عادل آيت واعزيز
يقطن محمد بدوار وكينخت، وهو يبعد كيلومترين عن دوار تاوينخت بمنطقة تازناخت في إقليم ورزازات، حيث خلفت السيول خسائر كثيرة، ويقول في حديثه لمنصة هوامش: ”الأضرار التي ترونها في تاوينخت، لا تقل عن الأضرار التي لحقت بنا”. ويضيف قائلا:’ “أتعقب أنابيب التنقيط الخاصة بي، والتي جرفتها السيول لكني لم أجدها”، بالإضافة إلى هذه الأنابيب، لازال أمل محمد متواصلا في العثور على أسلاك الكهرباء التي تشغل مضخة المياه، والتي يصل طولها إلى 70 مترا.
على طول ضفتي الوادي تمتد قبيلة ”أوحميدي” بجماعة ويسلسات والتي تنقسم لمنطقتين، هما أوحميدي الغربية وتضم دواوير: تاوينخت، وكينخت، وينتجكال، تكراكرا و أوكريد،. ثم أوحميدي الشرقية التي تشمل دواوير كـ: الزاويت، أمزر، أيت عيسى، أيت امرابط، تالات وتاستيفت.
وفي وادي دوار تاوينخت، تتكوم جذوع النخل بعد أن جرفتها السيول، وتميل أخرى على بعضها محملة بما تبقى من غلة التمر التي لا مجال لجنيها الآن، هذا ما يعتبره سكان هذه المنطقة “كارثة”. إنهم ينظرون بحسرة إلى ضياع محصول سنة كاملة، كما يتأملون باستسلام مساحات كبيرة من النخيل جرفتها المياه والتي يحتاج تعويضها سنوات من الكد والعمل والصبر.
على بعد 26 كيلومترا من مدينة تازناخت، في اتجاه منجم بوازار، يقع دوار تاوينخت الذي ينتمي إلى الجماعة الترابية وسلسات، إقليم ورزازات. مناخ الدوار ومناخ المنطقة كلها حار وجاف صيفا، وبارد في الشتاء.
وتظل إمكانية الوصول إلى المنطقة في أي وقت، أمرًا صعبا وأحيانا مستحيلا، فوتنا فرصة انعقاد السوق الأسبوعية الذي تنشط خلالها سيارات النقل الجماعي، لذلك لم نجد وسيلة تقلنا إلى تاوينخت سوى دراجة نارية.
العبور من منعرجات تاݣرݣوست، يحتاج إلى كثير من الحذر، الصخور تتساقط وتنهار من أعلى الجبال بين الفينة والأخرى، بسبب الظروف المناخية، وفي المنحدرات يجب الحذر أكثر، يحتاج الأمر مرونة وخبرة بهذه المنعرجات، فعند كل منعرج، تنعدم رؤية وسائل النقل الآتية من الاتجاه المعاكس، بينما تنحدر بنا الدراجة في منعطفات حلزونية.
بعد “الهبوط” من هذه المنعرجات، تمتد الطريق أمامنا مباشرة، وتشتد الرياح أكثر، انعطفنا يمينا نحو دواوير: وينتجݣال، وݣينخت، تاوينخت، أوݣريد ثم تاݣراݣرا. من هناك ظهرت صعوبات أخرى، فالدراجة النارية كانت تهتز بشكل مقلق على الطريق غير المعبدة، والرؤية غير واضحة بسبب الغبار الذي يحيط بنا، وأحيانا يتطاير الحصى مع كل عملية تجاوز. ولشدة ضيق الطريق، حين تتقابل سيارتان يكون لزاما على أحد السائقين التنازل والانعطاف لإفساح المجال للآخر.
وسط الجبال يتكئ دوار تاوينخت على واحات واسعة من النخيل، وتنسدل أسفله واحة تشكل مصدر قوت أغلب سكانه، وملاذا لأعمالهم اليومية الفلاحية، ويعتمدون عليها في إنتاج التمور والخشب والسماد. لكن في يوم 7 شتنبر الجاري، أفقد تدفق الواد العنيف دوار تاوينخت ما كان يميزه، بعد أن جرفت السيول أكثر من نصف معدات الواحة ونخيلها.
توقعت ساكنة الدوار، هطول الأمطار، كما توقعتها باقي المناطق المتضررة بعد النشرة الإنذارية التي بثها التلفزيون الرسمي، لكن أن تكون محملة بكل هذه السيول، فهذا الذي لم يكن قد توقعه أحد، حيث ابتلعت المياه الهادرة النخيل و كل ما وجدته في طريقها.
وعلى مقربة من واد بيمزيلن، أحد روافد واد أوحميدي، انتشرت نساء تاوينخت بين أكوام جذوع النخل وما حمله النهر، يلتقطن الأعواد وما يصلح لأن يكون حطبا لفصل الشتاء، نشاهد إحداهن تشد حزمة الأخشاب، تُحكِم ربطها بقدمها ويديها ثم تلقيها على ظهرها. تقول لنا المرأة الخمسينية وهي تمسك غنيمتها بشدة: ”ما فعلته السيول لم يكن يخطر على بالنا، الواحة كلها اختفت ولأننا مقبلون على فصل الشتاء، فإننا نبحث عما قد نستفيد منه، كالحطب وأغصان الشجر وجذوع النخيل التي اجتتثها السيول”.
تلوح الواحة من المرتفعات في صورة باهتة. تنتشر نسوة في الوادي يجمعن الحطب، كل واحدة تكوّم ما يكفيها. هذا كل ما تبقى لهن من أمل. أما إعادة الحياة إلى هذه الأرض، فستحتاج سنوات طويلة، كما يؤكد لنا بن علا محمد، سبعيني من المنطقة، وهو يرفع يديه إلى السماء استسلاماً: “إن الله على كل شيء قدير”.
يقول بن علا في حديثه لهوامش: ”إن ما تركه الأجداد للأحفاد قد ذهب سدى، عُمر هذه الواحة يفوق المائتي سنة، نطالب الجهات المختصة أن تتدخل لإيجاد حل لأضرار هذه الكارثة، الآلاف من أشجار النخيل اجتثها السيل، ومجموعة من الآبار طمرها الواد، بمحركاتها و أنابيبها”.
قبل أن تكون هذه الواحة موردا اقتصاديا، فهي تحتفظ بإرث المنطقة، وتشكل ذاكرة تاريخية لأجيال تاوينخت، هذا ما أكده لنا عبد العاطي أيت أحمد، وهو عضو جمعية تاوينخت للتنمية في حديثه لمنصة هوامش: “الواحة التي كانت تحمل تاريخ تاوينخت كله، صارت في خبر كان، آلاف من أشجار النخيل اقتلعتها السيول”.
ويوضح محدثنا حجم المصيبة التي ألمت بالساكنة قائلا: ”أغلب الأسر تعيش على هذا النخيل، أما الآن فقد ضاع عام من العمل، لأننا في موسم جني التمور”.
ولم ينس عبد العاطي أن يطالب “المسؤولين بالالتفات لهذه الواحة، و لواحات أوحميدي عموما، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه”، مضيفا “على الأقل يجب إنشاء حواجز إسمنتية على ضفتي الوادي كما نطالب السلطات المحلية أن تقوم بمعاينة هذه الأضرار، والتي منها أيضا هذه البئر التي تعود للقبيلة، فهي مصدر سقي هذه الواحة، وقد طمرت كليا في هذه السيول”.
”إدَّ كُولّو مايْلان” وتعني “ضاع كل شيء”، يقول لنا عبد الله، هذا الرجل الثمانيني يرصد بعين متأسفة ما لحق الواحة من أضرار، ويضيف: “كنت أعبر الوادي إلى الضفة الأخرى بكل سهولة، وبكل فرح، أما الآن فلم تعد لدي رغبة، وحتى إن فعلت، فسأكتفي فقط بالعبور، بدل الاستمتاع بنخيل الواحة الكثيف، إنه إرث تاريخي، وهو أكبر مني سنا بكثير”.
ليس الشيخ وحده من يندب حظه العاثر، بل حتى شباب الدوار، عبد الرحمان أبو القاسم، الذي طمرت سيول الوادي البئر الخاصة بعائلته، وحولتها إلى رقعة مسطحة، يقول لنا :” زعزع هذا الفيضان كياننا في الدوار، وتلقينا منه صفعة مريرة، ورغم ذلك لا يمكن أن نبقى مكتوفي الأيدي، وننظر لتاريخ منطقتنا تأخذه السيول الجارفة، كل معيشتنا ورزقنا وماضينا ومستقبلنا رهين بتلبية الجهات المختصة لمطالبنا بإعادة إحياء الواحة من جديد.”
بعد جرد خسائره، أرسل الحسن أبو القاسم تقريرا إلى مدير المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي بورزازات، يوم 9 شتنبر الجاري، تضمن الأضرار التي ألحقتها الفيضانات بممتلكاته، مطالبا بحل سريع يستدعي تزويده بمضخة تعمل بالطاقة الشمسية، وتقديم المساعدة لحفر البئر، وبناء حائط واق للمحافظة على ما تبقى من النخيل.
الجرف لم يطَل النخل وحده، بل حتى أعمدة الكهرباء الخشبية لم تسلم من وطأة الرياح والسيول، عاينا في جولتنا عددا من الأعمدة وقد اقتلعت، مما تسبب في انقطاع الكهرباء لساعات. وعلى ضفتي الوادي يمكن مشاهدة جريد النخل متشابكا مع أسلاك الكهرباء، بينما يبذل بعض الشبان قصارى جهدهم لفك الأسلاك، ربما يمكنهم إعادة استخدامها.
لم تكن ساكنة أوحميدي تتوقع هطول مثل هذه السيول الغزيرة خلال فترة الجفاف التي تمر بها المنطقة. وعندما هطلت الأمطار أخيراً، كانت شدتها مدمرة، فأتت على كل شيء في طريقها.
الفاعل المدني بواحة أوحميدي كمال جغاو، يوضح في حديثه لمنصة هوامش طبيعة الأضرار التي خلفتها السيول: ”شهدت منطقة أوحميدي يوم السبت المنصرم فيضانا مع حمولة قياسية لواد أوحميدي، خلف مجموعة من الأضرار من بينها دمار شبكة الكهرباء والماء الصالح للشرب، ببعض الدواوير من بينها: تاوينخت، وينتجكال وكذلك دوار أمزر”.
ويضيف إلى جانب هذه الأضرار: ”حطمت الرياح مجموعة من الأعمدة الكهربائية في الدواوير الثلاثة، وجرّفت السيول الواحات والنخيل والتربة بشكل كبير، أما السواقي والخطارات فقد غمرتها الرمال والأوحال”.
وفيما يتعلق بمدى استجابة السلطات المحلية لنداء الاستغاثة، يقول كمال جغاو: ”إننا نستحسن كساكنة، تدخل رجال الدرك والسلطة المحلية بشكل إيجابي، في الساعات الأولى من بداية الكارثة وبعدها، من أجل تمكين السكان من الماء، ومن أجل إصلاح شبكة الكهرباء بالتنسيق بين الإدارات المختصة”، مضيفا: ”كما أن جماعة وسلسات تدخلت من أجل إصلاح المسالك الطرقية المؤدي إلى واحة أوحميدي الغربية”.
بعد ما حل بالمنطقة هناك إمكانية لتعويض المتضررين، لكن الأمر مرهون بقرار من رئيس الحكومة، كما أوضح لنا الفاعل المدني: “الحصول على تعويض يشترط إصدار رئيس الحكومة لقرار إعلان ما وقع في منطقة ووادي أوحميدي “كارثة طبيعية”، داخل أجل ثلاثة أشهر، وهذا الذي لم يحصل بعد، الأمر الذي يبعد إمكانية الحصول على التعويضات”.
ويستدرك جغاو: “أغلب السكان بالأساس لا يكترثون لمسألة المطالبة بالتعويضات، بقدر ما يهمهم تدخل الدولة بمختلف مصالحها، من أجل إصلاح بعض الأضرار، وإنشاء حواجز وقائية من الفيضانات لحماية الواحة والمنازل القريبة من الوادي، إضافة إلى إصلاح المسالك الطرقية التي تعرضت لأضرار متوسطة”.
وأكد كمال جغاو في حديثه لمنصة هوامش:”على المصالح المختصة أن تفكر في إنشاء سدود تلية في المنطقة، باعتبارها منطقة صحراوية، تشهد جفافا طويلا، كما أن النخيل يصل أحيانا لدرجة الموت، بالإضافة إلى أن وادي أوحميدي يجلب حمولة مهمة من المياه، ولكنها تضيع، حيث تمر هذه الكمية المائية من واد درعة، ثم تصب مباشرة في البحر”.
ليس دوار تاوينخت وحده المتضرر من السيول الجارفة، بل حتى الدواوير المجاورة له لم تسلم من شدة الأمطار والعواصف الرعدية، كأمزر ووكينخت ووينجكال. كل دوار وطابعه المميز، كما لكل واحد آفته الخاصة، والمشترك الوحيد بينهم، أنهم جميعا ينتمون للهامش.
وتجدر الإشارة إلى أن القانون المتعلق بإحداث نظام عواقب الوقائع الكارثية رقم 110.14، يحدد شروط التعويض أو المساعدة، في مثل هذه الكوارث الطبيعية، في ضرورة توفر عنصر الفجائية، أو عدم إمكانية التوقع، كما أحدث القانون عددا من آليات الحكامة، منها لجنة “تتبع الوقائع الكارثية”، التي تتولى مهمة تتبع تنفيذ نظام عواقب الوقائع الكارثية، ويعهد إليها جمع كل المعلومات لدى الإدارات ومصالح الدولة أو الجماعات الترابية أو أي هيئة أخرى، وتبدي هذه اللجنة رأيها للحكومة، بشأن الطابع الكارثي للواقعة المعروضة على أنظارها، ومساعدة صندوق التضامن ضد الوقائع الكارثية في تقييم الأضرار اللاحقة بضحايا الواقعة