شاهدًا على هذه المجزرة، أن روايته رأت النور “بعد تحقيق طويل وشامل حول ما حدث في ذلك اليوم الدامي من انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، ضد اللاجئين على يد القوات المغربية”.

ويشدد الكاتب على أنه شهد “استخدام القوة والعنف المفرط دون أي مبرر”، كما يسرد تفاصيل “المعاناة التي عاشها المهاجرون السودانيون والأسباب التي دفعتهم إلى مغادرة بلدانهم قبل الوصول إلى المغرب، على أمل العبور إلى أوروبا بحثا عن لقمة عيش كريمة”.

إقرأ أكثر “مأساة مليلية:  رحلة السّوداني “أنور”..  من حلم إنقاذ أمه إلى مشرحة النّاظور”

إحياءً لذاكرة الموت

 تستعرض الرواية على مدى صفحاتها  قسوة الصراع مع الواقع، وتنقل القارئ عبر خرائط الوجع، حيث تتسلل تضاريس الخوف ورائحة الموت منذ اللحظة الأولى، ابتداءً من العنوان نفسه “جمعة الموت”. 

ومع كل خطوة يخطوها القارىء في رحلته مع الرواية، التي تحتوي على 13 فصلا؛ يسير بين دروب الهروب من جحيم الحرب في السودان، وبين المقابر المؤجلة في دول العبور، حتى يصل إلى مجزرة مليلية. 

وهكذا تبدأ مشاعر القارئ في التفاعل مع خريطة النص الموجع، فتبدأ التفاصيل القاسية للحكي المكتظ بالموت والدمار في التهاوي، حتى يصبح الصمت الذي يسكنه أكثر وجعًا. تتفتق حنجرته عن تَمْتمات خافتة، تليها تمتمات أخرى، وكأنها صرخات محبوسة في أعماق الروح، تندد بكل هذا القهر.

وتُحيل رياح المعنى، في هذا النص، على كل الأزمنة البائسة، حيث تتراكم ذكريات “الجنقو”، من أرض السودان إلى قمة جبل “غوروغو” بالناظور، ذكريات دفنت في أعماق ذاكرة المأساة، تأخذ القارئ إلى تراجيديا “الجمعة الأسود”، ذلك اليوم الذي يشكّل لمن عاشوا تفاصيله تاريخا خاصا، نفسيا وماديا، ملتصقًا برفات القتلى، ورائحة الدخان المنبعث من قنابل الغاز، حتى تستقر بين دفتي كتاب “يهدف إلى إظهار جرائم جمعة الموت التي ارتكبتها السلطات المغربية والإسبانية” كما نقرأ في الغلاف.

إقرأ أكثر “ذكرى مأساة مليلية..  عامٌ على فاجعة جعلت الحدود أكثر خطورة من أي وقت مضى”

تجربة أدبية قاسية 

تعبرُ هذه الرواية، عن تجربة أدبية قاسية وشديدة التأثير، حيث تأخذ القارئ في رحلة إنسانية محمّلة بالألم والمعاناة، التي عاشها اللاجئون والمهاجرون الفارّون من جحيم الحرب في السودان، ليجدوا أنفسهم أمام أهوال جديدة في دول العبور، وصولاً إلى مجزرة مليلية.

من خلال أحداثها، ترسم الرواية للقارئ صورة مؤلمة عن واقع هؤلاء المهاجرين وطالبي اللجوء؛ الذين تشتبك حياتهم مع السياسات القاسية للأنظمة والحدود المغلقة، حيث يتحول الهروب من الموت إلى مواجهة موت آخر أكثر بشاعة.

“جمعة الموت” ليست مجرد عنوان، بل هي بوابة نحو سرد موجع يمزج بين الواقع والتوثيق، ويدعو القارئ إلى تأمل حجم المعاناة التي يعيشها المهاجرون من خلال سرد مشحون بالواقع والتفاصيل المؤلمة. وبذلك تلقي الرواية الضوء على محطات الألم بين الماضي والحاضر، من ذكريات السودان الموجعة إلى مآسي “فاجعة الناظور” وما تلاها من أحداث، حيث تتحول الرواية إلى شاهد حي على مأساة إنسانية مكتومة.

ويوجه الكاتب رسالة صارخة، تسلط الضوء على الجرائم المرتكبة ضد المهاجرين، وعلى الصمت الدولي تجاه ما حدث يوم “الجمعة الدامي”. 

وينتمي النص إلى جنس الرواية الواقعية، فهو يسرد قصة حقيقية، ويمكن إدراجه ضمن حقوق الإنسان الثقافية؛ فهو ليس فقط توثيقًا لواقع مرير، بل هو دعوة للتأمل في قيمة الإنسان ومعنى العدالة، حين يلامس الروح بألم غير مألوف، ويضع القارئ أمام تساؤلات أخلاقية عميقة حول المسؤولية والإنسانية.

إقرأ أكثر “عامان على مأساة مليلية.. العدالة الغائبة”

شهادة حية عن بشاعة المأساة

في حديث له مع منصة “هوامش”، يقول الكاتب الحافظ ترجوك، أن “جمعة الموت” ليست مجرد رواية، “بل شهادة حيّة تكشف عن واحدة من أبشع المآسي الإنسانية التي شهدتها الحدود المغربية الإسبانية”.

ويضيف الكاتب الشاب، أنه “يروي أيضا أحداث مجزرة ‘الدكشة’ التي راح ضحيتها مهاجرون سودانيون كانوا يبحثون عن فرصة للحياة، لكنهم وجدوا أنفسهم في مواجهة قسوة الواقع والسياسات الحدودية التي لا تعرف الرحمة”.

وكان الكاتب نفسه “شاهدًا وضحية لهذه المجزرة”، حيث “تعرضت للتعذيب من قبل ثلاثة أفراد من الحرس المغربي بعد إرجاعي قسرًا من مليلية”، يؤكد ترجوك لـ”هوامش”، بينما تسرد الرواية  بلغة مليئة بالألم تفاصيل التعذيب، المعاناة، والظلم الذي تعرض له الكاتب والعديد من المهاجرين على أيدي السلطات المغربية والإسبانية.

“بعد أن تم تسليمي للحرس المغربي، تم ضربي وتعذيبي من قبل ثلاثة أشخاص من الجيش المغربي، أحاطوا بي وكنت على وشك أن أفقد إحدى عيني”، يؤكد ترجوك. وبعد ذلك، تم ترحيله إلى مدينة الفقيه بن صالح، “دون أن أعرف أني ذاهب إلى هناك، رغم أني تحركت من المدينة ذاتها والتحقت بالدكشة، وإلى الآن لا أدري ما الدرس من تلك الصدفة الغريبة؟” يضيف الكاتب لمنصة هوامش . 

توثيق ومطالبة بالعدالة

يقول الحافظ ترجوك، لـ”هوامش”، إنه سعى في روايته، إلى “كشف الجرائم، بتوثيق أحداث جمعة الموت، وإظهار الانتهاكات التي تعرض لها المهاجرون”. ويؤكد أن عمله يحمل “مناشدة للجهات الإنسانية للتحرك لإطلاق سراح المهاجرين المعتقلين في السجون المغربية على خلفية المأساة”.

ويطالب الكاتب الذي يعيش الآن في بريطانيا، بـ”العدالة للضحايا والمعتقلين، وفرض عقوبات على المسؤولين في السلطات المغربية والإسبانية وتعويض أسر الضحايا”.

وأشار ترجوك في حديثه لـ”هوامش”، أن العمل يحاول “تسليط الضوء على معاناة المهاجرين، من خلال شرح الأسباب التي تدفعهم إلى الهجرة، والصعوبات التي تواجههم في الطريق”.

وبدأت فكرة الرواية عندما نجا الحافظ ترجوك نفسه من مجزرة “جمعة الموت”، و”استغرقت الكتابة عامًا كاملًا” يؤكد الكاتب لهوامش.

ويضيف ”بدأت العمل عليها في أكتوبر 2023 أثناء إقامتي في فرنسا، وانتهيت منها في شتنبر 2024 في إنجلترا”.

“جمعة الموت” حسب كاتبها، “ليست مجرد قصة هجرة ومعاناة، بل هي صرخة إنسانية تسعى لإحياء ذكرى الضحايا ومحاسبة الجناة”. دون أن يفوت الكاتب التعبير عن تقديره لـ”الشعب المغربي النبيل الذي وقف بجانب المهاجرين رغم السياسات القاسية”.

مأساة مليلية

في 24 يونيو 2022، وقعت إحدى أكبر المآسي التي شهدها تاريخ الهجرة غير النظامية عند السياج الفاصل بين الناظور ومليلية المحتلة. وفي ذلك اليوم، توفي ما لا يقل عن 23 شخصًا حسب السلطات، وربما أكثر، وفق تقديرات المنظمات غير الحكومية؛ أثناء محاولتهم القفز على السياج.

إلى اليوم، أغلقت تحقيقات رسمية في الأحداث، من قبل السلطات المغربية ونظيرتها الإسبانية، كلا على حدة، ولم تتضح الحقيقة؛ لكن المعروف أنه في ذلك اليوم تجمع حوالي 2000 شخص في جبال الناظور، ونزلوا بشكل جماعي بهدف الوصول إلى إسبانيا.

وسقط بعض المشاركين في المحاولة من على السياج، وسحق آخرون حتى الموت. ولا يعرف بالضبط ما الذي حدث أو ما الذي أدى إلى كل ذلك العنف والموت، لكن هناك مقاطع فيديو تظهر أن الجرحى والقتلى لم يتلقوا الاهتمام اللازم من السلطات المغربية أو الإسبانية في أي حال من الأحوال.

وتتحدث منظمات حقوقية، مثل “الجمعية المغربية لحقوق الإنسان”، و “كاميناندو فرونتيراس” الإسبانية، و”منظمة العفو الدولية”، عن ما لا يقل عن 37 ضحية، ونحو 70 في عداد المفقودين. 

وتشير هذه المنظمات غير الحكومية أيضًا إلى أن مئات الأشخاص قضوا ساعات على الأرض دون أن يتلقوا أي نوع من الرعاية الصحية، رغم توفرها، كما أعيد نحو 470 شخصًا من مليلية دون أي نوع من الإجراءات القانونية أو الضمانات الحقوقية.

وتم التحقيق في القضية من قبل مكتب المدعي العام الإسباني، الذي أغلقها في دجنبر 2022، على اعتبار أنه “لا يوجد أي دليل على ارتكاب جريمة من قبل عناصر قوات الأمن الإسبانية”، لكن البيانات لا تزال غير واضحة. 

وبعد ذلك بسنتين، في الـ24 يونيو 2024، قررت النيابة العامة المغربية، حفظ ملف التحقيق في “مأساة مليلية”، معتبرة أن “قوات الأمن المغربية تدخلت بطريقة مهنية ومناسبة حيال ما حدث ذلك اليوم”.

وبهذا طويت المسؤولية المباشرة للمأساة في صفحات النسيان، على الرغم من أن منظمات حقوق الإنسان لا تتوقف أبدًا عن الإشارة إلى أن سياسات إضفاء الطابع الأمني ​​وتصدير الحدود، التي تنهجها أوروبا، هي المسؤولة عن الموت الجماعي للمهاجرين، وطالبي اللجوء، الذين كانوا يحاولون الوصول إلى الأراضي الأوروبية في ذلك الوقت “الجمعة الأسود”.

وبهدف تسليط القليل من الضوء على هذا التاريخ وتذكره، وإعطاء صوت لأولئك الذين لم يحققوا حلم الوصول إلى إسبانيا، ألفَ الحافظ ترجوك، روايته “جمعة الموت”، ليسرد تفاصيل المأساة بلسان شاهد العيان.

إقرأ أكثر: تحقيق دولي  يكشف أن المغرب “نصب فخًا مميتًا” لمهاجري”مأساة مليلية”

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram