الرئيسية

“نساء الموقف”.. كادحات بين شقاء الحياة والاستغلال الجنسي

تشتغل العاملات في المنازل في بيئات مغلقة، مما يجعلهن عرضة لأشكال متعددة من الاستغلال والتحرش، من قبل بعض أرباب العمل أو أفراد أسرهم. وهو الأمر الذي تؤكده فتيحة، وترى أن "العاملات المنزليات لا يستطعن القيام بإجراءات قانونية والإبلاغ عن تلك التجاوزات. في كثير من الأحيان لا يجدن خيارا سوى كتمان الأمر وترك العمل، حيث يقابل احتجاجهن بالتهديد بمتابعتهن بتهم مثل السرقة".

هوامش/ مراكش

بالقرب من سوق الورود، بحي جليز الراقي وسط  مراكش، عاصمة السياحة المغربية، تجلس على الرصيف ثلاث نساء، يرتدين ملابس بسيطة، تحت شجرة لجأن إلى ظلها، ويترقبن السيارات التي تمر لعلها تحمل زبونا أو سيدة تبحث عن عاملة لتنظيف منزلها.

انتظار على الرصيف

فتيحة، 54 سنة، تغزو وجهها تجاعيد خفيفة تلخص تجاربها في الحياة، هي الأكبر سنا بين الثلاث، وأقدمهن في “الموقف”، حيث قضت ما يناهز عقدا من الزمن في العمل مياومة في تنظيف المنازل، تقول في حديثها لمنصة هوامش: “بدأت هذا العمل منذ سنة 2015، بعد انفصالي عن زوجي، لدي ابن واحد في العقد الثالث من العمر وهو بدون عمل، وأنا أتكفل بمصاريف المنزل. أحيانا أوفق في ذلك وفي أحيان أخرى لا نجد لقمة لسد رقمنا”. 

تمسح المرأة جبينها وتضيف: “نشقى كثيرا في هذا العمل، نظير مقابل مادي ضئيل، حين يحالفنا الحظ ويستعين أحد الزبائن بخدماتنا؛ وأحيانا نمضي اليوم بطوله ننتظر على الرصيف بدون فائدة، لنعود إلى المنزل بأيد فارغة، وقد يصل بنا الأمر إلى تسول مبلغ تذاكر العودة”.

خلال حديثها، واصلت فتيحة مراقبة الشارع وتفحص السيارات العابرة بترقب، تصمت قليلا ثم تعود للحديث عن واقعها: “بالنسبة للرعاية الصحية حدث ولا حرج، أعاني من مرض مزمن، وهو مرض الذئبة الحمراء، ولكني لا أستطيع تحمل تكاليف التحاليل الطبية الدورية، والتي تبلغ حوالي 1200 درهم”.

رغم المرض والتقدم في السن، تستمر فتيحة في التوجه إلى “الموقف” بحثا عن رزقها، فالمساعدة الحكومية التي تتلقاها شهريا، والتي لا تتجاوز حسب تصريحها 490 درهما، تتقاسمها مع شقيقتها، وهي لا تكفي لسد حاجياتها الأساسية في ظل ارتفاع الأسعار ومصاريف العلاج. تقول: “أستفيد من الدعم الاجتماعي ولكن ماذا ستفيد 490 درهما، لم نتذوق اللحم منذ عيد الأضحى، وحتى لحم الدجاج لم نعد نستطيع شراءه”.

غير بعيد عن فتيحة تتجمع نساء أخريات يشاركنها الرصيف والواقع، أغلبهن مطلقات أو أرامل لم يجدن بديلا أخر، يجلسن في ترقب وكلما توقفت سيارة يتسابقن نحوها لعرض خدماتهن في مجال غسل الملابس والأثاث، وتنظيف المنازل أو مقرات الشركات.

عاملات المنازل بين الشقاء والاستغلال الجنسي

تختلف التفاصيل في حديث النساء الثلاث، ولكن في المجمل يعشن نفس الواقع، قابلنا رجاء، 39 سنة مطلقة وأم لخمسة أطفال، أصغرهم يبلغ من العمر سنتين ونصف، بدورها تقاسم فتيحة نفس مرارة الحال. 

تقول رجاء في حديثها إلينا: “شرعت في هذا العمل منذ سبع سنوات، انفصلت عن زوجي وهو حاليا يقضي عقوبة سجنية، نمضي اليوم بطوله ننتظر رزقنا، تمر بعض الأسابيع دون أن أحصل على عمل، وفي أسابيع أخرى أعمل يوما واحدا وأقضي بقية الأيام في الانتظار”.

رجاء بدورها تستفيد من الدعم الاجتماعي المباشر، وهو منحة شهرية تصرف للأسر بناء على نظام تنقيط، بهدف تحسين الوضع المعيشي للأسر التي لديها أولاد في سن التمدرس، أو تلك التي توجد في وضعية هشاشة، تقول محدثتنا “العمل في الموقف ليس قارا، والدعم الاجتماعي الذي يبلغ 500 درهم لا يكفي لإعالة 5 أطفال، إيجار المنزل وحده يبلغ 550 درهما”.

وتتابع رجاء “نقابل أشخاصا بطباع مختلفة، بعض الزبناء يتعاملون بلطف وآخرون لا يرأفون بنا، قد نمضي اليوم بكامله في غسل الملابس والبطانيات والزرابي، وكنس المنزل، مقابل مبلغ زهيد لا يتجاوز في بعض الأحيان 100 درهم”.

تشتغل العاملات في المنازل في بيئات مغلقة، مما يجعلهن عرضة لأشكال متعددة من الاستغلال والتحرش، من قبل بعض أرباب العمل أو أفراد أسرهم. وهو الأمر الذي تؤكده فتيحة، وترى أن “العاملات المنزليات لا يستطعن القيام بإجراءات قانونية والإبلاغ عن تلك التجاوزات. في كثير من الأحيان لا يجدن خيارا سوى كتمان الأمر وترك العمل، حيث يقابل احتجاجهن بالتهديد بمتابعتهن بتهم مثل السرقة”.

وحسب الشهادات التي حصلت عليها منصة هوامش، فإن تجارب التحرش الجنسي شائعة في هذا النوع من العمل، “في أغلب الأيام، لا يقصدنا سوى زبائن يبحثون عن عاملة جنس، وليس عن خدمات التنظيف. بعضهم يكون صريحاً منذ البداية، بينما يتظاهر آخرون بالحاجة إلى خدماتنا المنزلية فقط، ليكشفوا لاحقاً عن نواياهم الحقيقية. غالباً ما نصل إلى المنازل على أساس أن العمل المطلوب هو التنظيف، لكن سرعان ما تتضح الأمور، ونضطر للعودة دون الحصول على شيء، محملات بمشاعر الإهانة” تقول رجاء.

وسبق أن أكدت منظمة العمل الدولية على تعرض العاملات المنزليات لخطر مواجهة المضايقات في العمل، نتيجة تضافر عوامل عدة، منها الاشتغال في بيئات عمل تشوبها اختلالات عميقة في موازين القوى، وتدني مستوى الوعي بالحقوق، مما يجعلهن أكثر عرضة للعنف والتحرش.

من “موقف” عاملات الحقول إلى “موقف” عاملات المنازل

لطيفة من مواليد سنة 1985، بعدما قضت سنوات تعمل في جني الزيتون والخضروات، في حقول الدواوير المتاخمة للمدينة الحمراء، قررت الالتحاق بكل من فتيحة ورجاء، للعمل مياومة في المنازل، تقول في حديثها لمنصة هوامش: “تركت العمل في الحقول بسبب الجفاف، وأيضا بسبب الأجور الزهيدة مقارنة مع الوقت والجهد الكبير اللذان يتطلبهما الأمر”.

وأوضحت أن “العمل في الحقول لا يختلف كثيرا عن العمل في المنازل، الاثنان غير قارين، غير أن العمل في الحقول يتطلب مني الانطلاق من الساعة السادسة صباحا، ولا أعود إلا عند المغيب، مقابل أجر لا يتجاوز 80 درهما”.

بعكس زميلتيها لا تستفيد لطيفة من الدعم الاجتماعي المباشر، وتوضح: “تقدمت بطلب الاستفادة إلا أن طلبي ووجه بالرفض، وذلك بمبرر أن زوجي يستفيد منه، رغم أني مطلقة ولا يتحمل طليقي مصاريف البيت وتمدرس الأطفال”.

غادرنا الموقف تاركين وراءنا النساء الثلاث، ونسوة أخريات، يتابعن المارة والسيارات في انتظار ما يحمل لهن اليوم.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram