الرئيسية

حوار/ حمزة محفوظ لـ “هوامش”: تخليت عن تذكرة العودة إلى المغرب بعد توقيف عبد المومني

أجلت المحكمة الزجرية بالدارالبيضاء، صباح اليوم الإثنين 30 دجنبر، ملف الناشط الحقوقي فؤاد عبد المومني إلى يوم 20 يناير 2025. وقررت النيابة العامة متابعة عبد المومني يوم فاتح نونبر الماضي، على خلفية تدوينة له على منصة فايسبوك، علق فيها على تدوينة نشرها الناشط حمزة محفوظ تتناول عودة العلاقات الفرنسية المغربية، بمناسبة زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمغرب. خلال هذا الحوار، يحدثنا حمزة محفوظ عن موضوع فتح التحقيق على خلفية نشره لتدوينة مطولة، قالت النيابة العامة إنها تحتوي على أخبار وإدعاءات كاذبة، والتحقير من قرارات قضائية والتبليغ عن جرائم يُعلم بعدم حدوثها.

هوامش

صدقا، أعرف يقيناً بعودتي. صحيح أني متابع حسب ما أكدته مواقع مشهورة بقربها من دوائر في الدولة، لكنني فرد لا يستطيع الابتعاد عن بلاده لمدة طويلة. ليس فقط بسبب الإحساس بالواجب تجاه البلاد وأحبابي فيها، لكن هناك حاجة نفسية عميقة، تجعلني في لحظة معينة أحجز تذكرة صوب المغرب، قد تتكثف من الحاجة إلى أشياء بسيطة مثل الرغبة في الذهاب إلى الحمّام المغربي، أو الشوق إلى قصعة كسكس بالقديد من طبخ أمّي، أو الشوق إلى رائحة صديق أو صديقة على وجه التعيين لحظة عناق، أو الجلوس مع بنت أختي لتلوين الدفاتر والأوراق. 

ثمّ، ما زلتُ أتمنى أن تكون هناك أطراف عاقلة داخل الدولة، لتوقف هذا العبث، فأنا لم أفعل شيئا يستحق أن تتمّ متابعتي على أساسه، فضلاً عن إمكانية اعتقالي، أعتقد أنّه لا يجوز الاعتقال بسبب الكلمات والرأي. إنّ التداول بالكلمات هو طريقنا الوحيد لمراكمة فضاء عام سويّ، في انتظار الديمقراطية والفصل بين السلط، وهو ما يبدو بعيدا هذه السنوات بأشد مما سبق. 

5 star rating
5 star rating
5 star rating
5 star rating
5 star rating
إنّ التداول بالكلمات هو طريقنا الوحيد لمراكمة فضاء عام سويّ، في انتظار الديمقراطية والفصل بين السلط.
حمزة محفوظ
ناشط حقوقي

سبب إلغائي للسفر هذه الأيام، هو أنّني أحسستُ أن شحن البطارية من المغرب، الذي قمتُ به السنة الماضية، ما يزال ساري المفعول، ووازنتُ بين حاجتي للذهاب الى المغرب، والخطر التي يمكن أن أتعرض إليه نتيجة متابعتي المفترضة مع الصديق فؤاد عبد المومني، ففضلتُ السلامة هذه المرة، وتخليتُ عن سفري المفترض، خاصة أن تذكرة الطائرة لم تكن مرتفعة الثمن.

 لقد استشرتُ مع الكثير من الأصدقاء، أهمهم معتقلون سابقون، نصحوني بعدم الرجوع لأنّ السلطات في المغرب مؤخراً تخبط خبط عشواء. لم أتوصل بأي استدعاء في عنوان بيتي الفرنسي أو عنوان بيت أهلي في المغرب، كما لا أفهم كيف تسمح الدولة لنفسها بنشر أخبار عبر مواقع تفتقد للحد الأدنى من الأناقة، بخصوص مواطن، قبل أن تُعلمه بشكل رسمي بقرار متابعته. ويُذكرني سؤالك ومحاولة تأمله بقصيدة الشاعر التونسي الصغير ولد أحمد “نحب البلاد، كما لا يحب البلاد أحد، نحج إليها، مع المفردين، عند الصباح، وبعد المساء، ويوم الأحد…”

تلقيتُ الخبر في الأول بسخرية، لكن تحول الأمر إلى قلق حين تمّ اعتقال صديقي فؤاد عبد المومني، لأنه شارك التدوينة التي كتبتها على صفحته. هو واحد من الشخصيات التي أحترمها بشدة، خاصة أنه سُجن مرات عدة في عهد الحسن الثاني. وإنّ اعتقاله بتلك الطريقة جعلني أخاف على بلادي، هذه أول مرة تعود السلطات المغربية لتوقيف شخص عاش تجربة السجن في عهد الحسن الثاني. كان هذا أشبه بالحد الرمزي الذي تحترمه دولة عهد محمد السادس، لكن، اعتقال فؤاد رغم مدته القصيرة تجاوز لهذا الحد، ما جعلني أحس بالقلق. وحين أفرج عنه، فرحتُ فرحة أتمنى أن تدوم وأن تعم، أن تدوم بأن لا يُعاد اعتقاله ويتم اسقاط التهم عنه، وأن تعّم بقية معتقلي الرأي، وعلى رأسهم معتقلو الريف والبقية.

إن الدولة المغربية تشتغل بما يذكّر بأسطورة “سيف ديموقليس”، وهو سيف مرفوع بشعرة فوق رأس المعاقَب يمكن أن يسقط عليه في أي وقت. تبتغي الاستراتيجية دفع الناس للصمت، عبر القلق الدائم من الخطر المستمر، الذي أحياناً يكون أسوأ من الاعتقال نفسه، ويدفع صناع الآراء غير المتماهين مع سرديات الدولة من صحافيين ومناضلين إلى الصمت، أو الجنون في حالات متطرفة.

في الأخير هي (السلطات المغربية) لا تعتقل سوى عدد محدود من الناس، لكنها، رغم تجاوزاتها واعتقالاتها المحدودة ظاهرياً، تكون قد زرعت “سيوف ديموقليس” فوق رؤوس الآلاف.

كما أخبرت سابقاً، فلم يصلني بعد أي استدعاء رسمي يُبيّن التهم الموجهة إلي، لكن، تناقلت المواقع المقربة من أجهزة المخابرات أنّي متابع، صحبة صديقي فؤاد عبد المومني، بتهم نشر أخبار وإدعاءات كاذبة، والتحقير من مقررات قضائية، والتبليغ عن جرائم يُعلم بعدم حدوثها.

أنا أؤكد كل المعلومات التي جاءت في تدوينتي السابقة، وأرى أنّ من دليل “هُزال” دولتنا طريقة صياغة التهم التي تبتغي إخراس الجميع. إن الصمت والعزلة بين أطراف المجتمع، لا تبني دولة نتطلع إليها، بل تُقربنا أكثر من حالة الأنظمة الشمولية التي نحاول تحاشيها. لقد قامت الفيلسوفة حنا أرندت في كتاب “أسس الديكتاتورية” بالمقارنة بين خصائص نظامي الفاشية في ايطاليا، والنازية في ألمانيا، فوجدت بينهما ملامح مشتركة، وهي زرعهما للعزلة بين المواطنين، وخوف الجميع على أنفسهم من الحديث والتنظيم، بافتراض أنّ المواطن المعزول يسهل قياده. في المحصلة لم تنجح تلك الرغبة، بل انهار النظامان.

أعتقد أن إنكار التجسس موجّه للداخل أكثر منه للخارج. في الخارج تقريباً جميع الجرائد الفرنسية والدولية نشرت تقارير عن الموضوع بتفاصيله، ولا أحد يتوهم أن الدولة المغربية أو أجهزتها قد تتابع كل المنابر الإعلامية أمام القضاء الأوروبي، ما بالك بإمكانية إدانتها. لم أكشف في تدوينتي أي جديد، فقط، أعدتُ ترتيب النقاط والتذكير بها، في توقيت كانت السلطات المغربية تنتظر أن نحتفي جماعياً بالتقارب مع الرئيس ماكرون، وأن ننسى الوقائع. أن نكذب على أنفسنا ونصدق الكذبة.

5 star rating
5 star rating
5 star rating
5 star rating
5 star rating
لم أكشف في تدوينتي أي جديد، فقط، أعدتُ ترتيب النقاط والتذكير بها، في توقيت كانت السلطات المغربية تنتظر أن نحتفي جماعياً بالتقارب مع الرئيس ماكرون
حمزة محفوظ
ناشط حقوقي

إن ماكرون يحتاج المغرب، وفرنسا تحتاج كل سوق ممكنة لسلعها وإنتاجها أمام الصعوبات الاقتصادية والسياسية التي تمّر بها. لطالما شكّل المغرب بالنسبة للفرنسيين الوجهة المفضلة، إذ تمنح لهم امتيازات مكلّفة وغير منطقية من دولة ذات اقتصاد محدود. اعتمدت الدولة المغربية على حرمان الفرنسيين طوال أشهر من امتيازات ألفوها، ما دفعهم للتفكير في مخرج من الأزمة، حتى ولو كان عن طريق مسرحية سمجة، ينتهي فيها الطرفان إلى وئام مصطنع. 

شكّل الانترنت وسيلة للتداول بين المغاربة طيلة سنوات، عبر التدوين وتبادل الآراء وتطويرها. لكن الدولة تريد اليوم استعادة التحكم فيه كما تحكمت في فضاءات أخرى، وبدل أن تفتح المجال للتداول والخطأ والتصحيح، تفترض الدولة أنها حسمت الأسئلة الكبرى والنقاش حولها بالقفل والمنع والسجن. وهذا حل غير مستدام. لا يمكن أن يكون مستداماً، والأدلة والنماذج على ذلك كثيرة، شرقا، أنظمة افترضت أنها هزمت، المعارضة والرأي المختلف، لكن انفجر الوضع بعد سنوات من استيهامات النجاح والاستقرار في التجبّر على الناس.  

تفترض السلطة المغربية أنها حققت الغلبة بعد أن دمرت الحياة الحزبية في بلادنا، وتفترض أيضاً أنها أقفلت المجال على الصحافة المستقلة (عن الدولة) التي كانت منتعشة في السنوات الأولى لحكم الملك محمد السادس، لكن أعتقد أنّ مطالب حركة عشرين فبراير ما تزال تمتلك راهنية اليوم، رغم مرور كل هذه السنين على أول مظاهرة سنة 2011، بل وستبقى كذلك. لا أرى حلاً لأزمة بلدنا عنها بمبعد. 

5 star rating
5 star rating
5 star rating
5 star rating
5 star rating
تفترض السلطة المغربية أنها حققت الغلبة بعد أن دمرت الحياة الحزبية في بلادنا، وتفترض أيضاً أنها أقفلت المجال على الصحافة المستقلة، لكني أعتقد أنّ مطالب حركة عشرين فبراير ما تزال تمتلك راهنية اليوم
حمزة محفوظ
ناشط حقوقي

في الظاهر سبب الاعتقال الذي طال فؤاد، والمتابعة المفترضة لي وله، هو التدوينة التي كتبتُها والتعليق الذي أضافه، لكن حين نستحضر المتابعات المختلفة لعدد كبير من المواطنين المغاربة الذين يُعبّرون عن آرائهم، ثم نستحضر فكرة الفيلسوف الفرنسي الراحل ميشيل فوكو، نجد أن السبب الحقيقي هو محاولة الدولة المغربية إعادة السيطرة لإقفال هذا المجال، الذي شكّل واحداً من أهم مجالات التداول السياسي بين المغاربة في السنوات الأخيرة.

هذا السؤال ذكرني بمحاضرة لميشيل فوكو في “كوليج دو فرونس”، حول موضوع الرقابة وأشكال السيادة. يتحدث في موضع منها عن أن الرقيب لا يفتح فضاءات جديدة، بل المراقب هو الذي يجترح المجالات الجديدة، فيُحاول الرقيب إعادة السيطرة عليها لاحقاً. وذلك ما يحدث في المغرب تجاه الأنترنت، سواء في الصحافة الالكترونية أو شبكات التواصل الاجتماعي، لقد عشنا سنوات أولى في جو من الحرية والحماسة، والمقولات المنتقدة للسلطة كانت متداولة على الأنترنت بشكل واسع، لكن الدولة تحاول الآن أن تعيد بسط سيطرتها عليه، سواء بالتمويلات التي تدفع للصحف المقربة، أو باعتقال الصحفيين وأصحاب الرأي من منتقديها.

5 star rating
5 star rating
5 star rating
5 star rating
5 star rating
الدولة تحاول الآن أن تعيد بسط سيطرتها عليه، سواء بالتمويلات التي تدفع للصحف المقربة، أو باعتقال الصحفيين وأصحاب الرأي من منتقديها.
حمزة محفوظ
ناشط حقوقي

الجميع يمارس الرقابة الذاتية في المغرب، سواء اعترف بذلك أو أنكره. إن الكلفة العالية للرأي تجعل المغاربة يحسبون حسابات شتّى قبل أن يعبّروا عن آرائهم. لكنّي أرى ألا بديل أمامنا. في هذا الوضع يُصبح التعبير شكلا من أشكال المقاومة. إنّ صياغة الأفكار والتداول فيها، والتعديل والتصحيح، وغيرها من عمليات الفكر هي عمليات لازمة لنستطيع إيجاد مخارج لمستقبل بلدنا. 


أعتقد أنّ علينا كمغاربة أن نعرف وجهتنا الجماعية، ونبني لنفسنا مشروعاً وطنياً واضحاً، بمعزل عن العلاقة مع فرنسا أو غيرها من الدول المتقدمة. حين تأملت أسماء الوفد المرافق لماكرون في زيارته الأخيرة للمغرب، أحسستُ كأنهم قادمين من مرحلة سابقة مضى عليها الزمن، خليط من الشخصيات التي ساهمت في مرحلة، ولا تريد أن تترك المكان للأجيال الشابة، وأبناء اليوم.

لذلك عبّرتُ في تدوينتي عن فكرة أنّ أهم وفد يمكن أن يُستقبل في القصر الملكي هم الشباب المغاربة الذين وُضعوا في السجن أمثال عُمر الراضي، وسليمان الريسوني، ونبيل احمجيق، وناصر الزفزافي… إنّ هؤلاء أبرك لمستقبل بلادنا وشعبنا من الشخصيات العجيبة الكهلة التي رافقت ماكرون.

5 star rating
5 star rating
5 star rating
5 star rating
5 star rating
أهم وفد يمكن أن يُستقبل في القصر الملكي هم الشباب المغاربة الذين وُضعوا في السجن أمثال عُمر الراضي، وسليمان الريسوني، ونبيل احمجيق، وناصر الزفزافي.
حمزة محفوظ
ناشط حقوقي

أكملتُ عشر سنوات في الخارج. طيلة الوقت كنتُ أحّس أنّ أوروبا بيت مؤقت بالنسبة لي. ما زلتُ أعتقد أنّ المغرب بلد جميل ويستحق أن نأمل فيه بغد أفضل. حين أفكّر في المغرب، أو أتحدث عنه، أحس أن الدورة الدموية تتحرك في قلبي وحواسي، بينما حين أتحدث عن الغرب أو أفكر فيه، أظن أنه لا يثير في نفسي أي مشاعر قوية بقدر المغرب.

خلال تجربة المرض بالسرطان، قضيتُ ليالي طويلة ساهراً أفكّر إن نجوتُ من المرض، ما الأشياء التي أنوي إنجازها وأين، وبعد أشواط من التفكير والسهاد واللقاءات مع الأخصائيين النفسيين، قررتُ أنّي إذا نجوتُ، أطمع في العودة إلى المغرب، والعودة لنشاط طالما أحببت القيام به في بلادي، وهو تنظيم نقاشات للكتب في المقاهي والساحات.  

حين اتصل بي المخرج المغربي حكيم بلعباس، الذي عيّن مديراً لمعهد السينما بالرباط، وعرض عليّ أن أعمل في المعهد، لتشجيع الطلبة على قراءة الكتب ونقاشها، أحسستُ أنها فرصة من الجنة، وذهبتُ بفرح كبير. حملتُ حقائبي ومشاعر الشوق التي تسكنني طيلة عقد من الزمن، ومئات الكتب التي أحب، وقصدتُ الرباط.

اشتغلتُ أستاذا في المعهد ثلاثة أشهر. لقد كانت تجربة فاتنة جدا، مكنتني من فتح عينيّ على أشياء غابت عني في السابق.

الطلبة أجمل مما توقعت، والمسؤولون أسوأ مما توقعت. يمكن أن نُعمم من غير تردد الحالة على مجموع بلادنا، الشباب أجمل والدولة أسوأ. هناك حالة من “استغلال النفوذ” و”الشطط في استعمال السلطة” تعم بلادنا.

حمزة محفوط وسط طلبة معهد السنيما


أحكي لك قصة في هذه المسألة. حين طردت بعد ثلاثة أشهر من العمل، لأسباب ما زلتُ أجهلها، من طرف الإدارة التي تقع مسؤوليتها تحت وصاية وزير الثقافة المهدي بنسعيد، ومديرها هو المخرج المغربي حكيم بلعباس، بالإضافة إلى الكاتب العام للمؤسسة، قامت هذه الأطراف بسرقة أجرة شهرين من راتبي. ولم تُقدم هذه الأطراف أيّ مُبرر معقول للسرقة ولا للطرد من العمل، فقط تبادلت الاتهامات فيما بينها، كل واحد منهم يقول إن الآخر هو الذي قرر ذلك.

أريد أن أعود للحديث عن الطلبة، ليس فقط طلبة المعهد الذين درّستُهم وأحببتهم حباً كبيراً، أظن أن الأمر مرتبط بالشباب المغربي عموماً، إن ثقلاً هائلاً يقع عليهم، من الكهول، وإنّ من واجبنا أن نفتح الطريق أمامهم للإبداع ورواية سردياتهم الجديدة المختلفة عن أي تنميطات كسولة تريد الدولة، أو المسؤولون الذين يتم تعيينهم، احتجازنا فيها.

حمزة محفوظ محاصرا من طرف عناصر القوات العمومية أثناء إحدى مظاهرات حركة 20 فبراير

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram