سامي صبير
“خبر رائع لمزارعي البطاطس في المغرب، حان الوقت لزراعة ذكية وزيادة أرباحكم مع خدمة مجانية ومتطورة، توصيات ري مخصصة ترسل مباشرة إلى الواتساب، صور أقمار صناعية محدثة لمراقبة رطوبة التربة، واستشارات زراعية مجانية”، هذا واحد من الإشهارات التي تروج لتطبيق جديد، عبر منصة فايسبوك لجذب أكبر عدد ممكن من الفلاحين والمزارعين المغاربة. ولكن ما حقيقة هذا التطبيق والوعود التي يقدمها؟
منصة “هوامش” فتشت في التفاصيل وتتبعت الوثائق، ووقفت على التعسف، والتناقضات بين الدعاية وبنود سياسة هذه الشركة، وخلفية أعضاء مجلس إدارتها ومن يقفون خلف كواليسها، وعلاقتهم بالاستخبارات والجيش والحكومة والشركات الاستثمارية الإسرائيلية العاملة في مجال الزراعة، وكيف يتم نقل بيانات المزارعين والأراضي من المغرب إلى إسرائيل، وحجم التهديد الذي تشكله على السيادة الغذائية الوطنية، إضافة إلى مدى صحة كل الخدمات التي تدعي الشركة تقديمها بدون مقابل.
يبدو من خلال الدعاية أن للتطبيق الجديد أهمية كبيرة لفئة واسعة من الفلاحين المغاربة، وقد يبدو مصمما لمساعدة المزارعين على مضاعفة المحصول الزراعي وتوفير كمية كبيرة من المياه، وهو بالفعل ما يحتاجه الفلاحون المغاربة خاصة في فترة الجفاف التي تمر منها البلاد، غير أن الموضوع أعقد من ذلك، فمن يكون صاحب هذه الفكرة العبقرية؟
البحث عن من يقف وراء هذه الشركة قادنا إلى ما لم نكن ننتظره، التطبيق الذي يتم الدعاية له في المغرب ويستهدف الفلاحين المغاربة، يديره زوهار بن نير، وهو الرئيس التنفيذي ومؤسس “سوبلانت”، حسب المعلومات التي تؤكدها أسماء أعضاء مجلس الإدارة.
زوهار بن نير، إٍسرائلي الجنسية، أسس أيضا شركة كايما بيو أكتك المحدودة (Kaiima Bio Agritech Ltd)، وهي شركة تكنولوجيا متخصصة في علم الوراثة النباتية، وقد شغل في وقت سابق منصب مدير المبيعات في اليابان وكوريا الجنوبية لشركة نيتافيم (Netafim)، وهي شركة إسرائيلية متخصصة في معدات أنظمة الري بالتنقيط والزراعة الدقيقة، والتي تنشط أيضا في المغرب، بالإضافة إلى كونه مؤسس شركة فيتيك المحدودة (phytech) وهي نسخة أولى من “سوبلانت”، وقد أعلنت فيتيك (phytech)، التي يديرها زوهار بن نير، في الثامن من شهر أكتوبر 2024 عن عقد شراكة مع شركة نيتافيم (Netafim) الإسرائيلية.
لم يكن هذا فحسب، بل وجدنا أيضا إسمًا مثيرا، وهو إيريز ملتسر (Erez Meltzer)، الذي يشغل منصب رئيس مجلس إدارة سوبلانت (SupPlant)، وسبق أن تقلد هو الأخر منصب رئيس ومدير تنفيذي لشركة “نتافيم“، وفي نفس الوقت يعد من بين النشطاء البارزين في حركة OR الإسرائيلية، وهي منظمة تهدف إلى تعزيز وتطوير المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وإلى جانب إيريز يظهر اسم أتاد بيلد (Atad Peled)، عضو في مجلس إدارة الشركة، وهو عقيد متقاعد في سلاح الجو الإسرائيلي.
وفي سياق البحث، تمكنت منصة “هوامش” من الوصول إلى أسماء المساهمين الرئيسيين في تمويل (SupPlant)، ويتعلق الأمر بمائير شامير، وهو رجل أعمال إسرائيلي، يشغل منصب الرئيس التنفيذي ومالك شركة ”ميفتاح-شامير” القابضة، والتي تمتلك 29% من أسهم “سوبلانت”، وسهرت على تمويلها خلال كل جولات التمويل منذ سنة 2018، ويمثل “ميفتاح-شامير” القابضة في مجلس إدارة “سوبلانت”، غاي شامير (Guy Shamir)، والذي يشغل في نفس الوقت منصب نائب المدير التنفيذي ”لميفتاح-شامير” القابضة.
وقبل تحوله إلى إدارة الأعمال خدم مائير شامير طيارا ملاحيا في وحدة القوات الجوية، وظلت تربطه علاقة وطيدة بالجيش من خلال مشروع “أميتس لوخم“، وهو عبارة عن مبادرة تهدف إلى دعم وحدات الجيش الإسرائيلي القتالية بتقديم المساعدات المالية والمعدات.
وإلى جانب مائير شامير يوجد أفيغدور يتسحاقي (Avigdor Yitzhaki) عضو مجلس إدارة ميفتاح-شامير القابضة، ورئيس اللجنة الوطنية للتخطيط والبناء في “إسرائيل”، إضافة إلى شغله منصب رئيس اليانصيب الوطني الإسرائيلي.
بالإضافة إلى مائير شامير والآخرين، ظهرت ضمن أسماء الممولين لسوبلانت (SupPlant)، التي استطاعت ”هوامش” الوصول إليها من خلال سجلات التمويل، شركة “ماور إنفستمنتس” (Maorinvestments)، وهي صندوق رأس مال استثماري تأسس في عام 2018، ويركز على الاستثمار في شركات التكنولوجيا الإسرائيلية التي تطمح إلى التوسع، وقد أسسه ويشغل منصب مديره فيليب جويز، والذي شغل سابقا، ولمدة عشر سنوات، منصب الرئيس التنفيذي لشركة “روتشيلد آند كو” التابعة لعائلة روتشيلد الشهيرة.
ومن بين شركاء وأعضاء فريق شركة “ماور إنفستمنتس” التي منحت التمويل لـ”سوبلانت” خلال سنتي 2022 و2023، نجد إيدو هارت الذي بدأ مسيرته المهنية ضابطا في وحدة الاستخبارات التكنولوجية النخبوية، وإيلاي بينيس وهو بدوره ضابط في وحدة الاستخبارات التكنولوجية النخبوية الإسرائيلية.
ومن خلال الوثائق التي تمكنت منصة ”هوامش” من الحصول عليها، وجدنا أن ”سوبلانت” عقدت شراكة مع شركة مغربية لدخول السوق المغربية، وهي شركة راحة تك (Rahatech)، التي تم إنشاؤها سنة 2021، ويمثلها المدير الأسبق للوكالة المغربية للاستثمار، أحمد الفاسي الفهري، وتعود ملكيتها في الأصل لشركة أخرى تدعى إيسمو إنفست (Ismo Invest)، تم إنشاؤها في نفس السنة، ويمثلها أحمد الفاسي الفهري، نفسه، بحصة 50 في المائة فيما 50 في المائة الأخرى تعود للمستثمرة الإسرائيلية، فيريت شيميل ليفشيتز (Verette Schimmel Livschitz)، إحدى أفراد عائلة شيميل الشهيرة في عالم الإستثمار.
ولم تكن راحة تك (Rahatech)، التي وقعت على الشراكة مع “سوبلانت” الإسرائيلية لدخول سوق الفلاحة المغربية، سوى فرع من فروع شركة (International Moroccan Conglomerate) التي يسهر على تسييرها أحمد الفاسي الفهري.
انتشرت في منتصف شهر شتنبر الماضي، على منصات التواصل الاجتماعي، وضمنها منصة فيسبوك، حملة دعائية لتطبيق “سوبلانت” (SupPlant)، لمساعدة المزارعين في توفير المياه باستخدام خوارزمية متقدمة، تقوم بتحليل بيانات النباتات والتربة، وتترجمها إلى توصيات خاصة بالري ورؤى زراعية قابلة للتنفيذ.
بحسب “SupPlant” يكفي أن تحمل التطبيق على هاتفك وتقوم بفتح حساب ببياناتك الشخصية، والمعلومات المتعلقة بنوع المنتوج الزراعي الذي تقوم بزراعته ومساحة الأرض وموقعها الجغرافي، وسوف تتكفل الشركة بتقديم النصائح والاستشارة، والتوصيات اللازمة التي تحتاجها مزارعك، من أجل الرفع من مردوديتها واقتصاد 30 بالمائة من المياه. شركة “سوبلانت” تقوم أيضا بتقديم دعم مهني طيلة الموسم، مع مراقبة بالأقمار الصناعية 24/24 ساعة طوال أيام الأسبوع، وكل هذا بالمجان.
كيف لشركة، تقف وراءها شبكة من رجال الأعمال الإسرائيليين والأوروبيين الحاملين بدورهم للجنسية الإسرائيلية، من قبيل فيليب جويز الرئيس التنفيذي السابق لشركة “روتشيلد آند كو”، ومير شامير، أحد رجال الأعمال البارزين في “إسرائيل”، أن تقدم منتجاتها للفلاحين المغاربة دون مقابل؟
البحث عن إجابة لهذا السؤال دفعنا إلى البدء من سياسة وشروط الاستخدام، وما الذي يمكن للشركة أن تفعله بالبيانات المجمعة، مقابل كل هذه الإغراءات التي تروج لها إعلاناتها.
انطلقنا من التسجيل في التطبيق، والذي يتطلب الموافقة على مجموعة من البنود في شروط الاستخدام وسياسة الخصوصية، حيث تبين أن البنود تنص بوضوح على أن البيانات التي يتم جمعها تنقل وتخزن في “إسرائيل”، كما يمكن نقلها إلى بلدان أجنبية لا توفر الحماية اللازمة، بالإضافة إلى تنازل المستخدم عن أي مطالبات قانونية فيما يتعلق بالبيانات التي تجمعها الشركة. ويشمل هذا، التنازل عن أي حقوق قد تكون للمستخدم بموجب قوانين الخصوصية، وفي المقابل تحتفظ الشركة بحق الوصول غير المقيد لهذه البيانات واستخدامها بحرّية، حيث يمكنها أن “تجمع وتستخدم البيانات المتعلقة بالنباتات وبيئتها. ويحق لها الوصول غير المقيد إلى هذه البيانات واستخدامها، كما أنك تتنازل عن أي حقوق في المطالبة بتلك البيانات بموجب قوانين الخصوصية أو القوانين الأخرى ذات الصلة“. بينما لا تتحمل الشركة أي مسؤولية عن أي انتهاك قد تقوم به أثناء معالجة أو استخدام هذه البيانات.
وتنص بنود اتفاقية الاستخدام على أن الشركة تخلي صراحة مسؤوليتها من أي ضرر قد يتعرض له المستخدم “إثر حقن جهازه بأي فيروسات أو برامج تجسس أو محتوى ضار آخر، كما تشير إلى إمكانية تقديم بيانات المستخدمين للحكومات أو طرف آخر يقوم بالاستحواذ أو شراء الشركة“.
ومن بين شروط الاستخدام كذلك، التنازل عن أي ادعاء ضد سوبلانت (SupPlant)، بسبب أي أضرار، مباشرة أو غير مباشرة، مرتبطة باستخدام موقعها أو التطبيق والمنتجات، بالإضافة إلى تأكيدها على أن “النصائح والتوصيات التي تقدمها ليست وعدًا أو ضمانًا لأي نتائج معينة، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر توفير المياه أو غلات المحاصيل، ولن تتحمل مسؤولية الخسائر الناتجة عن ذلك”.
تؤكد المحامية بهيئة مراكش، بشرى العاصمي، في حديث لمنصة “هوامش”، أن “كل ما ورد في اتفاقية الاستخدام وسياسة الخصوصية يعتبر شروطا تعسفية باطلة”، وتضيف بأن “قانون حماية المستهلك 31.08 ينص في المواد من 15 إلى 20، على بطلان الشروط التعسفية الواردة في العقد”.
كذلك، تنص المادة 15 من القانون المذكور على أنه “يعتبر شرطا تعسفيا، في العقود المبرمة بين المورد والمستهلك، كل شرط يكون الغرض منه أو يترتب عليه إخلال كبير بين حقوق وواجبات طرفي العقد على حساب المستهلك”، كما تنص المادة 18 من نفس القانون على أنه “تعتبر الشروط تعسفية إذا كان الغرض منها أو يترتب عليها إلغاء أو انتقاص حق المستهلك في الاستفادة من التعويض في حالة إخلال المورد بأحد التزاماته”.
“بالنسبة للمعطيات الشخصية، فإن المسؤول عن جمع معلومات ومعطيات أيا كان، ذاتيا أو معنويا، يجب عليه أن يحصل على إذن من اللجنة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية، كما يجب أن يحصل أيضا على موافقة المعني، بعد إخباره وجوبا بصورة لا لبس فيها بغاياتها والمستفيدين منها، طبقا للمادة 5 من القانون 09.08، ويجب أن تعالج المعطيات بطريقة نزيهة ومشروعة ومعلنة طبقا لنص المادة 3 من نفس القانون” تقول بشرى العاصمي.
وتنص المادة 3 من قانون حماية الأشخاص الذاتيين، تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، على أنه “يجب أن تكون المعطيات ذات الطابع الشخصي معالجة بطريقة نزيهة ومشروعة؛ ومجمعة لغايات محددة ومعلنة وألا تعالج لاحقا بطريقة تتنافى مع تلك الغايات؛ وملائمة ومناسبة وغير مفرطة بالنظر إلى الغايات التي تم تجميعها ومعالجتها لاحقا من أجلها”.
التناقض بين ما تنص عليه بنود سياسة استخدام التطبيق وبين ما تروج له إعلانات الشركة، وتشابك علاقات مجلس الإدارة والمستثمرين الإسرائيلين في مجال الزراعة، يطرح علامات استفهام كبرى بشأن الغرض الحقيقي من البيانات التي يتم تجميعها، وإمكانية استخدامها لصالح الشركات الاسرائيلية لتوجيه الاستثمارات الزراعية في المغرب، خصوصا وأن هذه البيانات تتعلق بمعلومات شخصية حساسة تخص ملكية الأراضي وموقعها الجغرافي وحجم الإنتاج وطبيعته.
محمد الناجي، أستاذ باحث بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، يعتبر أن “شركة سوبلانت، تعتمد على استراتيجية متعددة المستويات لجمع البيانات الزراعية. تبدأ بتقديم خدمات مجانية للمزارعين، تشمل الاستشارات التقنية، وتوصيات لتحسين الإنتاج، وترشيد استهلاك المياه؛ ومن خلال هذه الخدمات، تقوم الشركة بجمع معلومات تفصيلية عن خصائص التربة وخصوبتها، ومصادر المياه وأنظمة الري المستخدمة، وخرائط دقيقة للمساحات الزراعية. كما تجمع بيانات عن أنواع المحاصيل وإنتاجيتها، والظروف المناخية المحلية، والتقنيات الزراعية المستخدمة”.
هذه المعلومات، وفق ما يؤكده الناجي في حديثه لمنصة “هوامش”، “تمكن الشركة من إنشاء قاعدة بيانات شاملة عن القطاع الزراعي المغربي، وتحديد المناطق الأكثر خصوبة للاستثمار المستقبلي، مما يتيح لها فهماً عميقاً لنقاط القوة والضعف في النظام الزراعي المحلي”.
وبحسب محمد الناجي، فإن نشاط هذه الشركة “يشكل تهديداً مباشراً للسيادة الغذائية المغربية. فمن خلال سيطرتها على البيانات الزراعية، يمكن للشركة التحكم في قرارات الإنتاج الزراعي وفرض أنماط زراعية معينة تخدم مصالحها وتوجهاتها. وهذا يؤدي إلى خلق تبعية للتقنيات والمدخلات الزراعية الإسرائيلية، والتأثير على أسعار المنتجات الزراعية، وتهديد استدامة الزراعة التقليدية، على المدى الطويل؛ ويمكن أن يؤدي كل هذا إلى تقويض الأمن الغذائي الوطني، وإضعاف المزارعين الصغار والمتوسطين، وفقدان التنوع البيولوجي المحلي، وتهديد استقلالية القرار الزراعي الوطني”.
ويضيف الناجي أنه من الناحية الاقتصادية يشكل نشاط سوبلانت “تهديداً متعدد الأبعاد للقطاع الزراعي المغربي. فعلى مستوى المزارعين، يؤدي هذا النشاط إلى خلق حالة من التبعية التكنولوجية والمالية. حيث تبدأ الشركة بتقديم خدماتها مجاناً، ولكن سرعان ما يجد المزارعون أنفسهم مضطرين لشراء معدات وتقنيات محددة تتوافق مع نظام الشركة، مما يرفع من تكاليف الإنتاج بشكل كبير”.
ويشرح الخبير أن “هذا الارتفاع في التكاليف يؤثر بشكل خاص على المزارعين الصغار والمتوسطين، الذين لا يملكون القدرة المالية للتكيف مع هذه المتطلبات الجديدة، حيث يؤدي الاعتماد على التقنيات الحديثة والأنظمة المتطورة إلى تهميش تدريجي للمعرفة الزراعية التقليدية، المتوارثة عبر الأجيال، هذه المعرفة التي تطورت عبر مئات السنين، وتكيفت مع الظروف المحلية، ستصبح مهددة بالاندثار لصالح أنظمة زراعية موحدة تفرضها الشركات الأجنبية”.
ويتوقع محمد الناجي، على المستوى الاجتماعي، أن “يؤدي هذا التحول إلى تفكك النسيج الاجتماعي التقليدي في المناطق الريفية”، مؤكدا أن “الزراعة العائلية، التي كانت تشكل عماد المجتمع القروي المغربي، تجد نفسها غير قادرة على المنافسة مع أنماط الإنتاج الجديدة، مما يؤدي إلى هجرة الشباب من الريف إلى المدن، وفقدان الوظائف التقليدية، وتغير أنماط الحياة القروية”.
كما من شأن هذه الآثار وفق الأستاذ الباحث، أن “تشمل سوق العمل، حيث يتم فقدان الوظائف في القطاع الزراعي التقليدي، وتتغير متطلبات المهارات في القطاع الزراعي، ويتم تهميش العمالة غير المؤهلة تقنياً، وتزداد البطالة في المناطق القروية. كما قد تظهر تأثيرات بيئية خطيرة تتمثل في تدهور التربة نتيجة الاستخدام المكثف للكيماويات، واستنزاف الموارد المائية، وفقدان التنوع البيولوجي الزراعي، وتلوث المياه الجوفية”.
ويشدد محمد الناجي على أن “الشركة تسعى حالياً إلى توسيع نشاطها في المغرب من خلال استقطاب المزارعين، للاستفادة من خدماتها المجانية ظاهرياً، لكنها في الحقيقة تجمع بيانات استراتيجية حول القطاع الزراعي المغربي“.
في الوقت الذي تروج فيه “سوبلانت” لنفسها كشركة مهمتها مساعدة المزارعين على توفير المياه، نجد أن معظم عملائها شركات كبرى تنشط في مجال زراعة وتصدير الفواكه المستنزفة للمياه، وعلى رأسها البطيخ الأحمر، والتوت الأزرق، والافوكادو المعروفة بـ “الذهب الأخضر”، حيث يتطلب إنتاج كيلوغرام واحد منها ما بين 1000 و 2000 لتر من الماء.
ومن بين هؤلاء العملاء شركة “مهادرين“ الإسرائيلية، وقد تزامن دخول شركة سوبلانت سنة 2022 مع بداية مشروع مهادرين لإنتاج الأفوكادو في المغرب، حيث قال حينها الرئيس التنفيذي للشركة، شاؤول شيلح، لصحيفة ألجمينر (algemeiner)، “إن زراعة الأفوكادو في المغرب جزء من خطة أكبر، لنكون قادرين على تزويد عملائنا الأوروبيين بسهولة أكبر من إسرائيل، من حيث الجغرافيا، ومن حيث التكاليف الأكثر تنافسية”، وأضاف شليح “استراتيجية زراعة الأفوكادو خارج إسرائيل تعتمد على إقامة أعمال زراعية في نصف الكرة الأرضية الجنوبي، مثل أفريقيا، وبعض المناطق الجغرافية في أمريكا اللاتينية، بحيث تكون مواسم الحصاد فيها في الفترة المعاكسة تمامًا للموسم في إسرائيل”.
انقر هنا للاطلاع على تحقيقنا: شبح العطش بالمغرب.. هل تنهي ’’لافوكا‘‘ ما بدأه ’’الدّلاح‘‘؟
وفي هذا السياق، يرى الدكتور والمهندس الزراعي، محمد بنعطا، في حديث لهوامش أن “توسع الشركات الأجنبية والإسرائيلية، في مجال الزراعة التصديرية في المغرب، يحمل فرصًا اقتصادية، لكنه يأتي مع مخاطر بيئية واجتماعية، فتوسع هذه الشركات في المجال الزراعي، قد يزيد من اعتماد المغرب على التكنولوجيا والبذور المستوردة، مما يعزز من سيطرة الشركات الأجنبية على النظام الزراعي المغربي، ويحد من حرية اتخاذ القرار بشأن المحاصيل والأولويات الزراعية، ويؤدي أيضا إلى تراجع التنوع البيولوجي، وخلق منافسة حادة مع المزارعين المحليين على الموارد الزراعية، مثل الأراضي والمياه، ويفرض عليهم ضغطًا إضافيًا، مما قد يزيد من التفاوت الاقتصادي ويؤدي إلى تهميش بعض الفئات”.
وبحسب محمد بنعطا، فإن هذا التوسع ”يمكن أن يكون له تأثيرات متعددة على التربة والموارد المائية والسيادة الغذائية، وهي أمور تتداخل مع الاستدامة البيئية والاقتصادية للمملكة، حيث تركز هذه الشركات على المحاصيل ذات العائد المرتفع، والتي عادةً تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه، مما يتسبب في تراجع مستوى المياه الجوفية، ويؤثر على توفير المياه للمزارعين المحليين، الذين يعتمدون على المحاصيل الغذائية الضرورية للسوق المحلي، مما قد يزيد من كلفة المياه، ويؤدي إلى تراجع كميات الغذاء المتاحة للمغاربة”.
ويضيف المهندس الزراعي، محمد بنعطا “غالبا ما تتطلب الزراعة التصديرية استخداما مكثفا للأسمدة والمبيدات لزيادة الإنتاجية، مما يؤدي إلى تلوث التربة، وتدهور خصوبتها بمرور الوقت، ما يجعلها أقل إنتاجية في المستقبل، كما أن بعض الشركات الأجنبية قد لا تكون ملتزمة بممارسات الاستدامة التي تضمن صحة التربة”.
ويؤكد محمد بنعطا أن “الشركات التصديرية قد تدفع بعض المزارعين المحليين إلى تحويل إنتاجهم نحو محاصيل ذات قيمة تصديرية، بدلاً من المحاصيل الغذائية الأساسية، مما قد يقلل من توفر الأغذية المحلية، ويزيد اعتماد المغرب على الواردات الغذائية”، وحسب نفس المصدر، من شأن هذا أن “يؤدي إلى زيادة أسعار المحاصيل الغذائية المحلية بسبب نقص الإمدادات، ما قد يؤثر على الأمن الغذائي للمواطنين وقدرتهم على الحصول على الغذاء بأسعار معقولة”.
إنتاج البذور المعدلة وراثيا، يشكل أحد أهم أنشطة الشركات التي تضم أعضاء من مجلس إدارة سوبلانت، وهي تقنية تسعى “إسرائيل” إلى تعزيز الإنتاج الزراعي باستخدامها، خاصة في المناطق التي تعاني من نقص المياه أو التربة القاحلة، وهو ما من شأنه أن يشكل خطرا على المحاصيل التقليدية.
وحسب الدكتور محمد بنعطا، فإن “اعتماد البذور المعدلة وراثيًا يمكن أن يهدد الأصناف النباتية المحلية وبعض الحيوانات والحشرات بالانقراض، وذلك لكونها تتفوق في التنافس على الموارد مثل الماء والتربة مع النباتات المحلية، مما يؤدي إلى تراجع أو انقراض بعض الأصناف النباتية الأصلية في المنطقة، كما أن التلقيح المتقاطع، بين النباتات المعدلة وراثيًا والنباتات البرية أو التقليدية، قد يؤدي إلى انتقال الجينات المعدلة إلى النباتات المحلية، وبمرور الوقت، يمكن أن يختفي التنوع الجيني الفريد للنباتات المحلية نتيجة لهذا التداخل، مما قد يؤدي إلى اختفاء أصناف نباتية محلية تتكيف مع بيئتها الخاصة”.
ويؤكد بنعطا أن “اعتماد البذور المعدلة وراثيًا قد يعزز الإنتاجية على المدى القصير، ولكنه قد يشكل تهديدًا للتنوع البيولوجي، بسبب تراجع الأصناف المحلية النباتية، وإضعاف الحشرات المفيدة، وزيادة الاعتماد على مبيدات حشرية قد تضر بالكائنات الأخرى”.
تواصلنا في البداية مباشرة مع شركة “سوبلانت” الإسرائيلية عبر البريد الإلكتروني، إلا أننا لم نتلق أي جواب من طرفهم، فوجهنا أسئلتنا مباشرة إلى ياسر العمراني، المدير العام الممثل لها في المغرب، وتلقينا ردا رسميا وتوضيحات، دافع فيها ممثل الشركة عن نشاطها ومعايير استخدام تطبيقها.
“حاليا التطبيق في مرحلة تجريبية، ويستعمله حوالي 1500 أو 2000 مزارع، وفي مرحلة مقبلة سوف يتم فرض رسوم اشتراك للاستفادة من التوصيات، أو العثور على فاعلين يتحملون التكاليف في اتفاق شامل” يقول العمراني جوابا عن فوائد الشركة من تقديم خدماتها مجانا؟.
وينفي العمراني استغلال هذه المعطيات لأغراض غير التوصيات المتعلقة بالري، ويقول إن “التطبيق يُستخدم على مستوى العالم ولا يعتمد على جمع بيانات شخصية خاصة. إنما يتم استغلال بيانات الأقمار الاصطناعية المتاحة للعموم لمراقبة مستوى المياه التي يحتاجها الحقل”.
وفي المقابل يطلب تطبيق سوبلانت، من المزارعين إدخال معطياتهم الشخصية، ضمنها الإسم ورقم الهاتف والموقع الجغرافي للحقل وطبيعة المحصول.
ويؤكد المتحدث على أن “نشاط الشركة في المغرب في مرحلة التجربة، ويتم التحكم به من الخارج، حيث لم تحصل الشركة حاليا على ترخيص من اللجنة الوطنية لمراقبة وحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، حيث تجري اتصالات مع السلطات للحصول على جميع التراخيص اللازمة والعمل بما يتوافق مع القوانين المحلية”، مؤكدا أن “الشركة لديها ترخيص في البلدان الأوروبية وغيرها”.
وبرر العمراني سبب وجود بند في اتفاقية الاستخدام تتملص بموجبه الشركة من مسؤوليتها في حالة سوء استخدام البيانات التي يجمعها التطبيق، أو في حالة تسرب هذه البيانات، قائلًا “بنود اتفاقية الاستخدام تم وضعها باستشارة محامين، والمقصود أن الشركة تخلي مسؤوليتها في حال استخدام المزارع التوصيات بطريقة خاطئة أو نقلها للآخرين”.
كررنا السؤال على المتحدث أثناء لقائنا به عبر تقنية الفيديو، لكنه تفادى في جوابه توضيح سبب سن بند يخلي المسؤولية في حالة تسريب المعطيات أو إساءة استخدامها، ومدى قانونيته، مكتفيا بالتأكيد على أنهم يعملون على “توفير الحماية الضرورية للبيانات، وأن دليل المصداقية هو الترخيص لنشاط الشركة من طرف بلدان أوروبية”.
وفي نفس اللقاء، نقلنا تخوفات المصادر التي تواصلنا معها، وبشكل خاص الخبراء الزراعيين إلى ممثل الشركة، الذي نفى الترويج من خلال توصيات التطبيق لاستخدام معدات أو أسمدة أو بذور معينة، مشيرا إلى أن التوصيات التي يتم تقديمها تستند بشكل أساسي إلى العوامل المناخية، ومستوى رطوبة التربة، وخصائص النباتات المزروعة مسبقا، “نحن لا نفرض على الفلاح نوع الزراعة التي نريد، وإنما نتابع معه النشاط الفلاحي الذي يزاوله. ويقتصر عملنا على نشاط الري”.
من جهتها أكدت المحامية بهيئة مراكش، بشرى العاصمي، أن ما جاء في رد ممثل الشركة، ياسين العمراني، بخصوص الترخيص لنشاط الشركة بالدول الأوروبية “لا يعتبر ترخيصا لها في المغرب أو ضمانة“.
وقالت العاصمي في حديث لمنصة “هوامش” إن “إذْن اللجنة الوطنية لمراقبة وحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، لازم ولا يغني عنه الإذن الأجنبي“، وأضافت أن باقي “الشروط التعسفية المتضمنة في اتفاقية الاستخدام، تعد شروطا باطلة، ولكل من تضرر من تصرف يضر بحقوقه يملك حق المطالبة بالتعويض”.
اكتشفنا أثناء هذا التحقيق أن التطبيق المعني، لم يحصل على أي ترخيص من الجهات المختصة، رغم أنه يثير تساؤلات عديدة، بشأن المعلومات التي يجمعها وإلى أي مدى تعتبر حساسة، رغم غياب أي ضمانات تقدمها الشركة سوى أنها تعتمد معايير تعمل بها في دول أخرى.
كل هذا، دون أن تتوفر أية معلومات حول مراقبة هذه الشركة والتطبيق الذي تستخدمه من أية جهة كانت. وفي هذا السياق وجهنا مجموعة من الأسئلة إلى “اللجنة الوطنية لحماية المعطيات الرقمية”، التي طلب رئيسها في مكالمة هاتفية توجيه أسئلتنا إليه عبر البريد الإلكتروني، لكننا وبعد مراسلته من خلال بريده الإلكتروني وتطبيق التراسل الفوري “واتساب” لم نتلق أي جواب إلى حدود نشر هذا التحقيق.
وشكلت قضية هذا التطبيق موضوع سؤال كتابي تحت رقم 18203، وجهه يوم 16 أكتوبر الماضي، النائب البرلماني عن فريق “الحركة الشعبية٠، ادريس السنتيسي، إلى وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، يستفسر فيه عن “سبل الحماية المعتمدة للمزارعين المغاربة، بالنسبة للمعطيات الشخصية المتعلقة بهم، وتفادي استغلالها بما يلحق الضرر بالفلاحة والفلاحين المغاربة”.
وأشار السؤال البرلماني إلى أن “بعض التطبيقات ذات المصدر الأجنبي، التي أصبحت واسعة الاستخدام، والتي تستهدف جمع المعطيات الشخصية للفلاحين المغاربة، مقابل خدمات بالمجان حول تنوع الأسمدة الواجب استخدامها والمبيدات وتحسين مياه الري والرفع من الإنتاجية وغيرها، أثارت ردود فعل لدى الفاعلين في الحقل الفلاحي من خلال التساؤل عن خلفياتها ومرامي استغلالها”. لكن السؤال البرلماني ظل دون جواب إلى حدود نشر هذا التحقيق، بينما ينص الفصل 100 من الدستور المغربي على أن “تُدلي الحكومة بجوابها خلال العشرين يوما الموالية لإحالة السؤال عليها”.
وأكدت النائبة البرلمانية، فاطمة التامني، في حديث لمنصة “هوامش”، على أنه “مع الأسف جاء توسع هذه الشركات في سياق التطبيع الذي ترفضه العديد من مكونات المجتمع المغربي، والتي تعتبر أن أي تعامل، سواء تشجيع هذه الشركات أو فتح المجال لها، يعتبر مرفوضا، والمفروض أن يتم قطع العلاقات معها، وإعادة النظر في اتفاقية التطبيع”.
“رغم أن المغرب يعتبر بلدا فلاحيا، إلا أن سمات البلد الفلاحي انتفت فيه على مر السنين، حيث يعيش الوضع الفلاحي هشاشة نتيجة سوء التدبير، وعلى سبيل المثال الطماطم، فرغم أن المغرب بلد مصدر للطماطم، فإنه يضطر إلى استيراد بذورها بكميات كبيرة من بلدان أجنبية، وبدرجة أولى من إسرائيل، وذلك نتيجة عدم الانكباب على البحث العلمي”، تضيف البرلمانية عن “فدرالية اليسار الديمقراطي”.
وتشدد التامني على أن “الزراعات الأجنبية غير مفيدة للاقتصاد الوطني، ولا تحقق للمغرب سوى عجز في الميزان التجاري مقابل مجاملة الدول المصدرة”، حيث أنه “من غير المعقول أن يسمح بلد يعاني من الجفاف بزراعة وتصدير فاكهة الأفوكادو، التي تستهلك أزيد من ألف لتر من الماء لإنتاج كيلوغرام واحد، مما يدل على أننا أمام سوء تدبير، ويطرح عدة تساؤلات حول السياسات الحكومية، التي يظهر جليا بأنها لا تسير نحو تحقيق السيادة الغذائية، والاكتفاء الذاتي، والدليل على ذلك هو اللجوء حاليا إلى استيراد اللحوم الحمراء، وزيت الزيتون، في الوقت الذي كان المغرب مصدرا لها”.
في ذات السياق يرى محمد الناجي، الأستاذ الباحث بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، أنه “لتعزيز السيادة الغذائية، يجب تنفيذ استراتيجيات على المديين القصير والطويل. على المدى القصير، يجب توعية المزارعين بمخاطر تسليم بياناتهم وتقديم بدائل محلية لهذه الخدمات التقنية. كما يجب دعم المزارعين في التحول للزراعة العضوية، وتشجيع استخدام البذور المحلية، وتعزيز التسويق المحلي للمنتجات الزراعية. وعلى المدى الطويل، يجب تطوير التكنولوجيا الزراعية الوطنية، وإنشاء بنوك للبذور المحلية، وتقوية البحث العلمي الزراعي، وتطوير سلاسل القيمة المحلية، وبناء قدرات المزارعين المحليين”.
ويضيف الناجي “من الضروري وضع استراتيجية وطنية شاملة للأمن الغذائي، تعتمد على تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص في المجال الزراعي. ويجب دعم المبادرات المحلية في مجال التكنولوجيا الزراعية، وتقوية دور المؤسسات البحثية الوطنية. كما يجب العمل على حماية وتطوير الموارد الجينية المحلية، وتعزيز دور التعاونيات والجمعيات المهنية، وتطوير آليات تمويل مناسبة للمزارعين الصغار والمتوسطين لضمان استمرارية عملهم واستقلاليتهم”.
خلال هذا التحقيق، وقفنا على مباشرة شركة “سوبلانت” عملها في المغرب بدون الحصول على التراخيص اللازمة، وخصوصا موافقة اللجنة الوطنية لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، إضافة إلى ذلك، تطرح سياسة الاستخدام، إشكالات كبيرة، ففضلا عن الشروط التعسفية والباطلة، تشكل البيانات التي يتم تجميعها وتخزينها في “إسرائيل”، في حالة توسع نشاط هذه الشركة، خريطة كاملة للثروات الفلاحية في المغرب، وكل ما يرتبط بها، بيانات قد لا تتوفر عليها الوزارة التي تدبر هذا القطاع، وهو ما يعزز المخاوف من توجيه الاستثمارات الأجنبية أو فرض استراتيجيات إنتاجية معينة قد لا تخدم الأمن الغذائي للبلاد.
كما يطرح هذا التطبيق وطريقة عمله، أسئلة كبرى، حول السماح لشركة أجنبية بتوجيه نصائح وإرشادات مباشرة للمزارعين المغاربة، وموقعها من المخططات الاستراتيجية للدولة في المجال الفلاحي، في سياق خطة الطوارئ المائية، والأهم من ذلك، في حالة عجز الدولة عن توفير تقنيات من هذا النوع، يطرح سؤال مهم حول آلية مراقبة التعليمات والإرشادات التي تقدمها الشركات العاملة في هذا المجال، خصوصا أنها تتوجه مباشرة إلى جميع المزارعين بما فيهم المزارعون المحليون الذين يشكلون نحو 80 في المائة من سكان القرى.