سامي صبير
استثمارات بمبالغ مالية صغيرة مقابل وعود بعائدات كبيرة، ومقاطع فيديو من نشرات الأخبار للقناة المغربية الثانية من أجل إضفاء المصداقية، وجذب أكبر عدد من الضحايا، بأساليب رقمية باستغلال تقنيات الذكاء الاصطناعي، وأخرى تقليدية على غرار “مجموعة الخير”، تختلف الأساليب أما الهدف فواحد.
“مجموعة الخير” .. عملية نصب كبرى
تفجرت قضية “مجموعة الخير” في طنجة، شهر غشت الماضي، وذلك بعد إقدام سيدة أربعينية كانت إحدى مشرفات المجموعة، على وضع حد لحياتها عن طريق الانتحار بشرب “الماء القاطع”، بعد أن بدأ عدد من الضحايا في المطالبة بتحقيق الوعود بالأرباح التي كانت تقدمها مشرفات المجموعة لإقناعهم بالإشتراك. فماذا حدث؟
بدأت فصول قضية المجموعة قبل نحو سنتين، عملت خلالهما على استقطاب الآلاف من الناس، وجمع أزيد من 72 مليار سنتيم، تمثل أموال اشتراك الأعضاء بحسب تصريح محام للضحايا، حيث كانت تتراوح مبالغ الاشتراك بين 1800 درهم و20 ألف درهم لكل عضو، مقابل حصوله بعد فترة وجيزة على ربح يتراوح بين 10 آلاف و 40 ألف درهم، وتتزايد هذه الأرباح كلما تمكن العضو من إقناع المزيد من الأشخاص بالإنضمام.
بدت الأمور جيدة في البداية، وسرعان ما انتشرت مقاطع فيديو، بعضها لأعوان سلطة داخل مقرات العمل وموظفين عموميين، تظهر “الأرباح” لإضفاء “المصداقية”، بدأ تدفق الأعضاء الجدد باستغلال الطمع والثقة، فالكل كان يريد الربح.
لم يدم الأمر طويلا فبعد فترة بدأ الهرم ينهار، عند وصوله حد التشبع وتوقف تدفق الأعضاء الجدد، إلى أن صار عاجزا عن تقديم الأرباح التي لم تكن سوى مبالغ اشتراك المنخرطين الجدد، حيث لم يكن الغرض من المجموعة الاستثمار أو بيع منتجات، وإنما شكل هرمي يهدف لحصول أشخاص في قمة الهرم على أموال الأعضاء في الأسفل، وهو ما يعرف دوليا باسم “التسويق الهرمي”.
انتشرت الفضيحة بعد تقديم عدد من الضحايا شكايات للسلطات الأمنية، إثر ذلك اختفت رئيسة المجموعة، قبل أن يتم توقيفها في محطة القطار بطنجة، بتهم تتعلق بالنصب والاحتيال، ومتابعتها في حالة اعتقال، إلى جانب أزيد من 11 شخصا، ومصادرة أملاك أرصدة بنكية يشتبه في كونها من أموال الضحايا.
مجموعة الخير ليست الوحيدة من نوعها ولكنها الأشهر حاليا، وقد سبق وأن تفجرت في طنجة، قبل أشهر قليلة، فضيحة أخرى مماثلة وبنفس الأسلوب، تحت اسم “هبة الإرث”، ورغم أن الفقرة الثانية من المادة 58 من القانون 31.08، تمنع صراحة هذا النشاط، سنويا تطفو إلى السطح قضايا مشابهة.
“مشاريع لسكان المغرب” .. احتيال رقمي باسم وزارة العدل
قبل يومين، انتشر مقطع فيديو ترويجي لصفحة على منصة فيسبوك باسم “مشاريع لسكان المغرب”، على أساس أن المقطع مقتطف من نشرة أخبار على القناة الثانية، يعلن عن حملة مساعدات مالية للسكان بدعم من بنك المغرب ومرخص له، وبمجرد الضغط على الرابط المرفق مع مقطع الفيديو ينقلك إلى قناة في تطبيق تيليجرام، لفتاة تدعى حسيبة، تزعم أنها خبيرة تداول في الأسهم “الحلال”.
جذب مقطع الفيديو أكثر من 131 ألف مشاهدة ومئات التفاعلات، وحسب أرشيف منصة فيسبوك للإعلانات، فإن مقطع الفيديو هذا ليس الوحيد، بل يوجد مقطعان آخران بنفس المضمون، وتم حصر نطاق عرض الإعلان في المغرب، كما حصدت الفيديوهات تعليقات لمستخدمين يستفسرون عن تفاصيل الاستفادة من المساعدة المالية.
في البداية تعرض الشابة المفترضة نسخة من اتفاقية تزعم أنها شراكة بين مؤسسة الخدمات المالية والاستثمار الأمريكية “مورغان ستانلي”، وذلك دون الإشارة إلى الطرف الثاني في الاتفاقية، باستثناء شعار المؤسسات الحكومية المغربية وختم لوزارة العدل – قسم القضاة، حيث تنص الاتفاقية المزعومة على أن يقدم المستخدم مبلغ 500 درهم كحد أدنى.
وتضيف الشابة عبر قناة التليجرام، بأنه مقابل إيداع مبلغ 500 درهم يمكن الحصول على ما بين 20 و30 ألف درهم خلال أقل من 5 ساعات.
بعد التدقيق في نص “الاتفاقية” يتبين بأنها مفبركة، بداية من الأخطاء الإملائية وعدم اكتمال بعض الجمل، بالإضافة إلى التناقض بين موضوع “الاتفاقية” والأطراف المخول لها التوقيع على مثل هذه الاتفاقيات، حيث لا تدخل ضمن اختصاصات وزارة العدل عموما، وقسم القضاة بشكل خاص.
وعند تحليل محتوى الفيديو الترويجي والتسجيلات الصوتية في قناة التليجرام، يظهر بأنه إنشاؤها عن طريق التزييف العميق (Deep Fakes) باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.
التزييف العميق .. خطر الاحتيال القادم
حسب تقرير لموقع Cyber Security Intelligence المتخصص في الأمن السيبراني، فإن تقنية التزييف العميق (Deepfakes)، تستخدم بشكل متزايد في الهجمات الإلكترونية، مع تحول تهديد هذه التقنية من مجرد أضرار افتراضية إلى أضرار واقعية.
ويعتمد التزييف العميق على إنشاء محتويات رقمية، على شكل فيديوهات وصور وصوتيات، تبدو واقعية لأحداث لم تقع، وذلك بغرض إقناع الضحايا بحقيقة الادعاءات.
وحسب التقرير، فإنه بعد جائحة كورونا، ومع ارتفاع عدد مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي وتطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، فإن استخدام التزييف العميق أضحى اليوم يشكل تهديدا متصاعدا يواجهه العالم، من خلال توسع إمكانية استغلاله في الاحتيال.